عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر العربي الحديث: (التأثير والتأثر): المناصرة - أنموذجاً بقلم:إدريس البويري
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 02 - 2013


إدريس البويري (الجزائر)
حسب الناقدة البلغارية المتفرنسة (جوليا كريستيفا)، فإن تعريف (التناص)، هو: (تعالقُ (الدخول في علاقة) نصوصٍ مع نص حدث بكيفيات مختلفة) – (1). أما (التلاص)، حسب الشاعر والناقد (عزالدين المناصرة)، فهو: (حسب مبدأ الدرجات، الدرجة السُفلى من التناص العام) – (2).
- يهدف هذا المقال إلى معرفة الخطوط السريعة لتأثير الشاعر الفلسطيني (عزالدين المناصرة) في الشعر العربي الحديث، حيث في البداية، ننقل ما ورد من أقوال لنقاد وباحثين عرب، كعينة عشوائية للدلالة على أهمية الشاعر، ومنها:
نقول مع (إليوت)، بتحوير بسيط: يمتلك عزالدين المناصرة، مثل تنيسون، ثلاث صفات، قلّما تجتمع إلاّ في أعاظم الشعراء: (الغزارة، والتنوُّع، والإحكام الكامل) – د.محمد بودويك (المغرب)، 2004
بشيء قليل من التسامح، يمكن أن يُعدّ عزالدين المناصرة ، واحداً من روّاد الحركة الشعرية العربية الحديثة – د. إحسان عباس (فلسطين)، 1993
ألقى الشعراء المشاركون في (مهرجان الشعر العالمي) في روتردام، قصائدهم، وهم من (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، وأمريكا، روسيا، الصين، يوغسلافيا، اليونان)، وشعراء عرب، وغيرهم، لكن الشاعر الفلسطيني عزالدين المناصرة، هو الذي كسر الحاجز اللغوي بينه وبين الجمهور الأوروبي، حيث أسَرنا بموسيقية شعره، نصعد معه حين يعلو صوته، ونهدأ عندما يخفت صوته – جريدة (Volks Krant) الهولاندية، 16/6/2003
ثلاثةُ شعراء، كانوا يشكّلون (ملامح بيروت الشعرية) في السبعينات: محمود درويش (العكّاوي)، وعزالدين المناصرة (الخليلي)، وسعدي يوسف (البصري)، ممّا ساهم في تحوّل جذريّ في خريطة الحداثة الشعرية – محمود شريح، جريدة النهار، صيف 1990، بيروت
1. فن التوقيعة (النقش)، 1964:
كتب (الشاعر المناصرة) قصيدته (توقيعات) عام 1964، وأنشدها في ندوة عامة في (الجمعية الأدبية المصرية)، التي كان يرأسها (عزالدين إسماعيل)، وكان المناصرة قد أصبح عضواً في هذه الجمعية منذ (نوفمبر 1964)، ثمَّ توالت (توقيعاته) المتناثرة في معظم دواوينه. وقد استند المناصرة في تسميته لهذا النمط بالتوقيعة إلى عدّة مصادر عربية وأجنبية. وقد اعترف لاحقاً معظم النقاد والباحثين بريادته لهذا النوع الشعري:
1) مجلة (الموقف الأدبي) السورية: (المناصرة هو رائد فن التوقيعة الشعرية بلا منازع، وقد تأثر به شعراء عرب في السبعينات، والثمانينات، والتسعينات) – (عدد سبتمبر) (أيلول) 2005).
2) الدكتور عبدالله رمضان خلف (مصر): (مارس فن الإبيجرام، كثير من المبدعين العرب، غير أن قليلاً منهم من يطلقون عليه اسمه الأوروبي: (الإبيجرام)، فنجدهم يختارون أسماء أخرى مثل مسمى: لافتة، أو توقيعة، أو ومضة، أو نحو ذلك. ومن أبرز الأسماء، التي كتبت هذا الفن، الشاعر الفلسطيني (عزالدين المناصرة)، الذي كان له أثر في أجيال تلته من الشعراء) – (3).
3) الدكتور أحمد الصغير المراغي (مصر): (بعض الباحثين الفلسطينيين يعتبرون (الشاعر عزالدين المناصرة)، هو رائد فن الإبيجراما، نظراً لكثرة ما كتب فيها) – (4).
2. زرقاء اليمامة، (1966): (5)
نشر (المناصرة) قصيدته (زرقاء اليمامة) في عدد ديسمبر من مجلة الآداب البيروتية عام(1966)، أي (قبل هزيمة عام 1967) بأكثر من ستة أشهر. ثمَّ قرأ القصيدة في إحدى ندوات (الجمعية الأدبية المصرية)، بحضور صلاح عبد الصبور، وعز الدين إسماعيل، وأمل دنقل، وغيرهم. لاحقاً (بعد هزيمة 1967) نشر الشاعر المصري (أمل دنقل) قصيدته (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة). وهنا أشارت الصحافة إلى تأثر (دنقل) بقصيدة (المناصرة)، كما هو حال (مجلة الآداب، 1968).
1.2. الشاعر محمد عمران (سوريا): إذا كانت بدايات الشعر الحديث، لدى الرواد في الخمسينيات قد اتكأت على (الأساطير اليونانية) فإنَّ شاعراً فلسطينياً يعيش في مصر هو عزالدين المناصرة، قد أعاد الروح الحضارية لأمَّته في شعره بتوظيفه للرموز التراثية العربية: (امرؤ القيس، تميم بن مقبل، أبو محجن إلثقفي)، والأهم هو امتصاصه لشخصية (زرقاء اليمامة)، التي رأت الهزيمة قبل 1967، وحذَّرت منها، ثم استفاد منها الشاعر المصري (أمل دنقل) بعد الهزيمة – (جريدة الثورة، دمشق، 25/4/1970).
2.2. الدكتور محمد مشعل الطويرقي (السعودية): أوَّل من استدعى لقب (زرقاء اليمامة) في الشعر العربي الحديث، هو الشاعر الفلسطيني (عزالدين المناصرة). ثمَّ جاء بعده الشاعر المصري (أمل دنقل)، ومن بعدهما أصبح الرمز مألوفاً لدى الشعراء العرب المعاصرين – (6).
3. قصيدة النثر الرعوية (1969):
إعادة النضارة إلى اللغة الشعرية عبر إحياء نمط (القصيدة الرعوية)، عمليةٌ شعريةٌ مارسها الشاعر (المناصرة) في ديوانيه: (مذكرات البحر الميت، 1969)، و(كنعانياذا، 1983)، لمواجهة إسمنت الحضارة الحديثة الجافة. وفي مطلع التسعينات ظهر تأثير (الرعوية المناصرية) واضحاً في توجه بعض الشعراء الشباب نحو الرعوية.
1.3. دكتور محمد بودويك: يجمع النقاد العرب على أن (عزالدين المناصرة)، يُعَدُ من القمم الشاهقة في عمارة قصيدة النثر العربية، حيث قدَّم قصيدة نثر رعوية مختلفة، وساهم في التجسير بين القصيدة الحرّة التفعيلية، وقصيدة النثر – (المغرب، 2002).
2.3. الدكتور حاتم الصكَر (العراق): رسّخ عزالدين المناصرة في ديوانيه: (مذكرات البحر الميت، 1969)، و(كنعانياذا، 1983)، وهما قصائد نثرية (رعوية)، تقاليد فنّية وجمالية مميزة على مستوى كتابة قصيدة النثر وتلقّيها معاً، مما يجعلني متيقناً أنّ المناصرة، أضاف إلى كتابة قصيدة النثر وقراءتها من السمات والمقترحات والتجارب الأسلوبية، ما يسمح بتلمُّس آثارها في (أجيال الكتابة)، التي تلت تجربته، واستمدت منها الكثير – (7).
4. قصيدة الهوامش:
استخدم (المناصرة) في قصيدته (تأشيرة خروج، 1969) في مجموعته الشعرية (الخروج من البحر الميت) – هوامش شعرية لقصيدته مكملة للمتن الشعري، مستفيداً من نظام (البحث العلمي)، وفي عام (1986)، نشر قصيدة أخرى بعنوان: (روسيكادا قبل المطر، روسيكادا بعد المطر) في مجموعته الشعرية: (حيزيَّة، 1990) – وفيها مجموعة من الهوامش الشعرية، لكنه أعلن محذراً بأن مثل هذه القصائد (تصلح للقراءة الصامتة).
1.4. فاطمة بن عيَّاد: استخدم عزالدين المناصرة (قصيدة الهوامش) كما سمَّاها لأول مرَّة في الشعر الحديث عام (1969)، أي قبل قصيدة أدونيس (إسماعيل، 1985) – (8).
2.4. دكتور سامح الرواشدة: فوجئتُ حين تأكدتُ بأن الشاعر (عزالدين المناصرة) قد سبق (محمد عفيفي مطر، وأدونيس) في استخدام (تقنية تعدد النصوص) كما سمَّاها كمال أبو ديب، أو (قصيدة الهوامش) كما سمَّاها المناصرة – (9).
5. الإنشاد الشعري: (الطريقة الاحتفالية الطقوسية):
في عام (1981)، أنشد الشاعر المناصرة قصيدته (كيف رقصت أمُّ علي النصراوية) في قاعة الوست هول في الجامعة الأمريكية في بيروت، ضمن (مهرجان الشقيف الشعري)، فأثار الانتباه إلى طريقته الاحتفالية الطقوسية في القراءة الشعرية، التي استفادت من تلاوة القرآن، وتراتيل الكنيسة التلحمية، والتعزية الجنوبية اللبنانية. ومنذ ذلك الوقت ظل المناصرة يردد هذه الطريقة التي تشبه (البيرفورمانس) في ندواته الشعرية، وقلَّدها فيما بعد شعراء في تونس، والأردن وغيرها، منذ عام 1983 تقريباً.
6. اللغة الشعرية (الشوارعية):
في عام (1971)، شارك الشاعر المناصرة في (مهرجان المربد الشعري الأول) في العراق، فأنشد قصيدتين هما: أبو محجن الثقفي أثناء تجواله – وقصيدة (ملاحظات مهمة حول حذائي)، التي كتبها في هجاء وزير الخارجية الأمريكي، صاحب (مبادرة روجرز)، هذه القصيدة التي أثارت جدلاً واسعاً في صحف العراق آنذاك حول درجة ومدى اللغة الشعرية. وقد تذكرتْ المواقع الإلكترونية العراقية (هذه القصيدة) عام (2008)، عندما رمى الصحافي (منتظر الزيدي) حذاءه في وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش في مؤتمر صحافي، مثلما تذكرها الصحافيون عندما كتب الشاعر العراقي (مظفر النوَّاب) قصيدته (القدس عروس عروبتكم!!) في منتصف السبعينات. وكان (المناصرة) قد ألقى قصيدة أخرى من نفس النوع اللغوي بعنوان: (أبي وأبوك وأبوه) في (مهرجان الشعر الحديث الأول) في بيروت في ديسمبر (1970)، أثارت ضجة كبرى. ونلاحظ أن المناصرة (حذف) هذه القصائد لاحقاً من دواوينه الشعرية!!.
7. امرؤ القيس الكنعاني:
في كتابه (أنواع التناص في الشعر الفلسطيني المعاصر)، كتب الدكتور (إبراهيم نمر موسى) ما يلي: يوظف عز الدين المناصرة في قصيدته "قفا نبك"، المستندة إلى المساحة" الكلية" وآليتي" القول" و"اللقب"، يوظف عدة نصوص غائبة من شعر امرئ القيس ترسم لوحة فسيفسائية تكاد تكون كاملة عن حياته بأبعادها اللاهية والمأساوية، حيث تقابلنا في سياق القصيدة فحولته الشعرية من خلال مطلع معلقته" قفا نبك"، ثم لهوه وشربه للخمر في "رأس المجيمر"، ثم مقتل والده وطلبه للثأر من قاتليه بمساعدة "آل حجر"، ثم هيامه على وجهه طلباً للاستغاثة من أجل استعادة ملكه المغتصب حتى لقب بِ" الملك الضليل"، ثم وقوفه بباب "قيصر" طويلاً حتى أكلته الغربة، ثم تنبؤه بموته وإقامته على سفح جبل"عسيب"، وأخيراً مقتله بالثوب المسموم. وخلاصة القول : إن عز الدين المناصرة استطاع الكشف عن أبعاد حياة امرئ القيس، فقدَّمه لنا لاهياً لا مبالياً، وضائعاً شريداً، ونادباً مفجوعاً وساعياً للثأر، ويائساً مهزوماً، ومزج بين تجربته الموروثة وتجارب الشعب الفلسطيني المعاصرة. وهذه مقتطفات من مفاصل القصيدة، يركز فيها الشاعر على رثاء نفسه ووطنه باستحضار فلذات بكائية موروثة من شعر امرئ القيس. يقول:
يا ساكناً سقط اللوى
قد ضاع رسم المنزلِ
بين الدخول فحوملِ
مقيم هنا أشرب الخمر في حانةٍ
قرب رأس المجيمر..كل مساء.
ضاع ملكي وأنا في بلاد الروم ،أمشي ، أتعثر
من ترى منكم يغيث الملك الضليل في ليل العويل
أنت يا صخر يغوث
أرسل الموت لكوخ الندماء
ضيعوني...ومضوا في دربهم
يشربون الخمر في كل مساء
قرب غنجات الإماء
ضاع ملكي
أكلتني الغربة السوداء، يا قبر عسيب
جارتي، إنا غريبان بوادي الغرباء
نبعث الشعر ونحمي أنقرة.
- يتماهى الشاعر مع شخصية امرئ القيس على هدى الحكاية التراثية، مازجاً البعد الآني بالبعد التاريخي للتعبير عن مأساته، وبذلك ينفتح الوعي الشعري على مشهد درامي للحكاية، التي اتخذت لنفسها مساراً توَّزعت صورها في جسد القصيد، فكان سداها ولحمتها، وهو يؤسس من خلالها لرؤيا تحريضية تضيء مأساة الفلسطيني المعاصر الذي ضاع ملكه/وطنه، وأكلته الغربة/المنفى، وأصبح على قاب قوسين أو أدنى من الموت على سفح جبل"عسيب". فإذا كان امرؤ القيس قد ترك وحيداً يعاني سكرات الموت(حسب الدكتور إبراهيم موسى)، بعد أن ضيعه أهله، فإن الفلسطيني المعاصر يتماثل معه بعد أن ضيعه قومه. وبهذا تصبح الاقتباسات الشعرية من شخصية امرئ القيس وملفوظه الشعري" مفاتيح ضرورية لفهم الرؤية الشعرية في هذا الديوان، خصوصاً تلك الاقتباسات المستمدة من موروث (الملك الضليل-امرئ القيس بن حجر الكندي)- أروع ما اكتشف المناصرة من كنوز التراث. فقد وجد (المناصرة) في ملامح شخصية الملك الضليل (امرؤ القيس)، وفي ابعاد تجربته الحياتية والوجدانية والفنية ما يتراسل مع ملامح شخصيته وأبعاد تجربته هو الخاصة، ومن ثم فقد عقد على هذه الشخصية أواصر صلة حميمية، وراح يمتاح من موروثها الخصب ما يجسد به أبعاد رؤيته الشعرية وملامحها الوجدانية الفكرية. ومما يؤكد هذا تردد الإشارات الشعرية لشخصية امرئ القيس في شعره (34 مرَّة) في ديوان عز الدين المناصرة، وهو تردد يفوق (عدد الاشارات الخاصة بامرئ القيس) في دواوين: (12 شاعراً فلسطينياً أساسياً)، موضوع الدراسة، حيث بلغ مجموعها الكلي في دواوينهم(32 مرة).
8. جدارية محمود درويش: امرؤ القيس: عيد الشعير وعيد الكروم:
وفي كتابة (جماليات التناص)، كتب (الدكتور أحمد جبر شعث) ما يلي:
إذا كان موقف محمود درويش قد ميّز علاقة التناص مع المعريّ، فإن سياقاً آخر يبعث فيه ماضي امرئ القيس بوصفه شاعراً ذا تجربة فريدة تكشف عن أزمة إنسانية وجودية؛ فالتناص يتداعى فيه جماع شخصية الشاعر القديم في قطبيها: الأول القوافي أو الإبداع الشعري على الوجه المعلوم في تاريخ الشعر الجاهلي، وما حفّز تلك التجربة من لهو ومغامرات اشتهر بها امرؤ القيس، حتى غدا في كثير من الأحيان أشبه بنموذج ينتمي إلى النماذج العليا التي أُسطرت في اللاوعي الجمعي للمجتمع العربي. والثاني أزمة الشاعر الوجودية بعد مقتل أبيه من قِبل بني أسد، وسعيه إلى قيصر الروم لمعاونته على الثأر. إن استدعاء الشاعر الجاهلي يتجاوز مجرد الإشارة التاريخية، ليكون (إنتاجاً نوعياً للماضي) الخاص بخطاب الشاعر وما يتصل به على مستوى الفن والحياة، ولا سيما الإشكالية الوجودية في حياته، بطريقة تذكرنا بأسلوب (الإلماعة) الذي يومض للأحداث أو الشخصيات أو الرموز بإشارة خاطفة سريعة، لكنها تثير التداعي إلى موضوع التناص. والحقيقة إن قضية موروث امرئ القيس واستدعائه في نماذج من الشعر المعاصر، قد أفاض فيها أكثر من باحث، وعلى رأسهم (الدكتور علي عشري زايد)، الذي وجد –بحق- أن (عز الدين المناصرة) هو من أهم الشعراء الذين ارتبطوا وجدانياً وفكرياً وفنياً بموروثهم القديم، وصدروا عنه، ولا سيما موروث (امرئ القيس) الذي تبدّى في تجربة (المناصرة) في وجوه عدّة تصوّر نضال الملك الضليل لاستعادة مجده وكرامته المهدورة. وفي دراسة حديثة العهد عن (التناص في شعر المناصرة)، تمّ استظهار طرائق توظيف موروث الشاعر القديم وفقاً للطابع الدراميّ الخاص باستحضار أحداث حياة هذا الشاعر ووقائعها، وطابع التفاعلات الشعرية مع شعره، خصوصاً الإحالات النصية والقناع والعناوين. وكشف أحد النقاد (موسى ربابعة) عن صدى هذا الشاعر في بعض قصائد لشعراء معاصرين مثل: سامي مهدي وفاضل العزاوي وعبد العزيز المقالح وعز الدين المناصرة.
- أما النموذج الثاني من (التناص) في جدارية درويش (1999)، فقد كان مع عنوانين من قصائد (عز الدين المناصرة) النثرية. يقول درويش:
وأنا أنا، لا شيء آخر/
واحدٌ من أهل هذا السهل...
في عيد الشعير أزور أطلالي
البهَّية مثل وَشْمٍ في الهُويّةِ.
وفي عيد الكروم أَعُبُّ كأساً
من نبيذ الباعةِ المتجوِّلينَ...
- وإذا كان (عيد الشعير وعيد الكروم) من الناحية الأسطورية يعودان إلى طقوس الكنعانيين القدماء، وما تحمله من معاني الخصب والنماء، فإن تحقق وجود الخطاب بهذه الطريقة يستدعي بالضرورة، عنوانين لقصيدتين من شعر عزالدين المناصرة، وهما:(عيد الشعير)، و(عيد الكروم)، المنشورتين في عام 1983م. لكن مفارقة شعرية هامة تتكون من خلال تفاعل التناص الذي يرتكز على التحول من صيغة الغائب في النص الشعري السابق إلى صيغة ضمير المتكلم كما في الضمير المنفصل(أنا) وياء الملكية المتصلة، بينما يبدو (نص المناصرة) في إطار الحديث عن الغائب، حيث يقول في قصيدته (عيد الشعير): الكنعانيون يحتفلون بعيد الشعير في الأباطح – (11)
- كما نجد تأثير (عزالدين المناصرة) واضحاً في عناوين بعض 5قصائد درويش، مثل قصائد المناصرة: طريق الشام، (لو أنني حجرٌ)، كنعانياذا، الخروج من البحر الميت، البحر الميت لي، و(ذهب الذين أحبهم)، وهي من بواكير شعر المناصرة... نجد تأثيرها واضحاً في (شعرية العنونة) عند درويش.
9. عبد الله راجع:أثر عز الدين المناصرة وأمل دنقل في القصيدة المغربية:
ينوع (بدر شاكر السياب) قوافيه بالطريقة التالية(1، 1، 2، 1،2) أي أنه يورد على الخصوص قافيتين متتابعتين بنفس الروي، ثم قافية ثالثة ثم يعود إلى نمط الأول فيورد قافية مشابهة لما بدأ، ثم يختتم المقطع بقافية تنتمي للنمط الثاني. والمسألة ليست ثابتة في كل قصائد السياب.
أما الطريقة التي اتبعها (محمد بنطلحة) تختلف قليلاً عن طريقة السياب، إذ أن بنطلحة يلجأ هنا إلى طريقة(1، 1، 2، 0، 2، 0) ولكن التنويع يظل هو هو ....وإذا كانت الظاهرة تتضح أيضاً في كتابات الشاعر عبد الله راجع أيضاً، فالشاعران معاً (بنطلحة وراجع) يعودان إلى منبع آخر، هو منبع ما بعد جيل الرواد: هناك طريقة في الكتابة عرف بها كل من (عز الدين المناصرة وأمل دنقل).... وهي تطوير لمفهوم الرباعيات الشعرية. يقول أمل دنقل في قصيدته" الأرض والجرح الذي لا ينفتح":
1. من أنت يا حارس
2. إني أنا الحجاج
3. عصبّني بالتاج
4. تشرينها القارس
بينما يلجأ (عز الدين المناصرة) إلى المحافظة على الشكل المعروف في الرباعية كأن يقول مثلاً:
عند باب القدس ماتت جدتي
وهي تحكي لشجيرات العنب
عن زمان سوف يأتي
وعلى خديه شانات الغضب
ونستطيع الآن أن نحصر (بصمات كل من عز الدين المناصرة وأمل دنقل) في إنتاج (الشاعرين بنطلحة وراجع)، ولنلاحظ أولا الإتفاق المطلق بين دنقل وبنطلحة في توزيع القافية في هذين المقطعين:
أمل دنقل: محمد بن طلحة:
مثلما يخطو-1 من تحت قوس النصر-1
قد شوهته النار-2 مرت عصافير الحريق-2
هل يصل العطار-2 يا مرفأ الشام العتيق-2
ما أفسد الدهر-0 من أين مرت عربات خيل الروم-2
(عز الدين المناصرة): (عبد الله راجع):
لو كان يسأل ما الدوا-1 كلما عسكر في الداخل شوق-1
من خمرتي داويته-2 فتحت في الحلق ثغرة-2
يا ساكنا سقط اللوى-1 كيف لا يغدر بي التيه ونطق-1
قرب اليمامة بيته-2 أنا من ضيع في الأوهام عمره-2
ولنتأمل كيف يتم التوزيع لدى كل من "دنقل وراجع" لا بالنسبة للقوافي بل بالنسبة للمقاطع:
أمل دنقل: عبد الله راجع:
ها نحن يا أيلول-1 أيها الحرف الذي يدعى صهيلاً-1
لم ندرك الطعنة-2 غاب عن أذهانهم شكل الحصان-2
فحلت اللعنة-2 خفف الوطء قليلاً-1
في جيلنا المخبول-1 عندما تصبح طياً في اللسان-2
...... .......
قد حلت اللعنة-2 أيها الحرف الذي يدعى صهيلاً-1
في جيلنا المخبول-1 خفف الوطء قليلاً-1
فنحن يا أيلول-1 غاب عن أذهانهم شكل الحصان-2
لم ندرك الطعنة-2 فاستحال طيناً في اللسان-2
ولنتأمل كيف يلتحق (محمد بن طلحة) براجع في التأثر بطريقة (المناصرة) في توزيع قوافيه.
(عز الدين المناصرة): (محمد بن طلحة):
وقد أجاب شيخ يحمل الفانوس في يديه-1 تغيب دلالة الأسماء والأشياء عن بالي-1
يوزع الشمعات-2 وتهجرني العبارة في توهج وقدة الرؤيا-2
وحين سلمنا عليه-1 فيسرج فوق صهوة هذي البيد ترحالي-1
بكى،واصفر لونه، ومات-2 ويهرم مقعدي في جانب من ساحة المقهى-2
لقد أردنا بهذه النماذج أن نصل إلى معرفة واستكشاف البصمات التي ترسبت لدى الشاعرين المغربيين(عبد الله راجع ومحمد بن طلحة) أثناء أو بعد قراءة كل منهما لقصائد (عز الدين المناصرة وأمل دنقل)، لكن هذه النماذج إنما أوصلتنا إلى أكثر مما أردنا إثباته .لقد أبانت عن ارتباط راجع بِ(المناصرة) من حيث توزيع القافية(1،2،1،2) وأبانت عن ارتباطه أيضاً بِ(أمل دنقل) ولكن هذه المرة لا في توزيع القافية، بل في تشتيت وإعادة تركيب أشطر المقطع الواحد. وأبانت هذه النماذج أيضاً على ارتباط بنطلحة بأمل دنقل وبالمناصرة معاً... وإذا كان ارتباط بنطلحة بأمل دنقل وبالمناصرة يتضح أكثر ما يتضح في قصيدته "آه يا بيروت" على الخصوص فإن علاقة عبد الله راجع بالمناصرة تكاد تستغرق مجموعة لا بأس بها من النصوص، ولا تكاد تتضح علاقته بأمل دنقل في كيفية تشتيت أشطر المقطع ثم إعادة ترتيبها من جديد إلا في قصيدته"بكائية الحروف المهزومة" من مجموعته الثانية"سلاماً وليشربوا البحار" والمسألة في رأينا لا ترتبط ببنطلحة وراجع بمفردهما، إن هذا التأثر يمتد ليشمل نصوصاً أخرى لشعراء مغاربة معاصرين. ولكننا آثرنا الشاعرين المذكورين نظراً لاتضاح هذا التأثر في نتائجهما الشعرية أكثر من غيرهما (12).
- كذلك،، يشير عددٌ من النقاد من بينهم (خليل حسونة، وحاتم جوعية) من (فلسطين)، والشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين (جريدة السفير) عام (2005) إلى تأثير عزالدين المناصرة من زاوية (شعرية الكنعنة) في عدد من الشعراء الفلسطينيين. وكان الناقد الفلسطيني (نبيه القاسم)، قد أشار إلى هذه الظاهرة على النحو التالي: (كان للرحيل الفلسطيني عام 1982 من بيروت، أثره في العودة إلى التاريخ البعيد لفهم ما حدث، فكان نتيجة ذلك، دعوة الشاعر عز الدين المناصرة إلى الكنعنة الشعرية في مجموعته (كنعانياذا، 1983)، التي سرعان ما راح يقلدها العديد من الشعراء العرب، بل والشعراء في (فلسطين – 1948) – (13). لكن الصحيح أن (ظاهرة الكنعنة) بدأت عند المناصرة) منذ منتصف الستينات مع ولادة منظمة التحرير الفلسطينية.
مراجع:
1. محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية التناص)، ط3، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1992.
2. عزالدين المناصرة: (علم التناص والتلاص)، ط3، دار مجدلاوي، عمّان، 2013,
3. عبدالله رمضان خلف: فن الإبيجرام في الأدب العربي المعاصر، جامعة عين شمس، القاهرة، 2010.
4. أحمد الصغير المراغي: بناء قصيدة الإبيجراماً في الشعر العربي الحديث، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2012.
5. عزالدين المناصرة: (زرقاء اليمامة)، مجلة الآداب، عدد ديسمبر، 1966، بيروت.
6. محمد مشعل الطويرقي: شعرية النبوءة بين الرؤية والرؤيا: (تجليات زرقاء اليمامة في الشعر العربي المعاصر)، مجلة جامعة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها، العدد الثاني، يوليو 2009.
7. حاتم الصكَر: قصيدة النثر عند عزالدين المناصرة، مجلة الشعر، القاهرة، صيف 2008.
8. فاطمة بن عياد: مجلة دنيا العرب، أثينا، عدد آب، 1989.
9. سامح الرواشدة: القصيدة البصرية في الشعر الحديث، مجلة أفكار، العدد 167، عمَّان، 2002.
10. إبراهيم نمر موسى: أنواع التناص في الشعر الفلسطيني المعاصر، وزارة الثقافة، رام الله، فلسطين، 2005.
11. أحمد جبر شعث: جماليات التناص، دار مجدلاوي، عمان، 2013.
12. عبد الله راجع : القصيدة المغربية المعاصرة: بنية الشهادة والاستشهاد – الجزء الثاني، دار عيون، الدار البيضاء، المغرب، 1988.
13. نبيه القاسم: جريدة الإتحاد، حيفا، عدد (5/6/1987).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.