الحلقة 6 مسيرة نضال كتاب وثائقي سلط من خلاله الكاتب، والإعلامي محمد حمود الصرحي على صفحات مجهولة من سفر النضال الوطني في سبيل مقارعة البطش والجبروت ونيل الحرية وقيام الثورة والدفاع عن نظامها الجمهوري، لقد حرص المؤلف على تضمين الكتاب مشاهد واقعية للظلم والقهر والاضطهاد الذي عاشه شعبنا إبان الحكم الإمامي البائد وما تعرض له الأحرار قبل الثورة من المآسي والآلام وأبرز الكاتب دور الطلاب في مسيرة النضال الوطني من خلال الأحداث التي عاشها وسرد ذكرياته مع زملاء دربه السياسي.. إلى جانب رصد دقيق للحظات ما قبل انبلاج ثورة سبتمبر وما أعقبها من أحداث ودور الإعلام وإذاعة صنعاء وصحيفة الجمهورية على وجه الخصوص في حشد التأييد الشعبي لمناصرة الثورة وتشكيل لجان المقاومة للدفاع عنها حيث كلف الصرحي بعد الثورة بتحمل مسئولية الإعلام في تعز كما أصبح أول رئيس تحرير لصحيفة الجمهورية وفيما بعد تقلد الأستاذ محمد الصرحي العديد من المسئوليات في الحكومات المتعاقبة آخرها نائباً لوزير شئون الرئاسة ومجلس الشورى في حكومة المهندس عبدالله الكرشمي. في الحلقة الماضية رحلنا مع الساعات الأولى لانبلاج فجر الثورة وكيف كان ميدان التحرير مسرحاً لرجال الثورة عشت ساعات الثورة الأولى كان الليل قد اعتكر حتى كاد المشي أن يتعذر وكانت الساعة تدق كأنما تنفخ في الصور معلنة الخامسة والنصف وقت العمل الجري الجبار حيث انبثقت صرخة من قلب الظلام الحالك من ضابط برتبة مقدم .. الآن .. أركبوا اشتغلوا حركوا الدبابات .. كل إلى موقعه الاستراتيجي المحدد له ، فتقافز الضباط الأحرار كالقذائف كل إل دبابته وبدأت الدبابات تأز أزيزاً رهيباً يحمل في طياته الموت والدمار لأولئك الذين ماتوا ودمروا تدميراً. بدأت الدبابة الأولى بالتحرك صوب الباب الشرقي لميدان الدبابات لكنها أصيبت بعطب الأمر الذي أخل بشيء من النظام التكتيكي ولكن أخرى تخطتها إلى الطريق العام المعبد وواصلت السير إلى الباب القريب من مقبرة «خزيمة» ولم تتعرض للباب بل نطحت السور برأسها فهدمته ومرت فوق انقاضه تاركة محافظ الباب يصيح ويصيح ولكن أحداً لم يسمعه لأن صوت الدبابة طغى على كل صوت وملأ الجو بالرعب والذهول لأن المدينة كانت غارقة في سبات عميق. كل شيء هادئ . كل شيء ساكن إلا صوت الدبابة المدوي فقد ملأ الجو ضجة فيها أنين وحنين إنه أنين الشعب وحنين الملايين .. هذه التأوهات التي ستقذف النيران لتبرد غله الظمان بدماء الطغيان .. واستمرت الدبابة في سيرها إلى أن وصلت «دار البشائر» فاقتحمت الباب بشدة أدت إلى أن خرب من الجهتين ودخلت فناء القصر وهناك بدأ الضباط الأحرار ومن معهم من أبناء الشعب الأشداء يطلقون نيران مدافعها الفتاكة معلنين للحرس أنهم غير مقصودين فهم إخوان الجيش ولكن الحرس لم يسلم يعضهم إلا بعد أن عاودت الدبابة إطلاق النار وكانت الدبابة تتراجع إلى الخلف لتحل غيرها محلها وتواصل الضرب واستمرت المعركة في احتدامها حتى فجر 26/9، 27/82ه وكان الناس قد استيقظوا مبكرين لأنهم سمعوا طلقات المدافع وازيز الدبابات لهذا فقد خرجوا جميعاً من بيتوهم وانسابوا كالسيول في الشوارع والأسواق وكنت واحداً منهم.. ارتديت ملابسي وخرجت مع نور الفجر وبدأت سيري نحو «قصر غمدان» وهناك وجدت «مصفحة» ثم عرجت على بيت رئيس الاستئناف فوجدت مصفحة وانتهيت إلى «باب اليمن» فوجدته وفي المصراع الشرقي منه فتحة واسعة كأثر لقذيفة ولا تزال إلى الآن. وتلفت حولي فرأيت ضابطاً منتصباً كالجبل الأشم ويده في زناد مدفع من نوع خاص وكأنما هو ينتظر الأوامر ليرش بمدفعه ككل من يشك فيه فكل شيء لا حساب له ولا قيمة في سبيل الجمهورية حتى الرؤوس فدى لها والمهج والأرواح الغالية رخيصة من أجلها ولن أكذبك إذا قلت لك أني شعرت برعشة انفعال في كل جسمي حتى دمعت عيني «من فرط ما قد سرني أبكاني» وأخذت أخطو إلى الأمام إلى بداية الطريق العام ودخلت بين الجماهير لأرى بعيني كيف يلعب الأبطال في ميادين النضال فرأيت الدبابة الأولى عند باب الكلية الحربية ورأيت الثانية عند باب الكلية الحربية وقد خرجت من الكلية الحربية تحمل الضباط والذخيرة والعتاد واستمرت في سيرها نحو «دار البشائر» تأن أنين الجماهير المقاتلة وتحن حنين الشعوب المظلومة في لحظة انفجار وغابت عن عيني وتمنيت ألا تغيب ولكن أخرى ظهرت تزمجر زمجرة كيوم القيامة واقتربت منها فهزت الأرض تحتنا كما لو كنا في زلزال وأخيراً دخلت الحربية حيث ظهرت علينا مصفحة مملوءة بالضباط الأحرار متشحين بالرشاشات ذات الستين طلقة في الدقيقة ، الثورة في أعينهم وفي وجوههم وفي كل ذرة من دمائهم مروا فحيتهم الجماهير تحية الإكبار وأشارت لهم بقبضات أيديها إلى التماسك والثبات حتى النصر من أجل الجمهورية والمستقبل وحضرتني فكرة النزول إلى ميدان «شرارة» موقع المعركة وهناك شاهدت ثلاث دبابات رابضات كالتماسيح وفي بطونها أقوى قوة الله على أرضه وهو الانسان الحر الجرئ في بطونها هؤلاء الضباط الأبطال. أما الدبابة الأولى فقد كانت في فناء قصر البشائر تقصف وتقصف ، ولما كانت تحت نوافذ القصر مباشرة فقد تطاول الخائن «طميم» وصب عليها البترول وأحرقها فانطلقت الصيحات من كل جانب منذرة للضابطين اللذين فيها بتركها ولكن الضابطين تحديا الموت ببسالة نادرة بل وحيدة من نوعها لقد كان لسان حلهما لن نترك الدبابة يكسبها العدو .. سنموت فيها لتحيا أنت يا بن اليمن الخضراء أرواحنا فداء لك وحياتنا رخيصة من أجل الجمهورية. سنموت .. سنموت .. وغاب الصوت الذي لم يسمع شيئاً فشيئاً حتى انتهى .. أما الدبابات الأخرى في شرارة فقد تحركت نحو القصر وبعضها كان يطلق نيران المدافع وهجمت دبابة لتقصف بجانب الدبابة الملتهبة ولتقوم بالواجب الذي كانت تقوم به وفتحت نيران مدفعها فبعثرت الحجارة والجدران وأصبح البيت على قوائم كأنة بقايا أطلال ، وقد وقفت دبابة أخرى بجانب الاستئناف منتظرة لدورها في العمل ورأيت ضباطها الثلاثة يفتحون بابها العلوي وينطلقون منه كالصواريخ ثم تجمعوا حولها بسرعة مذهلة مديرين لها بحركة خاطفة وبينما هم منهمكون إذ بثلاث طلقات نارية تصب عليهم من «دار البشائر» فتثير التراب حولهم وتصيب واحداً منهم في يده اليسرى وببراعة نادرة حربية التفوا خلف الدبابة كوقاية وكنت أظنهم لن يقوموا لأنهم تحت الدار مباشرة ومن السهل اصطيادهم ولكنهم بجراءة وشجاعة وبقدرة خلاقة نهضوا غير عابئين بالموت وقفزوا على الدبابة فاتحين بابها وداخلين فيها واحداً واحداً .. ثم أغلقوا الباب على أنفسهم ودارت المخابرات مع القيادة وأمرت بضرب الدار فألحقت «دار الشكر» بأختها «دار البشائر» .. وصارتا أطلالاً وانتهى كل شيء. محمد حمود الصرحي. أول لقاء بالزعيم السلال عقب الثورة وهنا عدت أدراجي إلى الكلية الحربية وكان معي في هذا الوقت الأخ المناضل عثمان عميرة وما إن اقتربت من النوافذ حتى شاهدني بعض الضباط والذين كانوا قد أخذوا دروسهم العلمية عندي في المدرسة العلمية كما أخذوا دروساً ثمينة وتوعية حميدة في القضية الوطنية وهناك لم أشعر بهم إلى حولي وكلهم يجذبني إلى الداخل إلى الكلية..فدخلت وإذا بي أواجه الزعيم عبدالله السلال وإذا الحشد حوله شديد والكلية تنبض بالحركة والتدافع على أشده،كل يريد أن يعمل كلٌ يريد أن يقدم أي شيء. حييته تحية الزمالة الوطنية وتحية الثورة الناشئة ثورة 26ربيع الثاني 1382هجرية الموافق 26سبتمبر 1962م وإذا به يستدعي الشيخ عبدالله بن محمد القوسي «1»..ولبى النداء بسرعة وكان يرتدي البزة العسكرية ومؤتزراً سلاحه فأشار إليه وقال: أتعرف الأستاذ محمد...؟! وقد احتضنني هذا الأخير أمامه بمجرد أن رآني وقال:هذا أستاذي تخرجت من تحت يده وفتح عينيّ على ماكنت أجهله وعرفنا كل شيء مما يجب أن نعمله من أجل الوطن..كان ذلك وأنا سجين في نافع..وكان هو أيضاً قد سبقنا إلى هذا السجن.فقال له: خذه الآن على المصفحة..ثم عاد الزعيم يحدثني : الإذاعة ياأستاذ محمد..الإذاعة. في مبنى الإذاعة وصلت دار الإذاعة وصعدت درجها ولمحت وأنا على أحر من الجمر في أن أذيع خبر الثورة الأخ المناضل علي أبو لحوم في غرفة مجروحاً بعد أن شارك في فتح دار الإذاعة..والواقع أني لم أعُرج عليه وكنت أريد ذلك لولا شوقي إلى الميكرفون وفي الاستديو وجدت الأخ المناضل أحمد علي الناصر..والأخ المناضل علي قاسم المؤيد وهما الآن عمداء قد سبقاني في الجلوس أمام الميكرفون فجلست على كرس بينهما وبدأت أشارك في تقديم النبأ إلى اليمن خاصة وإلى العالم عامة والملاحظ أن الأخ علي لم يذكرني في مقابلاته الصحفية والإذاعية والتلفزيونية على كثرتها وكذلك الأخ أحمد الناصر وقد ربما نسيا ولكني لم أنسهما، وقد كنا نتبادل إلقاء الكلمات النارية الحماسية ونذيع خلال ذلك الأناشيد الوطنية الحماسية التي تثير النفوس مثل: أخي جاوز الظالمون المدى ونشيد: ياإلهي انتصرنا برحمتك ونشيد: الله أكبر فوق كيد المعتدي وكان من يسمونه بالبدر لايزال يقاوم في قصر البشائر وكنا نسمع تبادل إطلاق النار واشتاقت نفسي إلى أن أذهب مرة أخرى إلى ميدان التحرير لرؤية واقع الحال هناك وأطمئن على أن كل شيء قد صار كما ينبغي فتركت الإذاعة ولم أعد بعد الظهر إليها ولكني أعددت كلمة في تلك الليلة استلهمتها من واقع الناس وعاداتهم في إرادة المعرفة في من عسى أن يكونوا هؤلاء الثوار وماهي اتجاهاتهم وإلى أي الأحزاب ينتمون..؟! وهل ثورتهم شرقية أم غربية؟! أشياء كثيرة يتطلع الناس عند وقوع أية ثورة إلى معرفتها..فأعددت هذا المقال وكان عنوانه "الثورة ممن ولمن..؟!" ولحرج الوقت وشدة لواعج النفس حين ذاك لم أحتفظ به ولكنه كان يعني أن الثورة قد قامت على الحكم الفاسد في اليمن وأن الذين انبروا لذلك هم من رعيل المناضلين الأحرار، ووعاه الشباب المتنورون الأبرار والذين علمتهم الأيام وصقلتهم وأنارت عقولهم كُتب الرواد الأعلام حتى نشأوا على الإخلاص العظيم للبلاد والتضحية بكل غال ورخيص من أجلها واستشعروا المسئولية الملقاة على عاتقهم فقاموا بما قاموا به، وهم نخبة تشبعوا بالوعي السياسي وآباؤهم من الريف ولم يكن لهم أي انتماء حزبي أصلاً وأشياء أخرى قلتها ولم أعد أذكرها. في الصباح ذهبت إلى الإذاعة وشاركت في التقديم وألقيت هذا الموضوع واستمريت بعض الوقت ثم انسحبت من الإذاعة. وفي اليوم الثالث أو الرابع من الثورة توجهت إلى الكلية الحربية وقابلت الزعيم السلال ووجدت رتلاً من القبائل يزدحمون حوله ويطلبونه السلاح ليدافعوا عن الثورة كما قالوا.. وأذكر أنني حدثته على غفلة قصيرة من الناس وبصوت هادئ لا يسمعه غيره وقلت له:"لاتكرر غلطة ثورة 48! فقد سُلحت بعض القبائل وعاد السلاح ضد الثورة.." فأجابني رحمه الله:"لاتخف..هم خبزي وعجيني.." وأعدت هذه النغمة للأخ الرئيس السلال في بيته والمعارك تدور رحاها في كل سهول اليمن وجبالها فأجابني:ياأخ محمد..هؤلاء الناس لا عهد لهم..فكم أعطونا من عهود ثم نقضوها ولكن الله من ورائهم محيط. وحينما رأيت المناوشات ضد الثورة قد بدأت فكرت في إعداد مقال وفعلاً أعددته وأردت من ورائه أن أزرع الخوف وأن أنذر وأحذر كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه الثورة كائناً من كان.. ووصلت الإذاعة فوجدت الأخ عبدالعزيز المقالح وهو من رجال الإذاعة الأوائل ومن كبار مثقفي البلد يناديني فأجبته وإذا به يبارك لي ويهنئني فتعجبت لمَ وبمَ..؟! فقال: لقد رددت إذاعة "لندن" وإذاعة "صوت العرب" مضمون كلمتك التي أوضحت فيها من هم الثوار وأنهم جاءوا من بين صفوف الشعب وأن ثورته كانت نتيجة للوعي الكامل والنضوج الوطني الأصيل..وأنهم لا ينتمون إلى أي حزب ولاهم بحزبيين. فقلت له: شكراً كثيراً.. واتجهت نحو غرفة الإرسال وألقيت مقال التخويف والتهديد الذي أعددته والذي كان عنوانه «طابع الثورة العنف لا الرحمة» في هذا المقال أبرقت وأرعدت وأنذرت وحذرت وقصدت بذلك زرع الخوف في النفوس حتى لايستطير الشر وتدخل البلاد في أتون حرب أهلية قد تطول وتطول وتأكل الأخضر واليابس ولاسيما والشعب جاهل ولايدري أين تكون مصلحته ولنفس الظروف لم احتفظ بهذا المقال أيضاً. وأذكر أني أطلعت وبعد أيام وأيام على كتاب «أسرار الثورة اليمنية» للأخ اللواء عبدالله جزيلان يشرح فيه أحداث الثورة ويوجد نفسه بين فصولها بكثرة ولا أقدر أنا على تفنيد ذلك أو تصحيحه..لأني كنت غائباً على المسرح..وهذا الكتاب أثار الإخوة الضباط الذين اشتركوا في صنع الحدث الكبير فأجتمع الكثير منهم ومن غيرهم في مركز الدراسات والبحوث تلبية وأثراً للنداء الذي وجهه ونادى به الأخ عبدالعزيز المقالح في مقال نشر في صحيفة الثورة بتاريخ 13شعبان 1404هجرية الموافق 15/5/1984م. وكل أدلى بدلوه فيما أسعده الحظ من العمل الإيجابي في ذلك..ونتج عن ذلك كتاب «ثورة 26سبتمبر شهادات ودراسات للتاريخ». ونزل الكتابان إلى السوق وتداولتهما الأيدي وانبرى في الموقف أديبنا وشاعرنا الكبير عبدالله البردوني رحمه الله ليعلق على الكتابين.. الإذاعة والمذيعون وأنزل مقالة تحت عنوان «بين كتابين» وبدأ من الإذاعة كيف كانت في يوم الثورة ومن كان فيها فقال فيما قاله:"بالنسبة للإذاعة لم نسمع إلا صوت الأستاذ محمد حمود الصرحي يتردد عدة مرات". وأنا في الحقيقة لم أدر من كان قبلي من المذيعين ومن أتى بعدي لأني لم أكن استمر كثيراً في تواجدي حتى اتطلع إلى الوجوه وأتعرف عليها..وأجلس معها وأبادلها الحديث.وكنت مشغولاً في الحدث خارج الإذاعة أكثر مني داخلها ويمكن أن الأستاذ عبدالله البردوني وقد فتح جهاز الراديو لم يسمع إلا صوتي وهذا لايعني أنه لم تكن هنالك أصوات أخرى ومع هذا فأنا كنت واحداً ممن أعلنوا بصوتهم ميلاد الثورة العظيمة .ومما يلفت النظر أن الاستاذ المقالح وقد سبق أن ذكرت أنه باركني وهنئني لما ذكرته آنفاً يرد على البردوني وقال فيما قال :"إن البردوني قال وقال وأنه يعجب أي المقالح من إقحامه اسم المناضل محمد حمود الصرحي في هذا الأمر"... وقد قابلته في "دار الكتب"وسألته عن مثل هذا الحديث المتناقض فأجابني بالحرف الواحد:من ينكر بأنك كنت من المذيعيين الأوائل. فزادت دهشتي أكثر لهذا التناقض الأكثر عجباً ولاسيما وقد قلت له: كيف تقول هذا الكلام وقد قلت ماقلت في الرد على البردوني. فامتص الواقعة وسكت.. وقد يريد الاخ المقالح فيما قاله لم أكن من المذيعين الرسميين والموظفين في الإذاعة وإنما كنت من المتطوعين الذين هزهم الشوق واستمعوا لنداء الواجب ،وهذا احتمال احتمله له. بينما يذكر الأخ المناضل العزي محمد عبدالله الفسيل في مقالة بعنوان "وثائق تاريخية" .في رسالة منه إلى صحيفة 26سبتمبر الصادرة يوم الخميس 11رجب 1420ه الموافق 21 أكتوبر 1999م العدد «877» مايلي "واستمر توافد الإخوة الأحرار من مذيعين وغير مذيعين هذا الأخ محمد الصرحي زميلي في سجن حجة قد جاء وبدأ يشارك في إذاعة شعارات الثورة. وقد ذكرني الأستاذ عبدالله البردوني في صفحته قضايا الفكر والأدب بصحيفة 26سبتمبر بتاريخ 16صفر 1419هجرية الموافق 11يونيو1999م العدد"807"في مقال تكلم فيه عني وعن من كان له ضلع في حبسي وظروف الحبس وإن كان لم يحط بالموضوع كما هو وقد اتصلت به تلفونياً وقلت له إنه كان يحسن أن يتصل بي قبل كتابة المقال حتى لا يقع فيما ليس بواقع فأجاب:" بأن لنا جولة أخرى" غير أن جولة الموت كانت أسرع رحمه الله وهذا نصه معنوناً بالتالي "ليلة آخر الطلق". تسببت حركة 55ضد الإمام أحمد في الإفراج عن جميع السجناء من عام 48م وقبله وبعده وكأنها تجب ماقبلها لأن تلك الحركة سوف تشحن السجون بسجناء أحدث..في فجر آخر ليلة من عام 60م تثاءبت أبواب السجون في حجة وصنعاء وتعز وكان الهرب من السجون قد بدأ يتضاعف من حين إلى حين وبالأخص في صنعاء حين هرب ابن معيلي ومحمد التعزي من سجن الرادع بصنعاء والشويع من سجن قصر السلاح ولايستدعي ذلك الهروب البحث عن الهاربين ففر من سجن حجة شاب تبدو عليه الصعلكة الليلية واصطحب مع جنديين كانا سجينين ،أما الذين كان إطلاقهم علني فهم: محمد عبدالله الفسيل من سجنه الثالث «2» ومحمد حمود الصرحي الذي وقع ضحية النعرة العرقية التي اعتنقها صاحبي محسن الأمير،ومن الطرائق التي عومل بها"الصرحي" تبدى التعصب المقيت مكشوفاً أشتم الصرحي بصنعاء حدوث سجنه اليوم أو الغد،فأتجه إلى تعز لكي يطرح مسألته التي لاتتجاوز الجدل الطلابي،حول مسألة تاريخية على الإمام، لأن حفنة من طلاب الشعب العليا تألبوا عليه وأوصلوا إلى كبار مسئولي صنعاء جريمة الصرحي لأنه يجاهر بعداوة حكم آل البيت فكان خمسة من زملائه أنشط عليه من ذباب الصيف،في الصباح يزورون يحيى محمد عباس رئيس الاستئناف قبل خروجه للعمل،وبعد الظهر يزورون أحمد عبدالرحمن الشامي رئيس هيئة الأمر بالمعروف ويحيى المتوكل خال الحسن لتجسيم خطورة الصرحي،ولعل وراء ذلك السبب ما وراءه من حدة المنافسة وكثرة الجدل على أقل الدواعي. قلت لأحد خصوم الصرحي وهو صديقي: هل تستحسن هذا التحرك ضد زميل وهل في مقدور فرد من نوعه أن يؤثر على أي نظام فانفجر متحمساً وعدد لي أسباب كراهيتهم للصرحي مؤكداً هذا المفهوم أن الصرحي لايرى حقاً وراثياً من عهد النبوة إلى عهد الصواريخ وعابرات القارات.ولعل الصرحي كان يبدي رأيه ذاك لزملائه بدون قصد الجرح أو الزراية.إلا أن الزمالة الدراسية تخلق حساسيات طفولية عند أولئك الملتحين، فقد سبق الصرحي إلى هذا عبدالوهاب الطيب «3» وهو يتقد تشيعاً وحماساً لعلي وفاطمة ومن امتد من ذريتهما إلى يوم الدين وكان الطيب يجادل ويناضل على رأيه،وكان التشيع فيه ثمرة ثقافة فقهية.فلماذا حملته سفينة النجاة إلى سجن حجة بدون تهمة سياسية وإنما حوّلها الذين يغيظهم تفوقه، لأن وزارة المعارف قررته أستاذاً معيداً وكان معيداً قبل القرار الوزاري فتأكد الأمر واستحق ذاك المرتب الضئيل،كما أن كلمة الطيب في أية مناسبة كانت تتصدر الأوليات، وكان يخطب كمن يشعر مجارياً نجباً تلاميذ " جبران خليل جبران"المتصوف المعاصر. ولهذا أمضى الطيب في السجن مدة شهور ،أما الصرحي فدخل سجن حجة محمولاً إليه من سرير مستشفى الحديدة،إذ اعتادته الزائدة الدودية عند دخوله الحديدة، وما كاد يضع رأسه على السرير حتى تلقى مدير المستشفى أوامر محافظ الحديدة بتسليم الصرحي إلى مدير سجن الحديدة،وحين علم الطبيب الإيطالي هذا تابع مهمته وأجرى للصرحي عملية جراحية بمقتضى الضرورة وربما كان ذلك مسبقاً لأمر السجن أو عدول السجان عنه بحكم المرض،إلا أن الطبيب أبى أن يخرج المريض من عهدته إلا بعد رتق الجراح وبدء تماثله للشفاء،إلا أن العساكر في اليوم الثاني داهموا المستشفى وحملوا الصرحي بعد رقع الجرح فسافر في حال تستوجب إدانة المحافظ ومدير المستشفى الذين قبلوا نقل الصرحي إلى السجن قبل قرار الطبيب. أكثر من هذا أن الطبيب وهو إيطالي كان يتوجس انفجار الخياط الذي لفق جوانب الجرح،وأعلن في يومه سوء هذا التصرف،وأن الذين يحكمون لايحكمون الشعب وإنما يحكمون عليه،أما يستوجب المرض إفطار المريض الصائم؟ أما يستحق هذا الإعفاء من الجهاد؟ فماهي مسألة الصرحي ،.الذي انغلق عليه السجن قبل التئام جرحه،وكان سجن تلك الأيام من آخر الستينيات أشبه بالارتجال وأداء مهمة يعاقب على إهمالها النظام. فصورة سجن الصرحي على تلك الحال تنم عن تضافر الدسائس وعلى خطورة العداوة الجماعية،لأن الصرحي كان بدار العلوم وحيداً ضعيف الصلة بالزملاء والذين كانوا. فالتجمع عليه يملك الغلبة،ولكن على من ولمن؟ وفوق ذلك توالت الدسائس على الصرحي إلى نائب حجة وإلى أقاربه وأعوانه. وحين أطلق كاد نائب حجة لايصدق أن ذلك أمر إطلاق سجين:"الأخ نائب حجة لإطلاق الطالب النبيه محمد حمود الصرحي ونقله على سيارة إلى الحديدة وأخطرونا بهذا". فتبدأ الإطلاب من "البدر" بدون دراية الحاشية الملمومة حول سرير "الإمام". وفي اليوم الثاني من وصول الصرحي الحديدة لاقى محافظ الحديدة يحيى عبدالقادر وجهاً لوجه فأوقفه آخذاً بيده إلى ظل جدار وسأل قائلاً:متى تم الإفراج عليك. قال: ظهر الأمس. قال محافظ الحديدة:وعليك الآن أن تغادر الحديدة مطروداً بدون تأخر أو إبطاء لامداجاة في الحبس. وماكاد الصرحي يعبر الشارع حتى وقفت له سيارة ملكية،خرج منها الزعيم عبدالله السلال وأركبه إلى جانبه قائلاً:أجب مولانا ولي العهد،ولما لاقى البدر سأله عن حكاية سجنه،وتعجب من ذلك التلفيق عليه،كما عجب أكثر من الذين استمعوا تلك الدسائس ونفذوا العقوبة بلا بحث عن العلة والمعلول والنتيجة والسبب وكان البدر يطرح أمثال هذه الأفكار كعلامات على اختلاف عهده في الحكم. وبعد أيام استدعى ولي العهد"الصرحي" وصرف له مبلغاً وأمر بنزوله في دار الضيافة بصنعاء.كما أصدر أمراً إلى وزير المعارف برجوع الصرحي إلى شعبته أو توظيفه في أي مرفق في إدارة الدار كسائر الخريجين. وكانت أخبار إطلاق الصرحي لاتختلف غرابة عن أمر سجنه وأسبابه، لأن تلك الفترة كانت آخر حلكة الليل وأول حمرة الفجر،وهي أشد وطأة على الساهر والمضني. ولهذا ينبلج الصبح كفرجة تنزلت من وراء الغيب"وفي مقال آخر للأخ المناضل/عبدالوهاب جحاف في صحيفة 26سبتمبر أيضاً بعددها الصادر الخميس 17ربيع الأول 1412ه الموافق 26/9/1991م ذكر الأخ عبدالوهاب مساهمتي في الإذاعة بقوله:" كما وصل إلى الإذاعة للمساهمة الزميل المناضل/محمد حمود الصرحي " وفي نفس العدد ذكر الأخ الاستاذ المناضل/محمد الفسيل في أسرار جديدة عن الثورة عن مشاركتي في الإذاعة بقوله:"بعد ذلك أتى الكثير من الزملاء منهم محمد الصرحي" وأنا هنا لست بصدد ذكر مشاركتي أو الإشادة بما فعلت لأنه واضح للعيان وبالوثائق التاريخية ولكني أحاول إزالة سوء الفهم الذي وقع فيه الأخ المقالح وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك. وبالنسبة لتلك الفترة وبعد إلقائي المقال الأخير في الإذاعة لم أعد إليها وإنما توجهت لزيارة الرئيس السلال في مقره في الحربية لأتطلع على ما يجري هناك ورآني وأستدعى الأخ عبدالله القوسي كما سبق وأن استدعاه في المرة الأولى وكلفه بإيصالي على مصفحة إلى المطار بعد أن قال لي: الصحف ياأستاذ محمد نريدها أن تصدر من تعز تباعاً لأننا بحاجة إلى ذلك وإلى إظهار أهداف الثورة ونشر كل مايلزم عنها إلى العالم. الوصول إلى تعز للقيام بمهام الإعلام وتوجهت إلى المطار ومنه إلى تعز وفيها وجدت في المطبعة عمالاً طيبين ومخلصين للثورة ومتحمسين للعمل من أجلها ليلاً ونهاراً وأذكر منهم محمد لطف الذاري والأخ محمد العميسي رحمه الله والأخ علي الضحياني والأخ علي غثيم والأخ يحيى علي الإرياني والأخ علي العمراني والأخ صالح المنتصر والأخ حسوني خليل والأخ محمد أبوطالب والأخ حسين العابد والأخ علوان الحكمي وأخاه فيصل الحكمي وأعتذر عمن لم تسعفني ذاكرتي بأسمائهم كما وجدت بعض الكتاب الواعين وفي طليعتهم الأستاذ الأديب والكاتب اللبيب مطهر بن علي الإرياني ومن جملتهم الأخ عبدالله الوصابي والأخ محمد اليازلي والأخ أحمد طربوش والأخ سالم زين والأخ محمد الشرعبي والأخ محمود محمد الحكيم والأخ مبارك بامحرز والأخ محمد شجاع الدين وقد اجتمعنا وأصدرنا ثلاث صحف الجمهورية وكنت رئيس تحريرها والثورة وكان رئيس تحريرها الأخ سالم زين رحمه الله والأخبار ويرأس تحريرها الأخ/عبدالله الوصابي رحمه الله وكان أول مقال كتبته في أول عدد في صحيفة الجمهورية تحت عنوان"عشت ساعات الثورة الأولى" وقد تم نشره مؤخراً ومجدداً في صحيفة الجمهورية بعددها الصادر يوم الثلاثاء بتاريخ 23/ربيع ثاني 1413ه 20/20/1992م العدد"8512" خلال احتفالات الصحيفة بإطفائها شمعتها الثلاثين كما أعيد نشره في الصحيفة نفسها الصادرة يوم الأربعاء4 جمادى الأول 1414ه الموافق 20/10/1993م كما نشرته صحيفة 26سبتمبر الصادرة يوم الخميس 18ربيع الأول 1412ه الموافق 26/9/1991م ونُشر أيضاً في مجلة النضال التي كان يرأس تحريرها الأخ سفيان البرطي رحمه الله كما أعيد نشره في صحيفة الثقافة التي تصدر من تعز بمناسبة عيد الثورة التاسع والثلاثين العدد 109ص4 بتاريخ 25جمادى الآخر سنة 1422ه الموافق 13/9/2001م ماقاله المذيعون مر وقت طويل وتكررت الأعياد بيوم الثورة وذكر الناس ماقاموا به وقال هذا: إنه كان محور الدائرة في الإذاعة وقال ذاك: إنه العامل الرئيسي فيها وقاله آخر:إنه ذو الفضل الأول في كل ذلك إلى أن جاء دور الأستاذ عبدالوهاب جحاف للكتابة عن الموضوع فكتب مقالاً قال فيه: أنه هو الذي افتتح الإذاعة وقد صبر كثيراً وإنه سيفجر الحقيقة وأنه صاحب بيانات الثورة ومذيعها رد عليه الأستاذ محمد عبدالله الفسيل فكتب مقالاً فيه بأنه أول من أذاع وأول من أحضر مهندسي الإذاعة وأول من أذاع البيانات بنفسه وكتبها بقلمه وأبرز صورة لذلك وجاء الأخ المناضل عبدالله حمران في كتاب «26سبتمبر دراسات وشهادات للتاريخ»"ص 392و393" وأفاض على نفسه شيئاً من هذا القبيل وزاد أن تحدث في النهاية عن واقعة لا أصل لها ولا صحة وذلك أن مجلس القيادة أجتمع وأنه أمر بإيقافي أنا والأخ الفسيل عن الإذاعة وهذا الكلام من محض الخيال لأنه في الأصل لا وجود لمجلس قيادة حين ذاك ولم يتشكل مجلس القيادة إلا في وقت الرئيس إبراهيم الحمدي رحمه الله هذا أمر.الأمر الآخر أن زحمة العمل عند الرئيس السلال حين ذاك من نواح عدة كانت أكبر من أن يتركوا كل شيء ويجتمعوا لإصدار مثل هذه الأمور الصغيرة فحمران قد قال إني من المذيعين الأوائل يوم الثورة ولكنه لم يكن موفقاً فيما قال بعد ذلك والأخ المناضل محمد بن عبدالله الفسيل حي يُرزق ويمكن سؤاله، وها أنا قد سألته خطياً بقلمي فأجاب خطياً بقلمه. بسم الله الرحمن الرحيم الأخ الحميم والمناضل العظيم الأستاذ محمد عبدالله الفسيل حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله،، وبعد:فلقد التقيت بك في صباح يوم الثورة بدار الإذاعة حيث اشتركنا في بث أخبار قيامها إلى العالم غير أن الأخ عبدالله حمران رحمه الله وقد تحدث عن هذا اليوم في كتاب «ثورة 26سبتمبر دراسات وشهادات للتاريخ»ص392، 393. وقد قال: إنني وأنت قد منعنا من الإذاعة حينذاك ومن مواصلة البث فيها بأمر من مجلس القيادة،وأنا من ناحيتي لا أعلم شيئاً عن ذلك وإنما تركت الإذاعة بأمر عاجل من الرئيس السلال للالتحاق بالصحافة والقيام بشئونها في تعز،هذا ماعندي عن الموضوع فما هو الذي عندك أنت وهل تبلغت هذا المنع أو حتى علمت به؟ تحياتي وتمنياتي،،، أخوكم محمد حمود الصرحي 6/1/2002م بسم الله الرحمن الرحيم ياأخي العزيز،. ورفيقي في السجن والثورة حياك الله ورعاك. أنت تعرف أنني وأنت لسنا مذيعين محترفين موظفين في محطة الإذاعة،وقد قمنا بواجبنا الوطني صبيحة يوم 26سبتمبر سنة 1962م ،ولعدة أيام في إذاعة البيانات والشعارات،و إعلان قيام الثورة ونظامها الجمهوري الديمقراطي ،وسقوط النظام الملكي الكهنوتي المتخلف ثم افترقنا ليناضل كل منا بأسلوبه في سبيل حماية الثورة، ونظامها،وضد الانحراف بها عن مسارها الصحيح،وخصوصاً بعد وصول البيضاني. وماأشرت إليه ياعزيزي حول مانشر في كتاب مركز الدراسات عن المرحوم المناضل عبدالله حمران،عن ثورة 26سبتمبر فلا علم لي به،ولم أبلغ به حتى اليوم،وهو من وحي الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس،وأمر تافه يدل على الضعف البشري. تحياتي وتقديري لك وإلى اللقاء،،، أخوك /محمد عبدالله الفسيل 14/1/2002م وقد تُوفي حمران يرحمه الله وأخرج العميد المناضل/صالح علي الأشول كتاباً تحت عنوان «حقائق ثورة سبتمبر اليمنية» وقال عن هذه البلاغات والبيانات العسكرية«إنها أعلنت تباعاً من الإذاعة» ص 171 ولم يوضح من الذي أعدها ولا من الذي ألقاها إلا بلاغ ثمانية عشر فإنه قد نسب إعداده وإذاعته إلى الأخ عبدالوهاب جحاف،وتبقى الحقيقة ضائعة بين كل هذه الأطراف وإن كان قد ذكر أن البلاغات التي أعدت قبل ذلك قد اختفت في غموض عند الأخ/علي قاسم المؤيد وأن هناك أملاً في أن يعثر عليها الأخ علي في يوم من الأيام بين متفرقات أوراقه. ومعنى كل ماسبق وباختصار شديد أنني لن أقحم في مقال البردوني كما قال الأخ المقالح مع احترامي الكثير له. هوامش 1 الأخ الشيخ عبدالله بن محمد القوسي كان قوي الإرادة بالنسبة لثوريته المتميزة وكان شجاعاً لاتلين له قناة،فقد كان يندفع بقوة نحو مايراه حقاً وواجباً نحو الوطن ولايفكر في العواقب مهما كانت وكيفما كانت المهم أن يكون ما اتخذه في نظره هو الصواب كما كان لا يؤمن بالحلول البعيدة ولا بأنصاف الحلول وقد كانت تزيغ بعض طلقاته عن الهدف رغم قصده إياه وقد عركته النوائب في سجن نافع رحمه الله حيث وصله هو والشيخ علي بن ناجي بن علي القوسي وكنت قبلهما فيه فأخذا عني من الدروس ما استفادا به،وقد شاركا عملياً بعد الثورة في كل المؤتمرات الوطنية التي كانت تقام من أجل التصالح ولم الشمل بين الإخوة المختلفين كما شاركا في الدفاع عن الثورة والجمهورية في أكثر من مجال. 2 لم يطلق الأخ محمد عبدالله الفسيل من سجنه الثالث وإنما فر بطريقة ناجحة. 3 الاخ عبدالوهاب بن مسعد الطيب الملقب بالسوادي لم يحبس في معتقل حجة المسمى ب«نافع» والذي أعتقل فيه هو الأخ عبدالملك بن محمد الطيب الحر المشهور والذي استمر اعتقاله سنوات لا شهور والأخ عبدالوهاب العلامة النحرير والأديب الكبير قد اكتوى أيضاً بنار السجن ولكن ليس بسجن «نافع» وإنما بسجن «الشبكة» بتعز قبل الثورة واستمر فيه إلى قيام الثورة وقد علمت بذلك عقب وصولي إلى تعز لتسلم أمور الإعلام هناك ،حيث زرته ووجدته في حالة محزنة ومؤلمة ومشينة.اعتورته الأمراض وتناوبته المحن وبحمدالله توفقت في إزالة القيدين من قدميه وإخراجه إلى المستشفى وهناك أغدقنا عليه العلاجات المقوية والأغذية النافعة والفواكه المفيدة وسرعان ما استعاد عافيته ثم عملت على توظيفه حيث قابلت وزير المعارف حينذاك القديس أبو الأحرار محمد محمود الزبيري فعينه استاذاً ومرجعاً يستفاد منه في تلخيص الكثير من العلوم التي يمكن أن ينتفع بها كل التلاميذ في جميع المدارس،ثم طوحت بي طوائح الزمن كما شرحت في مذكراتي ولم أعد أسمع عنه أي شيء،وتمر الأيام ونلتقي في صنعاء وأراه بخير وعافية ولكنه لايزال بذلك المرتب الضئيل فعملت وبالتعاون مع آخرين على نقله إلى وزارة العدل وتوفقنا في ذلك حيث كان أحد أعضاء لجنة التأليف والنشر وهو جدير بذلك،أطال الله عمره،وأسباب كل متاعبه ترجع إلى تميزه الرائع في الأداء الدراسي الفريد الذي برز فيه أقرانه وسبق في ميدان العلم فرسانه وصارت سمعته كنار على علم كشيخ علم غزير لشتى فرق الطلاب في جميع مراحلهم قصده الحاسدون الأمر الذي جعلهم يختلقون له ذنوباً لا أساس لها تسببت عند أولئك في فصله من المدرسة العلمية فتعقد وتشرد وأعتورته الأمراض النفسية وانتهى به المطاف إلى حيث وجدته ولا ذنب له إلا ماأشار إليه المتنبي حيث يقول: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله فالكل أعداء له وخصوم والاستاذ البردوني رحمه الله لم يكن يعلم عن هذا شيئاً،أما بالنسبة لما قالهم عني فالتوضيح في الكتاب.