صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    مصر: نتنياهو يعرقل المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إصابة مواطنين ومهاجر إفريقي بقصف متجدد للعدو السعودي على صعدة    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية وروايةالحلق46
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 05 - 08 - 2008

الفن انتصر للثورة وجسدها في التبشير بمستقبل مزدهر لليمن
اليمنيين ساهمو في النهضة الصناعية في دول اروبا
“العوامي” والعبرة بالبلوغ
يرحم الله فنان الشعب زكريا الحجاوي ، فهو عندما قدمنا له مطرب واعد لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره حتى يتبنى موهبته ، قال بعد ان استمع اليه : صوته شجي : ولكن العبرة بالبلوغ ؟ والمدهش ان يتلاشى الجمال والشجن من صوت هذا الفتى بمجرد وصوله سن البلوغ!
تذكرت هذه القصة عندما سألت عن “العوامي” ، ذلك الفتى اليمني ابن الحديدة الذي وهبه الله صوتا آسرا مغردا كما الكروان ، وكنت قد استمعت اليه لأول مرة وجذبني صوته الغنائي الى حالة وجدانية موحية لم المسها في غيره من الاصوات الغنائية اليمنية وقتئذ !
في بدايات الثورة ، كان العوامي ينتقل خلف راكب دراجة نارية “موتوسيكل” من حفل عرس الى احتفالية وطنية ، وكان يبشر بمستقبل زاهر وشهرة ممتدة الى خارج اليمن ، فلما بلغ سن البلوغ اخشوشنت حنجرته الذهبية وتلاشي جرسها الجميل ومن ثم اختفي عن الساحة الغنائية ، ويبدو انه راح يجرب حظه في اعمال ومهن شتى.
وعلى ما يبدو ان الحديده تزخر بالبيئة والاجواء الملائمة للابداع ، على نحو ما نسمعه من الاصوات الجميلة التي تنتمي لها ، وبينهم المطرب الشهير احمد فتحي الذي طالما شنف الاذان وابهج الوجدان كلما زار القاهرة ، وقد سمعت ان له تلميذا نابغة ينهل من مدرسته الغنائية اسمه معمر الزريقي ، ولم يسعفني الحظ للاستماع اليه بعد !
والحقيقة ان صلتي بالغناء اليمني كانت مبكرة عبر سماع اسطوانات المطربين الحضارمة والعدنيين في بيوت زملاء الدراسة من اليمنيين المقيمين والمتمصرين ، لكن مع زياراتي لليمن في اعقاب تداعيات الثورة في شمال اليمن ، ثم اندلاع ثورة اكتوبر وتداعياتها في جنوب اليمن ، كانت الفرصة سانحة للتعرف على بعض المطربين والاستماع الى الوان من الطرب اليمني ، حيث كانت البداية مع “الزفة الصنعاني” التقليدية البديعة عبر الغناء والتواشيح الدينية ، ونحن جلوس ارضا متحولقين بالعريس .
على ان الفنان علي الآنسي كان اول صوت غنائي يتهادى الى سمعي اوائل مراحل الثورة عبر اذاعة صنعاء ، وهو الى ذلك كان موسيقيا وملحنا ورساما تشكيليا ، وقد انفعل بصدق وحماس انتصارا للثورة على اعدائها عندما حاولوا اجهاض الجمهورية الوليدة ، لا عبر غنائه في الاذاعة والحفلات فحسب ، وانما كذلك في مواقع الاحداث والمعارك ووسط الجنود والمناضلين عبر اغانيه المشبوبة بالوطنية بمصاحبة عزفه على العود ، واذكر ان مقدمة نشيدة “ في ظل راية الوطن” اصبحت فيما بعد السلام الجمهوري ، واحسب كذلك ان الفنان فرسان خليفة سار على درب الآنسي حين ارتبط بثورة 26 سبتمبر وجال بصوته وصال جنديا في خدمة اهدافها ، وهو حين تلقى خبر اندلاعها وهو في القاهرة ، سرعان ما انهمك في تلحين وغناء كلمات من ابداع الشاعر قيس غانم نعمان .. ثم ارسلها مسجلة الى اذاعة صنعاء اذكر منها :
الثورة .. اليمنية
ذي وثبة عربية
لا قبلية ولا عصبية
كلنا امة عربية
ثورة الشعب الابية
نحو غاياتها فتية
جربت ضربة قوية
واقمنا الجمهورية
وانتهى عهد المهازل
والمجازل .. والمقاصل
ومضى الشعب يناضل
في رحاب الجمهورية
كذلك كان الحال مع غيره من المطربين في شمال اليمن وبينهم الصديق احمد السنيدار الذي يجود علينا احيانا بغناء بعض من اغنياته الكلاسيكية منذ قدومه القاهرة مستشارا ثقافيا بالسفارة اليمنية ، ثم اهفو كثيرا الى سماع المطرب المحبوب حمود الحارثي ، وشهرته ليست بحاجة الى التقريظ !
واذا كان الغناء الصنعاني يذكرني دوما بالعمارة الصنعانية وشموخها وزخارفها ، فإن غناء “الزامل” يهزني من الاعماق كما هدير الشلالات ويذكرني بالقبلية اليمنية بتضامنها ووشائجها وشجاعتها !
في جنوب اليمن جذبني من المطربين اللامعين محمد مرشد ناجي وايوب طارش والممثل الشخصي للغناء العدني المطرب يحيي مكي الذي تخرج على يديه معظم المبدعين الشبان في فن الغناء ، وكم حقق من النجاحات تباعا في حسن اختياره لكلمات والحان اغنياته ، واشهد لصديقي المرحوم استاذ العود الموسيقار جميل غانم فضل ارشادي وتعريفي بقيمة وقامة الفنان يحيي مكي!
ولانني عاجز بحكم الظروف عن الالمام بكل الوان المبدعين في فن الغناء اليمني ، فلا اقل من التنويه بالنجوم المتألقة ، وعلى القمة يقف الفنان القدير ابو بكر سالم بلفقيه الذي شق صوته اليمني الاصيل مختلف ربوع السعودية والخليج ، وكان له التأثير الملحوظ في مدارسها الغنائية ، فيما انتشرت اغنياته في معظم الدول العربية ، فكان مؤهلا للغناء الثنائي او التلحين للعديد من المطربين والمطربات ابتداء من نجاح سلام ووردة الجزائرية وانغام وسعاد محمد ونازك حتى طلال المداح وعبد المجيد عبد الله وغيرهم كثر !
لابو بكر سالم ما يزيد عن 500 اغنية ، معظمها من اللون العاطفي ، اشهرها تلك التي نال عنها جائزة الاسطوانة الذهبية ، من اليونان عام 1968 ، بما يعني ان توزيعها بلغ المليون نسخة ، اذكر من هذه الاغنيات “24 ساعة ، عادك صغير – يا حامل الاثقال- يا عيني لا تذرفي الدمع ، كذلك فاز في المسابقة التي ينظمها اليونسكو بالمرتبة الثالثة للاصوات العالمية .
وكان الفنان الكبير قد توقف تماما عن الغناء في اعقاب نكسة يونيو 1967 ، ثم عاد فجأة عام 1974 اكثر تجددا وعطاء ، وقد تعتق صوته واصبح اكثر قدرة على اداء الصعب من الالحان الشعبية القديمة في التراث الحضرمي ، وبينها “فرصة من العمر” و”ليالي الانس” وكلاهما من كلماته والحانه ، وكانت آخر حفلاته الباهرة خلال مهرجان الاغنية في الدوحة عام 2006 !
ثم لا انسى المطرب السعودي محمد عبده ، فحين التقيته في السبعينات بفندق “دار الحمد” في صنعاء ، ذكرني بأنه يمني الاصل !
المغتربون وحنين العودة للوطن
لليمن في شتى ربوع العالم آلاف من مواطنيه المهاجرين ، واذا كان التاريخ القديم يشهد لليمنيين بارتياد الآفاق بحثا عن المعارف وممارسة التجارة او جنودا في جيوش الفتح الاسلامي ، لكن الحال تغير الى حد ما في العصر الحديث ، فعندما اندلعت الحرب الاولى انخرط المئات من اليمنيين في العمل بالبواخر الحربية والمدنية التي كانت تدار عهدئذ بالفحم، وتلك كانت مهنة شاقة تستدعي وقوف العمال اليمنيين ساعات طويلة امام افران المراجل الساخنة فضلا عن احتراف مهنة الطهي ، ومن ثم كان غيابهم الطويل عن الاهل والوطن ، لكن كل هذه المشاق كانت تهون في سبيل جمع ما يكفي لسد احتياجات الاسرة التي كانت تعاني عهدئذ شديد الفقر والجوع ، وربما فاض من المدخرات كلفه تحقيق حلم بناء بيت متواضع بالكاد !
كذلك شارك اليمنيون في النهضة الصناعية الحديثة التي شهدتها اوروبا ، باعتبارهم اليد العاملة الرخيصة في سوق العرض والطلب ، فكانت المشكلة التي واجهتهم ذات شقين على نحو ما لمسته شخصيا عندما قدر لي زيارة الجالية اليمنية عام 1982 في مدينة “شيفيلد” التي تبعد عن لندن عشرات الاميال ، الاولى وتكمن في صعوبة الاندماج الطوعي في المجتمع البريطاني والمجتمعات الغربية بشكل عام ، لا بسبب اختلاف العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية فحسب ، ولكن لأن اليمنيين يعشقون الوطن ويحنون للعودة يوما الى اليمن ، ويتمنون ان يدفنوا في ثراه عندما يوافيهم الاجل ، والمشكلة الثانية ان القوانين البريطانية العنصرية متحيزة بشكل واضح ضد العمال اليمنيين ، وتقف حجر عثرة امام هجرة الزوجات والابناء كما لو انها تدفع باليمنيين الى العودة للوطن قسرا بعد ان اسهموا بنسبة 70% في بناء مصانع الحديد والصلب وتشغيلها في “شيفلد” منذ اوائل خمسينات القرن الماضي ، وبعدها راحوا يعانون ويلات البطالة ، وبينما كان تعدادهم زهاء خمسة آلاف يمني تناقص عددهم الآن الى الفين فقط ، وبعضهم اجتذبته مشاريع التنمية وانتشار الخدمات في اليمن ، وغيرهم كان عليه ان يبحث عن عمل في اوربا ووسط تجمعات الجالية اليمنية في برمنجهام وليفربول في بريطانيا وديترويت وغيرها من المدن الامريكية ، خاصة بعد عودة ما يزيد عن مليون يمني الى الوطن في اعقاب ازمة الخليج كانت تحويلاتهم وغيرهم في دول اخرى تربو في المتوسط على مليار دولار سنويا !
ورغم آلام الغربة عن الوطن ورغم مشكلات العمل والاقامة ، الا انني فوجئت بترابط الجالية اليمنية في شيفلد اجتماعيا وسياسياً ، وعلى دراية ومتابعة دقيقة لما يجري في اليمن والوطن العربي من تطورات ، ولهم مقاهي ومطاعم خاصة تقدم المشروبات والوجبات اليمنية الشهيرة .. وقال لي قاسم سعيد سكرتير اتحاد العمال اليمني في “شيفلد” عندما عرف جنسيتي المصرية ان دور عبد الناصر في دعم ثورتي سبتمبر واكتوبر مادة معرفية اساسية نلقنها للجيل الجديد من ابنائنا الذين ولدوا بعيدا عن اليمن بالتزامن مع تلقينهم التاريخ اليمني وتعليمهم مبادئ الاسلام وحفظ القرآن ومداومة الصلاة !
واضاف ان الجالية اليمنية هنا تحلم باليوم الذي تستقبل فيه بث التليفزيون اليمني والمصري ، حتى تظل على صلة ثقافية وسياسية ووجدانية باليمن ومصر والتجاوب مع اشواقهم لسماع الاغاني !
اذكر بالمناسبة ان قيادة الحركة التصحيحية الحاكمة في شمال اليمن كانت قد دعت الى عقد مؤتمر عام للمغتربين عام 1976 ، اسفر عن قيام اتحاد عام للمغتربين اليمنيين ، وانشاء فروع له في شتى دول العالم التي يتواجد فيها المغتربون ، رغم ان بعض اجهزة الدوله لم تكن قد استوعبت الفكرة بعد وقد لعب الاتحاد دوره فى تجميع وتصنيف مشاكل المغتربين في كل دولة من دول العالم ، والتعاون من الوزارات في حلها خاصة وزارات العدل والداخلية والخارجية !
وقد اسهم الاتحاد في القيام بمهام التوعية والتثقيف للمغتربين ، عبر توزيع الصحف والنشرات اليمنية ، وشرح جوانب الخطة الخمسية للتنمية ، وطريقة المشاركة في تنفيذ مشاريعها ، وخلال زيارتي لدولة قطر كانت الجالية اليمنية بالتعاون مع السفير اليمني عبد السلام العنسي قد طورت فكرة مجلس الجالية اليمنية ، من حيث الدور الاجتماعي الفعال على صعيد تقديم العون الانساني للمحتاجين ، وانشاء صندوق خيري للمتضررين من الحوادث وكفالة الايتام ، والنهوض بتنظيم المحاضرات والمهرجانات الثقافية والسياسية ، لكن تظل الجاليات اليمنية من الناحية التاريخية السباقة الى تنظيم شئونها وتوفير العناية الثقافية والصحية والاجتماعية لليمنيين وقد تعزز هذا الدور عبر اتحادات وروابط الطلبة اليمنيين ، وانشاء المركز الثقافي اليمني مؤخرا بالقاهرة بداية ايجابية لما بعدها ، فقد كانت الاستاذة جميلة على رجاء بمثابة المضيفة للطلبة والجالية اليمنية على الصعيد الثقافي الاجتماعي ، واظن ان الصديق خالد السودي الذي حل الصحفي الجديد بالسفارة اليمنية سوف يبتكر مناهج واساليب جديدة تجعل من هذا المركز نموذجا يحتذى يمنيا وعربيا !
الحوار الاخير مع البردونى
كنت اهجع دوما الى اديب وشاعر اليمن الكبير المرحوم عبد الله البردوني كلما قدر لي زيارة صنعاء ، اذ كانت له بصيرة نافذة – وهو الضرير – فيما كانت تشهده اليمن تباعا من تطورات واحداث ، ولم يكن الحوار معه في دروب الادب والسياسة وتاريخ الفلسفة فحسب، بل كان الحديث بيننا يطرق في ود والفه ابواب الخصوصيات المتبادلة .
ومنذ اللقاء الاول في الستينات بمنزله في “سوق الملح” ادركت انه جال بخاطره ما كان يجول بخاطري من تساؤلات عنه .. عن بداياته الادبية والمعرفية ، وقال لي انه من مواليد عام 1930 بقرية “البردون” وسط قبيلة “الحدا” في لواء “ذمار” ، ويذكر انه اصيب وهو في السادسة من عمره بمرض الجدري ، وعولج بالوسائل الشعبية حيث فقد بصره ، لكنه تجاوز محنته واقبل على التعليم في نهم بأحد مساجد ذمار ، ومنها اكتسب الثقة التي اهلته الى حد الاشباع الذاتي من العلوم الفقهية والالمام بجماليات اللغة العربية !
وتلك كانت بداياته الادبية إثر التحاقه بدار العلوم في صنعاء وبعدها صار استاذا للادب العربي ، وقال انه كان ونحو عشره من زملائه يراجعون دروسهم معا وحتى الكتب والدواوين كلما اتيحت لأي منهم قراءتها لابد من ان تستوعبها بقية المجموعة !
واكثر ما كان يثير دهشتي عندما كان يتبادل مع زوجته الاولى الدعابات وهي من وراء الستار ، وكيف كان يتحرك في جنبات المنزل في يسر وسلاسة ، وينتقي من مكتبته ما يرغب في الاستشهاد به من الكتب ، لكأنه المعني بالآية الكريمة “انها لا تعمى الابصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” .
ثم اذكر له مطلع قصيدة إثر اندلاع الثورة يقول فيها :
افقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى اطربي
اتدرين يا شمس ماذا جرى
سلبنا الدجى فجرنا المختبي
ومما لاشك فيه ان عطاء البردوني وابداعاته عبر عشرت الكتب والدواوين وآلاف الابحاث والمحاضرات ، لما يعجز عنها زمرة من الشعراء والكتاب والدارسين ، ومن هنا تكمن الخسارة التي يستحيل ان تعوض .. على الاقل في زماننا الردئ .. وهذا نص حوار طويل وممتع معه نشرته صحيفة الشرق القطرية في حلقات ابتداء من 21 اكتوبر 1993
قوة القبائل لا تمثل خطورة فى اليمن
البردوني يكاد لا يذكر عدد واسماء مؤلفاته في دروب الادب والتاريخ والسياسة والاجتماع ، وكذا دواوينه العديدة التي رشحته لجائزة صدام حسين وترشيحه امير الشعراء العرب وجوائز اخرى عربية ذات عائد مادي سخي .. الا انه رفضها جميعا مؤثرا التواضع والابتعاد عن الاضواء .. حتى يخلو الى نفسه وكتبه وتلاميذه وزوجته الثانية وحياته الفكرية والاجتماعية التي يمارسها بلا خوف من سلطة او خشية على مصير الذرية التي لم يغنم منها شيئا .
عبر جهاز “الانتركم” جاءني صوته : من بالباب ؟ وقلت : يوسف الشريف وقال: من معك .. قلت : وحدي قال : ادخلوها ان شاء الله آمنين .. وانفتح الباب اتوماتيكيا ودلفت الى داخل المنزل حتى وصلت الى مجلسه .. وكان قد نهض لاستقبالي وجلسنا للحوار .
قلت له : ادهشني اختيارك موقع منزلك الجديد في شارع الامن القومي “المخابرات العامة” .. وضحك البردوني .. وقال : هذا الاختيار يسهل الامور .. ويختصر الوقت اذا دعت الحاجة .. ماذا تشرب؟ .. قلت : لا داعي .. قال : زيارتك ادعى للحفاوة وتناول الشاي او البن معك .. فالوقت لا يسمح الآن بتناول العيش والملح .. ثم نهض من مكانه وخرج من معك وتجول في ردهاته الى داخل المنزل في سهولة وحيوية كأنه مبصر حتى يأمل اهل البيت بإعداد الشاي !
سألته عن ظاهرة حمل السلاح ؟
قال : متوارثة كلون من مظاهر الزينة والتفاخر والرجولة ، وقد بدأ اقتناء السلاح الناري بعد انتشار المزارع حماية للنفس في مواجهة الوحوش البرية المفترسة مثل الذئاب والضباع وممارسة هواية الصيد ، صحيح انه كانت تنشب حوادث بين قبيلة واخري او قرية سواها .. لكن سرعان ما يتدخل الوسطاء ويقبل المقاتلون بالتحكيم الشعبي ، لكن بعد انسحاب الاتراك من اليمن تعطلت القبائل التي كانت تحترف نهب ما لديهم من سلاح ومال ومنقولات وانتشرت عادة “الخطاط” عبر ممارسة الاغارة ونهب القبائل الضعيفة التي تملك المزارع..كانت تلك المغامرات والاغارات تعرف انذاك بالعسيل او العجيل ، فكان العسيل يعني قطع ثمار الفاكهة في مرحلة التحول الى براعم او حرق مزارع الشعير والقمح .. وكانت القبائل المغيرة تقطع حتى الاشجار من جذورها وهو ما يسمى بالعجيل ، وقد دخل اصطلاح “العسيل والعجيل” الى القاموس اليمني كمؤشر على المحنة رغم اندثار تلك الظاهرة خلال حكم الامام يحيى وابنه احمد .. وطبيعي ان يستمر اقتناء وحمل السلاح في اليمن كلما كانت هناك حاجة اليه وان تندثر الظاهرة كلما اطمأن الناس على حياتهم ومصالحهم في ظل هيبة القانون والانضباط الامني .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.