حتى تتوسط الشمس السماء أو تدنو قليلاً من مآبها تبدو الحياة في الشارع أشبه بمستعمرة فئران يتفقدها قط شرس. نسيم صباحي يتوهج حضوره ثم يخبو، أكياس بلاستيكية تتطاير في السماء، مجانين على جانبي الشارع يتلذذون بالنوم، خطوات متباعدة تصطفق مع أصدائها، ضجيج متقطع لعربات جمع الزبالة الرمضانية، صدى لحديث متبادل بين مجموعة عمال بانتظار باصات تقلهم، كركرات مهندسة وضحكات مرتخية لشباب في طريقهم إلى حذران أو ملعب الحديقة لممارسة لعبة كرة القدم، زحار مسعور لدراجة نارية تقظ موت المكان، أكياس زبالة تهوي من أسطح العمارات والشرفات المطلة على مكان مفترض لبرميل جمع الزبالة، صرير لبوق سيارة مسرعة لايطيق الصمت. ..... ..... يزداد تقارب الخطوات، وجوه غارقة في النعاس، أخرى يطمسها إعصار النوم، عيون منتفخة، عيون حمراء، نوم يسيل ملء الشارع، جثث تسير في اتجاهات متعاكسة، موظفون، طلاب كسالى، فتيات يتقافزن إلى بعضهن يمسكن بأيدي بعض، أناس يتكومون يرقبون باصات الأجرة في أقصى الشارع، ينحشرون جميعاً في قيض مستعد لنهار رمضاني عصيب. **** الشارع مزدحم بأبواق السيارات، أقدام تتشابك طرقها، السوق، شارع 26، شارع جمال، المركزي، عائدون من العمل، البيوت، سوق السمك، المقوات، المقوات، المقوات.**** تتقاسم الأوجه صفة الاصفرار الساعاتي إيذاناً ببلوغ الدرجة القصوى من الجوع والعطش، فيما تزداد أفواه المدخنين بالتلوي اللاواعي، والتشدق علامة على نقص النوكيتين في الدم. تزداد وتيرة الحركة في الشارع بسرعة جنونية، تمتد بعلاقة طردية بازدياد اصفرار الشمس، وسرعة دوران المحركات للدراجات النارية والسيارات. ملاسنات بين السائقين ببعضهم .. السائقين والمارة، المارة والمارة، الزبائن والمقاوتة، الزبائن وأصحاب المحلات، ازدحام وسلاسل بشرية على محلات بيع السنبوسة والتمر والباجية (الخفوش بالبلدي)، تزاحم وتدافع، أيدٍ تتشابك، سنبوسة تتطاير، أناس يتدافعون، وجوه تصفع، وريقات قات تتناثر في الهواء، «جنابي» تشهر، مفارعات هنا، مضاربة هناك، سب هنا، سلام هناك، رصاص يفرقع، يفر الجميع ويقبل آخرون يقبلون يتدافعون.. يتدافعون.. يتدافعون.. يتدافعون.. صراخ متداخل، سنبوسة، تمر، باجية..... بووووم، يدوي مدفع على جمود.. يذوب الجميع ويعود الشارع هادئاً.. هادئاً.. هادئاً.. خالياً إلا من آثار العراك، استشهد فيه كميات لابأس بها من السنبوسة وعلاقيات القات وبعض الأسنان التي كانت من المفترض أن تقضم أذن السنبوسة والمؤذن معاً - ورجل مرور يلوك بصمت وتلذذ ثمرات ملء كفيه مستنداً إلى عود إنارة، والمآذن تدوي. يهدأ الشارع.. قبل أن يغرق ثانية في زحام وسواد النسوة المتسوقات ببطونهن الممتلئة بالبقوليات ولإحداث عشاء رهيب والتراويح، وروائح الكراث والبقل والسلطة، وباعة متجولون يفترشون الأرصفة، متسولون، معاكسون، فراشات ليلية، أصدقاء صوب الشعبي يطوون الطريق، سيارات أجرة، سيارات خاصة جداً، نجعات قات متحجرة تشكل جولات إضافية لشارع منهك.. بالنساء والتفاحيط.