ما أسرع أن يمر الوقت وما أسرع أن تمضي الليالي والأيام فمهما طال عمر الإنسان ومكث في الحياة فهو قصير ما دام الموت هو نهايته وحينما يأتي الموت يطوي العمر وكأن الإنسان ما عاش في هذه الحياة إلا برهة. من هنا يتبين لنا أن رأس مال المسلم في هذه الدنيا هو الوقت الذي هو مادة الحياة...فهو اغلى من المال لأن المال يمكن ان تعوضه لكن الوقت اذا ذهب فلن يعود . ولعظم شأن الوقت وقيمته فقد أقسم الله سبحانه به في كتابه الكريم فأقسم الله بالعصر وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح والأعمال الصالحة للمؤمنين وزمن الشقاء للمفرطين فقال تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). لذلك واجب على كل منا أن يغتنم كل دقيقة من عمره وأن لا يضيع أوقاته في اللهو والعبث، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”. ومما هو مأثور عن الإمام الشافعي قوله الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، ونفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، فعلى الإنسان أن يستغل نعم الله بالطاعة والعمل النافع والنشاط الفاعل ، فإنه لا يدري ماذا يخبئ له الدهر فقد أخبر عمر بن ميمون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وعظ رجلا فقال له (اغتنم خمسا قبل خمس : فراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ،وغناك قبل فقرك، وشبابك قبل هرمك). فعلينا جميعاً أن نستثمر أوقاتنا في رضا الله وفيما يفيدنا ويفيد مجتمعاتنا ، وإذا أراد أحدنا أن يجعل له عمرا ثانيا فعمل الخير وإسعاد الآخرين هو من الاسباب التي تمنح البركة في العمر والذكر الخير بعد الموت . فعمر الإنسان على رأس الأسئلة التي توجه إليه يوم القيامة، عن عمره عامةً، وعن أخصب فترة في هذا العمر فترة الشباب ، فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل؟. فعمرك أخي هو موسم الزرع في هذه الدنيا والحصاد هناك في الآخرة فلا تضيع وقتك وتنفق رأس مالك فيما لا فائدة منه ، فالتميز والابداع والقدرة على التأثير لا يمكن ان يصل اليها الانسان الا اذا تمكن من ادارة وقته , لان ادارة الوقت تعد اولى خطوات الابداع .فهذا ما نلحظه من خلال تتبعنا لمسيرة المبدعين والعلماء الذين أثروا العالم بإنجازاتهم التي عكفوا عليها سنيناً عديدة حتى استطاعوا أن يمدوا البشرية بخلاصة جهودهم واستثمارهم لأوقاتهم ، فأصبحوا بذلك صناعاً للحياة عموماً ولحياة الآخرين من خلال ما وهبوه للدنيا من مواهب .