صوت الشلال الهادر قوي جداً ، أخافني ، أقعدني ، جمدني في الركن البعيد ، خلفي نيران تقترب قادمة من بعيد ، تأكل سيقان الغابة المتوارية في جنبات الظلام ... جسدي يدور في مكان لا يبرحه أبداً ... صرخات ثكلى تخرج من صدري دخان أسود . كان الصوت يدق في رأسي في عنقي ... ينغرس أسياخًا حامية في لحم مخي ... خيّم الظلام ... أسدل ستائره الممقوتة في كل مكان . - ارحمني ... دعني أعود ... أطفالي جياع . تسمّر الخوف ... تجّمد ... أبدى أسفه لعدم قدرته على المساعدة ، الدموع المتسايلة شكلت جدولاً يصب نحو الشلال الذي ثار وأعلن جاهزيته للفيضان بين فينة وأخرى ... أفعى ماكرة تحوم حوله ترقبه من بعيد ، تتحين غفلة كي تنقض عليه ... القلب الناعم الصغير يطوف حوله يمرغ أصابعه بين خصلات شعره مد الظلام يده ، انتزع ذلك القلب بقسوة ، غرس أنيابه ... انتزع نبضاته . نادى مستغيثا بصوت قد وهنت قواه : - مد يديك ... أخرجني ... فأنا أحبك ... أحبك . الحيرة ملأت قلبه ... الظلام سيطر على حياته ... الشلال ... يعلو ... يعلو ، صوته الهادر يقوى يصم الآذان ... ما عاد من أمل في الرؤية ، حانت الفرصة لتلك الأفعى ... قفزت أليه ... طوقت جسده وهي تفح فحيحًا مستمرًا ، حتى اختفى ذلك الجسد ولم يبق منه إلا عين واحدة تطل من وسط قلبه . - (بقسوة) من هي ... من تكون في حياتك ... اعترف ... ؟؟؟ الصمت المطبق هو الرد ، وكأن لسانه قد ابتلعته أنياب تلك الأفعى اللعينة ، اندفعت رياح شديدة معربدة صارعت ذلك الموج الناتج من الشلال المتعجرف ، كرت بطوفان من ذرات الرمال الصغيرة المدببة فكانت إبرًا حادة النصال تثقب جسد الأفعى العاري وتنحته حتى تيبس ... تقشر ... وتكوم - ألم أقل لك ... لقد فعلها ... فعلها ...؟؟؟ الموت يرقب كل شيء من علو ... يتحين ... يمد برمحه المعهود و ... يلتقط ذئباً كان يختفي خلف شجرة البلوط ... خائفاً ... يرتعد من النار ... انتزعه بقوة و ... اشتد الصراع ، النار تقترب ... تقترب تصنع سياجاً دائرياً حول كل مكان تمر به .- أغ ... ثني .... أر ... حمن...ي . استبد اليأس بالريح الهائج ، ما عاد قادراً على الصمود صرخ بكل ما في قلبه من حرقة : - كفي عن البكاء عليك اللعنة ... دموعك هي من تمده بالقوة والعنفوان ...! ! ! - دعني أعود ... أطفالي جياع . - أمدك بالقوت كل يوم ... - أجوع فأكله قبل أن أصل إليهم ....! ! ! - وأين حنان الأمومة ... الذي تدعين ...؟ - قد مات قبل أن أتي إليك ...! ! ! استل سيفه ، أقسم ليفصلن رأسها عن جسدها ... اقتربت النار ... صارت طرفاً آخر في الصراع كانت جائعة تلتهم كل ما حولها لا تبقي على شيء مهما يكن . - أعلم أنك تحبني ... أيها القلب الصغير ، ولكن كيف السبيل لإنقاذك مما أنت فيه ، وقد أحاطت بك أشواك ، سامة ، حادة من كل جوانبك . مد يديك إلي ... خذني بين أحضانك ... هل أنت خائف ...؟؟؟ عاد النبض إلى قلب قد مات ، دبت الحياة من جديد في جسد الأفعى ، تناسخت إلى عشرات بل مئات الأفاعي المفترسة وكان لها هدف واحد ... قلب الصغيرة ، ضحكات سوداء تجلجل ، تملأ المكان ... مد يده كي ينقذه ... أحس بلدغة الأفعى ، السم استشرى في كل جسده ، أختلط بالدم ... وارغى من فمه زبداً أصفر ... صرخ بقهر :- - سننتصر ... أيتها الأفعى ... سننتصر ... قوي هدير الشلال ... اشتدت عربدة الريح ... قشقشة النيران كانت تخبو ... تخبو ... المطر يهطل بالخبز المبتل . - خذي ... وعودي إلى أطفالك الجياع ...؟؟؟ سجدت بين يديه شاكرة ... كان أكيداً من عودتها قبل أن تصل إلى أطفالها طالبة المزيد . أنطلق الشتاء من مكمنه ببرودته القارصة ... كسا الجبال الشامخة بلونه الأبيض الزاهي ، تجمد الشلال وكف عن الهدير ، غادرت السحب السوداء مفسحة الطريق أمام انبلاج الشمس ... وكف الريح عن عربدته ... انحنى أمامها معتذراً وأنسحب عائداً أدراجه . - بقينا وحيدين . - ولن أتراجع عن قتلك ... شددت الشمس من وطء حرارتها ... سلطتها على الأفاعي المتناثرة هنا وهناك ... احترق منها الكثير واختبأ البعض محتميا بباطن الأرض ، الصراع بين اثنين ... القتال على أشده ... الأفعى تطير من مكان لآخر ... السيف الطائر لا يرى منه سوى لمعان معدنه ، لدغاتها في كل مكان من جسده ، ضرباته القوية قد مزقت كل جلدها ... أمسك بها الموت الرابض يرقب كل حركة ، سلمه رأسها ... فصله عن جسدها رمى بها غير عابئ ببيقة الجسد الذي عاد يتهيأ للحياة من جديد ، مد يده ليحتضن محبو بته الصغيرة و ...... أخ ....... - أما زلت حية ... ؟ - لن تحصل على قلبك الصغير ... لن تحصل عليه ....... - أغثني ... أطفالي جياع ... جياع .... ؟