نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    تعيين شاب "يمني" قائدا للشرطة في مدينة أمريكية    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    التفاؤل رغم كآبة الواقع    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    انهيار وشيك للبنوك التجارية في صنعاء.. وخبير اقتصادي يحذر: هذا ما سيحدث خلال الأيام القادمة    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور عدن في الثورة التحريرية المسلحة في الشطر الجنوبي من الوطن اليمني (1964 1967)
نشر في الجمهورية يوم 30 - 11 - 2008

بدءاً من عام 1938م ، وعلى امتداد قرن كامل كان الحلم العثماني يرنو صوب عدن ، وكان لهم ما أرادوا في أغسطس من ذلك العام ، غير أنهم كانوا يحاولون العودة إليها على مدى مائة عام بعد خروجهم السريع منها
كانت عدن محضناً تحررياً تلاقحت فيه كل الرؤى اليمينية واليسارية لتصنع تغيراً لم يقتصر على كفاح المدينة ضد المستعمر البريطاني ومساندة ثورة جبال السلطنات .. بل تعداه إلى مساندة الثورة اليمنية والجمهورية في الشمال
في جبال ردفان وتحديداً ليلة 13 اكتوبر 1963م حدث صدام بين القوات البريطانية والفدائيين العائدين من مساندة الثورة في الشمال الذين رفضوا تسليم أسلحتهم ووقعت اشتباكات سقط على إثرها الشهيد راجح لبوزة صباح ال 14من اكتوبر 1963م .. واعتبر هذا اليوم يوم الثورة المسلحة في الجنوب المحتل
.. أتاح الموقع الاستراتيجي الذي تحتله مدينة عدن الكثير من الميزات وربما مسئوليات لهذه المدينة ، وليس أقل من ذلك ، فقد فرض عليها موقعها أن تلعب أدواراً في محيطها وأن تؤثر على الأحداث المختلفة التي تدور في فلكها تأثيراً جلياً.
فالمدينة ومنذ فجر التاريخ وهي محور تغييرات وأحداث جمة شهدتها المنطقة وكانت في أغلب تلك الأحداث هدفاً هاماً ، ولاعباً أساسياً في معظم تلك التغيرات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى فكرية.
فمن أجل موقعها تعرضت المدينة لمحاولات احتلال ابتدأت من الأعوام السابقة للميلاد ، وهجمات الرومان عام 24 ق.م ، ومروراً بمحاولات الأكسوميين عام 525م والفرس عام 578م ، حيث كانت المدينة في هذه الفترة جزءاً من الدولة المركزية اليمنية القديمة التي وحدها الملك الحميري شمر يهرعش في القرن الرابع الميلادي ، ولم تكتف المدينة بتلك المحاولات اليائسة ولكنها وعلى تعدد الدويلات والامبراطوريات التي دخلت في كنفها لم تسلم من أطماع متكررة ، باعتبارها منطقة هامة لأي دولة تخلف أخرى ، ليس فقط من أبناء الوطن الواحد «اليمن» بل امتد التربص بها من قبل امبراطوريات أتت من أعالي البحار ، كالبرتغاليين الذين حاولوا السيطرة عليها ما بين عامي 1513-1530م ، ومن ثم المماليك الذين دخلوا في حروب مع الدويلات اليمنية التي تدخل عدن في كنفها للسيطرة عليها.
وبدءاً من عام 1538م وعلى امتداد قرن كامل كان الحلم العثماني يرنو صوب عدن وكان لهم ما أرادوا في أغسطس من ذاك العام ، غير أنهم كانوا يحاولون العودة إليها على مدى مائة عام ، بعد خروجهم السريع منها.
وبعد خروج العثمانيين من اليمن في العام 1635م كانت عدن جزءاً من الدولة المركزية في صنعاء إلى أن استطاعت سلطنة لحج فصلها عن الدولة المركزية في العام 1728م وظلت كذلك حتى التاسع عشر من يناير عام 1839م تاريخ الاحتلال البريطاني للمدينة التي كانت تراوده منذ تأسيس شركة الهند الشرقية كشركة تجارية بريطانية ، حيث كانت عدن منطقة هامة لا بد للشركة ، وبالتالي الامبراطورية البريطانية ، من بسط نفوذها عليها ضمان لمصالحها وللسيطرة على طرق التجارة البحرية.
كل تلك الصراعات حول المدينة منذ فجر التاريخ وحتى الاحتلال الانجليزي لم يكن سوى ضماناً لمصالح المتصارعين والمتسابقين للفوز بعدن ، تلك المصالح التي ما برحت من كونها إما سياسية منعاً لظهور قوى أخرى أو اقتصادية أو تجارية بالسيطرة على الطرق التجارية أو حتى دينية . كما أدعى ذلك كل من الامبراطوريتين العثمانية والمملوكية واللتان كان مبرر محاولاتهما للسيطرة على عدن هو الحل دون وصول البرتغاليين الصليبيين إلى الأراضي المقدسة انطلاقاً من جنوب الجزيرة العربية التي لم تكن عدن سوى مفتاح لها.
ولهذا أضحت عدن هدفاً هاماً من أهداف لعبة المصالح السياسية والدينية والاقتصادية . ولم تكتف بذلك وحسب ، بل ولعبت في كل ذلك أدواراً أساسية كما قلنا سلفاً بدفاع أهاليها عن حصونها ، ورد الطامعين عن بيضتها .. وبعد ذلك لعبت عدن أدواراً فكرية وثقافية وسياسية في ما يحيطها وأثرت كثيراً في بيئتها ، فكانت حضناً للمفكرين السياسيين منذ ثلاثينيات القرن الماضي ، ومركزاً اقتصادياً وتجارياً في المنطقة العربية لم يشهد لها مثيل بصفتها ميناءً هاماً يقع في قلب خط الملاحة الدولية.
فمنها وفيها بدأت معظم التغيرات الفكرية والسياسية في اليمن عموماً وما جاورها من دول ، فلم يكن بوسع أحرار الشمال اليمني تكوين رؤاهم التغييرية والإصلاحية سوى في حضن عدن ، حيث كانت عدن في تلك الفترة المشار إليها مرتعاً خصباً لكل المذاهب الفكرية السياسية في ذلك الزمن ، كالقومية والوطنية والتقدمية والبعثية .. وتلقفت كل ذلك فئات ساكنيها من الطلاب والعمال فأنشئت النقابات العمالية والجمعيات الطلابية التي انخرط فيها أحرار الشمال ومنها بدأوا رحلتهم نحو التغيير.
وبذلك أضحت عدن بحق محضناً تحررياً تلاقحت فيه كل الرؤى اليمنية واليسارية لتصنع تغيراً لم يقتصر على كفاح المدينة ضد المستعمر البريطاني ومساندة ثورة جبال السلطنات ، بل تعداه إلى مساندة الثورة اليمنية والجمهورية في الشمال الذي لابد من عدم اغفاله.
المدينة التي يخيل للكثيرين أنها لم تكن سوى مقر هادئ للمستعمرة البريطانية في الجنوب اليمني ، ويكثر الحديث منهم عن أن الكفاج المسلح ضد الانجليز لم يبرح جبال سلطنات لحج والعوالق وأبين .. ولم يصل رحاه أو لم يكن لعدن المدينة أي دور فيه ، تنكر كل ذلك من خلال كتاب للمؤلف الدكتورسيف علي مقبل والمعنون ب(دور عدن .. في الثورة التحررية المسلحة في الشطر الجنوبي من الوطن اليمني 1964-1967م» الذي يشير وبالدلائل الدامغة إلى فاعلية المدينة في الكفاح التحرري المسلح في فترة غاية في الأهمية.
التاريخ اليمني والعربي المعاصر ، فترة كانت تموج فيها المذاهب المتعددة والرؤى والأطروحات السياسية المختلفة ، التي كانت وقوداً أكيداً للثورة التي دعمتها عدن ، ولعبت فيها دوراً رئيسياً منذ ولادتها ، ترجمة لموقعها الذي يؤهلها لمساندة أي تحول أو تغيير في صالح ساكنيها وشعبها .. وفيما يلي محاولة لعرض مختصر للكتاب الذي يوثق حقيقة هذا الدور لعدن كشهادة على العصر تبرز فاعليتها وحقيقة شأنها.
بين يدي الكتاب
احتوى على أربعة فصول رئيسية بالإضافة إلى مدخل في بدايته تضمن لمحة تاريخية عن مدينة عدن منذ فجر التاريخ حتى بداية الحد الزمني لكتاب 1964-1967م.
تلا ذلك فصلٌ تحدث فيه المؤلف الدكتور سيف مقبل عن اندلاع الثورة التحررية المسلحة في الشطر الجنوبي من الوطن اليمني .. ويسترسل بنا إلى أن يصل إلى الكيفية التي تم بها فتح جبهة عدن ، كبؤرة قتالية ضد الاحتلال البريطاني كفصل ثان، وفي الفصل الثالث تناول الكتاب النشاط السياسي والعسكري للثورة في عدن ، وهو الفصل الذي يلفت الانتباه إلى تحول الثورة من كونها عسكرية محضة إلى عسكرية يوازيها نشاط سياسي يقوي عضدها ويساند بعضه بعضاً.
وفي الفصل الرابع كانت الانعطافات التاريخية الحاسمة للثورة في عدن حاضرة كملمح يؤكد بداية النهاية لتواجد الاحتلال البريطاني ، ليس في عدن فحسب ، وإنما في كل الجنوب اليمني.
ويختم المؤلف كتابه بخاتمة موفقة إلى حد بعيد تظهر التعاضد الجلي وواحدية الثورة اليمنية عندما اختار موضوعاً أسماه ب(عدن تنصر صنعاء) في إشارة إلى وقوف عدن ، كاكتمال لدورها الفاعل في محيطها ، إلى جانب الثورة السبتمبرية ودعمها بالرجال والتأييد الشعبي والرسمي .. ومناصرة صنعاء في حصار السبعين يوماً في الأيام الأولى لدولة الجنوب المستقلة من الاحتلال البريطاني.
التقديم
قدم للكتاب العميد ركن علي حسن الشاطر مدير دائرة التوجيه المعنوي ، والذي وصفه بإحد الكتب التاريخية القيمة كونه يقدم الجوانب التاريخية من خلال وقائع وأحداث حدثت أثناء مرحلة تحرير جنوب الوطن اليمني ، بالإضافة إلى أنه يقدم للقارئ والباحثين المعلومة البعيدة عن الانشاء.
وأشار الشاطر في مقدمته إلى أن الكتاب ليس محاولة للتاريخ التي هي من مهمة المؤرخين ، وإنما هو جهد من المؤلف يدخل في باب البحث العلمي المرتبط بمعايير التحقيق والاستقراء والاستنتاج وكلها من سمات البحث العلمي الذي يقصد البحث عن المعارف والحقائق المجردة.
تاريخ عدن
مدخل الكتاب كان عبارة عن نبذة تاريخية عن تاريخ مدينة عدن حتى بداية الدراسة الزمنية للمؤلف (1964-1967م) ، احتوت على مكانة الموقع المتميز لعدن والذي تسبب لها بهجمات عسكرية عديدة بدءاً من الأعوام السابقة للميلاد وحتى التاريخ المعاصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر عندما سقطت المدينة في أيدي البريطانيين.
كما ضم توالي الدويلات اليمنية التي سيطرت على المدينة بدءاً من عهد شمر يهرعش في القرن الرابع الميلادي ومروراً بالدويلات الإسلامية التي تلت الخلافتين الأموية والعباسية ، ومن ثم الدويلات اليمنية المتعاقبة في العصور الوسطى ، ثم تصديها لمحاولات البرتغاليين للنزول إلى السواحل اليمنية واتخاذهم من سقطرى قاعدة للهجوم على عدن ، وكذا تصدي المدينة لهجمات المماليك ، ثم سقوطها بأيدي العثمانيين سنة 1538م والتي ما لبثت أن لفظتهم بعد فترة قصيرة من وجودهم فيها ، وانضمامها إلى الدولة المركزية في صنعاء بعد خروج العثمانيين الأول من اليمن عام 1635م ، واستئثار سلطان لحج بها بعد ذلك إثر الضعف الحاصل بالدولة اليمنية وظلت كذلك حتى استيلاء الانجليز عليها في عام 1839م.
وقبيل الهيمنة البريطانية على المدينة كانت السفن التجارية البريطانية التابعة لشركة الهند الشرقية تأتي إلى ميناء عدن بشكل مستمر ، وحاول غير واحد من قباطنة تلك السفن إقامة وكالات تجارية في المدينة ، لمعرفتهم أهمية المدينة وميناءها لكنهم لم يفلحوا.
كانت تلك المحاولات كثيرة ومتعددة يمتد تاريخها منذ مطلع القرن السابع عشر ، ولكن طابعها التجاري لم يخف الغرض العسكري منها ، خاصة أن هذه الرغبات بالتواجد في عدن ازدادت وأصبحت ضرورية مع تواجد الحملة الفرنسية بقيادة نابليون في مصر عام 1798م ، وعلى إثرها أرسلت بريطانيا عام 1799م قوات عسكرية لحماية البحر الأحمر ومضيق باب المندب ، ومن أجل ذلك تم احتلال جزيرة بريم «ميون» المطلة على باب المندب وخليج عدن.
وفي العام 1802م حصل البريطانيون من سلطان لحج على موافقة لفتح أبواب عدن أمام التجارة البريطانية ، ومنذ ذاك الوقت أصبح هم السياسة الانجليزية العمل على التسلط بشئون الموانئ اليمنية عامة إنطلاقاً من عدن ، حتى ميناء المخا الواقع في النفوذ والسيطرة العثمانية كان ضمناً في هذا المخطط.
ولم يكتف البريطانيون بتلك السياسة ولكنهم وتحت أعذار واهية قاموا بقصف الميناء بشكل وحشي وبربري خرجوا منه بتوقيع اتفاقية مهينة عام 1821م حصلت بريطانيا بموجبها على تسهيلات سياسية واقتصادية في المنطقة عموماً ، وكانت بادرة واضحة للسيطرة العسكرية على الميناء.
وتعزز هذا التوجه في عهد الملكة فيكتوريا التي هدفت إلى السيطرة على كامل الشاطئ الجنوبي لجزيرة العرب وعدن خصوصاً ، بدءاً من انشاء مستودع تجاري عام 1829م في المكلا ، ثم احتلال سقطرى عام 1934م وانتهاء باحتلال عدن عام 1839م.
دور عدن في التصدي للاحتلال
كان المبرر الواهي لاحتلال عدن هو اتهام أهالي عدن بنهب السفينة البريطانية «داريا دولت» عام 1837م ولهذا طالب الانجليز من سلطان لحج تقديم تعويض للخسائر ، ولم يتردد السلطان وقدم حوالي أحد عشر ألف ريال للكابتن هينس قائد الأسطول البريطاني ، ولكن السلطات البريطانية كانت قد بيتت الأمر باحتلال المدينة ، بدأت بمناوشات عسكرية للسفن اليمنية في خليج صيرة عام 1838م ، واستشهد وطنيون كثر في تلك المناوشات ، ثم ضرب حصار اقتصادي علي الميناء وأهالي المدينة ، ثم البدء بقصف المدينة بالنيران ، ولم يكن مع المواطنين سوى اربعة عشر مدفعاً يقاومون به الترسانة العسكرية البريطانية.
ولإسكات المدافع والنيران البريطانية قام أهالي المدينة بعدد من العمليات الفدائية لكنهم تراجعوا أمام الأسلحة النارية الحديثة للبريطانيين ، في وقت كانت التعزيزات العسكرية من الجنوب والعتاد تصل إلى الأسطول البريطاني من الهند .
كان سكان عدن لايتجاوزون خمسمائة نسمة مقابل أكثر من سبعمائة جندي بريطاني مدججين بأحدث الأسلحة والمدافع الضخمة وتم غزو المدينة واحتلالها صباح التاسع عشر من يناير 1839م من قبل سفن ضخمة ووجهت بمقاومة عنيفة من الأهالي رغم تواضع عتادهم العسكري ، والذين تمركزوا في قلعة صيرة ، وعلى الشواطئ لمواجهة الجنود البريطانيين المشاة ، وقد تعرضت السفن البريطانية لخسائر عديدة اضطرتها للاقتراب من جبل صيرة بمسافة 50 متراً وضرب المقاومين والمدفعية التي تواجدت فيها.
وتذكر المراجع البريطانية أن قرابة مائة واربعين شهيداً سقطوا في المعارك البطولية للدفاع عن قلعة وجزيرة صيرة وميناء عدن ، بينما خسر البريطانيون قرابة 15 رجلاً بين قتيل وجريح .. ومن ثم بسطت بريطانيا نفوذها على عدن ثم على باقي السلطنات والمشيخات الجنوبية تحت اسم الحماية تارة والاستشارة تارة أخرى.
أهمية عدن الاستراتيجية
بعد الحرب العالمية الأولى 1914-1918م نالت الكثير من الاهتمام من التاج البريطاني ، أصبحت عام 1928م مقراً للقوات الجوية البريطانية ، وفي 1932م خرجت من سيطرة الحكومة الهندية وتحولت تابعة لوزارة المستعمرات البريطانية مباشرة وتم تطبيق هذا القرار في العام 1937م.
ومن هنا برزت أهمية عدن الاستراتيجية ، فدخلت بموجب ذلك كنقطة تجارية هامة في الشرقين الأوسط والأدنى ، ودخلت ضمن المخطط العالمي لضمان المستعمرات البريطانية في آسيا وافريقيا وقاعدة عسكرية هامة ، وكان من دوافع بريطانيا تحويل عدن إلى سوق تجارية لتصريف منتجاتها الصناعية إلى مناطق العالم.
وفي الحرب العالمية الثانية 1939-1945م أضحت عدن نقطة دفاع وهجوم للامبراطورية البريطانية ، بحسب صحف عربية ، فقد زودت القوات البريطانية عدن بالأسلحة الذرية في الستينيات من القرن الماضي كمخزن لهذه الأسلحة .
والأمر الآخر الذي يؤكد أهمية عدن استراتيجياً هو إصدار الامريكيين لبيان يوازي البيان البريطاني بالانسحاب من عدن اثر تصاعد الثورة التحررية المسلحة فيها ، تذكر فيه السلطات الامريكية ضرورة بقاء البريطانيين في عدن عسكرياً ضماناً لقواعدها شرق قناة السويس.
ولم تكن فقط تلك الأهمية لدى الغرب بمافيه بريطانيا وامريكا، بل كانت أيضاً محلياً ووطنياً ، فكما ذكرنا سلفاً كان في عدن ولادة الحركات النقابية والعمالية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ، وفيها تم رفع شعار تحقيق الوحدة اليمنية ، كما ناضلت لتحقيق المطالب الاقتصادية للعمال وتصدت أيضاً للهجرة الأجنبية إليها طمساً لهويتها ،وكانت مركزاً لعدد من الأحزاب في ذات الفترة بمختلف ايديولوجياتها ومذهبيتها ، وكان معظمها داعياً إلى الوحدة اليمنية وطرد المستعمر ورافضاً لضم عدن إلى الاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي ما بين عامي 1959-1962م ، وبعد أن قرر المجلس التشريعي لعدن ضم المدينة قسراً إلى الاتحاد قامت مظاهرات شعبية ضخمة في شوارع عدن شاركت فيها المرأة العدنية وقادتها النقابات العمالية والطلابية ترفض القرار وتندد بالاستعمار الذي لم يكن هدفه من الاتحاد سوى مصلحة ذاتية ، تعرضت هذه المظاهرة للقمع من المحتل ، الأمر الذي أدى بالقوى السياسية في عدن إلى الاقتناع بأن الأسلوب السلمي وحده لا يكفي للوقوف ضد المحتل وكان ذلك نواة لاجتماع ضم مختلف القوى السياسية في تعز عام 1963م تمخض عنه تشكيل جبهة تحرير جنوب اليمن المختل ، ثم فيما بعد الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل التي قادت الثورة المسلحة في الجنوب ووصلت إلى فتح جبهة عدن في أغسطس 1964م.
الثورة المسلحة في الجنوب
الفصل الأول من الكتاب يتناول «الثورة التحررية المسلحة في الشطر الجنوبي من الوطن اليمني» ، حيث كانت النقابات والاتحادات النقابية والطلابية والعمالية في عدن ثم الاحزاب السياسية نواة لرفض احتلال الانجليز على الجنوب اليمني ، ووفرت جمهورية سبتمير خلفية وقاعدة انطلاق لرفض الواقع في الجنوب، فصارت تعز قاعدة لانطلاق وتنسيق المواقف بين كل القوى الجنوبية المختلفة فكان الفدائيون وجيوش جبهتي التحرير والقومية يشكلون في مارس عام 1963م ما أطلق عليه جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل.
وفي ليلة 13 اكتوبر 1963م حدث صدام بين القوات البريطانية والفدائيين من مساندة الثورة في الشمال اليمني ، وذلك في جبال ردفان وكان البريطانيون يطالبون بتسليم الأسلحة ، لكن رجال القبائل في ردفان من الفدائيين رفضوا ذلك ، ووقعت اشتباكات سقط على إثرها الشهيد راجح غالب لبوزة صباح يوم 14 اكتوبر 1963م الذي اعتبر يوم الثورة المسلحة في الجنوب المحتل.
وتوالت الجبهات يفتحها الثوار تباعاً بدءاً من جبال ردفان حتى شملت جميع مناطق الجنوب المحتل ، واستخدمت بريطانيا كامل ترسانتها العسكرية لاسكات الثوار بما في ذلك الطيران وقوات المشاة والمدفعية ، لكنها لم تتمكن من القضاء على الثورة ، لدرجة أعلن فيها الانجليز شراسة المقاتلين ووصفوهم ب(الذئاب الحمر).
الأمر الذي عكس نفسه على مجلس العموم البريطاني الذي ارتفعت أصواته في لندن لتعبر عن القلق الشديد الذي أحدثه القتال في الجنوب اليمني الذي من شأنه خلق ظروفاً جديدة تعطل على بريطانيا تنفيذ مشاريعها المستقبلية في المنطقة.
وهذا يعكس الثورة في جبال ردفان والجنوب كافة والذي يمكن أن يحولها إلى حركة تحرير جدية في المنطقة ، وهو ما دعت إليه الجبهة القومية لتحرير الجنوب في تكاتف والتحام كافة القوى الثورية مع الثورة المسلحة في ردفان.
فتح الجبهات
كان لزاماً على جبهة ردفان أن تمد نيرانها إلى جبهات جديدة تشتت فيها تركيز المحتل وتزيد من وطأة عنفوانها ، خاصة أنها شهدت في سيرها جبهة ردفان نواحي سلبية كالفتور حيناً وعدم التواصل والاستمرار في القتال ، وتخللها انقطاع وقلة في السلاح، وصعوبة في المواصلات.
جبهة الضالع
ومن هنا كان لابد من فتح بؤر أخرى تساند ما هو موجود في ردفان ، وكانت الظروف قد اكتملت لكي يحدد يوم 23 يوليو 1963م البدء بالهجوم المسلح على القاعدة البريطانية في الضالع ، إلا أن الهجوم تأجل إلى اليوم التالي ، كان الهدف موجهاً ضد القاعدة البريطانية ومقر المستشار البريطاني ودور الأمراء دون التعرض لمعسكرات جيش وشرطة الاتحاد العربي (المشكل من أفراد السلطات والمشيخات اليمنية) بغرض عزلهم والتأثير عليهم وكسب تعاطفهم مع الثورة.
وقام جنود الجبهة بشن هجوم استشهادي على القاعدة البريطانية الحربية في الضالع فأشعل فيها النيران التي شوهدت من على بعد 51 ميلاً ، كما نسفت مخازن الأسلحة وثلث المصفحات البريطانية وخمس سيارات عسكرية كانت داخل المعسكر .. وشملت العمليات مهاجمة جنود وضباط انجليز اضطرت السلطات إلى ارسال طائرات لنقل القتلى والجرحى من الضالع إلى عدن.
ومن ضمن العمليات أيضاً هجوم دام أكثر من خمس ساعات على إحدى المعسكرات تم خلاله احراق دبابة ومستودع للذخيرة ، كما قامت القوات بمهاجمة دار الضابط البريطاني في الضالع الذي يعتبر مستودعاً للتموين والمعدات الحربية.
وبالتالي فان كل ذلك قوبل بقصف من طائرات المحتل بالطائرات بشكل وحشي ضد منازل الأهالي المدنيين إلا أن ذلك وغيره من الاجراءات لم تفلح في شل حركة الفدائيين ، خاصة تلك الاجراءات التي شكلت بمقتضاها السلطات البريطانية قوة من الفدائيين المرتزقة بالتعاون مع سلطان لحج مكونة من 150 جندياً الذين كان ولاؤهم قبلياً وليس ثورياً وطنياً.
جبهة حالمين
فتحت جبهة حالمين للأهمية الاستراتيجية لها ، فهي تقع بين منطقة الشعيب وردفان والضالع ويستخدمها الثوار كملجأ لهم .. وهدف فتحها المشاركة في هجوم على الأهداف الاستعمارية في ردفان الشرقية ومساندة جيش التحرير هناك ولاسيما في حبيل المصداق .. ونظراً للأهمية القصوى لهذه الجبهة فقد حاول المحتل أكثر من مرة الاستيلاء عليها ، إلا أن صمود جيش التحرير أدى إلى اندحاره.
جبهة الحواشب
وتقسم هذه الجبهة إلى قسمين:
حواشب الغيل:
كان الخطأ فيها أنه اعتمد فيها على آراء القبائل من ذوي الولاء الشخصي والمادي واكتشف أنهم مرتزقة ،وكانوا يتآمرون على تعيين أشخاص من جبهة التحرير.
حواشب الراحة وردفان الغربية :
كان فتح هذه الجبهة موفقاً إلى حد كبير ، فهي تقع في الطرق الموصلة إلى ردفان والضالع ، وبها مراكز استعمارية كثيرة ، وتعتبر من أنشط الجبهات.
إن التحرك في ردفان الغربية وحواشب الراحة قد أضر بالمستعمر إلى حد كبير إذ أن نشاط الثوار قد هدد خطوط مواصلاته المؤدية إلى الضالع.
جبهة الصبيحة
فتحت هذه الجبهة لتنفيذ فكرة شمول المعركة كل الجنوب،وحقق جيش التحرير فيها بعض الانتصارات على العدو ، وفي مركز العند البريطاني .. إلا أنها تعرضت لعدد من الظروف أعاقت نشاطها منها بعد الأهداف الانجليزية وبعد معسكر العند عن متناول يد الثوار.
جبهة المنطقة الوسطى (دثينة) :
كانت هذه الجبهة فاشلة بحسب عدد من المناضلين لعدة أسباب كان من ضمنها عدم وجود مراكز انجليزية فيها ، نوعية القيادة وضعفها ، عدم تخزين السلاح فيها منذ البداية ، عدم شمول المعركة الى منطقة العواذل.
جبهة الواحدي
يعني فتح هذه الجبهة أن المعركة بدأت تتجه نحو الشرق بعد أن ظلت محصورة لمدة عام وثمانية أشهر في المنطقة الغربية ، فالمعركة يجب أن تشمل كل الجنوب ، ويجب أن تعم الثورة ، وتمتد إلى أقصى منطقة المهرة ، وعناصر الجبهة بالرغم من أعدادها المحدودة إلا أنها تتميز بالوعي والمسئولية ، وسبب فتح هذه الجبهة رعباً كبيراً لدى السلطات الاستعمارية والعميلة.
جبهة يافع (رصد)
توجه عدد من جيش التحرير عام 1965م إلى يافع السفلى لبدء النضال ، إلا أن المندسين أوشي بهم ، وتم القبض على مجموعة كبيرة منهم بعد مقاومة عنيفة ، وتمركز الباقون منهم في منطقة يهر بعيداً عن متناول المحتل ، وأخذ العمل يقتصر على الجهد الشعبي وتأييد الثورة.
جبهة بيحان
كانت بيحان مركز تجمع لفلول الملكيين وتسللهم إلى الشمال اليمني ومقاومة الجمهورية هناك ، كما أنها مقر أعتى عملاء بريطانيا في الجنوب (شريف بيحان) ودخلت بيحان في استراتيجية الجمهورية العربية اليمنية ، إلا أنه وبالتنسيق مع الثوار وحتى لا تنظر بريطانيا للأمر بأنه دعم من ا لشمال الجمهوري للثوار في الجنوب تسلمت جيش التحرير مسئولية الجبهة التي كانت تعاني من التفكك وإعادة تنظيم القيادة.
جبهة حضرموت
كان التنظيم في حضرموت أقوى المجاميع المنظمة التي تتحرك في الساحة لأنه يتمتع بالتفاف شعبي كثيف ، وهو مسيطر نسبياًَ على الحركة العمالية بحضرموت ، ويحظى بقوة منظمة في قطاع الطلاب.
فتح جبهة عدن
في الفصل الثاني من الكتاب يتحدث المؤلف عن فتح جبهة عدن ، معقل المحتل ويقول عنها وهكذا انتقلت الثورة التحررية المسلحة إلي قلب منطقة الوجود الاستعماري وقاعدته العسكرية.
وقد قامت قوات الثوار بهجوم قاصف وخاطف على مطار سلاح الطيران الملكي بخور مكسر في عدن مساء الثاني من أغسطس 1964م ، حيث قصفت بمدافعها ثلاث طائرات نقل جنود من نوع «بيغرلي» تقدر قيمتها بحوالي خمسة عشر مليون جنيه استرليني ، كما اشعلت النيران في المطار مما أدى إلى إتلاف واحتراق المخازن الحربية.
وعلى إثر ذلك اتخذت سلطات الاحتلال العديد من الاجراءات بعدما أصابها الذعر والرعب منها إقفال الحدود بين الشمال والجنوب ، ومراقبة العناصر الثورية مراقبة مشددة.
كان الانعطاف الحساس في تاريخ الثورة المسلحة هو نقل العمل العسكري إلى «مستعمرة عدن» مما أعاد الثقة إلى الجماهير بأنها طاقات هائلة مغمورة طوال سنوات عديدة بحيث اكتسب العمل الفدائي في عدن طابعاً اسطورياً في أذهانهم.
وقد كان نقل العمل العسكري إلى عدن نابعاً من ضروريات موضوعية منها :
1) أن عدن مهمة جداً للمستعمرين والاحزاب السياسية وقيام نضال مسلح فيها يعني توجيه ضربة قوية للاستعمار ، وعدن هي المحك الأصيل لربط النضال المسلح في الجبال جنباً إلى جنب مع النضال الفدائي في عدن.
2) رفع معنويات المقاتلين في الجبال.
3) خلق وزن ثقل جديد بين جماهير الشعب تستفيد منه الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل عربياً ودولياً.
4) أن بدء النضال المسلح في عدن سيظهر إفلاس الاحزاب السياسية الانهزامية ويخرس أفواهها لما تروجه من إشاعات وأباطيل .. كما أن عدن هي مقر القاعدة البريطانية وقيادة الشرق الأوسط المشتركة ، وموقع لنشاط العديد من الشركات الأجنبية ووكالات الأنباء والبعثات الدولية.
وقد تنبهت الجبهة القومية لصعوبة ذلك ، وأدركت أن النواحي الفنية والعسكرية لحرب العصابات بعدن تظهر صعوبة العمل الفدائي والاخطار التي تحدق به وذلك للأسباب التالية :
1) أن عدن مدينة صغيرة جداً لا توجد فيها البيئة المناسبة لحرب العصابات.
2) وبالاضافة إلى ذلك وجود قوة ضخمة للعدو في هذه المدينة باعتبارها القاعدة العسكرية للاستعمار ، مقدرة ب(45 ألف جندي بريطاني قادرة على التحرك السريع لخنق مضايق الطرق في الشوارع.
3) وجود جهاز مخابرات ضخم يتحرك ليلاً ونهاراً لمتابعة الفدائيين.
4) وجود أحزاب عميلة وانتهازية تخدم السلطات الاستعمارية مباشرة وغير مباشرة بمعلومات عن الفدائيين.
إن تلك الأسباب والصعوبات كانت من الممكن أن تلغي جبهة عدن ، بالرغم من أن المتطلبات الضرورية للنضال الفدائي في عدن لم تتوفر ، إلا أن الشيء الوحيد الذي كان متوفراً هو أجهزة تنظيمية مكونة من الطلائع الواعية من الشباب المتحمس والمندفع للعمل الفدائي في المدينة ، بالاعتماد على الإيمان الواعي والتنظيم الحازم المنضبط لتخطي تلك الصعوبات والعقبات واستمرار العمل في الجبهة.
النشاط السياسي والعسكري في عدن
في هذا الفصل الثالث يستخدم الكاتب مصادر توثيقية لعدد من الصحف تخبر عن النشاط العسكري والسياسي والتي وصفها بأنها غير محايدة إن لم تكن معادية ، وفي الغالب فهي تصدر عن السلطات البريطانية أو ما تسمى حينها بحكومة الاتحاد ، ناهيك عن أن بعضها غير وطنية وعميلة .. وفي عرضنا لهذا النشاط سنقف أمام أهم النشاطات السياسية والعسكرية في جبهة عدن وليس جميعها كما ذكرها الكتاب.
- نشرت صحيفة صوت الجنوب الرسمية خبر فتح جبهة عدن يوم 2/8/4691م حيث كان مفاد الخبر في الساعة 10.30 مساء أطلق صاروخ من منطقة قريبة من الجهة الخلفية للبنك الشرقي بمدينة عدن وتسبب الصاروخ في عمل ثغرة قطرها قدم ، وذلك في سقف المجلس التشريعي المصنوع من الحديد القديم ، هذا ولم يحدث إلاّ تلف بسيط في البناية ولم يصب أحد بأذى.
- كما نشرت خبراً تحت عنوان «انفجار لغم» تحطمت مساء السبت الأسبق 42/01/4691م عربة من حمولة اربعة طن تابعة للفرقة الثانية حرس الكولد شريم في حادث انفجار لغم بالقرب من الساحل عندما وقع الانفجار وقد أصيب في هذا الحادث راكب العربة الكابتن فضل الذي فقد ساقه اليسرى بينما سائق السيارة الجندي نور شدان أصيب بجراح طفيفة وقد نقل المصابان إلى مستشفى سلاح الطيران في التواهي للعلاج.
- كذلك نشرت صحيفة اليقظة خبراً عن انفجار قنبلة في التواهي جاء فيه «انفجرت في الليلة قبل الماضية قنبلة يدوية يعتقد أنها رميت من عربة متحركة بالقرب من احد المطاعم في طريق الملكة بالتواهي ، ولم تحدث أي إصابات أو أضرار ، ويقوم رجال البوليس بالبحث».
- وقد أعلن ناطق باسم القيادة البريطانية للشرق الأوسط في عدن عن احتراق طائرة هيلوكبتر بعد سقوطها في مطار خور مكسر صباح يوم الخميس ، وقد نجا ملاحوها الثلاثة ولم تقم الطائرة بتمرينات في نقل المؤن الخارجية حين هوت وتحطمت على الأرض ..
- وتحت عنوان قنبلة تتلف عمود ارسال إذاعي ، نشر الخبر التالي:
«انفجرت قنبلة بالستيكية ليلة أمس الأول 4/1/5691م في محطة الارسال الإذاعي في الحسوة ، وقد نتج عن هذا الانفجار اتلاف أحد أعمدة الإرسال لإذاعة الجنوب العربي.
وترصد الصحف الخسائر في صفوف قوات الاحتلال البريطانية والتي وصفتها بأنها كبيرة وضخمة .. وكانت أهم الصحف التي كانت تسوق هذه الأخبار.. صحيفة صوت الجنوب . واليقظة ، وقناة الجزيرة ، والأيام، بالإضافة إلى مصادر من وزارات الارشاد الاتحادية والناطق باسم القوات البريطانية بعدن ، وعدد من الوكالات الاخبارية.
وكان في مقابل ذلك النشاط .. تحركات في صفوف البوليس الاتحادي ،والقوات البريطانية لاعتقال الناشطين من الفدائيين والثوار، من خلال عمليات تفتيش ومداهمة للمنازل ونصب النقاط الأمنية لتقفي أثر المطلوبين.
النشاط السياسي
في ظل هذا الجو من النشاط العسكري ، كان هناك نشاط سياسي يوازيه ويعاضده ولعلنا نذكر هنا أهم تلك الانشطة السياسية ومنها الدعم المقدم للثوار في الجنوب من الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية بمبلغ مائة ألف دولار تعبيراً عن تأييده لكفاح الجبهة من أجل تحقيق استقلال الجنوب المحتل.
وكانت هناك عدد من الاضرابات الطلابية والعمالية شلت حركة عدن تماماً ، وتأثرت بها المصالح التجارية للاستعمار ، وغادر في هذه الاثناء من عدن إلى لندن العديد من العائلات الانجليزية التي رأت أن الوضع في عدن لم يعد صالحاً لها .. حيث غادر الفوج الأول من العائلات البريطانية إلى لندن بموجب قرار الحكومة البريطانية ، وتكون الفوج الأول من 42 عائلة غادرت عدن جواً ومئتي زوجة وطفل غادروا عدن بحراً.
الانعطافات الحاسمة للثورة في عدن
وفي الفصل الرابع من الكتاب يشير الكاتب إلى أن كل تلك الأمور العسكرية والسياسية قادت إلى انعطافات خطيرة وتاريخية للثورة التحررية في عدن ، وصارت المدينة مركزاً للمواجهة مع الاستعمار البريطاني وصار ثقل الثورة يتمركز هناك ، ومن هذه الانعطاقات التاريخية في عام 1967 والتي أدت إلى تحول استراتيجي هام للثورة التحررية المسلحة ، تأكيد حسم دور قواتها في 30 نوفمبر 1967م بدلاً من 9 يناير 1968م ، وذلك نتيجة لمجمل الضربات العدائية الموجعة ..ونذكر فيما يلي الانعطافات التاريخية على المستعمرين البريطانيين في عدن.
إضراب 19 يناير 1967م
والذي أبرز قوة الجبهة القومية وشعبيتها ، عندما نظمت اضراباً بمناسبة الذكرى ال 128 لاحتلال عدن ، الأمر الذي اعتبره الانجليز نصراً من انتصارات الجبهة ، تلته مظاهرة في اليوم التالي ومسيرة تحمل توابيت (جنائز) مغطاة بأعلام بريطانية ، وكان قرابة 3 آلاف متظاهر تجمهروا في كريتر يهتفون ناصر ، ناصر ويلوحون بأعلام الجبهة .. وقد نجح هذا الاضراب نجاحاً بارزاً ، شلت فيه حركة المدينة من مواصلات ومؤسسات رسمية وصحف ومطابع ، وكانت مشاركة أمهات وشقيقات المتظاهرين في هذه المسيرات والاضرابات له دلالاته.
اضراب 11 فبراير 7691م
أعلن في هذا اليوم نظام منع التجول، وعززت القوات البريطانية وجودها في الشارع الذي الغته صباح اليوم التالي وبعد فترة قصيرة من إلغائه سمع في المدينة دوي لانفجارات خمسة ألغام وعشر قنابل يدوية وكمية من الذخيرة.
اقتتال الثوار: نشبت حربان أهليتان، في سبيل حسم الصراع بين جبهة التحرير من جهة والجبهة القومية من جهة أخرى، وفي عدن، مدينة الانعطافات التاريخية الحاسمة كان الاقتتال بين الثوار نظراً لحسم وزن كل منهما في المدينة، وكذلك لأهمية المدينة عند كل منهما.
كان الاقتتال الأول في سبتمبر بينما كان الاقتتال الثاني في نوفمبر 7691م الذي جاء اثر انسحاب القوات البريطانية في اكتوبر من بعض المواقع في ضواحي عدن، واحتلال جبهة التحرير لتلك المواقع ومحاولة السيطرة على منطقة هامة تمتد من لحج إلى الشيخ عثمان في عدن، وهنا تفجر الموقف بين الجبهتين واتهم الجيش جبهة التحرير بأنها غير قادرة على ضبط تنظيماتها عكس حالة الجبهة القومية، وكذا رفض جبهة التحرير الاستجابة إلى طلب الجيش بترك المناطق التي يسيطر عليها والتي تتحكم في مداخل عدن، وهنا تدخل الجيش لصالح الجبهة القومية وحسم الموقف.. وقد عرض المؤلف وجهتي نظر كل من الجبهتين في الاقتتال، كما عرض أسباب كل منهما للدخول في المواجهة وعوامل انتصار الجبهة القومية على جبهة التحرير وعلاقات كل منهما بجهات داخلية وخارجية.
عدن تنصر صنعاء
كانت خاتمة الكتاب هي الأخرى موفقة باعتبار أن في فترة استقلال الجنوب المحتل كانت صنعاء محاصرة من قبل الملكيين وكأن عدن كانت على موعد مع دور ريادي أخر يضاف إلى موقفها في دعم واحتضان رموز واعلام ثورة سبتمبر منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
وقد تشكلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في أغسطس 3691م وحددت هويتها في ميثاقها القومي بأن الجنوب والشمال يكونان اليمن الواحد فمن الطبيعي أن يكون اليمن جزءاً لايتجزأ من الأمة العربية كما أن البند الخامس من الإعلان السياسي للجبهة القومية ينص على تحقيق وحدة الشعب العربي في اقليم اليمن سيراً نحو وحدة عربية شاملة.. كذلك حدد الميثاق الوطني موقف الثورة المسلحة بأن الشعب العربي في اقليم اليمن شماله وجنوبه جزء من الأمة العربية، وإعادة وحدة شعبنا العربي في اليمن مطلب شعبي وضروري تفرضها متطلبات الثورة.. كما كان لثورة 41 أكتوبر في الجنوب دور في الدفاع والحماية عن الجمهورية في صنعاء.. وبانسحاب قوات مصر عام 7691م بعد نكسة 5 يونيو ومؤتمر الخرطوم للقادة العرب في أغسطس 7691م الداعي إلى إفساح المجال لحل يمني سعودي أعتقد بأن الوقت قد حان للإطاحة بالنظام الجمهوري في صنعاء بالرغم من أن القوى التي قامت بانقلاب 5 نوفمبر 7691م كانت مستعدة للمصالحة مع الملكيين والسعوديين، وتم قطع الطريق إلى العاصمة صنعاء وأمطرت المدينة بوابل من القذائف الثقيلة والصواريخ ابتداءً من 42 نوفمبر 8691م وصار الصراع واضحاً بأنه اقتصر على مصير الجمهورية من عدمه، إلا أن ظن الملكيين خاب بفعل مؤسسة الجيش التي ترعرعت في عهد الجمهورية وفصائل الحركة الوطنية التي شرعت مع المواطنين لتأسيس المقاومة الشعبية للدفاع عن صنعاء والجمهورية.. وفي الجنوب وعدن خاصة تشكلت لجنة عليا لمناصرة المقاومة الشعبية حيث أصدرت القيادة العامة للجبهة القومية بياناً يكلف جميع اللجان التي تم تشكيلها من قبل الهيئات الشعبية في عدن والجنوب عموماً ستقع تحت إشراف اللجنة العليا مباشرة، وشكلت من أجل ذلك لجان فرعية في الأحياء والمحافظات الجنوبية الست..وقد كان الدعم للمقاومة الشعبية في صنعاء غير محدود في عدن حيث أسهمت النوادي والجمعيات بتسليم ميزانيتها للمقاومة الشعبية في صنعاء والشمال اليمني..ولم يكن ذلك سوى اشتعال لجذوة الوحدة اليمنية في وجدان وروح الشعب اليمني سواءً كان في عدن أو صنعاء شمالاً وجنوباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.