الحديث عن قلعة القاهرة بمحافظة حجة يطغى على أحاديث أخرى في الشارع ومجالس القات في المدينة نتيجة قلق ويستحوذ على نسبة أعلى من نقاشات يثيرها الحاضرون من بين قضايا عديدة..وربما هو الحديث الوحيد الذي يجتمعون فيه ولايختلفون،عنوان حديثهم «القلعة مهددة بالسقوط» وتشققات الصخور التي تقع عليها القلعة تقلقهم أكثر..وقالوا أنهم يخشون مأساة «الظفير» مرة ثانية اتجاه.. وأنت تجول كزائر وسط مدينة حجة تتراءى قلعة القاهرة شامخة بعلو وكبرياء على ربوة جبل يتوسط المدينة كأنها فارس يترجل حصانه.. ستشعر أن ثمة مايثير إحساسك بالشوق أكثر لزيارتها. فهي إحدى الأمكنة التي شكلت منعطفات عدة في تاريخ اليمن وكانت المصدر المكاني الذي صدرت منه حكايات وتفاصيل أحداث تاريخية فضلاً عن سيناريوهات وقصص حبكت تفاصيلها هنا..تدفعك خطواتك بالاتجاه إلى أعلى صاعداً الهوينا على سلالم مدرج أرضي مرصوف بالأحجار..تتبادر إلى ذهنك أسئلة كثيرة وترتسم في مخيلتك صور عديدة.. لوم.. عندما تطأ قدماك ساحة القلعة بعد أن تدلف بوابتها حتماً ستتغير مشاعرك وأنت تشاهد تلك المآثر في القلعة في قمة الإهمال.. قد تنتابك حالات نفسية تتأرجح مابين الإندهاش والإعجاب بمعالمها تارة وتارة أخرى يلازمك الخوف والحزن على معالم تنذر اليوم بكارثة السقوط المرتقبة.. وربما يوافقني الزائر للقلعة بوصفها بأن «حالها لايسر ووضعها مخيف للغاية». خلاصة حديثك ستكون مختزلة بمفردات «اللوم والعتب» على مسئولين ربما أنهم لايأبهون لحال القلعة. أهم المعالم التاريخية وتعد قلعة القاهرة من أهم المعالم التاريخية في المحافظة وأحد الحصون المنيعة والمشهورة في اليمن،عرفت بحصن الظهرين منذ القرن الحادي عشر الميلادي وظل ذكره يتردد ضمن حصون حجة والمخلاف في كثير من الأحداث والوقائع التي أسهمت في صنع تاريخ اليمني الإسلامي والحديث.. وقد نزل إلى حصن القلعة قادة العمل التحرري في الاربعينيات والخمسينيات في القرن الماضي أمثال المشير/عبدالله السلال أول رئيس جمهوري والقاضي عبدالرحمن الأرياني ثاني رئيس جمهوري بعد الثورة بالإضافة إلى كثير من الأدباء والمفكرين الذين عارضوا الحكم الإمامي.. وللقلعة ارتباط وثيق بتاريخ الثورة اليمنية حيث حوّلها الأئمة إلى سجن للأحرار والثوار اليمنيين وساحة لإعدامهم منذ ثورة 48م. تاريخ بناء القلعة تُرجح المعلومات التاريخية تاريخ بناء القلعة إلى القرن الثاني الهجري وازدهرت في عهد القرامطة ومن ثم توالت عليها الدويلات اليمنية منذ العهد الصليحي.. وبنيت على صخرة في أعلى قمة جبل القاهرة ولعبت القلعة دوراً كبيراً في تاريخ المنطقة وهي عبارة عن حصن منيع ودفاعي في الوقت نفسه وكانت الدويلات اليمنية القديمة تتخذ من الحصن موقعها العسكري والاستراتيجي للسيطرة على المدينة وفرض قوتها ونفوذها في المنطقة.. وقد عاصرت أحداثاً وصراعات عديدة كان آخرها ثورة 26سبتمبر 1962م حيث حولها الأئمة إلى سجن سياسي لكبار الثوار والأحرار اليمنيين في الوطن. وكان الأتراك خلال فترة احتلالهم لليمن قد استحدثوا فيها بعض المرافق مثل أبراج الحراسة ومبنى «الشونة» بالإضافة إلى السور،كما شهدت بعض الترميمات في عهد الأئمة إبان فترة حكمهم لليمن. الشونة وهو عبارة عن مكان أسفل بوابة الحصن الداخلية ويقدر طوله15متراً تقريباً وعرضه (5) أمتار وتم بناؤه وفق طراز معماري جميل كان مسقوفاً بالأحجار وعلى شكل عقود مترابطة مازالت قائمة حتى اليوم وبشكل هندسي غاية في الروعة..وكانت «الشونة» عبارة عن مكان خاص باستقبال «الحبوب» التي تصل إلى مخازن الدولة من مناطق تهامة وغيرها من المناطق المجاورة وفيها يتم تجهيز الحبوب ويتم تحويلها فيما بعد الحصر إلى عملية الخزن في المدافن..ومن هنا كانت تصرف الحبوب للمحتاجين من الرعية وكحوالات من الإمام. المدافن وبجوار «الشونة» خمسة مدافن تحت سطح الأرض وهي ذات سعة كبيرة أنشئت بطريقة فنية هندسية وبعمق يصل بحدود خمسة أمتار وعرض أقل من ذلك تقريباً تم بناؤها بإحكام..وفي كل مدفن مجموعة من العقود تتفاوت مابين «456»عقود مقوسة وتم رص أسقفها بأحجار خاصة بذلك وجدرانها مبنية بالياجور والقضاض ولكل مدفن مدخل صغير من على السقف ويغلق بإحكام..ويتسع المدفن الواحد لحوالي 5080ألف قدح،وكل مدفن مخصص لخزن نوع معين من الحبوب مثل الذرة والدخن وغيرها بالإضافة إلى محصول البن. عبث تلك المآثر تدهشك وأنت تشاهدها أول مرة ومن النادر أن تشاهد مثلها في مكان آخر.. لكن الشيء الذي كان يؤلمنا أكثر ونحن ننظر بتمعن لنمط الفن الهندسي لتلك المدافن تعرض أحدها للعبث في ساحة المدخل وفتحته المؤدية إلى الداخل اتسعت أكثر كما هو موضح في الصورة التي التقطناها وطاله الإهمال حتى أن أكواماً من نفايات القمامة ترمى فيه.. وكأن المنفعة من وجود هذا المدفن اليوم هو كمقلب أو برميل للقمامة وليس كمعلم شاهد على مآثر الحضارة اليمنية أو كفن أبدع أجدادنا قديماً في اتقان بنائه. أبراج الحراسة على سور القلعة الخارجية خمسة أبراج خاصة بالحراسة ومراقبة أي اعتداء أو تسلل يستهدف الحاكم وحاشيته في القلعة وفي السور الداخلي أيضاً هناك خمسة أبراج حراسة وضعت كإجراءات احترازية تعزز مهام الأبراج الخارجية وجميعها موزعة على مختلف الجهات. السور وتتكون القلعة من سور ضخم ودائري الشكل ارتفاعه بين 710 أمتار تقريباً جدرانه سميكة مشيدة بأحجار صلبة مهندمة ومصقولة.تسنده أبراج دفاعية مستديرة بارزة إلى الخارج ومرتفعة من جدار السور وهي من طابقين إلى ثلاثة طوابق وتتخلل جدار السور فتحات صغيرة للمراقبة ومزاغل للرماية ومتاريس للدفاع عن القلعة. المدخل الرئيسي وفي الجهة الغربية للقلعة يوجد المدخل الرئيسي وهو مدخل معقود عليه باب خشبي كبير تتوسطه فتحة صغيرة تسمى «فرخ» يفتح على ممر يؤدي إلى ساحة واسعة ومكشوفة ..وعلى الباب من واجهته الأمامية عبارتين منقوشة الأولى: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق ،الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين» لايستطيع أحد قراءتها للتو إلا بعد التمعن في شكليات الخط المنقوش.. أما العبارة الأخرى وهي:«وأصمم وأبكم ،ثم عمروا وعدنا،وآخرهم ياذا الجلال ،بحوم تمت». وربما أن ذلك قد تم على الطريقة العثمانية أثناء احتلالها لمدينة حجة حيث تأثر فن النجارة في اليمن بالنمط التركي. وأنت تدلف باب القلعة تجد غرفتين على جنبات الممر المؤدي من البوابة إلى الساحة ويحكى أن تلك الغرفتين كانتا خاصة بالرهائن. ساحة الحصن وفي ساحة القلعة ثمة عدد من المرافق منها المخازن«المدافن» وأبراج المراقبة والحراسة الملاصقة لجدار السور من الداخل إضافة إلى مبنى الدار«القصر» والذي يحتل جزءاً من الساحة ويتكون من أربعة طوابق عندما تقصد بلوغ السطح الأعلى للقصر تمر بمدرج يفصل بين كل طابق عن الآخر 12درجة وكل طابق مكون من غرفتين وحمام وصالة وفي الدور الأخير والذي كان يعد استراحة خاصة بأعلى الرتب ويميز بعلو سقفه عن الآخرين.. وثمة نوافذ صغيرة وضعت على جدران القصر وهي خاصة بالمراقبة ومازال القصر قائماً وبأسقفه الخشبية والمغطاة بالجص والقضاض إلا أن ثمة كثيراً من التشققات بدت ظاهرة بوضوح وتوحي بالسقوط المفاجئ نظراً لبروز تشققات أخرى في جدار القصر وميول الأحجار التي تركت أشراخاً أو فراغات خرجت عن ترابطها. وإلى جوار الدار هناك مرافق أخرى وهي المجامع وبرك ومواجل الماء المحفورة والمنقورة في ساحة القلعة وتتسع لخزن كمية كبيرة من المياه ،تغذيها الأمطار. أسف المهتمين ويأسف كثير من المهتمين بالتاريخ والسياحة وكذلك نحن تعرض كثيراً من المعالم الأثرية في القلعة للإهمال.. ويرى المرتادون للقلعة وزوارها أن حال القلعة اليوم يعد نموذجاً من الإهمال الذي طال كثيراً من المواقع الأثرية والتاريخية في بلادنا. كارثة مرتقبة ويشير د.محمد الشرفي أستاذ التاريخ بكلية التربية حجة إلى أن القلعة تعرضت على مر السنين لبعض التشققات..باعتباره عضواً في المجلس المحلي بمدينة حجة حيث قال: إن تدخل المجلس المحلي في مسألة ترميم القلعة لايكفي في إشارة منه إلى أن الإيرادات التي يتحصل عليها المجلس لاتفي بعملية الترميم.. ويؤكد الشرفي أن ثمة خطوات من قبل الهيئة العامة للآثار ومنظمات دولية لها اهتمام بالآثار بدأت خطوات أولى لكن كيف ؟! ويجيب على تساؤله ..أنا كنت مرافقاً للجنة الخاصة التي قامت بدراسة كيفية الترميم للقلعة قبل حوالي أربع سنوات.. وشملت الدراسة إلى جانب قلعة القاهرة حصن كحلان وحجة على أساس أن تشمل بقية الحصون..وماذا كانت النتيجة؟! قال:«أدري ماالذي حصل..؟! وزير الثقافة السابق خالد الرويشان زار القلعة في تلك الفترة ومعه مهندسون معماريون قيل أنهم خبراء في فن العمارة وتم الاتفاق على أن تبدأ عملية الترميم بعد أسبوع من زيارتهم.. وماالذي حدث بعد؟!قال:«لاندري ماالذي حصل..؟!» وبتأوه..عادة مايطلقه المختصون بالتاريخ حينما يشاهدون أو يتحدثون عن الآثار والتاريخ.. قال: نحن منتظرون التدخل السريع لإنقاذ القلعة..وفعلاً لقد طرقت جانباً مهماً في زيارتك هذه لمحافظة حجة..وأضاف:إذا لم نتدارك وضع القلعة سواء من الناحية الأثرية السياحية أو من الناحية البيئىة لأن تحت القلعة مساكن كثيرة ولو سمح الله وسقطت ستؤدي إلى كارثة كبيرة.. القلعة في خطر ويؤكد محمد عبده عثمان مدير الآثار بالمحافظة ما طرحه .د.محمد الشرفي وقال: أن القلعة تأثرت بفعل التقادم الزمني والاستغلال غير المناسب مشيراً الى أن القلعة أضحت في خطر.. وهناك جهود تبذل حالياً من قبل قيادة المحافظة والمجلس المحلي ومكتب الآثار والمتاحف بالمحافظة لإنقاذ القلعة ومحاولة الشروع في ترميمها وصيانتها وإعدادها وتأهيلها لتصبح مزاراً سياحياً ومتحفاً نموذجياً يليق بمكانة القلعة ودورها في تاريخ المحافظة وتراثها العريق وهو مانطمح لرؤيته عما قريب.. آمال تبخرت ويقول محمد ردمان رئيس تحرير صحيفة القاهرة الصادرة في محافظة حجة: لم يكن يتوقع الكثير من المراقبين لزيارة وزير الثقافة السابق إلى مدينة حجة بأن تكون مثلاً مثل زيارة أي مواطن عادي يريد التعرف على معالم المدينة فقط..فقد كان الأمل الكبير يلوح أمام الكثير في ترميم وتأهيل تلك القلعة التاريخية والتي طال ظلمها وإهمالها من الترميم،إلا أنه سرعان ما أذابت جذوة الأمل لتتدخل أيادي «العبث» وصفها بالآثمة عملت على تشويه ذلك المعلم عبر قيامها بإدخال مواد بناء حديثة داخل القلعة وغيرت من ملامحها التاريخية. قلق محمد قلفاح من أبناء مدينة حجة قال: «أهم مافي الأمر أن القلعة تشرف على المدينة..والجبل الذي تقبع شامخة عليه تشققت صخوره وهي الآن تهدد حياة السكان القاطنين تحت القلعة دون أن تحرك الجهات المعنية ساكناً أو تتخذ أية اجراءات احترازية لتفادي أية كارثة. يخشى تكرار مأساة الظفير ويرى سلمان محمد أبو هادي: أن الوضع محزن بالنسبة للقلعة ويخشى أن تصبح الكارثة الثانية بعد كارثة الظفير ..وقال نحن الآن في مدينة حجة منتظرين متى ستسقط القلعة على رؤوس أبناء «الحلة والسوائل» كونها على وشك السقوط. الإمكانيات قليلة ويقول الاستاذ/محمد علي الرويشان وكيل محافظة حجة: نحن نتمنى أن يكون هناك شيء من التعاون بين وزارة الثقافة ووزارة السياحة وقيادة المحافظة للقيام بعمل مشترك يهدف إلى تدارك تلك المعالم من السقوط والاندثار ، لأن سقوطها واندثارها يعني ضياعاً لذاكرة شعب ووطن ولابد من تفعيل الدور للحفاظ على تلك المعالم. ويشير وكيل المحافظة إلى أن هناك دراسات لبعض المواقع الأثرية آملاً أن تتكلل بالنجاح وأن تخرج إلى حيز الواقع العملي لما من شأنه القيام بعملية الترميم وصيانة تلك المعالم الأثرية والتاريخية والحفاظ عليها خاصة وأن محافظة حجة تزخر بالكثير منها وذلك ما يتطلب من إمكانيات كبيرة تفوق إمكانيات المحافظة. وكانت شركة التبغ والكبريت الوطنية قد وعدت بالتبرع لصالح ترميم القلعة بمبلغ 30مليون ريال وهناك 10ملايين منها دفعت وهي في حساب رصيد بالبنك.. وللتأكيد نقول أن قلعة القاهرة مدرجة في مشروع يهدف إلى ترميمها وهناك حساب خاص لإعادتها كمتحف وطني للمحافظة وهناك مبالغ مرصودة إلا أنها لاتفي بتنفيذ عملية الترميم بشكل كامل ولاتزال قيادة المحافظة تتابع وزارة الثقافة في سبيل دعم وتنفيذ هذا المشروع.