مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    عاجل : التلفزيون الإيراني يعلن رسميا مقتل رئيس البلاد ووزير الخارجية في تحطم مروحية    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في يوبيلها الذهبي« الجمهورية» تحاور أول رئيس تحرير لها
الأستاذ/ محمد حمود الصرحي: الجمهورية اليوم من الصحف العملاقة وتمتلك إمكانيات جيدة وشباباً ذا مقدرة وكفاءة عالية
نشر في الجمهورية يوم 20 - 10 - 2012

تحتفل مؤسسة الجمهورية اليوم باليوبيل الذهبي لصدور صحيفة الجمهورية ،حيث صدر عددها الأول في 20 أكتوبر من عام 1962كأول صحيفة رسمية بعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م،فكان صدورها من مدينة تعز العاصمة الثقافية للجمهورية اليمنية إلى جانب صحيفتين أخريتين هما صحيفة الثورة وكان رئيس تحريرها الأستاذ سالم زين رحمه الله وصحيفة الأخبار وكان رئيس تحريرها الأستاذ عبدالله الوصابي.
وكان الأستاذ محمد حمود الصرحي اطال الله في عمره رئيساً لتحرير صحيفة الجمهورية ومشرفاً عاماً لصحيفتي الثورة والاخبار كما يقول..
صحيفة الجمهورية وهي تحتفل بمرور خمسين عاماً على إصدارها زارت الاستاذ الصرحي في منزله بالعاصمة صنعاء وتذكرت معه الأيام الأولى لصدور صحيفة الجمهورية إضافة لذكرياته عن ثورتي سبتمبر واكتوبر، خاصة أنه من المناضلين الذين أبدوا استعدادهم لبذل الروح والدم والمال في سبيل قيام الثورة اليمنية ورأيه في الثورة الشبابية التي صدرها دماء الشباب العام الماضي.
نشأته الأولى
بدأ الأستاذ محمد الحديث عن نفسه قائلا:ً
أنا من مواليد عام 1934 في احدى قرى ضواحي مدينة السدة بوادي بنا محافظة إب، عشت في هذه القرية الصغيرة سن الطفولة ودرست في كُتّابها علوم الدين واللغة العربية وهو تعليم بدائي لأنه لم تكن توجد المدارس في ذلك الوقت سوى المدرسة العلمية في صنعاء وبعض المدارس المتوسطة في زبيد وتعز وغيرها.
في هذه القرية شاهدت الظلم والفقر والجهل والمرض الذي لم يكن يخيم على القرية فحسب بل على كل اليمن،هذا الأمر جعلني أعزم الأمر على الالتحاق بالمدرسة العلمية في صنعاء لتعزيز تعليمي الأولي ولتوسيع مداركي ومبادئي الوطنية من خلال التسلح بالعلم والمعرفة و الثقافة والاحتكاك بالعلماء والأدباء والمثقفين الذين كان الوطن يعول عليهم لتغيير صورة الحياة المظلمة في ذلك الوقت.
صنعاء هي المستقبل
ويقول: العاصمة صنعاء كانت هي المستقبل أمامي لأن الحياة في القرية كانت أكثر ظلماً وتعسفاً، فذهبت مشياً على الأقدام من القرية إلى صنعاء من أجل الالتحاق بالمدرسة العلمية والتي كانت خاصة بكبار القوم، لذلك ذهبت إلى عبدالله بن الإمام يحيى حميدالدين والذي كان وزير المعارف وذلك للموافقة على إدخالي في هذه المدرسة ومازلت أتذكر أني جريت خلفه حافي القدمين وهو راكب على حصانه إلى الروضة شمال العاصمة أتوسل إليه أن يوافق على دخولي المدرسة العلمية،لكنه لم يوافق فرجعت إلى القرية وفي العام الثاني حاولت مرة أخرى فرحلت إلى صنعاء أيضاً مشياً على الأقدام وذهبت إليه مرة أخرى لكنه لم يوافق ولا فائدة في التوسل إليه فذهبت إلى الإمام يحيى والذي بدوره أصدر أمراً بالموافقة،فدخلت المدرسة العلمية واجتهدت كثيراً وسهرت الليالي حتى أصبحت الأول في فصلي.
العمل السياسي
ويواصل الأستاذ الصرحي سرد ذكرياته قائلاً:
وفي أحد الأيام خرجت وبعض زملاء الدراسة إلى نزهة وتحديداً إلى باب الروم «حارة الكويت حالياً» فأخذنا الحديث عن أحوال وظروف بلادنا والظلام والسواد المخيم على شعبنا وما إلى ذلك، تطور هذا الحديث والنقاش وأخذ منحنى جدياً حتى وصلنا في نهاية هذا النقاش إلى فكرة إنشاء حزب أو تنظيم سياسي سري في المدرسة العلمية، يتولى هذا الحزب تنشئة وتوعية الشباب بالهموم و بالقضايا الوطنية،وتعاهدنا على السير في هذا المشوار مهما كلفنا هذا الأمر من تضحيات ولو بالدم من أجل التغيير.
وشكلنا هذا الحزب من خلايا سرية في مختلف فصول المدرسة،وأنا كنت الأمين العام لهذا الحزب، واجتهدنا كثيراً في التحصيل العلمي وفي تشكيل هذه الخلايا السرية لتشمل أكبر عدد ممكن من الشباب ليس في المدرسة العلمية فحسب ،وإنما أيضاً في المدارس المتوسطة مثل مدرسة الأيتام والمدرسة الثانوية المتوسطة، وتوسع نشاطنا السياسي والاجتماعي والأدبي،وتعرفت على العديد من الشباب الذين ينتظرون لحظة التغيير من الحياة المظلمة.
علاقتي بالإمام البدر
ومن هؤلاء الشباب الأخ عبدالوهاب شرهان والذي تعرفت عليه أثناء الاجتماعات الدورية لهذا الحزب ومن خلاله تعرفت على البدر محمد بن الإمام أحمد حميد الدين في نقاش جمع ثلاثتنا حول قضية ولاية العهد والتي كانت حديث الساعة في ذلك الوقت وكان الحسن بن يحيى حميد الدين يعد نفسه لها إعداداً قوياً وأوضحت للبدر حينها بأن المدارس الموجودة في العاصمة تؤيده وتؤازره بقوة لأنها تأمل فيه الخير والصلاح للبلد، وأن الطلاب سيعملون على نشر الوعي في قراهم وفي كل أنحاء البلاد، ولمست حينها أن الفكرة انطلت عليه وأحبها كثيراً، وتكونت علاقة طيبة بيني وبينه، وأذكر في إحدى الجلسات أنه تبرم من وضع البلاد الذي تعيشه، وقلت له إن الناس تنظر فيك الأمل للخروج من الظلمات إلى النور، وهكذا تكاثرت الخلايا السرية وعملنا بنظام وسرية تامة.
تحرك الثعابين
ويقول: وبعد ذلك بدأت الثعابين تتحرك في الخفاء للوشاية بي وتبعث برسائل الدس إلى الإمام أحمد في تعز من داخل المدرسة العلمية وكنت أواصل اتصالاتي بالبدر حتى أضمن وقوفه معنا وإلى جانبنا.
وبدوره كان يطمئني ويقول لي لا تخف ولا تقلق وفي ذات ليلة من ليالي عيد الجلوس للإمام أحمد جاء إلى فصلي أحد جنود الإمام «العكفة» وأخذني إلى دار البشائر وكنت أظن أن البدر سيكون في استقبالي ولمحته وهو يتأملني من نافذة غرفته، وهذا ما أكد لي أنه لا فرق بين الإمام أحمد أو ابنه البدر وتم سجني في سجن دار البشائر،وجاءت فرصة مناسبة للهروب من خلال التخفي في ملابس نسائية وجدتها في رسالة عندما كنت أخرج إلى الغيل الأسود لأداء الصلاة والقيود على قدمّي، وذلك من خلال مساعدة إحدى نساء القصر مازلت أحفظ اسمها وهي موجودة اليوم في السعودية،المهم رفضت الهرب واستطاع الرئيس السلال أن يقنع البدر على إطلاق سجني خاصة أن السلال كان رئيس الحرس في ذلك الوقت، بعد خروجي من سجن البشائر زاد حماسي وإيماني بالعمل الوطني،لكن وجدت أن هناك تغيراً كبيراً في الحزب الذي أنشأناه، حيث انفرط عقده وتخاصم أفراده، ولم يبق له أي أثر، وفي هذه الأثناء زادت الدسائس إلى الإمام أحمد وإلى ابنه البدر حيث وصفوني له بأني ملحد وكافر،فأصدر الإمام أحمد أوامره بالقبض عليّ وسجني مرة أخرى،لكني استطعت الهروب من صنعاء إلى الحديدة بمساعدة الأخ محمد يوسف المؤيد رحمه الله ..وعند وصولي إلى الحديدة وجدت الرئيس السلال ومحمد عبدالكريم الصباحي وهاشم طالب وحسين المقدمي،وأطلعتهم على الموضوع وطمأنوني وبقيت في الحديدة لفترة أتحين الفرصة للهروب إلى عدن.
ساجني هو سائقي فيما بعد
ويواصل الاستاذ الصرحي حديثه قائلا:
وقبل الهروب إلى عدن تم القبض عليّ مرة أخرى، وأنا في مستشفى الحديدة بعد أن أجريت عملية جراحية للزائدة الدودية وجراحي مازالت لم تندمل،فتم أخذي إلى سجن نافع في حجة في سيارة عسكرية ومن الصدف العجيبة أن سائق السيارة العسكرية التي أخذتني إلى السجن تم تعيينه سائقاً لي بعد قيام الثورة المباركة وأنا نائب لوزير التربية والتعليم، وحينها لم أعرفه ولكنه عرف بنفسه وقال يا أستاذ محمد هل مازلت تتذكرني قبل الثورة، فقلت له: لا أعلم فقال: أنا كنت سائق السيارة العسكرية التي أخذتك من مستشفى الحديدة إلى سجن نافع في حجة وها أنا اليوم سائق معك.
المهم استمررت في سجن نافع في حجة سبع سنوات خلال هذه الفترة اشتدت عليّ الأمراض، خاصة مرض ضيق التنفس، وفي إحدى لقاءات القاضي عبدالرحمن الارياني رحمه الله بالإمام أحمد قال القاضي الارياني يامولانا: الصرحي له سبع سنوات في سجن نافع والأمراض اشتدت عليه ووالدته شغلتنا وعفوكم فوق أي ذنب ،فقال له الإمام هذا «كافر» فأجابه القاضي الارياني: الكافر حكمه التوبة، وهنا حررالإمام أحمد أمراً بإطلاقي من السجن إلى نائبه في حجة.
ابرز زملائي
وبالنسبة لزملائه المناضلين الذين عملوا معه على تأسيس حزب سياسي سري في المدرسة العلمية وفي المدارس المتوسطة في صنعاء، يقول: الاستاذ الصرحي:
مازلت أتذكر العديد منهم رغم تقدمي في السن ومنهم على سبيل المثال أحمد عبدالوهاب السماوي وأحمد الوشلي وأحمد علي الناصر وعبدالقادر محمد وعلي الحجري وعبدالله اللقية وأحمد محمد الرضي وحسين بن شرف الكبسي وحسين بن عبدالله العمري وعبدالكريم بن حسين الحوري وعبدالله بن أحمد الكبسي وعبدالله أحمد الخروبي وعبدالله بن يحيى الشامي وعلي اسماعيل الحوري وعبدالوهاب السوسوة وعبدالوارث عبدالمغني وعلي اسماعيل الكستبان وعلي قاسم المؤيد وناجي الأشول وعلي بن محمد الذيفاني ومحمد حسن السراجي.
ثورة سبتمبر
ويحدثنا عن ذكرياته للساعات الأولى لثورة سبتمبر ليلة الخميس السادس والعشرين 1962م فيقول:
مازلت أتذكر أنه في الثلث الأخير من تلك الليلة الخالدة سمعت أصوات المدافع والرشاشات فأخرجت رأسي من النافذة لتقصي خبر تلك الأصوات، وسمعت امرأة تقول «البواقين انقلبوا على الإمام جزاء ما أكلهم وعلمهم ورباهم» فشعرت أنها ساعة الثورة ،وأنه لا بد لي من المشاركة الفاعلة في هذا الحدث العظيم،انتظرت حتى الصباح الباكر ثم خرجت متوجهاً إلى قصر السلاح فوجدت هناك مصفحة فوقها رشاش ثم واصلت السير إلى باب اليمن فوجدت أيضاً مصفحة أخرى، ثم إلى الكلية الحربية «العرضي اليوم» فوجدت مصفحة ثالثة، ثم واصلت السير إلى التحرير فوجدت ثلاث دبابات، ثم رجعت مرة أخرى إلى الكلية الحربية فشاهدت بعض الطلاب الذين درستهم في المدرسة العلمية فأدخلوني إلى الرئيس السلال، فحييته بتحية الثورة والجمهورية،فاستدعى الشيخ عبدالله بن محمد القوسي وقال له: تعرف هذا الشخص، فقال نعم هذا أستاذي الذي تخرجت من تحت يديه في سجن نافع، فقال له خذه على مصفحة الآن إلى الإذاعة، وعند وصولي إلى دار الإذاعة صعدت درج المبنى وأنا على أحر من الجمر لإذاعة خبر الثورة، فدخلت الاستديو فوجدت الأخ أحمد الناصر وعلي قاسم المؤيد قد سبقاني في الجلوس أمام الميكرفون فجلست بينهما وبدأت أشارك في تقديم هذا الخبر العظيم لليمن وللعالم عامة.
وفي هذه الأثناء وكنا نسمع تبادل إطلاق النار واشتاقت نفسي إلى الذهاب إلى ميدان شرارة «ميدان التحرير» للاطلاع على المستجدات فتركت الإذاعة ولم أرجع بعد الظهر إليها، وفي الليل كتبت مقالاً حول الثوار من هم ومن أين جاءوا وما هي اتجاهاتهم وكان عنوان المقال «الثورة ممن ولمن» وفي الصباح ذهبت إلى الإذاعة، وألقيت هذا المقال وفي اليوم الثالث ذهبت إلى الكلية الحربية وشاهدت الرئيس السلال وحوله العديد من القبائل يطالبون بالسلاح لحماية الثورة والجمهورية، فحدثته بصوت هادئ بحيث لا يسمع الحديث إلا هو فقط فقلت له: «لا تكرر غلطة 48» فقال لي «لا تخف هم خبزي وعجيني» وفي الليل ذهبت إلى البيت وكتبت مقالاً آخر أردت من خلاله أن أزرع الخوف والهلع في نفس كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه الثورة المجيدة، وفي الصباح ذهبت إلى الإذاعة لألقي هذا المقال، فوجدت الدكتور عبدالعزيز المقالح وهو من رجال الإذاعة الأوائل فقال لي: لقد رددت إذاعة لندن وإذاعة صوت العرب مقالك السابق حول الثوار ومن هم !
ثم توجهت إلى غرفة الإرسال وألقيت مقال التخويف والتهديد والوعيد والذي كان عنوانه «طابع الثورة العنف لا الرحمة» والهدف من ذلك أن لا تطول أمد الحرب وتكون هناك حرب أهلية، كما أني لم أكن من موظفي الإذاعة وإنما ذهبت إلى هناك بناءً على أوامر الرئيس السلال صباح يوم الثورة المباركة.
رئاستي لتحرير صحيفة الجمهورية
وفي اليوم الرابع للثورة توجهت إلى الكلية الحربية بمقر قيادة الرئيس السلال ووجدته هناك فاستدعى عبدالله القوسي وكلفه بإيصالي إلى المطار للتوجه إلى مدينة تعز، قائلاً: الصحف يا أستاذ محمد نريدها تصدر من تعز لإظهار أهداف الثورة لليمن وللعالم.
وفعلاً توجهت إلى المطار ومنه إلى تعز والتي كانت عاصمة الإمام أحمد، وكانت هناك مطبعة تركية قديمة، كانت تطبع صحيفة النصر التابعة للإمام أحمد، ووجدت فيها العديد من العمال الشباب المتحمسين للعمل ليل نهار ومن أجل الثورة ونشر أهدافها وما زلت أتذكر منهم على سبيل المثال محمد لطف الذاري ومحمد العميسي وعلي الضمياني وعلي غثيم ويحيى علي الارياني وعلي العمراني وصالح المنتصر وحسوني خليل ومحمد أبو طالب وحسين العابد وعلوان الحكمي وأخوه فيصل وأيضاً كان هناك نخبة من الكتاب المميزين أمثال الأستاذ الكبير مطهر بن علي الارياني وعبدالله الوصابي ومحمد اليازلي وأحمد طربوش وسالم زين ومحمد الشرعبي ومحمود الحكيم ومبارك بامحرز ومحمد شجاع الدين وتم إصدار ثلاث صحف في هذه المطبعة القديمة وهي صحيفة الجمهورية وكنت أنا رئيس تحريرها وصحيفة الثورة وكان سالم زين رئيس تحريرها وصحيفة الأخبار ورئيس تحريرها عبدالله الوصابي وكنت ايضا المشرف العام لهذه الصحف التي كانت تتبع مكتب الإعلام وأنا أيضاً المسؤول عنه وكانت في البداية تصدر يومياً.
ويقول الأستاذ الصرحي: يا ولدي رغم الإمكانيات البسيطة وهذه المطبعة التركية القديمة عملنا بإخلاص وبجد ليل نهار في ظل هذه الظروف الصعبة، عملنا من أجل الثورة وليس من أجل الحصول على المغريات المادية، تقاسمنا التعب والمعاناة مع الزملاء في سبيل إصدار الصحف الثلاث، كنا نرص الكلمات رصاً بالحروف وكنت لا أغادر مقر الصحيفة إلا قبل أذان الفجر أنام ساعة أوساعتين فقط ثم أستيقظ مبكراً لإعداد المواد الصحفية،كنت أيضا أكتب مقالات باسماء أخرى غير اسمي حتى يشعر الناس ان هناك كتاباً يكتبون للصحف، وكان ذلك بمثابة المعركة لي ولزملائي يجب أن ننتصر فيها على الظروف الصعبة.
ويقول: واليوم صحيفة الجمهورية تعتبر من الصحف العملاقة التي لها جمهور واسع داخل اليمن وخارجه، خاصة ان لها موقعاً على الانترنت مكن العالم من متابعتها ، أيضاً سمعت انها تمتلك اليوم مطبعة حديثة جدا تطبع مختلف المطبوعات من صحف وكتب وغيرها وهذا شيء عظيم ويجعلنا نحن الرعيل الاول نشعر بالفخر والاعتزاز..
أيضا أنتم الصحفيون اليوم مؤهلون تأهيلاً جيداً وتتمتعون بالكفاءة والمقدرة سواء في تغطية الاحداث او التحليل السياسي ، او كتابة الاخبار والمقالات والتحقيقات عن مختلف القضايا، عكس مرحلتنا السابقة التي كان فيها العلم نادراً جداً والكتاب محدودين للغاية واليوم الحمد لله هناك صحافة حرة ومتعددة وكتاب وصحفيون متميزون..
حصر الوثائق والصحافة
ويواصل الأستاذ الصرحي سرد ذكرياته أثناء ترؤسه لصحيفة الجمهورية قائلاً:
ومما زاد من التعب والإرهاق هو تكليفي من قبل القاضي عبدالرحمن الإرياني رحمه الله والذي أصبح وزيراً للعدل بالاطلاع على الوثائق التي كانت موجودة في قصر «العرضي» مقر الإمام أحمد القريب من الصحيفة ،فعملت أنا والأديب عبدالسلام الحداد على الاطلاع على تلك الوثائق وحصرها وعملت فوق طاقتي حتى لا يتأثر العمل الصحفي بالغياب البسيط للاطلاع على الوثائق، والعجيب أني وجدت أول رزمة من تلك الوثائق والأوراق عبارة عن دسائس ووشاية بي عند الإمام أحمد، ومع ذلك لم أفكر يوماً في الانتقام من أصحابها، لأن الفرحة كانت تملأ قلبي بقيام الثورة لذلك لم أهتم بأمر الدسائس والانتقام من أصحابها.
أيضا وجدت في هذه الوثائق لفائف تتحدث عن تاريخ اليمن للمؤرخ محمد بن محمد زبارة وأيضاً لأحمد بن أحمد المطاع وللأديب أحمد عبدالوهاب الوريث وللمؤرخ عبدالله عبدالكريم الجرافي، واهتممت بأمر هذه الوثائق فاستدعيت عبدالله المقحفي أمين القصر وكذلك محمد مطهر شقيق عبدالغني مطهر وقلت له: يا أخ محمد هذه الوثائق تتحدث عن تاريخ اليمن وهي مهمة جداً احتفظ بها في مكان خاص حتى تخرج للناس بعد ذلك في مجلدات مطبوعة طباعة حديثة وجيدة.
كذلك عثرت على عسيب مع جنبيته فيه قطعة واحد من الذهب أهديت للإمام من دول الخليج وسلمته لمسؤولي القصر حتى يحفظ مع الذهب والأشياء الثمينة في الخزنة الخاصة بذلك.
تحقيقات اللقية ونشرها في الصحيفة
ويضيف قائلاً: كما ما زلت أتذكر أني وجدت بين هذه الوثائق أوراق التحقيقات التي كانت تجرى مع الشهيد البطل الملازم عبدالله اللقية، فلاحظت أنه كان يرد على السؤال أكثر مما يراد من الجواب، وفهمت من ذلك أن الشهيد اللقية أراد من ذلك أن يعرف الشعب من بعده عن تاريخ اليمن، فأخذتها من أجل نشرها في الصحيفة، وبدأت أنا والأستاذ مطهر الارياني في الإعداد لسلسلة هذه التحقيقات على حلقات، وبدأنا في الإعلان عنها في الصحيفة وأننا سوف نقوم بنشرها كاملة لما فيها من الحقائق الهامة وكررنا هذا الإعلان، وإذا بالرئيس السلال يأمر ابراهيم الحضراني والذي كان نائباً لوزير الإعلام بالنزول إلى تعز لزيارتي، فزرته في دار الضيافة وإذا به يحدثني قائلاً: إن الرئيس السلال يريد أن أذهب إليه في صنعاء لأمر هام جداً، فقلت له هناك ثلاث صحف سوف تتأثر بغيابي كثيراً، لكنه أصر على أن أذهب معه إلى صنعاء لمقابلة الرئيس السلال.
وتذكرت أن هذا الاصرار العجيب على طلوعي إلى صنعاء قد يكون ربما بسبب ما تم الإعلان عنه في الصحيفة بأننا سنقوم بنشر التحقيقات التي جرت مع الشهيد البطل اللقية والتي كنت قد اطلعت عليها كاملة، وكان من بين ما جاء فيها أن الرئيس السلال كان مشاركاً في المحكمة التي حاكمت الشهيد اللقية وكان أحد أعضائها ولم يلحظ عليه الرفق أو التنحي قليلاً لذلك استشعر الرئيس السلال أن نشر هذه الوثائق على لسان الشهيد اللقية قد تسبب له الكثير من الإحراج عند الناس لا سيما وأنه قريب عهد بالحكم.
استنبطت هذا السبب وعلمته بعد أن حدثني الحضراني عن هذه التحقيقات وأن الرئيس السلال يريد مني أن أسلمها له، فامتنعت عن ذلك، لأني وعدت الناس بنشرها كاملة في الصحيفة، فكيف أسلمها سنكون كذابين.
وكنت متمسكاً كثيراً برأيي أنا والأخ الأستاذ مطهر الأرياني، وكان إبراهيم الحضراني مصراً على تسليم هذه الوثائق حسب أوامر الرئيس السلال وبعد أخذ وشد وجذب، تم الاتفاق على عرض الموضوع على القاضي عبدالرحمن الارياني والذي كان متواجداً حينها في تعز والاحتكام إليه، فتم عرض الموضوع على القاضي والذي بدوره رأى أن أسلمها للأخ العميد محمد علي الأكوع والذي كان حينها مديراً لأمن تعز، وفعلاً تم تسليم الوثائق للعميد الأكوع ولم تنشر وما تزال لديه حتى اليوم.
الاقصاء من الصحيفة
وحول سبب بقائه فترة قصيرة في رئاسة التحرير للصحيفة لا تتجاوز الثلاثة أو الأربعة الأشهر يقول:
الأستاذ محمد الصرحي أثناء الأخذ والرد والجدال مع الحضراني حول الوثائق الخاصة بالتحقيقات التي أجريت مع الشهيد اللقية وصلتني دعوة من السفارة الألمانية بصنعاء لزيارة ألمانيا الاتحادية وحدد موعد المغادرة في وقت سريع، ففرحت بهذه الزيارة والتي ستكون فرصة جيدة للاطلاع على العالم الخارجي وكيف تسير الحياة في هذه الدول المتقدمة، وعزمت الأمر كذلك على زيارة بعض دور النشر والمطابع الصحفية في ألمانيا لأخذ صورة عن العمل الصحفي والطباعي فيها، وسافرت بمعية القاضي محمد السياغي مندوباً عن شئون القبائل والأخ أحمد مفرح مندوباً عن وزارة الخارجية ، وزرت بعض دور النشر والمقرات الصحفية.
وشاهدت التطور الكبير الذي وصلت إليه ألمانيا في العمل الصحفي لم أكن اتوقع حجم هذا التطور الهائل وطرحت على الأصدقاء الألمان بعض المساعدات التي ستعمل على تطوير صحيفة الجمهورية في اليمن باعتباري رئيساً لتحريرها ووعدنا بذلك.
وبعد عودتي ذهبت إلى الصحيفة فوجدت أنه تم تعيين بديل عني ولم يكن ذلك يهمني كثيراً بقدر اهتمامي بنجاح الصحيفة وتطورها والتي وجدتها قد تراجعت كثيراً بعد غيابي.
المنفى في المغرب
بعد ذلك ذهبت إلى صنعاء ونزلت في دار الضيافة على حسابي الخاص التقي بالمناضلين وأجتمع معهم وأشارك في الأحداث، وكانت هناك حساسيات كبيرة بين المسؤولين في ذلك الوقت، والتي لعبت دوراً سلبياً ومدمراً وأثرت كذلك على سياسات ومواقف القيادات المصرية.
واستمراراً لهذه الأوضاع وهذه السياسات تم إبعاد العناصر التي لا يرضى عنها المتنفذون، وكنت أحد تلك العناصر حيث تقرر إبعادي إلى المغرب سكرتيراً أول في سفارة اليمن بالمغرب وكان ذلك في 14/10/1963م.
اهداف سبتمبر
وبالنسبة لتقييمة لما تحقق من اهداف لثورة سبتمبر يقول الأستاذ الصرحي:
في الواقع لقد تحققت الكثير من المنجزات خاصة في مجال التعليم والطرقات وأيضاً بناء المستشفيات وغيرها ، لكن للاسف ما تحقق حتى الآن هو دون مستوى الطموح ، بسبب الصراعات السياسية التي لم تنته منذ ايام الثورة اليمنية وحتى اليوم ، أيضاً بسبب اللا مبالاة لدى العديد من عامة الشعب ، فمثلاً عندما تذهب إلى أي مرفق حكومي لا تجد المدير او المختص وما إلى ذلك من جوانب سلبية بسبب الفساد الإداري، وعدم الحرص على المال العام ..
الثورة الشبابية
وتحدث أيضاً الاستاذ الصرحي عن الثورة الشبابية التي فجرها لشباب العام الماضي فقال:
في هذا الجانب : يا ولدي ماحدث العام الماضي من أحداث وقتل ودمار وخراب هو بسبب الفساد الكبير الذي انتشر للأسف الشديد في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، وحقيقة أنا ارى ان الخوف مايزال موجوداً وصورة المستقبل غير مبشرة خاصة في ظل عدم الوفاق الموجود ، لكننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ البلاد والعباد أنه سميع مجيب الدعوات ..
تباً للعنصرية والمذهبية
وفي ختام حديث الذكريات مع الأستاذ المناضل محمد محمود الصرحي يقول الأستاذ محمد:
يا ولدي احنا عملنا ما قدرنا الله عليه في تغيير الوضع الظلامي الذي كان مخيماً على اليمن ولو أننا لم نحقق كل ماكنا نطمح إليه من تطور وازدهار ، واليوم الدور عليكم أنتم شباب هذا الوطن في حماية الوحدة والثورة والمنجزات العظيمة التي تحققت فالأخطار ما زالت قائمة وتتربص بالوطن كما نشاهد اليوم ..إن هناك من يحاول إرجاع عجلة التاريخ للخلف من خلال بث سموم العنصرية والمذهبية في صفوف أبناء الشعب اليمني الواحد..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.