في الحائط الأخير المعذور من جرف السيول دوّن المعلم كرامة باذيب على سبورة الفصل عبارته «الرحمة يا الله» بعد أن داهمت السيول كل ما حوله، موجهاً نداء استغاثة إلى اللطيف القدير.. كرامة باذيب: «الرحمة يا الله» بهذا اللفظ أنقذتني الأقدار من أوساط السيول الجارفة رحمتك يا معين كان الكثير منهم الأحياء والأموات في أوساط السيول الجارفة قبل أن يأتي إليهم الموت أو الرحمة يعيشون مع المأساة في انعزال تام عن عالمنا امتدت لأكثر من 36 ساعة كانوا فيها في حال بين الحياة والموت مسلّمين أمرهم للقدر بعد أن أيقنوا أنه لا بقاء ولا مفر من الموت، خصوصاً وهم يحتضرون في برزخ بانتظار القدر موت أم حياة. الرحمة يا الله فالقصة الأولى لهذه المأساة يرويها (كرامة باذيب) أحد الناجين من الكارثة وهو من أهالي مديرية ساه التي استظافتها الكارثة في محافظة حضرموت في مجلس دمارها الهائل وعرمها الجارف والقاتل، حيث عاش كرامة مع أفراد أسرته وبقية الناجين تلك الساعات التي رأوا فيها هول المأساة وكانوا فيها في قبضة الأجل الفاجع كما يرويها لنا ويقول: في تلك الساعة التي داهمت فيها السيول الجارفة بيته وأسرته تخيل أنه كان أمام عدو متوحش غادر يعجز المرء عن ردعه ومقاتلته ولا تنفع أمامه الرصاص والمدافع ولا قوة ضاربة صنعها الإنسان، وكان يراها كما يصف كرامة يدمر كل شيء في بيته دون تمهل وفي الوقت نفسه يبتلع كل ما هو ثمين وكل ما هو رخيص لا يفرق فيما يلتهمه أكان حياً أو ميتاً وبعجالة لا يحسب فيها لوقت ولا يمهل المرء حتى لغمضة جفن. هول الكارثة ويقول كرامة باذيب هكذا رأيت الكارثة وبهذا الحال واجهت المأساة حين أيقظتني السيول وأنا في سبات النوم تجرني وبشدة من على فراشي بشكل مداهمة الكمين للأمان وهو يسير في أمان الله رب العالمين.. فتوقظني بفزع من هول الفاجعة لأرى أمام عيني كل شيء يذهب بغمضة عين، حينها سلّمت نفسي لله الواحد الأحد متضرعاً له في ما ملكت لساني وما سمح به قلبي بالقول الصادق فكانت الكلمة التي بقت على لساني بعد الشهادة هي: «الرحمة ياالله» وبعظمة هذا اللفظ «الرحمة يا الله» أجد نفسي في يوم آخر مع أسرتي وضمن الأسر التي تم إنقاذها من السيول وإيواؤها في جامع المنطقة. تدخل إلهي يواصل كرامة باذيب حديثه بالقول: كوني مدرساً أعمل في سلك التدريس كنت قد عزمت قبل يومين من الكارثة لشراء علبة رنج بخاخ وذلك إسهاماً مني للمدرسة في تجديد رنج السبورة التعليمية في أحد الفصول الذي أعلّم التلاميذ فيه، وفي تلك اللحظة التي أيقظني به الانجراف وأنا أتضرع لله عز وجل بالرحمة والنجاة أجد بين يديّ وأنا في آخر رمق للحياة.. فكان الإلهام أن أؤكد استغاثتي بالرحمة كتابة نداء لصاحب الرحمة، وكان هناك مجال أن أكتب هذا اللفظ «الرحمة يا الله» في آخر حائط هو ما تبقى لداري، حيث كان هناك أيضاً مساحة لم تبلل وكأنها تركت لي لكتابة هذا اللفظ وهذا الاستنجاد وهذه الاستغاثة طالباً الرحمة لبقية الناس من حولي من أجل الديرة أجمع، وعملت ذلك بنية وبإيمان مقابلاً الله تعالى ومخاطباً له هذا اللفظ وهذا النداء بالرحمة بعد أن ظننت أن أولادي وأسرتي هم في رحال الموت والحمد لله نجوت أنا وأولادي بعد أن أعان الله جل جلاله المنقذين من إخواننا في انقاذنا واحداً تلو الآخر ومن ثم أيوائنا مؤقتاً في الجامع لنحكي ونروي هذه المأساة لكم وللعالم أجمع. لطفك يا الله بهذا اللفظ تضرع لله عز وجل ثلاثة أيام الناجي جابر يحيى حمزة وهو أحد مواطني محافظة عمران كان مع سيارته في مواجهة الكارثة في سائلة بويش بضواحي مدينة المكلا حيث يقول: كنت حينها بائتاً في حوش المصنع المعروف للبردين في منطقة بويش، حيث كانت الأمطار في هذه المنطقة ليست بهذا الحجم الكبير الذي يؤدي إلى الحذر والخوف.. فإذا مع الساعة ال11 يأتي تحذيرنا بإخراج سياراتنا من حوش المصنع والفرار إلى أية منطقة آمنة.. إلا أنه عندما استيقظنا رأينا كارثة كبرى والسيل لا يسمح لك بالتحرك حتى لشبر واحد بعد أن داهم المصنع في اللحظة نفسها فما كان مني إلا أن أشهد وأكبر الله ومن ثم أتضرع لله عز وجل باسمه اللطيف ليلطف بنا والحمد لله استطعت أن أحرك سيارتي بين تلك السيول إلا أنه انطفأ المحرك وبدأت أغوص أنا والسيارة بين المياه في حوش المصنع حتى أراد الله بانحراف السيارة إلى جهة الرافعة وهناك حوصرت السيارة بين أعمدتها الأساسية ومن ثم تأتي إرادة الله فترسل لنا نحو أربعة أو خمسة جذوع لأشجار النخيل وكانت عندما تصل أشبه بمقذوف صاروخ أو مدفع.. فكان لها الأثر في بقائنا بتلك الزاوية من المصنع، وبفضل الله تمكنا بعد أن ثبتت هذه الجذوع السيارة الخروج منها والطلوع إلى أعلى ارتفاع للرافعة أو خلاطة المصنع حتى اليوم الثاني لنرى تلك الأهوال والقوة العارمة التي تبتلع وتجرف الأخضر واليابس في سائلة بويش. شاهد على حجم الكارثة وماذا شاهدت وأنت محاصر بين هذه السيول، وكيف تم إنقاذكم؟ كنت أشاهد تلك السيارات التي انجرفت ومنها سيارة صالون والسائق فيها يقال إنها لشركة سياحية تجرف وقاطرات وسيارات صغيرة يسحبها للوادي ونحن في رأس الخلاطة نشهد ونكبر وأنا أرى وأتضرع لله وأقول (لطفك يا الله) وأحمد الله.. ويضيف: شاهدت أيضاً مواطناً تجرفه السيول وكان يسحبه الناس من فوق أحد المباني المجاورة للمصنع وفي يوم الجمعة شاهدنا الطائرة الهيلوكبتر التي كانت تقل الأخ الرئيس تحوم حولنا عدة مرات.. لكن لا مجال في تلك الأحوال من إنقاذنا حيث كانت السيول متدفقة وتغمر المكان حتى سفح جبل بويش. قصص أخرى في حلقات قادمة..