قليلة هي الأماكن التي يتحقق فيها علاج الجسد والنفس معاً ، ولعل اليمن من هذه البلدان التي يختلط فيها الاستشفاء من أمراض الجسد مع الترويح عن النفس ، وذلك بفضل الطبيعة التي جادت على الأرض اليمنية بكل مقومات العلاج الطبيعي من مياه حارة غنية بالأملاح والكبريتات ، إلى طين بركاني ، إلى طقس معتدل وطبيعة خلابة ، بالإضافة إلى الاستشفاء الطبيعي بالمياه المعدنية وشلالات المياه الساخنة ، والسياحة العلاجية تعد إحدى أنواع الأنشطة السياحية الهامة التي تم الإقبال عليها خلال السنوات الأخيرة والتي تجتذب عدداً كبيراً من السائحين من مختلف البلدان ، ويقصد بها السفر بهدف العلاج والاستجمام في المنتجعات الطبيعية والصحية في مختلف بقاع العالم. ومن الدول التي تشتهر بالسياحة العلاجية الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا والتي احتلت المركز الأول في السياحة العلاجية وتشتهر بالعديد من المستشفيات ومصحات العلاج الطبيعي والنقاهة والاستجمام ، بالإضافة إلى المصحة الفريدة من نوعها في العالم لعلاج الأمراض النفسية من غير أدوية أو حقن ، كما دخلت ميدان هذا النوع من السياحة كل من اليابان والولايات المتحدة ومن الدول العربية الاردن ومصر وسوريا. وقد زاد اهتمام العديد من البلدان بهذا النوع من السياحة لما تحققه من ارقام ملموسة من وارداتها السياحية ، لأنه ما من شك فيه أن انتقال المرضى إلى بلدان أو مواقع العلاج لابد أن يتطلب وجود مرافقين لهم يصاحبونهم في رحلاتهم العلاجية من الأقارب والأصدقاء وهؤلاء يشكلون عدداً لايستهان به من السياح الوافدين للبلد. واليمن بما تتمتع به من مزايا ومقومات جغرافية وطبيعية تجعل منه بلداً سياحياً في جميع فصول العام وتلبي معظم الأهداف التي ينشدها السائح ،حيث تتوافر المشافي والمصايف والينابيع الطبيعية والغابات والصحارى والشواطئ ، فهي تمتلك مقومات طبيعية كبيرة تؤهلها لقيام السياحة العلاجية كنشاط جدير بالاهتمام وعلى رأسها مصادر حمامات المياه المعدنية العلاجية المنتشرة في معظم محافظات الجمهورية وعدد مواقعها المحصورة حتى اليوم بحسب دراسة أعدتها الهيئة العامة للتنمية السياحية «واحد وثمانون حماماً معدنياً»، والتي تتنوع فيها كافة الصفات الطبيعية وتختلف تركيبات خواصها الكيميائية وتتعدد فوائدها العلاجية بالإضافة إلى شمول بعضها على عناصر معدنية وإشعاعية نادرة مرغوبة عالمياً في مجالات العلاج الطبيعي والاستخدامات الطبيعية الأخرى والتي تتوزع على تضاريس متميزة في مديريات معظم محافظات الجمهورية بين مواقع في الجبال والهضاب والسهول والشواطىء وبما يلبي أغراض التنوع المناخي في مختلف أقاليم اليمن لقيام مشاتي ومصايف تعمل على مدار العام. فهناك العديد من المواقع السياحية الغنية بالمياه الحارة المشبعة بالمعادن، والتي تجعل منها منتجعات استشفائية يرتادها العديد من الأشخاص ومن أهم تلك المواقع الاستشفائية : حمام دمت : وتتميز هذه المنطقة بالدفء والشمس الساطعة والجمال الطبيعي طيلة العام وهي من أشهر المواقع العلاجية في اليمن، وتبعد عن مدينة الضالع بنحو 60 كم شمالاً، يوجد في أوديتها العديد من الينابيع الحارة والكبريتية، منها حمامات دمت المشهورة التي يقصدها الناس من جهات شتى للاستشفاء من الأمراض الجلدية والروماتيزم وأمراض الجهاز الهضمي والعيون وغيرها، وتخرج مياهها من «الحرضة » وهي فوهة على أكمة حجرها صلد يبلغ ارتفاعها 150 متراً، وداخلها حوض للمياه الحارة على عمق متر. من أعلاه، وقطر الفتحة 50 متراً، ويبدو ان الجبل تكون من نافورة كبرى 50 معدنية مضى عليها زمن طويل فتكون ذلك الجبل من الكلس نتيجة الرواسب المائية وماتزال تجري من سفح هذا الهرم عيون كبيرة. ينابيع حضرموت الكبريتية يشتهر الجزء الساحلي من حضرموت بوجودالعديد من الينابيع والعيون الحارة والكبريتية في مناطق كثيرة تختلف خواصها من ينبوع إلى آخر، ويتوجه إليها الناس من أطراف البلاد البعيدة والقريبة طلباً للشفاء من بعض الأمراض منها أمراض الجلد والروماتيزم وأمراض الجهاز الهضمي ومرض السكر والسمنة المفرطة ومن تلك الينابيع. صويبر : وتبعد حوالي 47 كم عن مدينة الشحر. تبالة : وهي أغزر العيون وأكثرها عددهاً، وتبعد بنحو 10 كم عن مدينة الشحر. الحامي : وتبعد بحوالي 17 كم عن مدينة الشحر. شاطىء شرمة : يبعد حوالي 120 كم شرق مدينة المكلا. ينابيع محافظة شبوة يوجد في محافظة شبوة العديد من العيون الحارة والكبريتية، أهمها حمامات رضوم القريبة من بئر على، وتعتبر من أهم الينابيع الحارة في اليمن، وتفيد في علاج الكثير من الأمراض الجلدية والمفاصل وغيرها من الأمراض المستعصية، وحمام الحوطة في ميفعة وهي عبارة عن بئر ومياه كبريتية وباردة يذهب إليها الناس للاغتسال والشرب، ويفيد في معالجة الأمراض مثل الحساسية والأمراض الجلدية وغيرها. حمام السخنة بمحافظة الحديدة تقع مدينة السخنة جنوب شرق مدينة الحديدة على بعد 63 كم، وتبعد عن مدينة المنصورية 18 كم شرقاً، وهي على سفح جبل برع، حيث تتمتع بمزايا طبيعية جيدة من حيث الغطاء النباتي والطيور الجميلة. وأهم مافيها حمامات المياه الساخنة العلاجية والتي تصل درجة حرارتها عند النبع 72 درجة مئوية ومياهها غنية بالمعادن والكلور والكبريتات القلوية وتعالج حالات التهاب المفاصل المزمنة، والأمراض الجلدية والتناسلية وغيرها ويعتبر من أهم الحمامات العلاجية في اليمن كماتوجد في محافظة الحديدة العديد من الينابيع الحارة والكبريتية التي يؤمها الناس للاستشفاء من الكثير من الأمراض المزمنة. حمام الحامي بمحافظة ابين يعتبر أحد الينابيع الكبريتية الحارة في اليمن ويبعد عن زنجبار 178 كم «شمال شرق باتيس»، وهو دائم الجريان طوال العام، ويؤمه الناس لعلاج أمراض الجلد والروماتيزم ورمد العيون. بالاضافة إلى عدد من الحمامات المعدنية المنتشرة في محافظة تعز، لحج. إب كما ان اليمن صالحة لإقامة العديد من المصحات الاستشفائية بفعل مواقعها الطبيعية المتميزة حيث الهواء النقي والطلق والمناخ المعتدل الذي تتميز به عن باقي البلدان ذات الجو الحار. لقد حبا المولى تعالى بلادنا بمقومات طبيعية كبيرة للسياحة العلاجية تكاد أن تكتمل فيها كافة المصادر الطبيعية للسياحة العلاجية وهذا أقل مايتوفر في أي بلد آخر ولكن أبوابها لم تطرق بعد أمام حركة السياحة ولم تدخل إليها الوسائل العلاجية الحديثة، وذلك لجملة من العوائق الذاتية والموضوعية مماجعل البواعث الفطرية هي المحرك الاساسي لسلوكيات الناس وتوجههم إلى مواقع حمامات المياه المعدنية والطبيعية، والواقع الراهن لمصادر الحمامات المعدنية يشير إلى أنها تعمل بصورة غير منظمة تماماً وتستخدم من قبل السكان والوافدين بشكل عفوي وتستنزف مواردها عشوائىاً بسبب الأساليب البدائية المتبعة من قبل الأهالي والدوافع التلقائية لتوجه الناس إليها والناتجة من موروث اجتماعي عميق الجذور لايزال يتواصل منذ مئات السنين وحتى اليوم دون تغير جوهري في فلسفة التعامل العلاجي بالمياه المعدنية ممايدل على أن التوافد إليها ليس إلا بقصد معتقدات الناس العقلانية فيها والاسطورية، وفائدة مزاياها العلاجية التي عرفها الأجداد القدماء وتوارثتها الأجيال. واستناداً إلى الإمكانيات التي تمتلكها اليمن في جوانب السياحة العلاجية، ونظراً لأهمية مصادر حمامات المياه المعدنية كموارد طبيعية هامة وحيوية، فإننا بحاجة إلى تهيئة الظروف المناسبة لعملية تنظيمها وتنميتها وتطويرها على أسس علمية حديثة لتشكل قاعدة متينة لتنمية وتطوير السياحة العلاجية بكل المقاييس كنمط سياحي جديد سيضاف إلى مقومات العرض السياحي اليمني، مماسيساعد على توسيع حركة البرامج السياحية وهذا بدوره سيؤدي إلى إطالة مدة إقامة السياح وتحقيق زيادة في الدخل السياحي الوطني. ولتحقيق ذلك ولضمان استغلال مصادر المياه العلاجية بشكل سليم ومدروس فإن ذلك بحاجة إلى خطة متكاملة للنهوض بموارد السياحة العلاجية وتهيئتها كفرص استثمارية جديدة وترويجها لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية والاستفادة من تجارب العديد من الدول الشقيقة والصديقة في مجال السياحة العلاجية والاعتماد على المصادر الطبيعية المتوفرة كماً ونوعاً وكذا في اسلوب استغلال وإدارة هذه المصادر بصورة متوازنة مع المؤثرات البيئية المحيطة بها في اطار خطط علمية متكاملة ومسوحات شاملة.