ما أن تفتحت عيون البشرية على أول يوم من أيام عامنا الجديد 2011م حتى تشاهد وتسمع أحداثاً كارثية ومتغيرات سياسية هزت العالم.. فاليابان مثلاً كانت من أبرز الدول الأسيوية التي نالت حظاً وافراً من سخط وغضب الطبيعة فأهدتها لعنة من الزلازل القوية والتي دمرت مدنها وسطحت بنيتها التحتية فعادت إلى الوراء بعشرين سنة وكبدتها خسائر بشرية وخسائر مادية بالمليارات.. ولم تشبع الزلازل مما أحدثته من مآسٍ بل أنها أحدثت أضراراً خطيرة في المفاعل النووي الياباني وجعلته يقترب إلى نفس درجة الخطورة التي وصل إليها مفاعل “تشرنوبل” الأوكراني. وأما الأحداث السياسية الساخنة فقد نال العالم العربي نصيب الأسد منها فكانت البداية في تونس الخضراء والتي ظل الصمت المغلوب على أمره دالفاً في جميع بيوتاتها طيلة أيام عام 2010م ولكن ما أن طل عام 2011م وإذا بالشاب محمد بو عزيزي يُقدم على إحراق جسده احتجاجاً على تردي وضعه المعيشي وذلك بعدما تيقن من تكسر أمله في الحصول على وظيفة تناسب مؤهله الجامعي.. فكانت حارته “بوعزيزي” إعلاناً ببداية فصل ربيعي جديد قلب فيما بعد الحياة السياسية في تونس رأساً على عقب فكانت هذه الحادثة الشرارة الأولى التي رسمت أولى ملامح الغضب الشعبي فخرجت مظاهرت تندد بحادثة “بوعزيزي” وطالبت النظام بالإصلاح السياسي ومعالجة ظاهرتي الفقر والبطالة ولكن النظام قابلها بالعنف القمعي والذي زاد من تعاظم المظاهرات وتحولها إلى ثورة شعبية جامحة عملت على الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.. وما إن انتهت ثورة الياسمين التونسية لتبدأ بعدها الثورة المصرية والتي هي الأخرى عملت على الإطاحة بنظام حسني مبارك وعدوى هاتين الثورتين انتقلتا إلى بعض الدول العربية. وفي خضم هذه المتغيرات السياسية والتي طغى عليها الطابع الثوري قد تخللتها أحداث سياسية أخرى جانبية منها مقتل زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” وفي إحدى المدن الباكستانية وقد تكفلت بهذه المهمة فرقة أمريكية هي جزء من القوة العسكرية الأمريكية المتواجدة في أفغانستان.. وطبعاً هذا الحدث التي تناقلته معظم شبكات التلفزة العالمية جاء ليدعم الرئيس الأمريكي باراك أوباما ويسانده بقوة في حال ترشحه للمرة الثانية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. ولكن هناك حدث سياسي لايقل أهمية عن الأحداث المذكورة آنفاً وسأتحدث عنه بإسهاب كونه حدثاً مرتبطاً بقضية ولدت على الأرض العربية في عام 1948م.. والحدث هو المصالحة الفلسطينية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس وتحت رعاية مصرية.. وتكمن أهمية هذه المصالحة في أنها أعادت من جديد ترتيب البيت العربي الفلسطيني بعدما ظل يعاني ولعدة سنوات من الكركبة السياسية ومايميز هذه المصالحة هو أنها كانت نتيجة إيجابية طالبت بها مظاهرات فلسطينية والتي واكبت المظاهرات التي حصلت في بعض الدول العربية ولكن مضمونها جاء مغايراً تماماً وهذا المضمون المتغاير جاء واضحاً في توحد شعارها “الشعب يريد إنهاء الانقسام”. وطبعاً المصالحة الفلسطينية سببت انزعاجاً شديداً لحكومة إسرائيل والتي طالبت السلطة الفلسطينية بوضع إشارة واضحة على أحد المربعين، إما اختيار مربع العلاقة مع إسرائيل أو مربع العلاقة مع عدوتها اللدود حركة حماس وهددتها بأن وضع الإشارة على المربع الثاني سيكون له عواقب وخيمة أبرزها الإغلاق النهائي لباب المفاوضات وفتح باب البناء المفرط للمستوطنات وهذا الإجراء لامعنى له سوى إلغاء مشروع قيام الدولة الفلسطينية ومن المعروف أن إسرائيل تكره “حماس” كرهاً عدائياً شديداً وليس بسبب أن “حماس” هي من تقف وراء إسقاط صواريخ هزيلة على المستوطنات بل بسبب تمسكها حتى وهي على قائمة السلطة الفلسطينية الحاكمة بمبدأ عدم الاعتراف بسيادة الدولة اليهودية مما جعل إسرائيل تشن حرباً إعلامية شعواء على حركة حماس واستطاعت من خلالها إقناع دول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص في أن حماس حركة إرهابية وأعتقد أن إعطاء إسرائيل ضمانات دولية بأن المصالحة الفلسطينية لن تشكل خطورة على أمنها واستقرارها قد يجبر إسرائيل على التراجع عن تهديداتها وإلغاء الامتحان الاختياري الذي فرضته على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وكذا غض بصرها على المصالحة الفلسطينية لذا أرى أنه يجب على “حماس” استغلال فرصة أجواء المصالحة مع “فتح” وإبداء استعدادها في الامتزاج الكلي مع قادة السلطة الفلسطينية والالتزام بمنهجها السياسي خاصة فيما يتعلق في مجال التفاوض السلمي مع إسرائيل وضرورة تفادي وقوع نزاعات داخلية قد تؤدي إلى إعادة حدوث سيناريو “انشقاق دامٍ” في البيت العربي الفلسطيني ويجب أيضاً على “حماس” الاكتفاء باستخدام كل ما تمتلكه من قوى سياسية في مقارعة إسرائيل، على أن تكون إدارة مشتركة فيما بين “حماس” و«فتح» وتجنب قدر الإمكان من ارتكاب أعمال عدائية مستفزة لإسرائيل وذلك تجنباً لحدوث مصادمات غير متساوية في ميازين القوى.. فالتقيد بهذه الالتزامات ربما قد يؤدي تدريجياً إلى شطب “حماس” من قائمة الحركات الإرهابية في العالم.. كما أن تغير مضمون المنحى السياسي “لحماس” من مواجهات تصادمية مع إسرائيل إلى مواجهات حوارية سلمية وتدعمها تلك العلاقات الجيدة والتي شكلتها السلطة الفلسطينية مع دول العالم وخاصة الدول الأوروبية قد تحسن من الصورة السياسية لحركة حماس ومن ثم الاعتراف بشرعية اقتسامها السلطة مع حركة فتح وصولاً إلى اعتراف دولي بدولة فلسطين وقيامها على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشريف.. وبالمقابل فإنه يجب أيضاً على قيادة السلطة الفلسطينية إغلاق باب النقاش مع قادة “حماس” حول مسألة “الاعتراف بالدولة اليهودية” ككيان له سيادة وعدم نبش أوراقها من جديد حتى لا تستغلها إسرائيل مرة أخرى وتستخدمها كورقة رابحة قد تدك بها البيت الفلسطيني دكاً دكا.. هذا البيت العربي الذي تم إعادة ترميمه بعدما كاد أن يتعرض للانهيار الكلي.. وأتمنى أن لا تكون هذه النهاية ضمن أجندة عامنا الحالي 2011م والذي فاجأ البشرية بأحداث ساخنة جداً وتميز بها عن بقية الأعوام السابقة.