تقلبت في الفراش عدة مرات.. جافاني النوم كعادته، لكنه كان أقوى هذه الليلة.. فالجميع بانتظار قراري.. والدي، والدتي، أخوتي.. كلهم ينتظرون، فلقد وعدتهم بأني سأنهي كل شيء بنفسي.. اليوم سأحدد وسأختار.. واليوم سأثبت للجميع جدارتي..كان لأخوتي الحق في أن يختاروا طريقة حياتهم دون تدخل من والدي وأن يتحملوا عاقبة ذلك الاختيار مهما يكن.. لكن ذلك الأمر لم يكن ينطبق علي باعتباري الأصغر والأقل خبرة في الحياة الجميع يتدخل في حياتي يختار طريقي ويحدد وجهتي..كنت أشعر بأني محاطة بقيود لا أول لها ولا آخر وبأنني كالدمية في أيديهم.. إلى أن حانت الساعة وأعلنت فيها الثورة وقررت أن أختار حياتي بنفسي كأي فرد منهم، لكني خيبت ظنهم في وعدت إليهم أجر أذيال الخيبة معي..رفضه الجميع.. لكنهي أحببته.. وجدت فيه الشخصية التي أتمنى.. وبه كان أول اختيار اختاره في حياتي مع الاستعداد الكامل لتحمل عواقب هذا الاختيار مهما كانت.. تزوجته واحتويته بقلبي قبل عقلي.. تخليت عن آمالي وطموحاتي.. كنت أرى نفسي فيه.. نجاحه كان يعني نجاحي، وسعادته كانت سعادتي وحياته كانت حياتي.. لم أتذمر معه يوماً - رغم ماعانيناه - تحملت لأجله مالم يتحمله أحد.. حين كنت أوضع في مجال اختيار كانت كفة زوجي هي الرابحة دائماً.. أردته أن يكبر ويكبر، ولم أكن أتصور بأنني سأكون أول شخص يتنكر له.. فبعد كل ذلك التعب وبعد كل ماوصلنا إليه، أو بالأصح بعد ما وصل إليه.. أخبرني بأنه يقدر وقوفي بجانبه لكنه لم يعد يشعر بناحيتي مايجبره على الاستمرار..وكرد للجميل فهو لايستطيع أن يتركني أعيش مع رجل لا يحبني.. إنما علي أن أشق حياتي مع رجل يستحقني..هكذا بكل بساطة.. بعد كل ذلك الحب.. بعد كل تلك التضحية.. تركني.. تخلي عني بسبب شعور خالجه في لحظة ما.. كيف لم أعرفه طوال الخمس سنوات !! ألهذه الدرجة كنت غبية !!.أأعماني حبه عن رؤية حقيقته ! أي حياة أخترت عدت إلى أهلي حاملة معي لقب مطلقة وأنا فاقدة الثقة بنفسي، خائفة من كل شيء حولي.. لكن أكثر ماكان يخيفني وأنا عائده، هو كيفية استقبالهم لي.. هل سيجري على ماكان يجري لأخوتي من قبلي ! أعني هل سأتحمل عاقبة اختياري لوحدي !كيف سأواجه الناس والحياة من جديد !.. أفكار كثيرة كانت تدور برأسي، لكن أي منها لم يحدث..الجميع وقف بجانبي ولولا والداي لما استطعت أن أكمل حياتي بشكل طبيعي وأن أصبح ماأنا عليه الآن.. ساعداني على أن أثق بنفسي، أن أبني أحلاماً وطموحات أخرى، وبعد أن وقفت من جديد.. عاد هو، من كان زوجي، عاد نادماً آسفاً على كل ماحدث.. مستعدا لقبول أية شروط.. فقط أن أعود إليه وأن أقف بجانبه كما كنت أفعل..ومن جديد عاد الاختيار لي.. والداي أكد لي أنه مهما كان قراري واختياري فسيظلان بجانبي.. كانا يعرفان مقدار الحب الذي أكنه له.. لم يفصحا عن ذلك، إنما رأيت ذلك عينيهما..وكانا على حق.. رغم الآلام التي عانيتها بسببه، حبي له كان أشبه بالمرض العضال الذي لايستطيع صاحبه أن يتخلص منه إلا باستئصاله أو بمعجزة ما.. كانا يدركان ذلك، لذا تركا الخيار لي فيما سأفعل.. بدوري قررت ألا أنتظر مساعدة أو مشورة من أحد فأنا قادرة على أن أكون قوية متماسكة مثل أخوتي.. لها رأيها الذي يجب أن يقدره ويحترمه الجميع.. فالتجربة التي مررت بها كانت كافية لان أتعلم الكثير..تركت لنفسي مهلة آخرها اليوم.. وعلي أن أختار بين البقاء «مطلقة» لاذنب لها فيما حدث ولا تعرف أي مصير ينتظرها، وبين «زوجة» تبدأ حياتها من جديد..لماذا عاد الآن بعد أن استطعت أن أقمع أطيافه التي كانت تدور حولي، وبدأت أشفى من مرض حبه.. أأعاده حبه إلي ! حنينه لأيامنا معاً ! أم تراه عاد ليذكرني بفشلي.. بعجزي بالاحتفاظ بذلك الحب الذي اعتقدت أنه لن ينتهي أبداً..ثم ماأدراني أن عدت إليه أنه لن يتخلى عني بعد خمس سنوات أو ثلاث سنوات كمافعل سابقاً.. لم يشفع لي حبي ولا تضحيتي في أوجهما في السابق فهل سيشفعان لي إن فكر في تركي ثانية !!.وأنا.. هل سأحبه كما كنت ! هل سأعيش معه حياة عادية كأن شيئاً لم يكن !.لطالما تمنيت أن يعود إلي كما عاد الآن.. نادماً.. راجياً مكتشفاً خطأه، وأن يعرف بأنه ولم ولن يجد شخصاً يحبه كما أحببته أنا.. لكنني لم أعد أشعر بذلك الآن.. لم أعد أريده.. أريده فقط أن يبتعد.. لم أستطع أن أمنع نفسي من تذكر ماحدث.. رجل كهذا لا يمكن أن أبني حياتي وأن آمن له من جديد.. رجل تخلي عني في لحظة ضعف كما سماها.. لن أخطىء مرة أخرى ولن أوجل قراري.. لن أفعلها حتى وإن وقف الجميع بجانبي كما قالوا..نهضت من سريري واتجهت بإصرار إلى غرفة والداي كانت الساعة تقترب من الثالثة بعد منتصف الليل.. طرقت الباب طرقاً خفيفاً.. كانا مستيقظين كما توقعت.. لم أمنع نفسي من أن أرتمي في أحضانهما، وقد أدركا اختياري هذه المرة.. الاختيار الذي لن أتراجع عنه ولن أندم عليه أبداً..