عيدروس الزبيدي يصدر قرارا عسكريا جديدا    الحوثيون يرتمون في محرقة طور الباحة ويخسرون رهانهم الميداني    خوسيلو يقلب الطاولة على ميونيخ ويقود الريال للقاء دورتموند    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    العرادة يعرب عن أمله في أن تسفر الجهود الدولية بوقف الحرب الظالمة على غزة    فلكي يمني يحدد أول أيام شهر ذي القعدة 1445    "القضاء في لحج يُثبت صرامته: إعدام قاتلين عمداً"    سقوط نجم الجريمة في قبضة العدالة بمحافظة تعز!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    الضالع تحت نيران الحوثيين: صرخة مدوية تطالب بوضع حدّ للعدوان الحوثي    قناتي العربية والحدث تعلق أعمالها في مأرب بعد تهديد رئيس إصلاح مأرب بقتل مراسلها    "علي عبدالله صالح والزوكا شهيدان ماتا بشرف": دبلوماسي يمني يوجه رسالة ليحيى الراعي    أحذروهم في عدن!.. المعركة الخطيرة يقودها أيتام عفاش وطلائع الإخوان    اختيار المحامية اليمنية معين العبيدي ضمن موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة مميز    مطالبات بمحاكمة قتلة مواطن في نقطة أمنية شمالي لحج    انفجار مخزن أسلحة في #مأرب يودي بحياة رجل وفتاة..    دورتموند الألماني يتأهل لنهائي أبطال أوروبا على حساب باريس سان جرمان الفرنسي    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في مستشفى الشفاء بغزة وانتشال جثامين 49 شهيدا    حقيقة ما يجري في المنطقة الحرة عدن اليوم    تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بالصين في أبريل الماضي    فريق شبام (أ) يتوج ببطولة الفقيد أحمد السقاف 3×3 لكرة السلة لأندية وادي حضرموت    الولايات المتحدة تخصص 220 مليون دولار للتمويل الإنساني في اليمن مميز    الوزير البكري: قرار مجلس الوزراء بشأن المدينة الرياضية تأكيد على الاهتمام الحكومي بالرياضة    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    الاتحاد الدولي للصحفيين يدين محاولة اغتيال نقيب الصحفيين اليمنيين مميز    تستوردها المليشيات.. مبيدات إسرائيلية تفتك بأرواح اليمنيين    الاشتراكي اليمني يدين محاولة اغتيال أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين ويدعو لإجراء تحقيق شفاف مميز    قمة حاسمة بين ريال مدريد وبايرن ميونخ فى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مورينيو: لقد أخطات برفض البرتغال مقابل البقاء في روما    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    عصابة معين لجان قهر الموظفين    الحكومة الشرعية توجه ضربة موجعة لقطاع الاتصالات الخاضع للحوثيين.. وأنباء عن انقطاع كابل الإنترنت في البحر الأحمر    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    تحديث جديد لأسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن    رغم إصابته بالزهايمر.. الزعيم ''عادل إمام'' يعود إلى الواجهة بقوة ويظهر في السعودية    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ محمد حمود الصرحي:گنت من المذيعين الأوائل الذين أعلنوا خبر ميلاد الثورة المباركة
في الذكرى ال47 لإصدار عددها الأول...الجمهورية تبحر في ذاكرة أول رئيس تحرير لها..

يصادف اليوم العشرين من شهر أكتوبر الذكرى السابعة والأربعين لإصدار العدد الأول من صحيفة الجمهورية ،حيث صدر عددها الأول في 20اكتوبر من عام 1962كأول صحيفة رسمية بعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة،حيث صدرت من تعز إلى جانب صحيفتين أخريتين وهي صحيفة الجمهورية وكان رئيس تحريرها الأستاذ المناضل محمد حمودالصرحي وصحيفة الثورة وكان رئيس تحريرها الأستاذ سالم زين وصحيفة الأخبار وكان رئيس تحريرها الأستاذ عبدالله الوصابي.. اليوم وبمناسبة مرور سبعة وأربعين عاماً على إصدار أول عددمن صحيفة الجمهورية أجرينا هذا اللقاء مع الاستاذ محمد حمود الصرحي أول رئيس تحرير للصحيفة للإبحار في أعماق ذكرياته النضالية،خاصة أنه من المناضلين الذين أبدوا استعدادهم لبذل الروح والدم والمال في سبيل قيام الثورة اليمنية العظيمة للقضاء على مختلف مظاهر التخلف والظلم والتعسف والفقر والشقاء والجهل والمرض، والذي كان يسود اليمن كل اليمن إبان الحكم الإمامي المتخلف.
زرته في منزله في حي البونية جوار جامع حنظل بالعاصمة صنعاء فاستقبلني بكل تواضع ورحب بي كثيراً في منزله بالرغم أنه لم يكن يرغب في الحديث عن الماضي حتى لا يجرح أحداً حسب قوله.
أصررت عليه لسرد بعض ذكرياته عن مسيرة الثورة اليمنية الخالدة ومواقفه النضالية وعن مسيرته الصحفية في صحيفة الجمهورية خاصة وهو رئيس تحريرهاالأول فكان هذا اللقاء.
حياته الأولى
بدأ الأستاذ محمد الحديث قائلا:ً أنا من مواليد عام 1934 في احدى قرى ضواحي مدينة السدة بوادي بنا محافظة إب، عشت في هذه القرية الصغيرة سني الطفولة ودرست في كتابها علوم الدين واللغة العربية وهو تعليم بدائي حيث لم تكن توجد المدارس في ذلك الوقت سوى المدرسة العلمية في صنعاء وبعض المدارس المتوسطة.
في هذه القرية شاهدت الظلم والفقر والجهل والمرض الذي لم يكن يخيم على القرية فحسب بل على كل اليمن،هذا الأمر جعلني أعزم الأمر على الالتحاق بالمدرسة العلمية في صنعاء لتعزيز تعليمي الأولي ولتوسيع مداركي ومبادئي الوطنية من خلال التسلح بالعلم والمعرفة و الثقافة والاحتكاك بالعلماء والأدباء والمثقفين الذين كان الوطن يعول عليهم لتغيير صورة الحياة المظلمة.
التعليم لأصحاب النفوذ
ويقول: العاصمة صنعاء كانت هي المستقبل أمامي لأن الحياة في القرية كانت أكثر ظلماً وتعسفاً، فذهبت مشياً على الأقدام من القرية إلى صنعاء من أجل الالتحاق بالمدرسة العلمية والتي كانت خاصة بكبار القوم من أصحاب الحسب والنسب وليست لكل أبناء الشعب، لذلك ذهبت إلى عبدالله بن الإمام يحيى حميدالدين والذي كان وزير المعارف وذلك للموافقة على إدخالي في هذه المدرسة ومازلت أتذكر أني جريت خلفه حافي القدمين وهو راكب على حصانه إلى الروضة شمال العاصمة أتوسل إليه أن يوافق على دخولي المدرسة العلمية،لكنه لم يوافق فرجعت إلى القرية وفي العام الثاني حاولت مرة أخرى فرحلت إلى صنعاء أيضاً مشياً على الأقدام وذهبت إليه مرةأخرى لكنه لم يوافق ولا فائدة في التوسل إليه فذهبت إلى الإمام يحيى والذي بدوره أصدر أمراً بالموافقة بعد جهد كبير،فدخلت المدرسة العلمية واجتهدت كثيراً وسهرت الليالي حتى أصبحت الأول في فصلي.
بداية العمل السياسي
ويواصل الأستاذ الصرحي سرد ذكرياته قائلاً: وفي أحد الأيام خرجت وبعض زملاء الدراسة إلى نزهة وتحديداً إلى باب الروم «حارة الكويت حالياً» فأخذنا الحديث عن أحوال وظروف بلادنا والظلام والسواد المخيم على شعبنا وما إلى ذلك، تطور هذا الحديث والنقاش وأخذ منحنى جدياً حتى وصلنا في نهاية هذا النقاش إلى فكرة إنشاء حزب سياسي سري في المدرسة العلمية، يتولى هذا الحزب تنشئة وتوعية الشباب بالهموم و بالقضايا الوطنية،وتعاهدنا على السير في هذا المشوار مهما كلفنا هذا الأمر من تضحيات ولو بالدم من أجل التغيير.
وشكلنا هذا الحزب من خلايا سرية في مختلف فصول المدرسة،وأنا كنت الأمين العام لهذا الحزب، واجتهدنا كثيراًفي التحصيل العلمي وفي تشكيل هذه الخلايا السرية لتشمل أكيد عدد ممكن من الشباب ليس في المدرسة العلمية فحسب ،وإنما أيضاً في المدارس المتوسطة مثل مدرسة الأيتام والمدرسة الثانوية المتوسطة، وتوسع نشاطنا السياسي والاجتماعي والأدبي،وتعرفت على العديد من الشباب الذين ينتظرون لحظة التغيير من الحياة المظلمة.
علاقتي بالبدر
ومن هؤلاء الشباب الأخ عبدالوهاب شرهان والذي تعرفت عليه أثناء الاجتماعات الدورية لهذا الحزب ومن خلاله تعرفت على البدر محمد بن الإمام أحمد حميد الدين في نقاش جمع ثلاثتنا حول قضية ولاية العهد والتي كانت حديث الساعة في ذلك الوقت وكان الحسن بن يحيى حميد الدين يعد نفسه لها إعداداً قوياً وأوضحت للبدر حينها بأن المدارس الموجودة في العاصمة تؤيده وتؤازره بقوة لأنها تأمل فيه الخير والصلاح للبلد، وأن الطلاب سيعملون على نشر الوعي في قراهم وفي كل أنحاء البلاد، ولمست حينها أن الفكرة انطلت عليه وأحبها كثيراً، وتكونت علاقة طيبة بيني وبينه، وأذكر في إحدى الجلسات أنه تبرم من وضع البلاد الذي تعيشه، وقلت له إن الناس تنظر فيه الأمل للخروج من الظلمات إلى النور، وهكذا تكاثرت الخلايا السرية وعملنا بنظام وسرية تامة.
مرحلة المؤامرات والسجون
ويقول: وبعد ذلك بدأت الثعابين تتحرك في الخفاء للوشاية بي وتبعث برسائل الدس إلى الإمام أحمد في تعز من داخل المدرسة العلمية وكنت أواصل اتصالاتي بالبدر حتى أضمن وقوفه معنا وإلى جانبنا.
وبدوره كان يطمئني ويقول لي لا تخف ولا تقلق وفي ذات ليلة من ليالي عيد الجلوس للإمام أحمد جاء إلى فصلي أحد جنود الإمام «العكفة» وأخذني إلى دار البشائر وكنت أظن أن البدر سيكون في استقبالي ولمحته وهو يتأملني من نافذة غرفته، وهذا ما أكد لي أنه لا فرق بين الإمام أحمد أو ابنه البدر وتم سجني في سجن دار البشائر،وجاءت فرصة مناسبة للهروب من خلال التخفي في ملابس نسائية وجدتها في رسالة عندما كنت أخرج إلى الغيل الأسود لأداء الصلاة والقيود على قدمّي، وذلك من خلال مساعدة إحدى نساء القصر مازلت أحفظ اسمها وهي موجودة اليوم في السعودية،المهم رفضت الهرب واستطاع الرئيس السلال أن يقنع البدر على إطلاق سجني خاصة أن السلال كان رئيس الحرس في ذلك الوقت، بعد خروجي من سجن البشائر زاد حماسي وإيماني بالعمل الوطني،لكن وجدت أن هناك تغيراً كبيراً في الحزب الذي أنشأناه، حيث انفرط عقده وتخاصم أفراده، ولم يبق له أي أثر، وفي هذه الأثناء زادت الدسائس إلى الإمام أحمد وإلى ابنه البدر حيث وصفوني له بأني ملحد وكافر،فأصدر الإمام أحمد أوامره بالقبض عليّ وسجني مرة أخرى،لكني استطعت الهروب من صنعاء إلى الحديدة بمساعدة الأخ محمد يوسف المؤيد رحمه الله والذي ساعدني على ذلك..وعند وصولي إلى الحديدة وجدت الرئيس السلال ومحمد عبدالكريم الصباحي وهاشم طالب وحسين المقدمي،وأطلعتهم على الموضوع وطمأنوني وبقيت في الحديدة لفترة أتحين الفرصة للهروب إلى عدن.
صدف عجيبة
وقبل الهروب إلى عدن تم القبض عليّ مرة أخرى، وأنا في مستشفى الحديدة بعد أن أجريت عملية جراحية للزائدة الدودية وجراحي مازالت لم تندمل،فتم أخذي إلى سجن نافع في حجة في سيارة عسكرية ومن الصدف العجيبة أن سائق السيارة العسكرية التي أخذتني إلى السجن عُين سائقاً لي بعد قيام الثورة المباركة وأنا نائب لوزير التربية والتعليم، وحينها لم أعرفه ولكنه عرف بنفسه وقال يا أستاذ محمد هل مازلت تتذكرني قبل الثورة، فقلت له لا أعلم فقال أنا كنت سائق السيارة العسكرية التي أخذتك من مستشفى الحديدة إلى سجن نافع في حجة وها أنا اليوم سائق معك.
سجن نافع
المهم استمررت في سجن نافع في حجة سبع سنوات خلال هذه الفترة اشتدت عليّ الأمراض، خاصة مرض ضيق التنفس، وفي إحدى لقاءات القاضي عبدالرحمن الارياني رحمه الله بالإمام أحمد قال القاضي الارياني يامولانا: الصرحي له سبع سنوات في سجن نافع والأمراض اشتدت عليه ووالدته شغلتنا وعفوكم فوق أي ذنب ،فقال له الإمام هذا «كافر» فأجابه القاضي الارياني الكافر حكمه التوبة، وهنا حررالإمام أحمد أمراً بإطلاقي من السجن إلى نائبه في حجة.
زملاؤه المناضلون
وبالنسبة لزملائه المناضلين الذين عملوا معه على تأسيس حزب سياسي سري في المدرسة العلمية وفي المدارس المتوسطة في صنعاء، يقول: الاستاذ الصرحي: مازلت أتذكر العديد منهم رغم تقدمي في السن ومنهم على سبيل المثال أحمد عبدالوهاب السماوي وأحمد الوشلي وأحمد علي الناصر وعبدالقادر محمد وعلي الحجري وعبدالله اللقية وأحمد محمد الرضي وحسين بن شرف الكبسي وحسين بن عبدالله العمري وعبدالكريم بن حسين الحوري وعبدالله بن أحمد الكبسي وعبدالله أحمد الخربي وعبدالله بن يحيى الشامي وعلي اسماعيل الحوري وعبدالوهاب السوسوة وعبدالوارث عبدالمغني وعلي اسماعيل الكستبان وعلي قاسم المؤيد وناجي الأشول وعلي بن محمدالذيفاني ومحمد حسن السراجي.
انطلاق فجر الثورة الخالدة
وتبحر بنا ذكرياته نحو الساعات الأولى لانطلاق فجر الثورة اليمنية الخالدة ليلة الخميس السادس والعشرين من سبتمبر المجيد 1962م فيقول:
مازلت أتذكر أنه في الثلث الأخير من تلك الليلة الخالدة سمعت أصوات المدافع والرشاشات فأخرجت رأسي من النافذة لتقصي خبر تلك الأصوات، وسمعت امرأة تقول «البواقين انقلبوا على الإمام جزاء ما أكلهم وعلمهم ورباهم» فشعرت أنها ساعةالثورة ،وأنه لا بد لي من المشاركة الفاعلة في هذا الحدث العظيم،انتظرت حتى الصباح الباكر ثم خرجت متوجهاً إلى قصر السلاح فوجدت هناك مصفحة فوقها رشاش ثم واصلت السير إلى باب اليمن فوجدت أيضاً مصفحة أخرى، ثم إلى الكلية الحربية «العرضي اليوم» فوجدت مصفحة ثالثة، ثم واصلت السير إلى التحرير فوجدت ثلاث دبابات، ثم رجعت مرة أخرى إلى الكلية الحربية فشاهدت بعض الطلاب الذين درستهم في المدرسة العلمية فأدخلوني إلى الرئيس السلال، فحييته بتحية الثورة والجمهورية،فاستدعى الشيخ عبدالله بن محمد القوسي وقال له تعرف هذا الشخص، فقال نعم هذا أستاذي الذي تخرجت من تحت يديه في سجن نافع، فقال له خذه على مصفحة الآن إلى الإذاعة، وعند وصولي إلى دار الإذاعة صعدت درج المبنى وأنا على أحر من الجمر لإذاعة خبر الثورة، فدخلت الاستديو فوجدت الأخ أحمد الناصر وعلي قاسم المؤيد قد سبقاني في الجلوس أمام الميكرفون فجلست بينهما وبدأت أشارك في تقديم هذا الخبر العظيم لليمن وللعالم عامة.
وفي هذه الأثناء كان البدر ما يزال يقاوم في قصر البشائر، وكنا نسمع تبادل إطلاق النار واشتاقت نفسي إلى الذهاب إلى ميدان شرارة «ميدان التحرير» للاطلاع على المستجدات فتركت الإذاعة ولم أرجع بعد الظهر إليها، وفي الليل كتبت مقالاً حول الثوار من هم ومن أين جاءوا وما هي اتجاهاتهم وكان عنوان المقال «الثورة ممن ولمن» وفي الصباح ذهبت إلى الإذاعة، وألقيت هذا المقال وفي اليوم الثالث ذهبت إلى الكلية الحربية وشاهدت الرئيس السلال وحوله العديد من القبائل يطالبون بالسلاح لحماية الثورة والجمهورية، فحدثته بصوت هادئ بحيث لا يسمع الحديث إلا هو فقط فقلت له: «لا تكرر غلطة 48» فقال لي «لا تخف هم خبزي وعجيني» وفي الليل ذهبت إلى البيت وكتبت مقالاً آخر أردت من خلاله أن أزرع الخوف والهلع في نفس كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه الثورة المجيدة، وفي الصباح ذهبت إلى الإذاعة لألقي هذا المقال، فوجدت الدكتور عبدالعزيز المقالح وهو من رجال الإذاعة الأوائل فقال لي لقد رددت إذاعة لندن وإذاعة صوت العرب مقالك السابق حول الثوار ومن هم !
ثم توجهت إلى غرفة الإرسال وألقيت مقال التخويف والتهديد والوعيد والذي كان عنوانه «طابع الثورة العنف لا الرحمة» والهدف من ذلك أن لا تطول أمد الحرب وتكون هناك حرب أهلية، كما أني لم أكن من موظفي الإذاعة وإنما ذهبت إلى هناك بناءً على أوامر الرئيس السلال صباح يوم الثورة المباركة.
التوجه إلى تعز ورئاسة تحرير صحيفة الجمهورية
وفي اليوم الرابع للثورة توجهت إلى الكلية الحربية بمقر قيادة الرئيس السلال ووجدته هناك فاستدعى عبدالله القوسي وكلفه بإيصالي إلى المطار للتوجه إلى مدينة تعز، قائلاً: الصحف يا أستاذ محمد نريدها تصدر من تعز لإظهار أهداف الثورة لليمن وللعالم.
وفعلاً توجهت إلى المطار ومنه إلى تعز والتي كانت عاصمة الإمام أحمد، وكان هناك مطبعة تركية قديمة، كانت تطبع صحيفة النصر التابعة للإمام أحمد، ووجدت فيها العديد من العمال الشباب المتحمسين للعمل ليل نهار ومن أجل الثورة ونشر أهدافها وما زالت أتذكر منهم على سبيل المثال محمد لطف الذاري ومحمد العميسي وعلي الضمياني وعلي غثيم ويحيى علي الارياني وعلي العمراني وصالح المنتصر وحسوني خليل ومحمد أبو طالب وحسين العابد وعلوان الحكمي وأخوه فيصل وأيضاً كان هناك نخبة من الكتاب المميزين أمثال الأستاذ الكبير مطهر بن علي الارياني وعبدالله الوصابي ومحمد اليازلي وأحمد طربوش وسالم زين ومحمد الشرعبي ومحمود الحكيم ومبارك بامحرز ومحمد شجاع الدين وتم إصدار ثلاث صحف في هذه المطبعة القديمة وهي صحيفة الجمهورية وكنت أنا رئيس تحريرها وصحيفة الثورة وكان سالم زين رئيس تحريرها وصحيفة الأخبار ورئيس تحريرها عبدالله الوصابي وكل هذه الصحف كانت تتبع مكتب الإعلام وأنا المسؤول عنه وكانت في البداية تصدر يومياً.
ويقول الأستاذ الصرحي يا ولدي رغم الإمكانيات البسيطة وهذه المطبعة التركية القديمة عملنا بإخلاص وبجد ليل نهار في ظل هذه الظروف الصعبة، عملنا من أجل الثورة وليس من أجل الحصول على المغريات المادية، تقاسمنا التعب والمعاناة مع الزملاء في سبيل إصدار الصحف الثلاث، كنا نرص الكلمات رصاً بالحروف وكنت لا أغادر مقر الصحيفة إلا قبل أذان الفجر أنام ساعة أوساعتين فقط ثم أستيقظ مبكراً لإعداد المواد الصحفية، كان ذلك بمثابة المعركة لي ولزملائي يجب أن ننتصر فيها على الظروف الصعبة.
الجمع بين حصر الوثائق والصحافة
ويواصل الصرحي سرد ذكرياته أثناء ترأسه صحيفة الجمهورية قائلاً:
ومما زاد من التعب والإرهاق هو تكليفي من قبل القاضي عبدالرحمن الإرياني والذي أصبح وزيراً للعدل بالاطلاع على الوثائق التي كانت موجودة في قصر «العرضي» من مقر الإمام أحمد فعملت أنا والأديب عبدالسلام الحداد على الاطلاع على تلك الوثائق وحصرها وعملت فوق طاقتي حتى لا يتأثر العمل الصحفي بالغياب البسيط للاطلاع على الوثائق، والعجيب أني وجدت أول رزمة من تلك الوثائق والأوراق عبارة عن دسائس ووشاية بي عند الإمام أحمد، ومع ذلك لم أفكر يوماً في الانتقام من أصحابها، لأن الفرحة كانت تملأ قلبي بقيام الثورة لذلك لم أهتم بأمر الدسائس والانتقام من أصحابها.
تاريخ اليمن
كذلك وجدت في هذه الوثائق لفائف تتحدث عن تاريخ اليمن للمؤرخ محمد بن محمد زبارة وأيضاً لأحمد بن أحمد المطاع وللأديب أحمد عبدالوهاب الوريث وللمؤرخ عبدالله عبدالكريم الجرافي، واهتممت بأمر هذه الوثائق فاستدعيت عبدالله المقحفي أمين القصر وكذلك محمد مطهر شقيق عبدالغني مطهر وقلت له يا أخ محمد هذه الوثائق تتحدث عن تاريخ اليمن وهي مهمة جداً احتفظ بها في مكان خاص حتى لا يطلع عليها مرة أخرى لتخرج للناس بعد ذلك في مجلدات مطبوعة طباعة حديثة وجيدة.
كذلك عثرت على عسيب مع جنبيته في قطعة واحد من الذهب أهديت للإمام من دول الخليج وسلمته لمسؤولي القصر حتى يحفظ مع الذهب والأشياء الثمينة في الخزنة الخاصة بذلك.
تحقيقات اللقية ونشرها في الصحيفة
ويضيف قائلاً: كما ما زلت أتذكر أني وجدت بين هذه الوثائق أوراق التحقيقات التي كانت تجرى مع الشهيد البطل الملازم عبدالله اللقية، فلاحظت أنه كان يرد على السؤال أكثر مما يراد من الجواب، وفهمت من ذلك أنه الشهيد اللقية أراد من ذلك أن يعرف الشعب من بعده عن تاريخ اليمن، فأخذتها من أجل نشرها في الصحيفة، وبدأت أنا والأستاذ مطهر الارياني في الإعداد لسلسلة هذه التحقيقات على حلقات، وبدأنا في الإعلان عنها في الصحيفة وأننا سوف نقوم بنشرها كاملة لما فيها من الحقائق الهامة وكررنا هذا الإعلان، وإذا بالرئيس السلال يأمر ابراهيم الحضراني والذي كان نائباً لوزير الإعلام بالنزول إلى تعز لزيارتي، فزرته في دار الضيافة وإذا به يحدثني قائلاً: إن الرئيس السلال يريد أن أذهب إليه إلى صنعاء لأمر هام جداً، فقلت له هناك ثلاث صحف سوف تتأثر بغيابي كثيراً، لكنه أصر على أن أذهب معه إلى صنعاء لمقابلة الرئيس السلال.
وتذكرت أن هذا الاصرار العجيب على طلوعي إلى صنعاء قد يكون ربما بسبب ما تم الإعلان عنه في الصحيفة بأننا سنقوم بنشر التحقيقات التي جرت مع الشهيد البطل اللقية والتي كنت قد اطلعت عليها كاملة، وكان من بين ما جاء فيها أن الرئيس السلال كان مشاركاً في المحكمة التي حاكمت الشهيد اللقية وكان أحد أعضائها ولم يلحظ عليه الرفق أو التنحي قليلاً لذلك استشعر الرئيس السلال أن نشر هذه الوثائق على لسان الشهيد اللقية قد تسبب له الكثير من الإحراج عند الناس لا سيما وأنه قريب عهد بالحكم.
استنبطت هذا السبب وعلمته بعد أن حدثني الحضراني عن هذه التحقيقات وأن الرئيس السلال يريد مني أن أسلمها له، فامتنعت عن ذلك، لأني وعدت الناس بنشرها كاملة في الصحيفة، فكيف أسلمها سنكون كذابين.
وكنت متمسكاً كثيراً برأيي أنا والأخ الأستاذ مطهر الأرياني، وكان إبراهيم الحضراني مصراً على تسليم هذه الوثائق حسب أوامر الرئيس السلال وبعد أخذ وشد وجذب، تم الاتفاق على عرض الموضوع على القاضي عبدالرحمن الارياني والذي كان متواجداً حينها في تعز والاحتكام إليه، فتم عرض الموضوع على القاضي والذي بدوره رأى أن أسلمها للأخ العميد محمد علي الأكوع والذي كان حينها مديراً لأمن تعز، وفعلاً تم تسليم الوثائق للعميد الأكوع ولم تنشر وما تزال لديه حتى اليوم.
الإقصاء من الصحيفة
وحول سبب بقائه فترة قصيرة في رئاسة التحرير للصحيفة لا تتجاوز الثلاثة أو الأربعة الأشهر يقول: الأستاذ محمد الصرحي أثناء الأخذ والرد والجدال مع الحضراني حول الوثائق الخاصة بالتحقيقات التي أجريت مع الشهيد اللقية وصلتني دعوة من السفارة الألمانية بصنعاء لزيارة ألمانيا الاتحادية وحدد وقتها في وقت سريع، ففرحت بهذه الزيارة والتي ستكون فرصة جيدة للاطلاع على العالم الخارجي وكيف تسير الحياة في هذه الدول المتقدمة، وعزمت الأمر كذلك على زيارة بعض دور النشر والمطابع الصحفية في ألمانيا لأخذ صورة عن العمل الصحفي والطباعي فيها، وسافرت بمعية القاضي محمد السياغي مندوباً عن شئون القبائل والأخ أحمد مفرح مندوباً عن وزارة الخارجية ، وزرت بعض دور النشر والمقرات الصحفية.
وشاهدت التطور الكبير الذي وصلت إليه ألمانيا في العمل الصحفي لم أكن اتوقع حجم هذا التطور الهائل وطرحت على الأصدقاء الألمان بعض المساعدات التي تساعدني على تطوير صحيفة الجمهورية في اليمن باعتباري رئيساً لتحريرها ووعدنا بذلك.
وبعد عودتي ذهبت إلى الصحيفة فوجدت أنه تم تعيين بديل عني ولم يكن ذلك يهمني كثيراً بقدر اهتمامي بنجاح الصحيفة وتطورها والتي وجدتها قد تراجعت كثيراً بعد غيابي.
المنفى في المغرب
بعد ذلك ذهبت إلى صنعاء ونزلت في دار الضيافة على حسابي الخاص ألتقي بالمناضلين وأجتمع معهم وأشارك في الأحداث، وكان هناك حساسيات كبيرة بين المسؤولين في ذلك الوقت، والتي لعبت دوراً سلبياً ومدمراً وأثرت كذلك على سياسات ومواقف القيادات المصرية.
واستمراراً لهذه الأوضاع وهذه السياسات تم إبعاد العناصر التي لا يرضى عنها المتنفذون، وكنت أحد تلك العناصر حيث تقرر إبعادي إلى المغرب سكرتيراً أول في سفارة اليمن بالمغرب وكان ذلك في 14/10/1963م.
تباً للعنصرية والمذهبية
وفي ختام حديث الذكريات مع الأستاذ المناضل محمد محمود الصرحي يقول الأستاذ محمد: يا ولدي احنا عملنا ما قدرنا الله عليه في تغيير الوضع الظلامي الذي كان مخيماً على اليمن، واليوم الدور عليكم أنتم شباب هذا الوطن في حماية الوحدة والثورة والمنجزات العظيمة التي تحققت فالأخطار ما زالت قائمة وتتربص بالوطن ها نحن نرى اليوم أن هناك من يحاول أن ترجع عجلة التاريخ للوراء من خلال بث سموم العنصرية والمذهبية في صفوف أبناء الشعب اليمني الواحد، وهاهي اليوم تحمل السلاح وترهب المواطنين في محافظة صعدة وفي حرف سفيان وتعتدي على المواطنين في منازلهم وفي مزارعهم تقتلهم باسم الدين والدين والإسلام براء منه يتحالفون مع الشيطان لتمزيق الوطن من خلال بث هذه السموم والأفكار الضالة لتحقيق أهدافهم الملعونة والمجنونة، لذلك أنتم الشباب من يعول عليهم الوطن في حمايته من التشرذم والتقزم كما يريد له الأعداء.
ويقول: وبالتأكيد هم سيذهبون إلى الجحيم كما ذهب من سبقوهم وسيبقى الوطن كبيراً واحداً موحداً شامخاً رغم أنوف المخلفات الإمامية والسلاطينية التي لفظها الشعب إلى مزبلة التاريخ وإلى الأبد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.