عاش في قديم الزمان رجل مع ابنته ( وريقة الحناء ) التي ماتت أمها، تزوج بعدها امرأة مات زوجها بعد أن خلف منها فتاة اسمها كرام. كانت وريقة الحنا فتاة رشيقة القوام ، مليحة الوجه كريمة النفس ، وعلى جانب من الأدب واللطافة والرقة في الحديث ، وكانت كرام فتاة قصيرة القامة دميمة الوجه ، شرهة النفس ، خشنة الطباع طائشة العقل رعناء التصرف. وكان الأب ينظر للفتاتين نظرة متساوية كما لو كانتا ابنتيه ، يقسم عطفه وحنانه بينهما وبالتالي دأب على تقسيم العمل بينهما بالتساوي واحدة منهما تتولى رعي الأبقار والثانية تقوم بأعمال البيت ، فإذا صادف ورعت كرام الأبقار اليوم وتولت وريقة الحنا عمل البيت من طبخ وطحن وكنس فعليها أن تخرج للرعي في اليوم التالي وكرام تتولى أعمال البيت. إلا أن أم كرام التي عاشت تأكلها الغيرة من جمال وريقة الحنا وحسن طباعها ، دأبت على إرهاقها بالعمل لتخفف عن كرام وبالتالي دأبت على تفضيل ابنتها في كل شيء وقد اعتادت كل من وريقة الحناء وكرام يوم نوبتهما في رعي الأبقار أن تربط فطورها طرف خمارها وتضعه على رأسها وتسوق الأبقار أمامها حتى تصل إلى المرعى فتشاهد امرأة عجوزاً جالسة بجانب جدار كوخها تستظل به من الشمس فتعاملها كل منهما معاملة مختلفة عن الأخرى. كانت وريقة الحناء تشاهد العجوزاً فتتقدم نحوها وهي تفتح رباط فوطتها وتقتطع جزءاً منه وتقدمه للعجوز وهي تقول لها: -- اطعمي.. هذا من فطوري يا جدة. فتناولته العجوز وهي تدعو لها. -- زادك فوق عقلك عقل. وتضيف العجوز قائلة: -- القمل أكل رأسي اجلسي فتشي عنهن. فتجيبها ورقة الحنا معتذرة. -- انتظريني ريثما أسوق البقر إلى المكان الخصيب في المرعى وسأعود. فتقول لها العجوز: -- لا تتعبي نفسك يا بنيتي ولا شيء ، اجلسي هنا وقولي (( ارعى وقرب )) وسيرتعين لحالهن وعند عودتك ستجديهن قريبات منك.