وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    إلا الزنداني!!    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحات رمضانية وعيدية من مفكرة مدينة غائبة
مدد يا «هاشمي» مدد..!!
نشر في الجمهورية يوم 17 - 09 - 2009

عدن لم تعد كما كانت، دُكّ معظم معالمها، وأعيد بناؤه وفقاً لثقافة «القمرية» في هندسة البناء والمعمار، وما نجا منه اختفى خلف الكتل الخرسانية العملاقة، واختفت مشاهد تاريخها المدني والشعبي العريق، وإن احتفظت أحياؤها القديمة ببيوتها «القاعي» - أو بمعظمها - لكن البيوت «القاعي» لم تعد مميزة بأبوابها ونوافذها الخشبية «الشبك» و«المشربيات» المكعبة التي كانت النساء يراقبن الشارع من ثقوبها دون أن يراهن أحد من المارة..
كان فن «الأرابيسك» يرسم على الأبواب والنوافذ أشكالاً هندسية بديعة، وفوق الباب والنافذة نصف دائرة مغطاة بقطع زجاجية ملونة اسمها «الفامليت» ويمكن تسميتها ب«القمرية» العدنية، وفي مدينتي «كريتر والشيخ عثمان» تحديداً، كانت مآذن المساجد تشمخ بمهابة وجلال، على الرغم من أنها لم تكن طويلة كمآذن اليوم الخرسانية، ومبنية من الطين واللبن والياجور، ومن الشقوق في جدرانها بفعل المطر كان يفوح عبق تاريخ طويل لمدينة مسالمة ومؤمنة بالله، لم يلغ ولم يهدم معابد ديانات أخرى سماوية وغير سماوية، لأن قلوب الغالبية العظمى من سكان عدن كانت ومازالت عامرة بعقيدة الإسلام، ونسائم عطرية من الخوف من الله والخشوع الزاهد والتصوف المتأمل كانت ترف بين مسجد وآخر، وشارع وآخر.
أشياء كثيرة وجميلة اختفت في عدن، الموالد الدينية في الأيام العادية وفي رمضان، تقام بجوار المساجد بعد أن تطوف مواكبها في الشارع يتقدمها رجال دين تقاة بثيابهم البيضاء الناصعة، والرضا والسماحة في وجوههم وابتساماتهم النقية، يرش عليهم ماء الورد، وهم ينشدون ابتهالات خشوع الله وحباً لرسوله الكريم، فتمتلئ قلوب الجمهور سكينة وتخفق بالدعاء المتضرع للواحد الأحد، وصرنا اليوم لا نسمع الإنشاد الديني إلا من خلال التلفزيون مما يفقده الكثير من الحيوية والتأثير المباشر.
وفي رمضان بعدن اختفى «المسحراتي» وفي الشيخ عثمان كان لقبه «الكعمدي».. يطوف أحياء المدينة شارعاً شارعاً، وهو يقرع الطبل الجلدي بالعصا ويصيح «سحور» بين كل وحدة ايقاعية لا يخطئ في زمنها.. وفي رمضان بعدن، اختفى «المداح» كان يقف أمام كل باب وهو ينقر «الطار» الجلدي الكبير، وينشد شعراً دينياً وأحياناً في الغزل؛ ويمنحه صاحب البيت ما تيسر له من الأجر، وكان الأجر دائماً زهيداً، ولم يكن ظهور «المداح» في عدن مقصوراً على رمضان فقط.
ولابد أن ازدهار الفن في عدن في تلك الأيام الجميلة، كان يؤثر على مشاعر سكانها، كان التعاون والتآزر في المحنة والمشاركة في الفرح، وتميز العلاقة بين الجيران وغير الجيران، أكثر مما عليه الآن، «مخدرة» العرس ينصبها الجميع، ومجلس العزاء يحضره الجميع، ولا ينتهي تبادل الزيارات بين النساء، وفي رمضان يتم تبادل طعام «الفطور».. صحن كبير مليان بأوعية «الشوربة والبيدامي واللبنية والعتر والباجية والسمبوسة» وفي العيدين إذا ذبح أحدهم خروفاً لابد أن يهدي جزءاً منه لجار يعلم أنه لا يقدر على شراء الخروف، هذه العلاقات الجميلة وغيرها، لم تعد موجودة اليوم إلا فيما ندر، ليس لمحدودية الدخل وارتفاع الأسعار، زمان أيضاً كانت الأسعار لا تناسب الدخل المحدود، فكان الفن يلطق مشاعر الناس ويملأ قلوبهم بالطيبة والخير والمحبة والإحساس بالآخر، واليوم غاب الفن، فقست المشاعر.
وفي رمضان كنا نحن الأطفال نتجمع أمام أقرب مسجد قبل أذان المغرب بربع ساعة، وعلى أيامي «1» لم تكن المساجد قد عرفت مكبرات الصوت، فكنا إذا بدأ المؤذن يصعد على السلم الخشبي أو البرج الطيني ليصل إلى قمة المئذنة المسورة بسياج خشبي لونه أخضر عادة، كنا نحن الأطفال نؤلف «جوقة» ونغني بانفعال:
طلع.. طلع.. جني اصطرع
فإذا شرع المؤذن بالأذان وأطلق صوته بالتكبيرة الأولى؛ تسابقنا إلى بيوتنا ونحن نصيح بفرحة غامرة لننقل بشرى الإفطار للكبار في البيوت: «افطروا يا صايمين».
واليوم صار الأذان يصل إلى بيوتنا عبر التلفزيون لو ابتعد عنها أقرب مسجد، وحرم أطفالنا متعة الغناء في «الجوقة».
وفي رمضان، وفي غير رمضان، كانت تأتي إلى عدن من بعض المحافظات القريبة، ومن تعز والحديدة، فرق شعبية أهلية للغناء والرقص الشعبي، ومعها الطبول والمراويس والمزمار، تكون حلقات كبيرة للرقص «الشرح والرقص البدوي».. وزمان كان الناس في عدن يحبون الرقص والغناء، فكان يتجمع حول كل فرقة جمهور غفير، ومن يرغب في الرقص عليه دفع مبلغ زهيد جداً، لا يزيد عن «شلن» وما كان أجملها من ليالٍ، أما اليوم فنحن لا نرقص، ولا نغني، ولم نعد نسمع الطبل والمزمار، وكانت حلقات الرقص تلك تقام في المساحة المخصصة لركون السيارات بجوار «مسجد النور» الذي لم يُهدم حتى اليوم، ومن قبل كانت حديقة عامة وملعباً للأطفال، وقبل ذلك كانت محطة للباصات، وكانت أيضاً مكان أقيمت عليه مطاعم شعبية محاطة بالستائر كانت تشتهر ببيع «الكراعين».
حلقات الرقص والغناء، كانت تنتشر وبكثرة في العيدين المباركين «الفطر والأضحى» وإني لأتساءل اليوم: هل كان تلفزيون عدن «يمانية حالياً» يقوم بتصوير وتوثيق الحفلات الشعبية التي كانت تنظم وتحقق نجاحاً كبيراً وتجتذب جمهوراً غفيراً، دون خطط أو برامج تعتمد من أجل تنفيذها ميزانية يذهب نصفها إلى جيب مسؤول واحد أو عدة مسؤولين؟!.
وكان الحضور الأكبر لتلك الفرق الأهلية يتحقق في عيد الأضحى «المبارك»، ويتوج بخامس أيام العيد، الذي كانت تقام فيه زيارة ولي الله الصالح «هاشم بحر» الملقب «بالهاشمي» يرحمه الله، و«الهاشمي» ولي مشهور ومعروف في اليمن والجزيرة والخليج العربي وربما دول أخرى في شرق آسيا، وضريحه بقبته الكبيرة كان يقع في طرف الشارع الذي سمي ومازال إلى اليوم يسمى ب«حافة الهاشمي» في الشيخ عثمان، ومن قبل عشرة أيام تقريباً من موعد الزيارة، تبدأ الشيخ عثمان باستقبال المئات من الأفراد ومن الأسر من مختلف المناطق اليمنية ومن خارج اليمن، تأتي للمشاركة في زيارة «الهاشمي» والتبرك بمقامه الطاهر المكون من ضريحه وضريح أخته، يرحمهما الله، تحت القبة الكبيرة، والمقام متصل بالمسجد الكبير الذي يعرف حتى اليوم بمسجد الهاشمي، كان الزوار بالمئات.. رجالاً ونساء وأطفالاً.. كهولاً وشيوخاً وعجائز وشباناً، يتدافعون أمام باب المقام، وكل منهم أقصى ما يتمناه حينذاك هو الدخول إلى المقام وملامسة السور الخشبي حول الضريح وكسوته المخملية والحريري من القماش بألوانه الزاهية، ليدعو ويتضرع لله الواحد الأحد، وهو يقف أمام ضريح وليه الصالح «الهاشمي» في ذلك المكان المهيب والجليل بإيمان الناس ومعتقداتهم التي مازالت إلى اليوم لا تتعارض مع توحيد الله وتنزيهه، رغم استمرارها منذ مئات السنين، لكن البعض وبعد تحقيق الوحدة اليمنية مباشرة أهمل جانب النصيحة والموعظة الحسنة، وقام بهدم قبة وضريح «الهاشمي» خوفاً على الناس من الشرك.. ويا له من خوف! ويا له من شرك! وأقيم في المكان محلات تجارية!!.
لكن زيارة «الهاشمي» خامس أيام عيد الأضحى المبارك، كانت تشهد فنوناً شعبية رائعة يستعد لها آلاف الناس من سكان عدن ومن الزوار الوافدين إليها، ببناء السقائف الخشبية لبيع الحلويات والبخور والعطور والتحف الخزفية والفخارية المحلية، وبيع اللوز والزبيب والحناء ولعب الأطفال، والأدوية الشعبية لمختلف الأمراض والعلل الموقتة والمزمنة، وبيع ملابس الأطفال الجاهزة والمسابح والسجاجيد والمر واللبان والعود ومختلف أنواع العقيق المزيف وغير ذلك كثير.. كان الشارع الرئيسي والشارع الخلفي و«حافة» الهاشمي والشوارع القريبة منه تكتظ بالجماهير والسقائف والباعة المتجولين.. في مشهد ضخم ولوحة اجتماعية بديعة ملونة بالسلم والسلام والمحبة والتكافل، فلا أتذكر عراكاً شهدته أو معركة هربت منها بجلدي.. وكانت معظم الأسر في الشيخ عثمان تتحمل عناء وكلفة استضافة عدد من الأسرة من الأقارب تأتي إليها لتقيم عندها يومين أو ثلاثة، وكانت استضافة كرم ومحبة صادقة نفتقدها اليوم.
ومن الفنون الشعبية التي كانت تشهدها عدن وتحديداً الشيخ عثمان في العيدين وتستمر في عيد الأضحى إلى ما بعد زيارة «الهاشمي» إلى جانب حلقات الغناء والرقص الشعبي والمراجيح:
1 الكركوس: وهو الحاوي الذي يقدم فقراته داخل «مخدرة» صغيرة «سرادق».
2 عروض مسرحية لبعض الفرق الشعبية داخل «سرادق».
3 مباريات قمة في كرة القدم.
4 رقصة «اللبوة».
وكان أهم الأحداث الفنية في العيدين:
1- «المحف» وهو كرنفال جماهيري كبير، كان يقام يوم زيارة «الهاشمي» في المساحة التي توجد فيها اليوم «فرزة الهاشمي للتاكسيات وباصات الأجرة» وكان مهرجان «المحف» يشهد عرضاً جماهيرياً لسباق الإبل والخيول العربية الأصيلة، ويحظى بحضور جماهيري منقطع النظير.
2- نقل «كسوة الهاشمي» الجديدة من مسجد العيدروس «2» إلى مقامه الكريم في «حافة الهاشمي» والكسوة عبارة عن أقمشة جديدة تغطى بها نحو سبعة توابيت خشبية هي عبارة عن هياكل فقط «مكعبة كالنعش»، تحملها الجماهير على الأكتاف، صباح يوم الزيارة، وتزفها «البيارق»، وتسير بها ببطء شديد في الشارع بمصاحبة ضاربي الطبول ونافخي المزامير والمجاذيب الذين يطعنون بطونهم ويثقبون خدودهم بالحراب الحادة، والبعض منهم يمسك بعصا صغيرة جداً متصلة بطبل صغير جداً له خيوط صغيرة تنتهي بكرات صلبة، فيدير العصا لتضرب الكرات على وجهي الطبل، لا أدري ما اسم هذه الآلة، التي صارت اليوم من لعب الأطفال.
على أني بعد أن امتد بي العمر بالقراءة والاطلاع صرت أربط بين توابيت «كسوة الهاشمي» وتابوت العهد عند اليهود الذي يرقد داخله الإله «يهوه» ليحملوه معهم أينما ساروا وحيثما استقروا، وفي عدن كانت تعيش مجموعة كبيرة من اليهود.
3- الحلفتان الكبيرتان للفنانين الكبيرين أحمد قاسم ومحمد مرشد ناجي، ولأنهما كبيران، فلم يكن أحدهما يكيد للآخر أو يحتال ليُفشل الحفل الفني لزميله، ولذلك اتفقا على اقتسام العيدين، المرشدي يقيم حفلته الكبيرة في عيد الفطر وأحمد قاسم يقيم حفلته الكبرى في عيد الأضحى، هذا الوفاء للجمهور والتنافس الفني الشريف بين هذين العملاقين، توجا اكتمال ملامح الأغنية العدنية «الأغنية الجديدة الحديثة».
لكن عدن لم تعد كما كانت، ولم تعرف بعد تأميم الشعر والموسيقى والغناء والمسرح والإذاعة والتلفزيون مبدعين كبار كالجرادة ولطفي أمان في الشعر وأحمد قاسم في الموسيقى والغناء، ومحمد مدي ومحمود أربد في الدراما الإذاعية والتلفزيونية ولطفي أمان ومصطفى خضر وعبدالله عبدالكريم في الشعر الغنائي، وأحمد شريف الرفاعي في النقد الفني والشعر الغنائي أيضاً، وتأليف كلمات أغاني الأطفال، وغير هؤلاء من الأسماء الكبيرة في مختلف مجالات الإبداع.. نعم، بعد حركة تأميم الفن أبطأت رئة عدن الفنية في الخفقان، إلا أنها توقفت نهائياً عن الخفقان، يوم هدموا قبة وضريح «الهاشمي» في الشيخ عثمان، وكأن الهاشمي كان - وهو في اضطجاعه الهادئ داخل قبره المغطى بكسوته الزاهية - ينفخ في جسدها روح الشعر والفن.
سنوات طويلة مرت منذ أن غنت عدن لآخر مرة ورقصت لآخر مرة، وحالها اليوم لا يختلف عن حال كل محافظة يمنية، لكن عدن كان لها ذات يوم مرحلة أدبية وفنية مزدهرة، إلا أن لها قوماً عادلين في المساواة بين عدن وأخواتها، فألغوا مرحلتها المزدهرة وشطبوها من الذاكرة لتتساوى هي وكل أخواتها في هذا التخلف والركود الأدبي والفني الذي نشهده اليوم.
.. مدد يا «هاشمي» مدد..!
هل تعود أيام «الكسوة» و«البيارق» والفن الجميل؟! وليرحم الله الجميع.
٭٭٭
1 أنا من مواليد 1958م.
2 المقصود هنا مسجد «العيدروس» في الشيخ عثمان ، وليس مسجد «العيدروس» الذي في كريتر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.