المتابع لما يحدث في أفغانستان مؤخراً يجد حالة من الهستيريا القاتلة تتجول في تلك البلاد التي تتوافر فيها عوامل صناعة الموت بشكل زاخر وتنعدم فيها عوامل صناعة الحياة.. مؤخراً وتحديداً يوم الجمعة الماضي أعلنت قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية عن مقتل 30 مسلحاً من عناصر حركة طالبان في اشتباكات بغربي أفغانستان. نيران أسلحة خفيفة في مقاطعة "شينداد" بمحافظة هيرات كانت بداية الشرارة لتبدأ بعدها الاشتباكات العنيفة بين مقاتلي طالبان وقوات التحالف. عملية شينداد بحسب الإعلان كانت تهدف القبض على الملا صديق، قائد حركة طالبان في "شينداد" لكن المشكلة أن المسلحين من أتباع الملا صديق دافعوا عن قائدهم ، وهو أمر كان غير متوقع من قبل قوات التحالف كما يبدو!! وإلا كيف يمكن لعاقل أن يفهم ما قاله المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، غير أن الرد المسلح من عناصر الحركة دفع قوات التحالف لطلب دعم جوي، فقامت الطائرات بقصف المنطقة. هذا التفسير الذي أدلى به الناطق باسم قوات التحالف في أفغانستان لا يستطيع صحافي أو سياسي أو عسكري فهمه إلا في اتجاه كونه تبريراً مسبقاً لإخفاء حقيقة كبيرة أو هذا ما تؤكده تصريحات الداخلية الأفغانية بعيد الضربات الجوية تلك وقتل المسلحين، وبينهم صديق. وزارة الداخلية الأفغانية في بلد تحتله قوات التحالف لا يمكن اعتبارها بعيدة عن أذرع هذا التحالف ومطبخه، لكن أن يخرج تصريح الوزارة مضاد تماماً لتصريح التحالف فهذا أمر غير عادي بالتأكيد، ولعله كذلك فعلاً .. فالداخلية الأفغانية هذه المرة لم تؤيد البيان الصادر عن التحالف الدولي بل ردت عليه نداً لند فما الذي جعل الموظف يخرج عن توجيهات المدير ياترى؟.. يقول رد الداخلية الذي جاء ليفند ما أدلى به الناطق الدولي: إن العمليات العسكرية أسفرت عن مقتل 76 مدنياً، بينهم 19 امرأة وسبعة رجال، إلى جانب 50 طفلاً تقل أعمارهم عن 15 عاماً، إلى جانب جرح العشرات، بعضهم في حالة حرجة. . ثمة كارثة إذاً وكذبة كبيرة لم تستطع هضمها الداخلية الأفغانية المسئولة عن أمن شعبها كما هو مفترض والقائمة بإسناد القوات الدولية. بهذه الطريقة يمكن الحصول على تفسير مقبول لزيارتين قام بهما كل من الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة البريطانية بفارق 24ساعة فقط. كانت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ترافقت مع إعلان للجيش الأمريكي الأربعاء الماضي أكد فيه أن جنوده تمكنوا من قتل 30 مسلحاً في عملية شنتها القوات الأمريكية في ولاية "لاغام" شرقي البلاد، وهي ذات العملية التي قالت وزارة الدفاع الفرنسية إنها وقعت في منطقة "ثوروبي" التي تنتشر فيها حركة طالبان والمليشيات الموالية لقلب الدين حكمتيار، أحد أمراء الحرب السابقين في أفغانستان ومابين "لاغام"و"ثوربي" يقف سؤال حائر.. التفسير التحالفي لتلك العملية جاء بنفس الطريقة المكرورة منذ 5 سنوات فقط، تعرضت قوات التحالف لإطلاق نار من المسلحين، الأمر الذي دفعها للرد وطلب مساعدة سلاح الجو. زيارة رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، جاءت الخميس أي بعد 24 ساعة من زيارة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، التي أوضحت فرنسا أنها - الزيارة - جاءت بسبب تزايد موجة العنف في البلاد وارتفاع حصيلة خسائر القوات الدولية فيها.. زيارة براون لم تحرم من تصريح للناطق باسم قوات التحالف فقد ترافقت أيضاً مع إعلان القوات الدولية الخميس مقتل ستة من عناصرها، منهم ثلاثة يتبعون الوحدة البولندية، قُتلوا إثر انفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة على طريق تسلكه آليتهم شرقي البلاد الأربعاء.. التصريح جاء مغايراً لمحتوى سابقه وتالياً لأخبار حول سقوطهم ضحايا لنيران صديقة .. لكن الداخلية الأفغانية صمتت كما يبدو في الحالتين.