صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضية بادويلان : القرار السياسي الشجاع المنحاز إلى المرأة أصبح مألوفاً اجتماعياً
عملت في مجال القضاء لمدة «22» عاماً

القاضية أفراح بادويلان الحضرمية الأصل والعدنية النشأة والتعليم والقانونية التأهيل والثقافة واليمنية الانتماء والطموح تعتبر أنموذجاً متميزاً بالتنوع والثراء لتجربة عمل المرأة اليمنية في القضاء سواء من حيث نشاطها المتواصل في المجال القانوني لا سيما ما يتعلق بقضايا الأحداث أو عملها كقاضية ورئيسة محكمة لمدة تزيد عن 22 عامًا وأيضًا لتنوع المجتمعات المحلية التي عملت فيها بدءًا من المجتمع العدني ثم المجتمع الحضرمي في مدينة المكلا وصولاً إلى المجتمع الصنعاني بصفتها رئيسة لمحكمة الأحداث الابتدائية في أمانة العاصمة صنعاء.
وكان أول ما حملناه إلى القاضية بادويلان من بين قائمة الأسئلة..البدايات الأولى لتوجهها نحو القضاء؟
وأجابت بالقول : في الواقع كان والدي مثقفاً ثقافة قانونية ، وأنا دخلت كلية الحقوق واتجهت لدراسة القانون برغبة وقناعة واستعداد من نفسي بحكم قراءتي الكثيرة ونشوئي في بيت يمتلك مكتبة عرضها ستة أمتار ، فنشأت على القراءات الجادة ، وكانت المكتبة تحتوي أمهات الكتب ، وكان والدي يعمل في الجهاز الإداري للقضاء ، ويتمني أن يحتل أحد أولاده منصب قاضي ، فكنت أنا من حقق له أمله ، فحين كنت أدرس في عدن كان يراسلني من حضرموت ،ويبدأ رسائله بعد بسم الله الرحمن الرحيم ( أملي ابنتي أفراح ) ، وربما كان يتمنى والدي أن يكون قاضياً ، لكنه كان من الطبقة الكادحة لم يحصل على فرصة التعليم أيام الاحتلال البريطاني ، أما أنا فكان تعليمي واحداً من ثمار ثورة 14 أكتوبر التي طردت المحتل البريطاني ، فتعلمت وتخرجت وكنت أول قاضية في محافظة حضرموت .
ما هو أول منصب قضائي شغلتيه وكيف تم تعيينكفيه؟
بعد تخرجي كنت قاضي أحوال شخصية ، وكان تعيين القاضي آنذاك يأتي بعملية انتخابية بمقترح من وزير العدل ورئيس المحكمة العليا وبتنسيق مسبق مع أساتذة الجامعة ، وكنت واحدة ممن اقترحت أسماؤهم من الطلاب الذين يتسمون بالقدرة على تسلم القضاء ورفع اسمي إلى مجلس الشعب الأعلى ، وتم انتخابي وتسلمت منصب قاضية الأحوال الشخصية في مدينة المكلا ، ووجدت في حضرموت وبالذات في مدينة المكلا أن 70 % من القضايا الداخلة إلى المحكمة قضايا أحوال شخصية بينما 30 % من القضايا جنائية ، فكنت اضطلع بالقضايا الشخصية بين أربعة قضاة في المحكمة ، أي بسبعين في المائة من القضايا ، وهذا لم يكن شيئاً سيئاً بالنسبة إلي وإنما كان إثراء لتجربتي الشخصية ساعد على نضوجي في وقت قياسي. ثم عملت بعد ذلك مستشارة لوزير العدل والأوقاف لفترة من الزمن ، ثم عينت مرة أخرى قاضية للأحوال المدنية في محكمة التواهي بمدينة عدن ، وعند تأسيس أول محكمة أحداث في اليمن عام 97 عينت قاضية فيها ، وبحكم أنشطتي المتعددة وطبيعة اهتمامي وعملي مع الأحداث تعددت أنشطتي البحثية القانونية والتربوية ، وركزت فيها على قضايا الأحداث ومشكلات الجنوح مما أهلني لاعتباري من قبل مسئولي وزارة العدل كقاضية متميزة ومتخصصة وكانت تجربتي تعتبر الأولى من نوعها في اليمن ، حيث عملت على إخراج محاكم الأحداث من الدور القانوني التقليدي أي الدور التوعوي والتواصل مع الفعاليات الأخرى انطلاقاً من إيماني وفلسفتي في العمل بأن الحدث هم مشترك على مستوى المجتمع وليس هماً قانونياً أو هماً يخص محكمة الأحداث ، وعلى إثر هذه التجربة عينت رئيسة لمحكمة الأحداث في عدن ثم رئيسة لمحكمة الأحداث الابتدائية في صنعاء .
من خلال تجربتك كرئيسة محكمة في عدن وفي حضرموت وفي صنعاء ..ما هي الفوارق بين المجتمعات المحلية الثلاثة من حيث الثقافة والنظرة تجاه المرأة كقاضية من حيث تقبل المجتمع لها أو عدم تقبلها ؟
عملي في محاكم عدن كان أسهل من ناحية التقبل المجتمعي ، وفي حضرموت لا استطيع القول إنه كان هناك صعوبة ؛ لأن الرجل الحضرمي بطبيعته رجل مثقف ويتقبل الجديد ، وهو على تواصل بالثقافات والحضارات الأخرى ، فالمجتمع الحضرمي متميز بالهجرة ، وأقرب إلى الفهم الصحيح للدين ، ولم يكن هناك ممانعة أو رفض ، ولكن كان هناك تحفظ لجوانب ثقافية لدى البعض ، أما في صنعاء حيث أعمل كأول رئيسة محكمة أحداث منذ العام 94 ، أستطيع القول: إن الصعوبة الاجتماعية التي واجهتها في صنعاء ، ما زالت تلعب فيها المؤسسة القبلية دوراً كبيراً ، ولها تأثير في صياغة الحياة الاجتماعية للناس ، ومع أن السلطة ابنة مجتمعها تتأثر وتؤثر وتستمد جذورها من مجتمعها إلا أن تعييني في هذا المنصب كان ثمرة توجه سياسي وفعلاً كان القرار السياسي، الشجاع وراء وجود المرأة القاضية في صنعاء ، حيث لم يكن وجودها مألوفاً .
كيف تعامل معك زملاؤك القضاة في صنعاء بعد أن عينتي رئيسة لمحكمة لأول مرة بينهم ؟
لا شك أن البعض وإن كان عنده وجهة نظر فهو بالتأكيد سيخفيها ، فهو كقاضٍ يعلم أني أتيت بقرار من السلطة ، وبقرار جمهوري وبصفة شرعية ، ولم يعطني أو يهبني أحد هذا الحق ، إنما قيمت أعمالي وأخضعت مثل غيري للتقييم من قبل جهاز التفتيش القضائي ، ولهذا فأي قاضٍ لديه انطباع ما عن المرأة لا يبديه.
وبفضل القرار السياسي فإن الذي واجهته في صنعاء هو تقبل المجتمع رغم أني أقضي في قضايا حدود وهي من القضايا التي ما يزال الفقه الإسلامي يثير جدلاً حول تسلم المرأة للقضايا الحدية ، وأنا أتيت إلى مجتمع يرفض أساساً قضاء المرأة في الجرائم الحدية وغير الحدية ، علماً بأني أقضي في جرائم القتل والاغتصاب وفي الإيذاء المتعمد ، وأحكم في أروش وديات مثل غيري من القضاة الجنائيين، وغالباً ما سمعت أكثر من مرة من البعض داخل المحكمة وهو يقول : ما باقي إلا امرأة تحكمنا !!! ، سمعت هذا من أكثر مواطن داخل قاعة المحكمة.
هل غضبتي ذات مرة وكان لك رد فعل على من يقول مثل هذا الكلام ؟
لم تنتابني ، ولم يتوجب أن تنتابني لحظة غضب ، فأنا قاضية ، والقاضي لا بد أن يكون صدره واسعاً ، ويتوقع كل شيء داخل المحكمة ، والقاضي هو من الكاظمين الغيظ ، والقضية بالنسبة إلي ذات بعدين ، بعد ذاتي أثبت من خلاله اسمي كقاضية ، والبعد الثاني أثبت ذاتي كمواطنة ، وأحافظ على المنجز الوطني وأصبر وإن كنت اقتحمت هذا المجتمع الذي يرفض قضايا مختلفة ، فلا بد من الصبر حتى يأتي غيري ولا يجد المشاكل التي واجهتها أنا.
أشرتي أنك تحكمين في قضايا حدية ، ما هي الاختلافات في تعقيدات هذه القضايا من خلال تجربتك بين صنعاء وعدن وحضرموت ؟
أولاً ، من حيث الإحصائيات أفصل هنا ( أي في صنعاء ) سنوياً في مئات القضايا الحدية ، بينما كنت في عدن أفصل في العشرات من القضايا ، وتمتاز القضايا في صنعاء بحدتها وقسوتها ؛ لأن البيئة الاجتماعية تحمل أسبابها ، وتحمل جينات الجنوح، مثل ذلك حمل السلاح ، وتقبل المجتمع لأن يحمل الطفل السلاح ، ولأن السلاح مرادف لمعنى الرجولة في المجتمع القبلي فإن عندي عدداً كبيراً من جرائم القتل ، والواقع أنه لا يوجد الاستعداد الإجرامي لدى الطفل ، وإنما بسبب تواجد السلاح ، فيصبح الطفل بين يوم وليلة قاتلاً ، ولولا تواجد السلاح لما بلغت جرائم الأطفال حد القتل ، وإنما قد تقتصر على الإيذاء بالأيادي أو بالعصي.
أما في عدن فلا يوجد حمل السلاح ، وهذا له تأثير على نوعية الجريمة ونفسية الناس .
تعقيدات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية إلى أي مدى أثرت في جرائم الأحداث خلال السنوات الأخيرة ؟
المشاكل الاجتماعية ، والتفكك الأسري ، والفقر ، وتعدد الزوجات يعطي مؤشراً غير عادي لمشكلات الجنوح التي هي في ارتفاع ، وإذا قلنا : إن لدينا نصاً قانونياً متقدماً يعطي الحضانة للأم ، ويؤكد على الزوج توفير السكن لها والخدمة والنفقة ، ولكن عندما نأتي للتطبيق العملي فإن الزوجة المطلقة لا تجد السكن الذي يحميها مع أولادها وتجابه برفض أسرتها ، ولذلك مشكلاتنا الاجتماعية لها تأثير في ارتفاع معدلات الجنوح وارتفاع معدلات جريمة المرأة حتى أنه أصبح لدينا نساء شوارع إلى جانب أطفال الشوارع ، وهذا بحاجة إلى تدخل من الدولة لإيوائهن في مساكن وتجمعات سكنية ، وهناك نساء باقيات في السجون لعدم وجود من يتكلف بهن.
ما هي أطرف حادثة وقعت لك مع الرجال وأنت تمارسين القضاء ؟
حينما عملت سنة 84 قاضية في محكمة المكلا في محافظة حضرموت ، أي في وقت تطبيق قانون الأسرة الذي كان يحمل الكثير الأفكار التقدمية النصيرة للمرأة ، وأنا اعتبرها نصيرة للمجتمع ، حيث كان القانون يجيز السكن للمرأة وللأطفال ، وهذا كان حماية للمجتمع من الانفلات والجنوح والكثير من المشاكل الاجتماعية ، ولكوني امرأة أتيت لأقضي في أحكام الأسرة ، ولعدم الثقة أنني سأتحيز للمرأة ، فصادف في الشهور الأولى من عملي ، وعندما أصدرت حكماً في قضية نزاع شخصي بين زوجين وجدت أن الزوج وقبل أن أنطق بالحكم صرخ قائلا : ( أنا استأنف الحكم) فقلت له : ماذا تستأنف ولم تسمع الحكم بعد ؟!!، وقرأت حينها في عيونه وكأنه يتهمني بإصدار حكم لصالح الزوجة ( كان الحكم يفصل في حالة طلاق )، وكنا عادة كقضاة لا نفصل بالطلاق ، حيث كان الطلاق وفقاً لقانون الأسرة ليس بيد الرجل ، وإنما بحكم من القاضي بحيث لا يعبث الرجل بالمرأة ، وعندما نقضي بالطلاق
كأننا نقضي في أربع قضايا ، نحسم مسألة الحضانة ، والسكن ، والنفقة ، فكان يخرج الطرفان من المحكمة وكل أمورهما محسومة ، ولكي لا يكون هناك إجحاف بحق الرجل ، كان هناك إلزام للإدارة الإسكان العام بالبحث وتوفير سكن للرجل بحيث لا يرمى هو للشارع.
بما أن بعض المتقاضين يقبلون على مضض حكم المرأة كقاضية والبعض سبق أن شكك بإمكانية انحيازها لصالح المرأة كما حدث معك ما هي نسبة الأحكام التي أصدرتيها ، وتم الطعن فيها ونقضها من قبل الهيئات القضائية العليا ؟
حقيقة لم يستأنف لي حكم طيلة واحد وعشرين سنة ، ولا اعتقد أن تغيير أي حكم أكون أصدرته لكوني امرأة ، لأن قاضي الاستئناف ملتزم بقوانين ، ومحكمة الاستئناف هي محكمة قانون وليست محكمة موضوع ، وتعمل على الموازنة والتثبت فيما إذا قراراتي مطابقة للقانون أم لا ، ولا تخوض في الموضوع ، وغالباً ما يخرج المواطنون وهم على قناعة بحكمي ، وإني دائماً افتح حواراً مع المتقاضين ، فالمواطن عندما يأتي إلى المحكمة لا يأتي إلا وهو مضطر ، يعاني مشاكل واتهامات ، ولا بد أن نأخذ بيده ، فأستغل وجود المواطن لأقوم بدوري أولاً كمثقفة وليس كقاضية ، أي أوعيه بالقانون ثم أقول له : إن من حقه الاستئناف ، وأعمل دائمًا على عرض الصلح على الأطراف المتخاصمة ، ولا يهم أن أحقق رقماً إحصائياً في عدد القضايا التي أحكم فيها ، وإنما في عدد القضايا التي انتهت بالصلح أمامي وخرج أطرافها وهم متراضون ، فأنا أعمل على امتصاص النقمة أولا ، لأننا مجتمع دمه حامٍ ، فننزع شأفة الثأر .
وذات مرة جاء إليّ شيخ وهو عضو في مجلس الشورى وكان لا يريد الحكم وإنما يريد التحكيم وفقاً للمفهوم القبلي ، حينها قلت له : لا مانع لي من التحكيم ، وأن يقضي بالحق الشخصي ، ولي أن اقضي بالحق العام ، لأنه كان أمامي طفل متهم بالقتل العمد ، ولا حظت من حولي الوجوه متجهمة والتوتر على أشده ، فالجميع رجال قبائل منفعلون.
والقضية هي أن طفلا قتل طفلاً أخر طعناً بالمقص ، وكأن هذا شيء فطري في هذا المجتمع ويدل على الاستعداد لاستخدام السلاح ، والحقيقة أني فرحت بوجود الشيخ وفتحت معه حواراً رغم أني كقاضية لا يكلفني القانون بفتح حوار مع أحد ، ولكن لإدراكي أن أمامي شيخ له قاعدته البشرية ويملك قدرة في التأثير عليها فبدأت الحوار معه حول رأيه في قضاء المرأة ،ورأيي أناً شخصياً في القضية الجنائية وكيف تسير ، وطالبته كشيخ ورئيس لمؤسسة قبلية أن يكون عوناً لي ، حينها فهم أنني لم آتي كي أتحدى مجتمعه وثقافته وتقاليده ، وبعدها سمعته وهو يدعو لي ويقول : كثر الله من أمثالك ، وكرر زيارتي في المحكمة .
بما أنك نجحت في كسب تقدير وتعاطف شيخ القبيلة ، معنى ذلك أن المجتمع القبلي لديه استعداد وقابلية للمرأة القاضية إذا ما أحسنت التصرف وراعت ثقافة وتقاليد المجتمع دون التفريط بسلطة القانون فكيف تفسرين اقتصار حركة التعيينات الأخيرة على أربعة وثلاثين امرأة فقط ؟
أربعة وثلاثون قاضية ليس تعيناً جديداً فنصف هذا العدد قاضيات فعليات ويصدرن أحكاماً ، والعدد الباقي لديهن الصفة القضائية ، ولا يتمتعن بالولاية ، أي قضاة غير عاملين ، والواقع أن هذا العدد كان تعين لنا منذ خمس عشرة سنة ، وللأسف ينظر البعض إلى قضية المرأة القاضية كموروث عن نظام اشتراكي سابق ، وأنا أقول : إن هذا الاعتقاد خاطئ ؛ لأن حق المرأة كقاضية هو استحقاق دستوري لدولة الوحدة ، وإذا نظرنا إلى موضوع القاضيات كان هناك تراجع وعدم تقييم للتجربة في الجنوب ، وذلك في مرحلة ما بعد الوحدة باعتبارها منجزاً وطنياً .. وهنا أحب أن أشير إلى أن التدخل السياسي المباشر للرئيس علي عبد الله صالح خلال المؤتمر القضائي الأول الذي انعقد في ديسمبر 2003 كان حاسماً بالنسبة لموضوع القاضيات ، وكنت قد عملت أنا وزميلاتي القاضيات تكتلاً وبعثنا برسالة إلى مكتب رئيس الجمهورية ؛ لأن القضية بالنسبة إلينا في هذا المؤتمر هي أن نكون أو لا نكون ، وأبدى الرئيس تفاعلا مع مطالبنا وأعطى تعليمات بأن يحضر جميع القاضيات إلى المؤتمر، وكان خطاب الرئيس في ذلك المؤتمر بمثابة القول الفصل بالنسبة لموضوع القاضيات ومشاركة المرأة في القضاء ، بل وجه أسئلة مباشرة إلى المؤتمرين في القاعة ، حيث سأل : هل في الدستور ما يمنع ...، هل في الشريعة ما يمنع ... ؟ " فكان معظم رد القاعة ( لا ) ، فقال ، لذلك يجب تشجيعهن ، فكان خطاب الرئيس بمثابة قرار سياسي ، وبعدها بأشهر عينت أول رئيسة محكمة في دولة الوحدة في عدن ، وبعدها أول رئيسة محكمة في صنعاء .
إذا تبدو الكرة الآن في ملعب المرأة بالنسبة لتولي مناصب في القضاء ، ولكن ما هو تفسيرك لعدم إقبال الفتيات متخرجات كلية الحقوق والشريعة والقانون على الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء ليصبحن قاضيات ؟
اعتقد أن عزوف الكثير من الفتيات عن الالتحاق في المعهد العالي للقضاء يعود إلى وجود حاجز نفسي لديهن ، ولكن الأبواب مفتوحة والقوانين واضحة ، والكرة فعلاً في ملعب النساء ، وأنا عملت حملة مع اللجنة الوطنية للمرأة لدفع وتشجيع الفتيات من متخرجات الشريعة والقانون للتسجيل في المعهد العالي للقضاء ، وفقاً لشروط المعهد ، ولا نريد من يعطينا هدية ، بل نريد أن ننتزع هذه الحقوق القضائية انتزاعاً حتى لا يمن علينا أحد في المستقبل ، وهناك تنسيق مع طالبات كليات الشريعة وفي ثانوية البنات لكسر حاجز الرهبة من أن تكون المرأة قاضية.
بما أنك تتحدثين عن الرهبة كعائق يمنع المرأة اليمنية من الالتحاق بالقضاء ، هل تعرضت من خلال عملك كقاضية لتهديد ما؟
هددت بالقتل والذبح من مواطن مزعج أثناء تعاطيه داخل المحكمة ، حيث كان يسب ويشتم الطرف الآخر أمامي ، فأمرت بحبسه أكثر من مرة ، لإخلاله بنظام الجلسات ، وأثناء حبسه أرسل أبناءه ليعيثوا فساداً في المحكمة ، من بلطجة ، وقلة أدب ، علماً بأن هذا الرجل اعتاد على الكذب ومماطلته للمحكمة في تنفيذ الأحكام ، خاصة إن قضيته مضى عليها أربع سنوات ، وهي تخص جريمة الشروع في القتل ، ونتيجة تهرب الطرف الأول من التنفيذ فوجئت أن الطرف الثاني بدأ يهدد باللجوء إلى القتل ، نتيجة الشعور بالظلم وعدم تطبيق القانون رغم مرور أربع سنوات على اللجوء إلى القضاء ولم يفعل القضاء شيئاً ، وعندما شعر المتهرب من تنفيذ الحكم أنني جادة في حسم الموضوع وتنفيذ الحكم هددني بالذبح ، وبأنه سيأتي بقرار لإخراجي من صنعاء ، ولكن الحياة علمتنا الصبر ، وتريثت بأخذ حقي الشخصي حتى أحول مجرى القضية بين قاض ومواطن ، وتحملت من أجل ذلك ، وأبلغت السلطات العليا بأني مهددة أنا وبناتي ؛ لأنه أيضاً أرسل بناته إلى مدرسة بناتي يهددنهن ويقلن لهن : إذا أمكن لتريد أن تعيش عليها أن تتخلي عن القضية وتتركها.
بما أنك تقومين بكل هذه المهام ، كيف توفقين بين عملك والتزاماتك الأسرية ؟
عائلتي كلها تعمل معي في محكمة الأحداث بما في ذلك أولادي و زوجي .
ألم تنتاب زوجك حالة ضجر من كثرة أعمالك ؟
الأمر لا يخلو ، ولكن زوجي لعب دوراً في نجاحي ، وطريقة تربيتي لأولادي تساعدني كثيرًا ، حيث علمتهم توزيع المهام فيما بينهم ، وأسرتي ضحت كثيراً نتيجة انتقالي إلى صنعاء ، فزوجي ضحي بمنصبه حيث كان يعمل قائد جناح الاتصال بمعهد القادة والأركان في عدن ويتخرج على يديه قادة وأركان ، فهو عقيد في الجيش لكنه ضحى بالمنصب والوظيفة وبما يقارب ثلث راتبه ، وأتى لرعايتي وأولادي في صنعاء .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.