يظل المكان مزدحماً بخوائه ، مغلقاً بصمته إلى ساعة متأخرة من الصباح. وحدها شجرة كافور تنهض وسطه ، و ترفع في سماه قامة مديدة تتمايل بغنج لعوب يشعل في دم الهواء المتصابي نجمة الهياج ، و في الأسفل أسفل جذع الشجرة حشد من كراسي تتزاحم و تتدافع . امارة تشي بحالتهم حين غادروا بالأمس . ... يبزغون فجأة يتوالى تدفقهم من أطراف الحديقة الشاسعة وكأنهم في بزوغهم المباغت ينبثقون من ظلال الأشجار المتشابكة هناك أو ينبعون من جذوعها الضخمة أو أن اذرعها الخضراء الممدودة أعلى الممرات هي من تذرفهم هكذا واحداً واحداً وفي نفس الموعد من كل صباح يشقون طرقهم بين نتف الخضرة المتناثرة بخطوات حثيثة.. و كأنما حاجة ملحة تدفعهم للمجيء أو أن عهداً مقدساً وضعوه على أنفسهم يغذي فيهم هذا التوق العارم لبلوغ هذه الرقعة التي تتراءى بموقعها المنفرد ومظهرها الترابي ا لأجرد . المستوي ، الملتف منحول شجرة الكافور خرقا فادحا لهذا المحيط الشاسع من الخضرة . يصلون يجرجرون كراسيهم المتزاحمة حول الشجرة ويرسمون في ظلالها المستلقية ناحية الغرب دائرة واسعة من الكراسي يحشون المتوالية بلدانة أجسادهم ويغرقون في الصمت أو في الكلام في الضحك أو فى الاثنين , ناقلين جذوعهم من ناحية إلى أخرى ، نافثين دخان سجائرهم في الهواء ، وعيونهم محطات ترقب مفتوحة على الجهات ، بينما دائرة الكراسي تزحف بهم بين لحظة وأخرى بصبر دؤوب مع الظلال باتجاه الشجرة . وما إن يعتلي النهار دكة الظهيرة حتى ينهضوا فجأة ينهضون.. تصطف كراسيهم مسددة آخر طلقة فى جسد الصمت الهاطل على أعقابهم اثنان يغادرون المكان بتلاحم عنقودي تنفرد حبيباته تدريجيا كلما أوغلوا فى النأي لتتلاشى هناك فى ظلال الأشجار المتشابكة وفى تجاويف جذوعها و فى ثنابا أذرعها الخضراء مخلفين وراءهم نقوش أحذيتهم و أعقاب سجائرهم.