الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    ليفاندوفسكي يقود التشكيل المتوقع لبرشلونة ضد فالنسيا    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمية برع .. غابة اليمن الاستوائية
نشر في الجمهورية يوم 23 - 02 - 2009

برع .. المحمية .. الجبل .. تُعد واحدة من أهم المحميات البرية الطبيعية في اليمن ذات النسق الجبلي المتميز بطبوغرافية نادرة وفريدة ، تهفو إليها حينما تجتاحك موجة من الحنين للعيش قليلاً بين أحضان الطبيعة الدافئة والمغمورة بفلسفاتها الإحيائية ذات التنوع النادر ، حيث تأخذك بعيداً عن ضوضاء الإنسان المعاصر وفلسفته التقدمية .
السفر إلى هذه المحمية ليس فقط رحلة طبيعية إلى ذات المكان ولكنه رحلة إلى قلب التاريخ الطبيعي لليمن السعيد ، ذالك انه عندما طفق الإنسان اليمني يقلب أوراق تاريخه الطبيعي وجد أن مفردات هذه المحمية قد دونتها حضارات اليمن المتعاقبة ، مما يدل على أنها من أقدم المحميات البرية التي ظلت تقاوم غدر الطبيعة وتعسف الإنسان ردحاً طويلاً من الزمن .
بُرع الواقعة على خط عرض مابين 24، 43 و 28 ، 43 وخط طول مابين 50 ، 41 و 54، 41 ، تستلقي في احدى ضواحي المرتفعات الغربية المطلة على السهل التهامي ، وتتبع ادرياً محافظة الحديدة (260كم من العاصمة صنعاء) .
تقع برع إلى الشرق من مدينة الحديدة وتبعد عنها حوالي 50كم (المسافة التي يقطعها الزائر في الطريق الرئيسي الذي يربط الحديدة بالعاصمة صنعاء والتي تنتهي عند منطقة القطيع ) بعدها يأخذك الطريق الإسفلتي الفرعي الذي يمتد حوالي 20كم ليوصلك إلى قلب المحمية الطبيعية وأجزاء كبيره من هذه المديرية ، وثمة طريق إسفلتي آخر يمتد من مدينة المنصورة - الواقعة على الطريق الرئيسي بين الحديدة وتعز- حتى مديرية السخنة بمسافة حوالي 70كم .
يعد جبل برع احد المرتفعات الغربية التي تطل على سهل تهامة ووادي سهام ، يبلغ ارتفاعه حوالي 2200م عن سطح البحر ، يحده من الشمال مديرية باجل، ومن الشرق وادي صيحان ومرتفعات محافظة ريمة، ومن الجنوب مديرية السخنة ، ومن الغرب وادي سهام .
وفي التقسيم الجغرافي والبيئي تعتبر منطقة برع من المناطق الواقعة ضمن الإقليم الأول ( إقليم البحر الأحمر ) للتنوع الحيوي في اليمن ، وذلك في التقييم الدولي للصندوق العالمي للأحياء البرية عام 2002م ، والذي قسم اليمن إلى أربعة أقاليم بيئية تضم أهم مناطق التنوع الحيوي على المستوى الدولي .
وقد عزا المؤرخون سبب تسميتها بهذا الاسم إلى برع بن عمرو بن سوران بن ربيعة .
محمية برع .. إطلالة جغرافية
تسكن المحمية في الشمال الشرقي من مدينة الحديدة وبالتحديد في وادي رجُاف الواقع في الجنوب الغربي من مدينة رُقاب ، ويبلغ ارتفاعها (300-800م) عن سطح البحر ، يحدها شمالاً منطقة الفاش والمنوب وعزلة بني باقي ، وجنوباً وادي الأسود ومديرية السخنة ، وشرقاً سلسلة جبال محافظة ريمة وقرى الجيلان ، وغرباً وادي سهام والقطيع والمراوعة.
تمتد المحمية لتغطي منطقة سوق السبت حتى منطقتي الكاحل والمرخام ، وقد قّدر هذا الامتداد بحوالي 5كم تتدفق خلاله مشاعر الإعجاب بروعة المكان وخاصة في حال التوغل إلى قلب هذا الامتداد حيث تتراءى مساحات مغمورة بالاخضرار زاخرة بالحياة البرية .
تقدر المساحة الإجمالية للمحمية حوالي (4287) هكتاراً ، وقد صنفت هذه المساحة إلى منطقتين بناء على الكثافة النباتية التي تقل في منطقة وادي رجاف ثم ما تلبث أن تستعيد كثافتها لتشمل باقي أجزاء المحمية المتربعة على طول الارتفاع .
قّدر لهذه الغابة أن تظل شاهداً حياً على ماكانت عليه بيئتنا اليمنية على مر السنين ، والشواهد الجغرافية قد دللت انحدارها من سلالة تلك الغابات الاستوائية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية قبل مئات السنين ، ولعل المتابع لنتائج المسوحات الاحيائية التي قامت بها بلادنا بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية يجد أن المحمية قد سادها نباتات الإقليم السوداني مما يبرهن بجلاء حقيقة توحد الصفيحتين القاريتين الافريقية وشبه جزيرة العرب على شكل كتلة واحدة ، قبل حدوث الصدع الإفريقي العظيم الذي نتج عنه البحر الأحمر حالياً ، وذلك في العصر الجيولوجي حسب علماء الجيولوجيا .
يسود المحمية مناخ معتدل على شبه حار معظم أيام السنة ، وكثيراً ما تستريح الغيوم فوقها لفترة قد تطول كثيراً خلال العام ، في حين تتراوح درجة حرارتها بين ( 18-43 ) درجة مئوية .
يُذكر أن المحمية كانت قد ذكرت في كتاب ( الأتراك في اليمن ) الذي تم نشره في العام 1870م .
التنوع الحيوي .. اهتمام حكومي
تشكل غابة برع حديقة طبيعية مفتوحة تحوي عوالم إحيائية نباتيه وحيوانيه منها النادر والمستوطن ، المكان أشبه بمنجم بيولوجي ظل لسنوات في طور المجهول بعد أن كان الإنسان – بفطرته ومحدودية تفكيره – ينظر إليه باعتباره مكاناً زاخراً بكل المعطيات الطبيعية التي تلبي متطلباته البسيطة .
في هذا السياق تحدثنا الشواهد التاريخية أن هذه المحمية كانت ملكاً لرجل كريم من عائلة البجلي سعى إلى تقسيمها بين كل أهالي مجتمعه في العام 1816م ومنذ ذلك التاريخ والمكان تحت حماية الأهالي ، حيث أفلحت الأعراف القبلية السائدة آنذاك في حماية هذا النظام الطبيعي وعملت على استدامته واستمرارية بقائه حتى داهمتنا ثقافة المحافظة على هذه الأماكن من مخاطر التلاشي والانقراض ، والتي جاءت نتاج هذا العصر الصناعي الأخير الذي جعل الإنسان يزهو مختالاً بما حققه على صعيد النهضة العلمية الشاملة .
فقد كان للحركة الصناعية دورها في تثبيط الجانب الطبيعي ،حيث أسهمت بدور كبير في تعطيل هذا المسار، بل وعملت على شل حركة التوازن الايكولوجي في المحيط الحيوي ، وتسببت بقدر كبير في تدمير النظم الاحيائية ، وهو مااستدعى من العالم الوقوف وتغير السياسات تجاه البيئة بشكل عام ، وقد مثّل العام 1972م البداية الحقيقية للالتفات نحو هذا المحيط المتهالك .
دخل العالم في دوامة البحث عن حلول لهذه المشاكل بعد أن اتخذت طابعاً سياسياً خطيراً ، فنجم عن هذا الأمر المبادرة الفعلية من كل البلدان إلى عقد المؤتمرات الدولية ، والتي تجاذب فيها المشاركون أطراف الحلول ، وقد كان لليمن فيها دور فعّال ومؤثر بعد أن انتهجت نهجاً سياسياً يقوم على احترام الأعراف والقوانين الدولية الداعية إلى المحافظة على البيئة ونظامها واحترام قواعد التنمية المستدامة ، جاء ذلك في سياق مبادراتها في التوقيع على اتفاقية التنوع البيولوجي ( ريودي جانيرو 1992م ) في 13 يونيو 1992 م ، واتفاقية منع الاتجار بالأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض عام (1973م) .
اهتمام اليمن بهذه القضية بدأ مبكراً وتجسد ذلك خلال إنشائها لمجلس حماية البيئة في العام 1990 ثم استصدارها لقانون حماية البيئة في العام 1995م ، تلا ذلك إنشاؤها للهيئة العامة لحماية البيئة في العام 2000م ، أولت الحكومة جهداً كبيراً وخاصة فيما يتعلق بقضايا التنوع الحيوي ، نتج عنه إعلان أربع محميات طبيعية بصورة رسمية كان آخرها تتويج غابة برع كمحمية بريه طبيعية وذلك في يناير 2006م بالإضافة إلى الاهتمام بكثير من المناطق التي لا زالت طور البحث والدراسة .
وحتى موعد إعلان هذه المحمية فقد كثفت الحكومة اليمنية ممثلة بالهيئة العامة لحماية البيئة نزولها الميداني لإجراء المسوحات والدراسات اللازمة مستعينة في ذلك بخبراء محليين ودوليين في مجال التصنيف والبيئة ، وقد شكل العام 2003م المحطة الاساسيه في الدراسة والتقييم، حيث خضعت المحمية للتقييم الدولي الذي أجرته المنظمة الدولية لصون الطبيعية (IUCN) الخاصة بدراسة النباتات ، وتقييم المنظمة الدولية لحماية الطيور (BLI) ، بالاضافه إلى الدراسات التي أجراها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP) الممول الأساسي لبرنامج التنمية المستدامة للموارد الطبيعية ، وتعد نتائج تلك الدراسات مؤشراً حقيقياً لمدى النجاح الذي حققته تلك المسوحات ، والتي أثبتت جدياً أحقية هذا النظام البيئي ذي التنوع الحيوي النادر لبلوغ العالمية من خلال استحقاقها ووضعها في خارطة التصنيف الدولية كأحد أهم المواقع الطبيعية في العالم ذات التنوع الحيوي ، ومنذ ذلك الحين والمحمية تخضع لكل المعايير والضوابط العلمية المتبعة في إدارة المحميات الطبيعية .
غابة استوائية كثيفة
يتفق المشتغلون بقضايا البيئة على أن غابة برع تُعد اكبر محمية حراجية (مدارية) ليس في اليمن فحسب بل في شبه الجزيرة العربية كلها ، فهي امتداد حقيقي يبرهن على تلك الحقبة الزمنية التي كان فيها الاخضرار سمة المكان بلا منازع ، وكانت مساحات واسعة من الغابات الاستوائية لازالت تعمر الأرض وتبث فيها الحياة ، وهي تلك الحقبة التي أعقبها تدخل الطبيعة والبشر والتي نجم عنها تقهقر تلك الغابات واختفاؤها إلى الأبد .
ربما كان لموقع هذه المحمية – الذي ظل بكراً لقرون – أثر في بقائها صامدة أمام الظروف والمتغيرات وربما لذلك التنوع المناخي الذي تميزت به المنطقة ، والذي ساهم بشكل كبير في تشكيل البيئة النباتية المتنوعة والمتميزة من حيث كثافتها وتعدد أصنافها .
على المستوى التصنيفي فقد رصدت الدراسات حوالي (315) نوعاً نباتياً تتبع (83) فصيلة و(209) أجناس ، المسوحات أثبتت تواجد (63) نوعاً نادراً على المستوى الوطني والإقليمي مما جعلها ذات مكانة بيئية خاصة ، هناك (35) نوعاً مهدداً بالانقراض تحرص قيادة المحمية أيما حرص على استدامتها خاصة بعد أن فشلت جهود العاملين في الحقل البيئي داخل المحمية على استعادة احد الأنواع الذي تسببت فيها الاستحداثات الاخيره المتمثلة بشق وسفلتة الطرق داخل المحمية ، رغم ما حرصت عليه المادة (20) من قانون حماية البيئة رقم (26) لسنة 1995م حين أطلقت تحذيراً بهذا الخصوص .
ثمة أنواع مستوطنه لاتوجد بأي مكان آخر أهمها نبات التنواب (Abrus botte ) ونبات الصبر (Aloe pendens ) والبياض ( Centaurothamuns maximus ) والقطف ( Commiphora kataf ) .
لكن الملاحظ في هذه النباتات وخصوصاً النادرة منها يجدها تحمل طابع الإقليم السوداني وقليل جداً ذات طابع صحراوي ، نذكر منها نبات العرفط ، خرش ، المسرح ، الطنب ، حوجم ، قرف ، شهث ، حنة الفيل ، عثرب ، هدس ، تألب ، اراك ، ظبر، رعد .....الخ وكلها بالطبع مصنفة تصنيفاً علمياً دقيقاً ، ولعل أهم ما يميز هذه المحمية اليوم أنها أصبحت معملاً بيولوجياً طبيعياً توفر قاعدة معلوماتية ينهل منها الباحثون والمؤسسات والمهتمون بدراسة الطبيعة ومواردها الحية ، بالاضافة إلى انفرادها ببعض الأصناف التي تستعمل لغرض العلاج أمثال نبات العثرب والأراك ( السواك) والبابونج والهيدر، وهذه الاخيره يُستفاد من عصارتها في القضاء على سموم الأفاعي في الجسم البشري ، ولاننسى تلك الأصناف العطرية التي تمنحك طاقة أمل لرؤية الحياة بشكل أفضل ، ومن أهمها أشجار الشذاب والريحان والفل .
يجدر بنا أن لا نغفل جهود عمال المحمية والتي أفلحت في إزالة النباتات الشوكيه – غير المرغوب فيها – التي كانت منتشرة بشكل كبير مثل التين الشوكي والسول ، باعتبار النوعين من النباتات الغازية المزعجة.
ويخترق جسد المحمية شريان مائي صغير يستمد بقاءه من المورد المائي المطري ، حيث يقدر معدل الهطول المطري فيها ب (500) ملم في السنة ، وهو دائم الجريان باستثناء موسم الجفاف الطويل الذي يطال المحمية في فترات زمنيه متعاقبة .
وتشير الاحصائيات إلى أن نسبة النباتات التي تشكل هذه المحمية تقدر بحوالي 10 % من نباتات اليمن ككل .
موطن الطيور
هناك أسباب متعددة جعلت من هذا البلد موطناً خصباً للطيور المهاجرة والنادرة والمستوطنة ، خلص إليها الباحثون بعد دراسات عدة ولعل من أهمها ما يمثله موقع اليمن من عزل جغرافي وصحراوي جعل منها محطة هامة لاستراحة الطيور المهاجرة القادمة من الشمال باعتبارها نقطة توقف هامه ، بالإضافة إلى التنوع المناخي وتعدد التضاريس الطبيعية اللذين أثرا ايجابياً في مستوى تنوع وتعدد البيئات .
وفي هذا الصدد شكلت محمية غابة برع الوجهة الأبرز لتواجد الطيور وتنوعها ، وقد توج هذا التصنيف عندما تم اختيارها من قبل المنظمة الدولية لحماية الطيور( التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها ) في العام 2004م لتصبح ضمن أهم (57) موقعاً عالمياً للطيور المستوطنة والنادرة .
أثبتت الدراسات التصنيفية تواجد (93) نوعاً تقريباً من الطيور على مدار العام منها (32) نوعاً مستوطناً و(17) نوعاً ذي أصول إفريقيه ، ووفقاً لتلك الدراسة تبين أن أبو معول الرمادي قد جاء في المرتبة الأولى من حيث كثافته العددية ، وجاء طائر الذباب الإفريقي ثانياً ثم طائر الثرثار العربي ، في حين أشارت الدراسة إلى أن هناك (5) أنواع تستضيفها المحمية خلال فصل الصيف ، أبرزها طائر الكوكو المتطفل ، والحمامة الخضراء حيث تشهد موسماً للتزاوج والتكاثر .
وتزخر المحمية بأنواع نادرة من الطيور تشكل سيمفونية عذبة تبعث على الحنين مثل طائر الزرياب ذي الصوت المغرد وطائر الطليق ذي المنقار المميز بألوانه الزاهية ، والطائر المهلل ، وطائر الحجل ، بالاضافه إلى الحمام البري وطائر الحسون ( الذي اختير مؤخراً رمزاً وطنياً إلى جانب شجرة دم الأخوين ) ، ونقار الخشب والحمامة المطوقة .
واللافت للنظر أن المحمية تحتضن نوعين من طيور العقاب المهددة بالانقراض على المستوى العالمي ، والتي تم إدخالها مؤخراً ضمن القائمة الحمراء كطيور توشك أن تغادر خارطة الحياة .
الثدييات
تؤوي محمية برع الطبيعية العديد من الأحياء البرية بعد أن توفرت فيها عناصر الاستقرار الثلاثة (الماء ، والغذاء ، والحماية أو الأمان،) والمتأمل لتضاريسها يجدها مليئة بالشقوق والكهوف التي تمثل ملاجئ آمنة لاستقرار هذه الأحياء وتكاثرها .
ووفقاً لدراسة أجراها باحثون من الهيئة العامة لحماية البيئة اليمنية تبين أن المحمية تحوي (9) أنواع من الثدييات البرية ، أبرزها قرد البابون (الرُباح) وهو الأكثر انتشاراً ، كما يلاحظ انتشار بعض الأنواع النادرة مثل الضبع المخطط والدعلج الهندي والنمس الأبيض الذيل والوشق ذي الأصول الافريقية .
وعلى المدى الطويل شهدت المحمية تواجد بعض الأنواع المستوطنة التي نمت وترعرعت في كنف هذه البيئة أمثال القنفذ الأسود (paraechinus ypomelas ) والأرنب البري (lepus capensis htmas ) والوبر (procavia capensis ) والذئب العربي (comis lupus ) والثعلب (vulpes vulpus Arabica ) .
حيث يأتي الحفاظ على الأحياء البرية ترجمة واضحة وتجسيداً للسياسات البيئية التي أعقبت التوقيع على الاتفاقية الدولية للحفاظ على الكائنات من خطر الانقراض ، والتي صادقت عليها بلادنا في 25/1/1995م ، فقد كان ثمة جهود موجهة تنظر في قضايا التنوع الحيوي باعتبارها جزءاً من منظومة التنوع الحيوي الذي يسعى القائمون من خلاله إلى الحفاظ على التوازن في هذا المحيط الهام.
أحياء زاحفة وأخرى طائرة
أينما تجد الحياة عامرة بأهلها فتذكر أن ثمة شرياناً مائياً يسري في جسد الطبيعة المجاورة ، في برع نلاحظ مجتمعاً من الأحياء الزاحفة قد استوطنت بالقرب من مورد الماء ، هذه الأحياء لطالما بعثت على الخوف والاشمئزاز ، لكنها- شئنا أم أبينا - جزء من مجتمع أحيائي يرسم – بعناية – معالم هذه الخارطة البيولوجية التي لا يُستغنى عنها في سجل الحياة ، حيث يقودنا التفكير من خلالها إلى التسليم بحكمة الواحد الذي لم يخلق كائناً عبثاً .
تم تصنيف (13) نوعاً من الزواحف يتصدرها الورل اليمني (صائد الثعابين ) وهو كبير الحجم بحيث يسهل رؤيته بين الحين والآخر ، كما تتواجد فيها (الحية )النافخة الافريقية ، وثعبان الكوبرا السام ، وأنواع من سلاحف المياه العذبة .
للسحالي فيها تواجد لافت لكن ابرز الأنواع انتشاراً هو سحلية الوحر (Actamthocercu adramitanuas ) وهي كثيرة التواجد فوق الصخور .
أتاحت خطة التصنيف تلك التغلغل بشكل اكبر وكشف ما تخبئه الطبيعة من خلال الاهتداء والتعرف على (5) أنواع من البرمائيات ونوعين من اسماك المياه العذبة ، بالاضافة إلى أنواع عديدة من الحشرات كالرعاشات والخنافس وفرس النبي ، لكن المتابع لهذه الخطة يجدها قد أهملت – بصوره غير متعمدة- الحشرات حيث لم تنل حظاً جيدا من التصنيف قياساً ببعض الأنواع وهذا يدل على أن أنواعاً كثيرة موجودة لم يتم اكتشافها حتى اليوم .
من جانب آخر تشكل محمية غابة برع حديقة مفتوحة للفراشات ، حيث ترسم بأجنحتها وتنقلاتها الجميلة تفاصيل المتعة والجمال في نفوس الزائرين ،لكن يبقى اللوم كبيراً عليكم – أهل التصنيف – حينما تجاوزتم – بكل بساطة – مكنون الجمال داخل هذه الواحة الغنّاء واكتفيتم بالإشارة إليها .
زيارة الكائنات المشاغبة
ثمة إحساس مختلف يحس به الزائر لمحمية برع التي تؤوي إليها قرود صنفت على أنها من فصيلة البابون ( الُرباح في المعجم الشعبي) ، هذا الإحساس يكبر كلما شاهدت هذه الكائنات وهي تتنافس للظفر بقطعة طعام أرادها الإنسان متعة وأرادوها معركة تنتهي لصالح الأقوى .
القرود أكثر الأحياء تمرداً تلمس ذلك من خلال قراءة حياتها المليئة بالفوضى والإزعاج ، تراها أحيانا وهي تصطنع بعض المواقف المضحكة والمخجلة في صورة استعراضية تجذب إليها الناظرين من الجنس البشري ، وحسب علماء الطبيعة فان تصرفاتها ناجمة عن فسيولوجيتها الأكثر غرابة والأكثر غموضاً ، تخضع هذه المجتمعات لحكم الأقوى من الذكور الذي يستطيع تسيير قطعان القرود وتوجيه لها الأوامر ، وهو سرعان ماتلتف الاناث حوله ليأخذ منهما نصيب الأسد .
التطلع إلى هذه الكائنات المشاغبة معناها الابتسامة المتكررة ، فهي كائنات ظريفة وقبيحة في نفس الوقت ، سواء كانت محبوسة في أقفاص حديديه داخل حديقة أو حرة كما هي في محمية برع ، والغريب أن هذه الأحياء تتحول إلى كائنات مفترسة في الليل خاصة إذا مر احدهم وهو اعزل .
وهذا النوع من الثدييات البرية يحوي أجناسا تعود إلى أصل إفريقي وتشمل قرد البابون التي يصل أعدادها حالياً إلى حوالي 200 قرد .
المحمية إشعاع من نافذة التقدم
مثّل التدخل الحكومي الأخير داخل محمية برع قاعدة أساسية انطلقت من خلالها إلى فضاء الشهرة ، فمنذ أن صوب البيئيون أنظارهم تجاه هذا الكنز الأخضر والحكومة تسعى إلى تقديمها بشكل أفضل .
فبما أن المحمية واقعة في مثلث جغرافي يحوي أكثر من 45الف نسمة ،فقد كان لابد من توجيه الجهود تجاهها من خلال تنفيذ جملة من الخطط التنموية المتمثلة أولاً بشق وسفلتة الطريق التي صارت تخدم هذا الكم الهائل من السكان ، وقد لعبت المحمية دوراً كبيراً في هذا الانجاز الذي تأخر كثيراً .
المحمية فتحت نافذة لأبناء المنطقة من خلال توفير فرص عمل وتشغيل أياد عاطلة ، وقد أسهم هذا الأمر في الشعور – من قبلهم - بالاطمئنان انعكس بصورة ايجابية على مستوى الإدراك والوعي بأهمية هذا الموئل الطبيعي .
حيث تم إدخال منظومة من شبكة الاتصال ليتسنى سهولة التواصل بين الأفراد سواء الزوار أو المحليون أنفسهم ، كما تم إنشاء وتهيئة (10) استراحات سياحية من الطراز البيئي التهامي ، وقد نسجت بعناية بالاخشاب المحلية والأعشاب النباتية ، الاستراحات ذات طابع عائلي تساعد النساء والأطفال على التمتع بجمال المحمية ومشاهدة الأحياء البرية فيها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التوغل داخل المحمية، والذي قد يكون خطراً في غالب الأحيان .
كما تم إدخال منظومة مراقبة حديثة ليتسنى مراقبه المحمية جيداً والتعرف على أي عمل قد يخل بنظام المحمية أو يشوهها .
عنوان السياحة البيئية
منذ أن باتت الطبيعة نادرة والحكومات تتبنى برنامجاً يفضي إلى جعل الأماكن الطبيعية أماكن محمية لتضرب بذلك عصفورين بفائدتين أولها صون التنوع الحيوي لمواجهة خطر الانقراض وثانيها استقطاب السياح سواء كانوا أجانب أو محليين من عشاق السياحة الخضراء (الطبيعية) خاصة بعد أن صارت السياحة ركناً أساسياً في البناء الاقتصادي لكثير من البلدان .
وزارة السياحة اليمنية دأبت على الاهتمام وتشجيع هذا النوع من السياحة بعدما أظهرت المسوحات والدراسات غنى البيئة اليمنية بالموائل الطبيعية ذات التنوع الحيوي النادر ، تمخض هذا الاهتمام عن الإعلان عن خمس مناطق محمية بصورة رسمية لتتجسد بذلك السياحة البيئية كأحد مقومات السياحة في بلادنا .
غابة برع وجهة للسياحة البيئية بامتياز ، يقصدها الآلاف سنوياً من هواة السياحة الطبيعية ، حيث بلغ عدد الزائرين لها خلال العام المنصرم حوالي 50 ألف زائر حسب إحصائية مكتب الهيئة العامة لحماية البيئة بالحديدة ، وقد غلب على هذه الزيارات طابع السياحة العائلية باعتبارها فضاء واسعاً تلبي هذا النوع من السياحة .
إن ابرز ما تتميز به محمية برع عن غيرها هو سهولة الوصول إليها وقربها من مدينة الحديدة (50كم)، وهي بالإضافة إلى كونها مقصداً للتمتع بهدوء وجمال الطبيعة تعد من الأماكن المحببة لهواة سياحة المغامرات كالتسلق لما لها من تضاريس جبلية ملائمة بالاضافة إلى كونها قبلة للسياحة العلمية متعددة المقاصد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.