استثمرت الإدارة الأمريكية موقفها المشجع لدول أوروبا الشرقية على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والمجموعة الأوروبية.. فقد تم استقبال رومانيا وبلغاريا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا في حلف شمال الأطلسي توطئة لانضمامها إلى المجموعة الأوروبية كتحصيل حاصل. جاءت هذه الخطوات بمثابة صفعة مزدوجة لروسيا من جهة، ولكبار الأوروبيين الغربيين وخاصة ألمانيا وفرنسا.. وقد تجلى ذلك في رد الفعل الروسي الذي ألمح إلى الأهداف الحقيقية وراء نقل الوجود العسكري الأمريكي الاستراتيجي إلى عمق أوروبا الشرقية وذلك إثر المبادرة البلغارية بمنح الولايات المتحدة حق استخدام العديد من القواعد في بلغاريا، وعلى ذات الخط تسير رومانيا ولاتفيا واستونيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وليتوانيا مما يمثل قلقاً مستديماً لورثة الامبراطورية السوفيتية وخاصة روسيا الاتحادية. أما ألمانيا وفرنسا فإنهما يشعران بقلق مؤكد تجاه إعادة التوزيع الجغرافي للوجود الأمريكي مما يفقدهم المكانة المركزية في أوروبا التقليدية ويضع خطاً فاصلاً بين القارة العجوز ممثلة بدول غرب أوروبا وبمجموعة الافتياء الجدد والحلفاء المضمونين للولايات من «دول أوروبا الشرقية الخارجة من معطف الأممية الاشتراكية البائدة». استطاعت الإدارة الأمريكية استثمار حاجة هذه الدول الشرق أوروبية إلى الدعم المالي والاستثماري، معيدة تسويق الأمل المنشود باقتصاد حر ومتجدد.. وهي نفس السلعة التي أثبتت تهافتها طوال سنوات الانتقال العسيرة لتلك البلدان.. ولا ندري هل ستتغير الحالة قريباً أم ستظل مجرد حلم من أحلام الجنة الرأسمالية الموعودة. وإلى ذلك نجحت الإدارة الأمريكية في لخبطة المرجعيات التاريخية والدينية الأوروبية، حيث أصبح الأرثوذوكس الرومان يقفون في نفس المربع مع الكاثوليك البولنديين.. فيما يفارق القوميون السلافيون أبناء عمومتهم في روسيا وفي تأكيد جديد على المستقبل الأمريكي لأوروبا الشرقية؛ وهو ما ترفضه أوروبا التاريخية وذاكرتها الأكثر ميلاً لحكمة التوازنات والهدوء في الانتقالات. إن ما جرى يفسر لنا الموقف التحالفي الثابت لبلدان أوروبا الشرقية مع الولايات المتحدة.. لقد نجحت الولايات المتحدة في تأجيج الصراعات البينية المكبوتة بين الأوروبيين، وتأجيج ذاكرة التاريخ السلبي في العلاقات الأوروبية، وفي نفس الوقت أمسكت بورقة خطيرة مداها أن الوئام الأوروبي لا معنى له بدون الولايات المتحدة!.