اليمن ترحب بإعلان سوريا توقيع خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء    الذهب يتراجع هامشياً وترقب لقرار الفيدرالي الأميركي    اختتام دورة تدريبية بهيئة المواصفات في مجال أسس التصنيع الغذائي    تشيع جثمان الشهيد العقيد فايز أسعد في الشاهل    وقفتان في مديرية الوحدة بالأمانة تنديدًا بجرائم العدو الصهيوني    استشهاد 13 فلسطينياً في مجزرة صهيونية استهدفت مركبة مدنية بمدينة غزة    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    إصلاح ذمار يحتفل بذكرى التأسيس بحفل خطابي وفني ويجدد الوفاء لأهداف 26سبتمبر و14أكتوبر    تظاهرات في لندن مندّدة بزيارة ترامب    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية إلى 65 ألفا و62 شهيدا    رسائل من المدرجات.. هتافات ولافتات تدعم غزة في دوري أبطال أوروبا    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    المساوى يتفقد أضرار السيول في الصلو وحيفان    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة التربوي محمد صالح بن صويلح الحشري    حماس تتهم إسرائيل بترويج أكاذيب مكشوفة    قمة الدوحة.. شجب واستنكار لا غير!!    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    وزارة الشباب والرياضة تكرّم منتخب الشباب وصيف بطولة الخليج الأولى لكرة القدم    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    المفوضية الأوروبية تقترح فرض عقوبات على إسرائيل بسبب غزة    محافظ شبوة يتابع مستوى انتظام العملية التعليمية في المدارس    الانتقالي يثمن مؤتمر الأمن البحري ويؤكد: ندعم تنفيذ مخرجاته    فريق التوجيه الرئاسي يطّلع على أداء الإدارة الاقتصادية والخدمية بانتقالي المهرة    النائب المحرمي: التفرد بالقرار في مجلس القيادة خلال السنوات الماضية كانت سبباً أساسياً في حالة الانقسام اليوم    فريق التوجيه والرقابة الرئاسية يطلع على أداء الادارتين القانونية وحقوق الإنسان والفكر والإرشاد بانتقالي حضرموت    محاكمة سفاح الفليحي    الأحد إجازة رسمية    مفاجآت مدوية في ابطال اوروبا وتعادل مثير في قمة يوفنتوس ودورتموند    مونديال طوكيو.. فيث تحصد ذهبية 1500 متر    ببديلين ورقم قياسي.. أرسنال يخطف نقاط بلباو    بسلاح مبابي.. ريال مدريد يفسد مغامرة مارسيليا في ليلة درامية    كين: مواجهة تشيلسي تحفزني    مصدر أمني: انتحار 12 فتاة في البيضاء خلال 2024    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    عبدالعظيم العَمري..الأب .. الطبيب..القائد    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    كأنما سلخ الالهة جلدي !    المناخ التكفيري الناشئ في محيط المهمشين… الى اين ؟!    منتخب الناشئين يغادر لودر إلى قطر .. اسماء اللاعبين    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    ناس" و"ناس"    رئيس هيئة الأراضي يدشن من العاصمة عدن مرحلة جديدة لحماية التخطيط العمراني ومكافحة الفساد    لملس يدعو الصين لإعداد خارطة طريق للتعاون الاقتصادي    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    المعلا: مديرية بلا مأمور أم مأمور بلا مديرية؟    بايرن ميونيخ يخسر جهود غيريرو قبل مواجهة تشيلسي وهوفنهايم    حالتها مستقرة.. جلطة ثانية تصيب حياة الفهد    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرثاء في شعر الخنساء
نشر في الجمهورية يوم 23 - 07 - 2009

الخنساء هي تماضر بنت عمر بن الشريد السلمي، يرجح انها ولدت سنة 575 م، أي في أواخر الجاهلية، والخنساء لقب أضفي عليها لأن أنفها كان متأخرا عن وجهها، وأرنبته مرتفعة بعض الشيء، يقال إنها توفيت سنة 664 م.
لما كان الشعر في الغالب يعبر عن الأحاسيس والمشاعر، فقد جاء الشعر صادقا لتصوير الحياة لدى العديد من الشعراء في العصرين الجاهلي والإسلامي، وكذلك كان الشعر أمينا في نقل الأحداث، فقد نظم الشعراء في مختلف الأغراض المعروفة كالرثاء والغزل والمديح والفخر وغيرها. وكان الرثاء من أغراض الشعر البارزة في الشعر الجاهلي والإسلامي، ويحتل مكانة لا بأس بها في قصائد أكثر الشعراء، فنجد رثاء الأحباب والأصحاب، ونجد رثاءً للمدن الزائلة وبكاء ً على الدول البائدة وغيرها من صور الرثاء المختلفة.
والرثاء هو صورة من صور مدح الميت، وهذه الصورة هي فكرة تعود إلى يونس بن حبيب إذ قال ((التأبين مدح الميت)) والمدح للحي (1). وكذلك فعل ابن سلام في الطبقات (2)، فالرثاء هو غرض من الأغراض المهمة التي استعملت في الشعر العربي عامة.
ولعل أشهر من أستعمل الرثاء بشكل مكثف منذ العصر الجاهلي ليومنا هذا، هي الشاعرة الخنساء (3). إذ تميزت الخنساء بقصائدها التي بُنيت على هذا الغرض، فالرثاء عندها كان مترابطا مع قوة الطرح في الأسلوب والفكرة التي تقدمها الشاعرة عبر قصائدها العمودية المتوسطة الحجم.
وقد جاء تميز الشاعرة هذا، نتيجة الظروف الصعبة التي مرت عليها، وهي مقتل أخويها معاوية وصخر اللذين كانا من أجمل وأشجع فرسان العرب آنذاك، مما أثار شاعريتها وفجًَر عبقريتها، فما طفقت ترثيهما ملتاعة حزينة، ويقال إن أولادها الأربعة قتلوا في معركة القادسية سنة 638 م.
الظروف الصعبة التي كانت تعانيها الشاعرة فجرت شاعريتها، فالشاعرة عاشت ثلاثين عاما بعد مقتل أخويها وأبنائها، وقررت ألا تنزع ثوب الحداد عليهم طوال حياتها. ونجد أن أكثر خصائص شعرها في الرثاء، وما يغلب عليه هو طابع البكاء والتفجع وتدفق العاطفة والتكرار. فكان البكاء من العناصر المهمة لبناء الرثاء في قصائدها:
ألا يا عين فانهمري بغدر
وفيضي فيضة من غير نزر
ولا تعدي عزاء بعد صخر
فقد غلب العزاء وعيل صبري
لمرزئة كأن الجوف منها
بعيد النوم يشعر حر جمر ِ (4)
البكاء عند الخنساء كان وصفا “حكائيا”، ينطوي على محاكاة العين، فالعين مصدر الدموع والبكاء مصدره العاطفة التي تتفوق في بعض الأحيان على العقل، سواء أكانت هذه العاطفة حزينة أم غير ذلك. تقول:
يا عين ما لك لا تبكين تسكابا
إذ راب دهر ًُ، واكن الدهر ُ ريًَابا
فابكي أخاك ِ لأيتام ٍ وأرملة ٍ
وابكي أخاك ِ، اذا جاوزت ِ أجنابا
وأبكي أخاك ِ لخيل ٍ كالقطا عُصبا
فقدْن َ لما ثوى، سيبا وأنهابا (5)
التسكاب هنا هو مصدر سكب، وسكب الدمع صبه، وهو يدل على الكثرة، فحقيقة ما يكشف سر اللغة عند الخنساء هو صدقها في ذكر الوقائع والأحداث، والوصف الدقيق جاء نتيجة ما عانته من معاناة وألم وحزن.
البكاء عند الخنساء هو تساؤلات تعطي لنا صورا شعرية قائمة على السؤال والجواب في نفس القصص الشعري.. وكأننا نعيش في حال ٍ قديم ِ جديد، وكأنما الخنساء تسائلنا عن ما نعانيه من حزن وبكاء ومعاناة، ولو أبدلنا أخاها صخرا بالأحبة ممن أضعناهم لكان الوصف دقيقا جدا، فثمة تقارب بين أحوال العرب قديما وما نعانيه نحن اليوم:
ما بال عينيك منها دمعها سرب ُ
أراعها حزن أم عادها طرب
ُ أم ذكر صخر ٍ بُعْيد النوم هيًََجها
فالدمع منها عليه الدهر ينسكب
ُ يا لهف نفسي على صخر ٍ اذا ركبت
خيل ًُ لخيل تنادي ثم تظطرب ُ
إلى أن تقول: كم من ضرائك هلاك ٍ وأرملة ٍ
حلًَوا لديك فزالت عنهم الكرب ُ (6)
فالضرائك هنا الفقراء الذين يعيشون أسوأ الأحوال، الحزن والبكاء والجبروت والطغيان والظلم والقسوة، ظلت هذه العناصر واحدة مهما تبدلت الأزمان وتغيرت البلدان، فالشيء نفسه ظل ثابتا رغم تغيير بعض المصطلحات وزيادة في بعضها الى حياتنا اليومية، هي ربما تكون اسوأ خلقا من العهود السابقة وأخشن منها، وصار عليك لزاما ان تتحاشى هذه الألفاظ وهذه المصطلحات الحديثة.
وكانت الخنساء ملتزمة كل الالتزام بروح اللغة الشعرية القوية التي لا تقل أهمية عن لغة شعراء العصر الجاهلي، وظلت مستسلمة للعين التي كانت تذرف بالدموع، وتسهر مع النجوم كل ليلة:
يا عين جودي بدمع ٍ منك مسكوب
كلؤلؤ ٍ جال َ في الأسماط ِ مثقوب
ِ إني تذكرته ُ والليل ُ مُعتكر ًُ
ففي فؤادي صدْع غير مشحوب ِ (7)
المناداة والمخاطبة المستمرة ما بين الشاعرة والعين قد تجعل المستوى الشعري في أوج وصفه وبلوغه ونضجه، فاستعمال مصطلحات (العين + البكاء) في مقدمة أكثر قصائدها، وبأسلوب ٍ تساؤلي، يحتاج في بعض الأحيان إلى إجابات يبحث عنها المتلقي:
أعين ألا فابكي لصخر ٍ بدرًَة ٍ
إذا الخيل من طول الوجيف اقشعرت ِ
اذا زجروها في الصريخ ِ وطابقت ْ
طباق َ كلاب ٍ في الهراش ِ وهرًَتِ (8)
وهناك مصطلحات استعملتها الشاعرة تقابل بها العين أو البكاء مثل: انهمري، انسكبي، ابكي، جودي، السوافح، سرب، طرب، فيضي. هذه المصطلحات وغيرها تعطي لنا مدلولات إضافية للخطاب المباشر للعين بوصفها عنصرا أو مصدرا للبكاء، والبكاء كان شكلا ينطوي تحت غرض الرثاء:
الا يا عين فانهمري وقلًت ْ
لمرزئة أصبت بها تولت ْ
لمرزئة كأن النفس منها
بُعيد النوم تُشعل ُ يوم غُلت ْ (9)
وهكذا كانت الخنساء مثالا لبناء أكثر قصائدها على غرض الرثاء تقريبا لتعيش قصائدها الرائعة التي أرثت بها أعزائها الميتين.
المراجع
1) ابتسام مرهون الصفار، د. ناصر حلاوي، محاضرات في تأريخ النقد عند العرب، ص 221
2) ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ص 50
3) الخنساء هي تماضر بنت عمر بن الشريد السلمي، يرجح انها ولدت سنة 575 م، أي في أواخر الجاهلية، والخنساء لقب أضفي عليها لأن أنفها كان متأخرا عن وجهها، وأرنبته مرتفعة بعض الشيء، يقال إنها توفيت سنة 664 م.
4) تقديم كريم البستاني، ديوان الخنساء، ص 7
5) ديوان الخنساء، دار الأندلس، ط5، ص 8
6) المصدر نفسه، ص 15
7) كريم البستاني، المصدر نفسه، ص 14
8) كريم البستاني، المصدر نفسه، ص 16
9) ديوان الخنساء، دار الأندلس، ص


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.