عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية وروايةالحلق46
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 05 - 08 - 2008

الفن انتصر للثورة وجسدها في التبشير بمستقبل مزدهر لليمن
اليمنيين ساهمو في النهضة الصناعية في دول اروبا
“العوامي” والعبرة بالبلوغ
يرحم الله فنان الشعب زكريا الحجاوي ، فهو عندما قدمنا له مطرب واعد لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره حتى يتبنى موهبته ، قال بعد ان استمع اليه : صوته شجي : ولكن العبرة بالبلوغ ؟ والمدهش ان يتلاشى الجمال والشجن من صوت هذا الفتى بمجرد وصوله سن البلوغ!
تذكرت هذه القصة عندما سألت عن “العوامي” ، ذلك الفتى اليمني ابن الحديدة الذي وهبه الله صوتا آسرا مغردا كما الكروان ، وكنت قد استمعت اليه لأول مرة وجذبني صوته الغنائي الى حالة وجدانية موحية لم المسها في غيره من الاصوات الغنائية اليمنية وقتئذ !
في بدايات الثورة ، كان العوامي ينتقل خلف راكب دراجة نارية “موتوسيكل” من حفل عرس الى احتفالية وطنية ، وكان يبشر بمستقبل زاهر وشهرة ممتدة الى خارج اليمن ، فلما بلغ سن البلوغ اخشوشنت حنجرته الذهبية وتلاشي جرسها الجميل ومن ثم اختفي عن الساحة الغنائية ، ويبدو انه راح يجرب حظه في اعمال ومهن شتى.
وعلى ما يبدو ان الحديده تزخر بالبيئة والاجواء الملائمة للابداع ، على نحو ما نسمعه من الاصوات الجميلة التي تنتمي لها ، وبينهم المطرب الشهير احمد فتحي الذي طالما شنف الاذان وابهج الوجدان كلما زار القاهرة ، وقد سمعت ان له تلميذا نابغة ينهل من مدرسته الغنائية اسمه معمر الزريقي ، ولم يسعفني الحظ للاستماع اليه بعد !
والحقيقة ان صلتي بالغناء اليمني كانت مبكرة عبر سماع اسطوانات المطربين الحضارمة والعدنيين في بيوت زملاء الدراسة من اليمنيين المقيمين والمتمصرين ، لكن مع زياراتي لليمن في اعقاب تداعيات الثورة في شمال اليمن ، ثم اندلاع ثورة اكتوبر وتداعياتها في جنوب اليمن ، كانت الفرصة سانحة للتعرف على بعض المطربين والاستماع الى الوان من الطرب اليمني ، حيث كانت البداية مع “الزفة الصنعاني” التقليدية البديعة عبر الغناء والتواشيح الدينية ، ونحن جلوس ارضا متحولقين بالعريس .
على ان الفنان علي الآنسي كان اول صوت غنائي يتهادى الى سمعي اوائل مراحل الثورة عبر اذاعة صنعاء ، وهو الى ذلك كان موسيقيا وملحنا ورساما تشكيليا ، وقد انفعل بصدق وحماس انتصارا للثورة على اعدائها عندما حاولوا اجهاض الجمهورية الوليدة ، لا عبر غنائه في الاذاعة والحفلات فحسب ، وانما كذلك في مواقع الاحداث والمعارك ووسط الجنود والمناضلين عبر اغانيه المشبوبة بالوطنية بمصاحبة عزفه على العود ، واذكر ان مقدمة نشيدة “ في ظل راية الوطن” اصبحت فيما بعد السلام الجمهوري ، واحسب كذلك ان الفنان فرسان خليفة سار على درب الآنسي حين ارتبط بثورة 26 سبتمبر وجال بصوته وصال جنديا في خدمة اهدافها ، وهو حين تلقى خبر اندلاعها وهو في القاهرة ، سرعان ما انهمك في تلحين وغناء كلمات من ابداع الشاعر قيس غانم نعمان .. ثم ارسلها مسجلة الى اذاعة صنعاء اذكر منها :
الثورة .. اليمنية
ذي وثبة عربية
لا قبلية ولا عصبية
كلنا امة عربية
ثورة الشعب الابية
نحو غاياتها فتية
جربت ضربة قوية
واقمنا الجمهورية
وانتهى عهد المهازل
والمجازل .. والمقاصل
ومضى الشعب يناضل
في رحاب الجمهورية
كذلك كان الحال مع غيره من المطربين في شمال اليمن وبينهم الصديق احمد السنيدار الذي يجود علينا احيانا بغناء بعض من اغنياته الكلاسيكية منذ قدومه القاهرة مستشارا ثقافيا بالسفارة اليمنية ، ثم اهفو كثيرا الى سماع المطرب المحبوب حمود الحارثي ، وشهرته ليست بحاجة الى التقريظ !
واذا كان الغناء الصنعاني يذكرني دوما بالعمارة الصنعانية وشموخها وزخارفها ، فإن غناء “الزامل” يهزني من الاعماق كما هدير الشلالات ويذكرني بالقبلية اليمنية بتضامنها ووشائجها وشجاعتها !
في جنوب اليمن جذبني من المطربين اللامعين محمد مرشد ناجي وايوب طارش والممثل الشخصي للغناء العدني المطرب يحيي مكي الذي تخرج على يديه معظم المبدعين الشبان في فن الغناء ، وكم حقق من النجاحات تباعا في حسن اختياره لكلمات والحان اغنياته ، واشهد لصديقي المرحوم استاذ العود الموسيقار جميل غانم فضل ارشادي وتعريفي بقيمة وقامة الفنان يحيي مكي!
ولانني عاجز بحكم الظروف عن الالمام بكل الوان المبدعين في فن الغناء اليمني ، فلا اقل من التنويه بالنجوم المتألقة ، وعلى القمة يقف الفنان القدير ابو بكر سالم بلفقيه الذي شق صوته اليمني الاصيل مختلف ربوع السعودية والخليج ، وكان له التأثير الملحوظ في مدارسها الغنائية ، فيما انتشرت اغنياته في معظم الدول العربية ، فكان مؤهلا للغناء الثنائي او التلحين للعديد من المطربين والمطربات ابتداء من نجاح سلام ووردة الجزائرية وانغام وسعاد محمد ونازك حتى طلال المداح وعبد المجيد عبد الله وغيرهم كثر !
لابو بكر سالم ما يزيد عن 500 اغنية ، معظمها من اللون العاطفي ، اشهرها تلك التي نال عنها جائزة الاسطوانة الذهبية ، من اليونان عام 1968 ، بما يعني ان توزيعها بلغ المليون نسخة ، اذكر من هذه الاغنيات “24 ساعة ، عادك صغير – يا حامل الاثقال- يا عيني لا تذرفي الدمع ، كذلك فاز في المسابقة التي ينظمها اليونسكو بالمرتبة الثالثة للاصوات العالمية .
وكان الفنان الكبير قد توقف تماما عن الغناء في اعقاب نكسة يونيو 1967 ، ثم عاد فجأة عام 1974 اكثر تجددا وعطاء ، وقد تعتق صوته واصبح اكثر قدرة على اداء الصعب من الالحان الشعبية القديمة في التراث الحضرمي ، وبينها “فرصة من العمر” و”ليالي الانس” وكلاهما من كلماته والحانه ، وكانت آخر حفلاته الباهرة خلال مهرجان الاغنية في الدوحة عام 2006 !
ثم لا انسى المطرب السعودي محمد عبده ، فحين التقيته في السبعينات بفندق “دار الحمد” في صنعاء ، ذكرني بأنه يمني الاصل !
المغتربون وحنين العودة للوطن
لليمن في شتى ربوع العالم آلاف من مواطنيه المهاجرين ، واذا كان التاريخ القديم يشهد لليمنيين بارتياد الآفاق بحثا عن المعارف وممارسة التجارة او جنودا في جيوش الفتح الاسلامي ، لكن الحال تغير الى حد ما في العصر الحديث ، فعندما اندلعت الحرب الاولى انخرط المئات من اليمنيين في العمل بالبواخر الحربية والمدنية التي كانت تدار عهدئذ بالفحم، وتلك كانت مهنة شاقة تستدعي وقوف العمال اليمنيين ساعات طويلة امام افران المراجل الساخنة فضلا عن احتراف مهنة الطهي ، ومن ثم كان غيابهم الطويل عن الاهل والوطن ، لكن كل هذه المشاق كانت تهون في سبيل جمع ما يكفي لسد احتياجات الاسرة التي كانت تعاني عهدئذ شديد الفقر والجوع ، وربما فاض من المدخرات كلفه تحقيق حلم بناء بيت متواضع بالكاد !
كذلك شارك اليمنيون في النهضة الصناعية الحديثة التي شهدتها اوروبا ، باعتبارهم اليد العاملة الرخيصة في سوق العرض والطلب ، فكانت المشكلة التي واجهتهم ذات شقين على نحو ما لمسته شخصيا عندما قدر لي زيارة الجالية اليمنية عام 1982 في مدينة “شيفيلد” التي تبعد عن لندن عشرات الاميال ، الاولى وتكمن في صعوبة الاندماج الطوعي في المجتمع البريطاني والمجتمعات الغربية بشكل عام ، لا بسبب اختلاف العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية فحسب ، ولكن لأن اليمنيين يعشقون الوطن ويحنون للعودة يوما الى اليمن ، ويتمنون ان يدفنوا في ثراه عندما يوافيهم الاجل ، والمشكلة الثانية ان القوانين البريطانية العنصرية متحيزة بشكل واضح ضد العمال اليمنيين ، وتقف حجر عثرة امام هجرة الزوجات والابناء كما لو انها تدفع باليمنيين الى العودة للوطن قسرا بعد ان اسهموا بنسبة 70% في بناء مصانع الحديد والصلب وتشغيلها في “شيفلد” منذ اوائل خمسينات القرن الماضي ، وبعدها راحوا يعانون ويلات البطالة ، وبينما كان تعدادهم زهاء خمسة آلاف يمني تناقص عددهم الآن الى الفين فقط ، وبعضهم اجتذبته مشاريع التنمية وانتشار الخدمات في اليمن ، وغيرهم كان عليه ان يبحث عن عمل في اوربا ووسط تجمعات الجالية اليمنية في برمنجهام وليفربول في بريطانيا وديترويت وغيرها من المدن الامريكية ، خاصة بعد عودة ما يزيد عن مليون يمني الى الوطن في اعقاب ازمة الخليج كانت تحويلاتهم وغيرهم في دول اخرى تربو في المتوسط على مليار دولار سنويا !
ورغم آلام الغربة عن الوطن ورغم مشكلات العمل والاقامة ، الا انني فوجئت بترابط الجالية اليمنية في شيفلد اجتماعيا وسياسياً ، وعلى دراية ومتابعة دقيقة لما يجري في اليمن والوطن العربي من تطورات ، ولهم مقاهي ومطاعم خاصة تقدم المشروبات والوجبات اليمنية الشهيرة .. وقال لي قاسم سعيد سكرتير اتحاد العمال اليمني في “شيفلد” عندما عرف جنسيتي المصرية ان دور عبد الناصر في دعم ثورتي سبتمبر واكتوبر مادة معرفية اساسية نلقنها للجيل الجديد من ابنائنا الذين ولدوا بعيدا عن اليمن بالتزامن مع تلقينهم التاريخ اليمني وتعليمهم مبادئ الاسلام وحفظ القرآن ومداومة الصلاة !
واضاف ان الجالية اليمنية هنا تحلم باليوم الذي تستقبل فيه بث التليفزيون اليمني والمصري ، حتى تظل على صلة ثقافية وسياسية ووجدانية باليمن ومصر والتجاوب مع اشواقهم لسماع الاغاني !
اذكر بالمناسبة ان قيادة الحركة التصحيحية الحاكمة في شمال اليمن كانت قد دعت الى عقد مؤتمر عام للمغتربين عام 1976 ، اسفر عن قيام اتحاد عام للمغتربين اليمنيين ، وانشاء فروع له في شتى دول العالم التي يتواجد فيها المغتربون ، رغم ان بعض اجهزة الدوله لم تكن قد استوعبت الفكرة بعد وقد لعب الاتحاد دوره فى تجميع وتصنيف مشاكل المغتربين في كل دولة من دول العالم ، والتعاون من الوزارات في حلها خاصة وزارات العدل والداخلية والخارجية !
وقد اسهم الاتحاد في القيام بمهام التوعية والتثقيف للمغتربين ، عبر توزيع الصحف والنشرات اليمنية ، وشرح جوانب الخطة الخمسية للتنمية ، وطريقة المشاركة في تنفيذ مشاريعها ، وخلال زيارتي لدولة قطر كانت الجالية اليمنية بالتعاون مع السفير اليمني عبد السلام العنسي قد طورت فكرة مجلس الجالية اليمنية ، من حيث الدور الاجتماعي الفعال على صعيد تقديم العون الانساني للمحتاجين ، وانشاء صندوق خيري للمتضررين من الحوادث وكفالة الايتام ، والنهوض بتنظيم المحاضرات والمهرجانات الثقافية والسياسية ، لكن تظل الجاليات اليمنية من الناحية التاريخية السباقة الى تنظيم شئونها وتوفير العناية الثقافية والصحية والاجتماعية لليمنيين وقد تعزز هذا الدور عبر اتحادات وروابط الطلبة اليمنيين ، وانشاء المركز الثقافي اليمني مؤخرا بالقاهرة بداية ايجابية لما بعدها ، فقد كانت الاستاذة جميلة على رجاء بمثابة المضيفة للطلبة والجالية اليمنية على الصعيد الثقافي الاجتماعي ، واظن ان الصديق خالد السودي الذي حل الصحفي الجديد بالسفارة اليمنية سوف يبتكر مناهج واساليب جديدة تجعل من هذا المركز نموذجا يحتذى يمنيا وعربيا !
الحوار الاخير مع البردونى
كنت اهجع دوما الى اديب وشاعر اليمن الكبير المرحوم عبد الله البردوني كلما قدر لي زيارة صنعاء ، اذ كانت له بصيرة نافذة – وهو الضرير – فيما كانت تشهده اليمن تباعا من تطورات واحداث ، ولم يكن الحوار معه في دروب الادب والسياسة وتاريخ الفلسفة فحسب، بل كان الحديث بيننا يطرق في ود والفه ابواب الخصوصيات المتبادلة .
ومنذ اللقاء الاول في الستينات بمنزله في “سوق الملح” ادركت انه جال بخاطره ما كان يجول بخاطري من تساؤلات عنه .. عن بداياته الادبية والمعرفية ، وقال لي انه من مواليد عام 1930 بقرية “البردون” وسط قبيلة “الحدا” في لواء “ذمار” ، ويذكر انه اصيب وهو في السادسة من عمره بمرض الجدري ، وعولج بالوسائل الشعبية حيث فقد بصره ، لكنه تجاوز محنته واقبل على التعليم في نهم بأحد مساجد ذمار ، ومنها اكتسب الثقة التي اهلته الى حد الاشباع الذاتي من العلوم الفقهية والالمام بجماليات اللغة العربية !
وتلك كانت بداياته الادبية إثر التحاقه بدار العلوم في صنعاء وبعدها صار استاذا للادب العربي ، وقال انه كان ونحو عشره من زملائه يراجعون دروسهم معا وحتى الكتب والدواوين كلما اتيحت لأي منهم قراءتها لابد من ان تستوعبها بقية المجموعة !
واكثر ما كان يثير دهشتي عندما كان يتبادل مع زوجته الاولى الدعابات وهي من وراء الستار ، وكيف كان يتحرك في جنبات المنزل في يسر وسلاسة ، وينتقي من مكتبته ما يرغب في الاستشهاد به من الكتب ، لكأنه المعني بالآية الكريمة “انها لا تعمى الابصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” .
ثم اذكر له مطلع قصيدة إثر اندلاع الثورة يقول فيها :
افقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى اطربي
اتدرين يا شمس ماذا جرى
سلبنا الدجى فجرنا المختبي
ومما لاشك فيه ان عطاء البردوني وابداعاته عبر عشرت الكتب والدواوين وآلاف الابحاث والمحاضرات ، لما يعجز عنها زمرة من الشعراء والكتاب والدارسين ، ومن هنا تكمن الخسارة التي يستحيل ان تعوض .. على الاقل في زماننا الردئ .. وهذا نص حوار طويل وممتع معه نشرته صحيفة الشرق القطرية في حلقات ابتداء من 21 اكتوبر 1993
قوة القبائل لا تمثل خطورة فى اليمن
البردوني يكاد لا يذكر عدد واسماء مؤلفاته في دروب الادب والتاريخ والسياسة والاجتماع ، وكذا دواوينه العديدة التي رشحته لجائزة صدام حسين وترشيحه امير الشعراء العرب وجوائز اخرى عربية ذات عائد مادي سخي .. الا انه رفضها جميعا مؤثرا التواضع والابتعاد عن الاضواء .. حتى يخلو الى نفسه وكتبه وتلاميذه وزوجته الثانية وحياته الفكرية والاجتماعية التي يمارسها بلا خوف من سلطة او خشية على مصير الذرية التي لم يغنم منها شيئا .
عبر جهاز “الانتركم” جاءني صوته : من بالباب ؟ وقلت : يوسف الشريف وقال: من معك .. قلت : وحدي قال : ادخلوها ان شاء الله آمنين .. وانفتح الباب اتوماتيكيا ودلفت الى داخل المنزل حتى وصلت الى مجلسه .. وكان قد نهض لاستقبالي وجلسنا للحوار .
قلت له : ادهشني اختيارك موقع منزلك الجديد في شارع الامن القومي “المخابرات العامة” .. وضحك البردوني .. وقال : هذا الاختيار يسهل الامور .. ويختصر الوقت اذا دعت الحاجة .. ماذا تشرب؟ .. قلت : لا داعي .. قال : زيارتك ادعى للحفاوة وتناول الشاي او البن معك .. فالوقت لا يسمح الآن بتناول العيش والملح .. ثم نهض من مكانه وخرج من معك وتجول في ردهاته الى داخل المنزل في سهولة وحيوية كأنه مبصر حتى يأمل اهل البيت بإعداد الشاي !
سألته عن ظاهرة حمل السلاح ؟
قال : متوارثة كلون من مظاهر الزينة والتفاخر والرجولة ، وقد بدأ اقتناء السلاح الناري بعد انتشار المزارع حماية للنفس في مواجهة الوحوش البرية المفترسة مثل الذئاب والضباع وممارسة هواية الصيد ، صحيح انه كانت تنشب حوادث بين قبيلة واخري او قرية سواها .. لكن سرعان ما يتدخل الوسطاء ويقبل المقاتلون بالتحكيم الشعبي ، لكن بعد انسحاب الاتراك من اليمن تعطلت القبائل التي كانت تحترف نهب ما لديهم من سلاح ومال ومنقولات وانتشرت عادة “الخطاط” عبر ممارسة الاغارة ونهب القبائل الضعيفة التي تملك المزارع..كانت تلك المغامرات والاغارات تعرف انذاك بالعسيل او العجيل ، فكان العسيل يعني قطع ثمار الفاكهة في مرحلة التحول الى براعم او حرق مزارع الشعير والقمح .. وكانت القبائل المغيرة تقطع حتى الاشجار من جذورها وهو ما يسمى بالعجيل ، وقد دخل اصطلاح “العسيل والعجيل” الى القاموس اليمني كمؤشر على المحنة رغم اندثار تلك الظاهرة خلال حكم الامام يحيى وابنه احمد .. وطبيعي ان يستمر اقتناء وحمل السلاح في اليمن كلما كانت هناك حاجة اليه وان تندثر الظاهرة كلما اطمأن الناس على حياتهم ومصالحهم في ظل هيبة القانون والانضباط الامني .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.