في القرآن الكريم آيات وتعبيرات تتشابه مع تعبيرات أخرى، ولاتختلف عنها إلاَّ في مواطن ضئيلة، كأن يكون الاختلاف في حرف أو كلمة، أو في نحو ذلك. وإذا تأملت هذا التشابه والاختلاف وجدته أمراً مقصوداً في كل جزئية من جزئياته قائماً على أعلى درجات الفن والبلاغة والإعجاز.. وكلما تأملت في ذلك ازددت عجباً وانكشف لك سرُّ مستور، أو كنز مخبوء من كنوز هذا التعبير العظيم.. فمن ذلك قوله تعالى في سورة النحل الآية «66» «وإن لكم في الأنعام لعبرةً، نسقيكم مما في بطونه من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين» وقوله سبحانه في سورة «المؤمنون» الآية «21» «وإن لكم في الأنعام لعبرةً، نسقيكم مما في بطونها، ولكم فيها منافع كثيرةٌ ومنها تأكلون» ففي آية «النحل» قال:«نسيقكم مما في بطونه» وفي آية «المؤمنون» قال:«نسقيكم مما في بطونها». وسبب ذلك كما أوضحه الدكتور/فاضل صالح السامرائي الاستاذ بكلية الآداب بجامعة بغداد في كتابه التعبير القرآني الذي تناول فيه دراسات بيانية في الاسلوب القرآني،أن الكلام في آية النحل على إسقاء اللبن من بطون الأنعام، واللبن لايخرج من جميع الأنعام بل يخرج من قسم من الإناث، وأما في آية «المؤمنون» فالكلام على منافع الأنعام من لبنٍ وغيره، فقد قال بعد قوله «نسقيكم مما في بطونها»: «ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون».. وهذه المنافع تعم جميع الأنعام ذكورها وإناثها، صغارها وكبارها، فجاء بضمير القلة «بطونه» وهو ضمير الذكور للأنعام التي يستخلص منها اللبن، وهي أقل من عموم الأنعام، وجاء بضمير الكثرة،وهو ضمير الإناث لعموم الأنعام. فلما كانت الأنعام في الآية الثانية أكثر جاء بالضمير الدال على الكثرة «بطونها».. جاء في درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الاسكافي في هاتين الآيتين:«إن الأنعام في سورة النحل، وإن أطلق لفظ جمعها، فإن المراد به بعضها، ألا ترى أن الدَّرَّ لايكون لجميعها، وأن اللبن لبعض إناثها، فكأنه قال:« وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه» .. ولهذا ذهب من ذهب إلى أنه رد إلى النعم لأنه يؤدي ماتؤديه الأنعام من المعنى، والمراد والله أعلم ماذكرنا بالدلالة التي بيَّنا. . وليس كذلك ذكرها في سورة «المؤمنون» لأنه قال:« نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة، ومنها تأكلون، وعليها وعلى الفلك تحملون» فأخبر عن النِّعَم التي في أصناف النَّعَم إناثها وذكورها،فلم يحتمل أن يراد بها البعض، كما كان في الأول ذلك».