الاغتراب عن القيم الجمالية: ونقصد به التمرد على التقاليد الفنية المرعية في مطلع القصيدة العربية القديمة,والمتمثلة في الثورة على المقدمة الطللية عند ابي نواس وأضرابه.ومن المثير أن ثورة أبي نواس لم تكن ثورة هادئة مهادنة بل كانت عارمة مستفزة,إذ سخر من الوقوف على الأطلال والبكاء على الديار وتهكم بهؤلاء المقلدين حتى أوجعهم ضحكاًواستهزاء,وتعدى ذلك إلى الضحك من حياة الأعراب ومعيشتهم والسخرية بهم .لقد رفض أبو نواس القيم الفنية الجمالية في الشعر العربي القديم,ساخراًمنها ,مسفهاًاحلام المتمسكين بها,وأصبح دأبه مهاجمة هذا التقليد الذي لم يستسغه,فحارب البكاء على الديار حتى (أصبح دعوة يدعو إليها,ونحوا يمذهبه,وبابا يجعله وكده وهمه) وقد أمتزج كثير من شعره الذي يسخر فيه من الوقوف على الأطلال والبكاء على ساكنيها بعشقه للخمر ووصفه لها فهي عند الشاعر مفتاح سعادته وكل همه ,ولهذا فقد افتتح بها كثيرا من قصائده,وحلت محل المقدمة الطللية عند غيره من الشعراء,يقول في إحدى قصائده: معاقرة المدام بوجه ضبي حوى في الحسن غايات الرهان إذا ما افتر قلت سناء برق وإذا ما اهتز قلت:قضيب بان ألذ إلي من عيش بواد من الأعراب,مجدوب المكان قصارى عيشهم أكل لضب وشرب من حضير في شنان. وفي قصيدته التي مطلعها : دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني با التي كانت هي الداء يناجي الشاعر الخمر مناجاة الشفيق المتيم,ويرى فيها سحراًيخترق كل جدران الصمت أمامه,ويفتح له كل مغاليق الحياة. ويقول في قصيدة اخرى: لا تبك ليلى,ولا تطرب إلى هند واشرب على الورد من حمراء كالورد كأساًإذا انحدرت في حلق شاربها أجدته حمرتها في العين والخد ويجهر أبو نواس باغترابه عن قيم شعراء العرب الجمالية,ويتحدث في تهكم لاذع وسخرية قاسية عن أولئك الذين يقفون فيبكون على الأطلال,ويتساءل متنكراًمتعجبا من كثرة دعوتهم للوقوف والبكاء يقول: قل لمن يبكي على رسم درس واقفا ما ضر لو كان جلسا ترك الربع وسلمى جانبا واصطبح كرخية مثل القبسلقد احب أبو نواس الخمرة ,واندفع في تقديسها والإخلاص لها ,واتخذها بديلاًعن ذلك المقدس الموروث,رافضاً كل القيم التي تعارف عليها الناس في عصره,كما واجه (بالخمرة تيار الشعر القديم معلناًمن خلاله رفضه لنمط القصيدة الجاهلية وهيكلها ,كما عبر من خلالها عن رفضه لحياة القبيلة وأعرافها وطرق عيشها. يقول في أحدى قصائده: بكيت وما أبكي على دمن قفر وما من عشق فأبكي من الهجر ولكن حديث جاءنا عن نبينا فذاك الذي اجرى دموعي على النحر بتحريم شرب الخمروالنهي جاءنا فلما نهى عنها بكيت على الخمر فأشربها صرفاًوأعلم انني أعزرفيها بالثمانين في ظهرى وشرب حتى حسب الديك حماراً: نشرب الليل إلى الصبح.. صغاراًوكبارا وتغنى ما اشتهينا.. من الشعر جهاراً اسقني حتى تراني.. احسب الديك حمارا