حزب الله يدعو السعودية لفتح صفحة جديدة ويؤكد التزامه باجراء انتخابات آيار 2026    الفريق السامعي يدين اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز افتهان المشهري    إصلاح المتون والزاهر والمطمة بالجوف يحتفل بالذكرى ال35 للتأسيس    تعز.. اعتصام واحتجاجات نسائية للمطالبة بضبط قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة    شرطة تعز تعلن القبض على متهم بقتل مدير صندوق النظافة والتحسين    مسيرات حاشدة بمأرب نصرة لغزة وتنديدا باستمرار جرائم الإبادة    القسام توقع آليات لقوة صهيونية في كمين نوعي شمال غزة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبد الله أحمد القاضي    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    رئيس الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة تكرم محمد صالح الشكشاكي خلال بطولة أفريقيا للشباب بالقاهرة    الرشيد يتأهل إلى نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    العليمي أصدر مئات القرارات في الظلام.. حان الوقت لفتح الملفات    تعز.. تظاهرة حاشدة ونصب خيمة واعتصام نسائي للمطالبة بالقبض على قتلة المشهري    طوفان بشري بصنعاء يؤكد ثباته مع غزة ويرفض الخذلان رغم الجرائم    متفوقاً على ميسي.. هالاند يكتب التاريخ في دوري الأبطال    نتنياهو يطرد أردوغان من سوريا    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    مانشستر سيتي يتفوق على نابولي وبرشلونة يقتنص الفوز من نيوكاسل    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الأرصاد يخفض الإنذار إلى تحذير وخبير في الطقس يؤكد تلاشي المنخفض الجوي.. التوقعات تشير إلى استمرار الهطول    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    لماذا تراجع "اليدومي" عن اعترافه بعلاقة حزبه بالإخوان المسلمين    جنوبيا.. بيان الرئاسي مخيب للآمال    صندوق النظافة بتعز يعلن الاضراب الشامل حتى ضبط قتلة المشهري    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤسسة التربوية التعليمية معنية بمراجعة بنيتها التشريعية ومهامها وأدوارها الوطنية
دراسة علمية تكشف قصور التشريعات التربوية في استيعاب مفاهيم الوحدة الوطنية
نشر في الجمهورية يوم 11 - 10 - 2009

مسئولية النظام التربوي تتعاظم في ظل التحديات التي تواجه الوطن
في الوقت الذي يدور فيه الجدل حول ضرورة تحصين الشباب من الأفكار الخاطئة وتعزيز قيم الولاء الوطني والوحدة اليمنية في نفوسهم، كشفت دراسة علمية حديثة عن مساهمة القانون العام للتربية والتعليم في إعاقة النظام التربوي عن أداء مهمته الوحدوية كون النظام التربوي أبرز النظم المجتمعية المعنية بترسيخ الوحدة الوطنية والحفاظ عليها، وبالتالي فإن قيام النظام التربوي بمهامه الوحدوية على خير صورها إنما يتوقف على مدى امتلاكه أطراً تشريعية فاعلة تمكنه من الإسهام الفاعل في ترسيخ الوحدة وتجذيرها والحفاظ عليها.
ومن هذا المنطلق فقد أوصت الدراسة العلمية التي أعدها الأستاذ الدكتور أحمد غالب الهبوب أستاذ أصول التربية المشارك ورئيس قسم الدراسات العليا بكلية التربية في جامعة إب، بضرورة إعادة النظر في القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992م بحيث يستوعب القضايا الوحدوية على نحو من الأولوية والاتساق مع القاعدة الدستورية والاستهداف الواضح والصريح .
ضعف المؤسسات التربوية
على الرغم من تنامي الاهتمام والسعي الحثيث نحو ترسيخ الوحدة الوطنية, والحرص على توفير الأطر التشريعية والقانونية الناظمة والحاكمة لمختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها وتوجيهها نحو استيعاب قضايا الوحدة ومضامينها وأبعادها, وعلى الرغم من مرور تسعة عشر عاماً من تحقيق الوحدة وتنامي الجهود الحثيثة نحو ترسيخها والحفاظ عليها, ولا سيما عبر المؤسسات التعليمية والتربوية, غير أن الوحدة اليمنية قد واجهت وتواجه اليوم العديد من التحديات المصيرية التي يأتي في طليعتها تفشي مظاهر الانتماءات الفرعية ماثلة في النزعات المناطقية والطائفية والقبلية, ووقوع الكثير من الشباب فريسة للاستقطاب الفكري والمذهبي وغير ذلك من مظاهر بث روح الفرقة والصراع بين أوساط العامة ولا سيما بين الشباب، وهي أمور ترجع أساساًَ في كثير من جوانبها وفقاً للدكتور الهبوب إلى ضعف فاعلية المؤسسات التربوية التعليمية, وافتقارها إلى الأطر التشريعية الحاكمة لاختياراتها والناظمة لمساراتها نحو ترسيخ الوحدة اليمنية وتكريس ثقافة الوحدة الوطنية, بصفتها أهم مؤسسات المجتمع إن لم تفُقها أهمية على الإطلاق في الوفاء بهذه المهمة الوطنية المصيرية. ولذلك فإن المؤسسة التربوية التعليمية في اليمن أضحت اليوم أكثر من أي وقت مضى معنية بمراجعة بنيتها التشريعية ومهامها وأدوارها الوطنية ولا سيما فيما يتعلق بتفعيل دورها في ترسيخ الوحدة اليمنية.
التربية والوحدة الوطنية
ويوضح الدكتور الهبوب أهمية الدور الذي تلعبه التربية في ترسيخ الوحدة الوطنية بقوله:
بالرغم من تباين الأفكار حول أهداف التربية، فإن هدف الأهداف فيها يظل دوماً وأبداً تمكين الفرد من تحقيق وجوده الذاتي، غير أن مثل هذا الهدف الأسمى للتربية لا يتحقق إلا عن طريق الربط الوثيق بين عمل الفرد لنفسه وبين عمله لمجتمعه، وبالتالي لوطنه وأمته وقد ترتب على ذلك أن صارت التربية حقاً شرعياً للمواطن كونها تعده لممارسة حقوقه وأداء واجباته وتحمل مسؤولياته, كما صار المجتمع ممثلاً بالدولة مسؤولاً عن توفير فرص التعليم لجميع الأفراد لما فيه منفعتهم الذاتية وبما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ويساعد في ترسيخ الوحدة الوطنية ويلبي مطالب التنمية المجتمعية, ذلك أن الوحدة هي عملية اجتماعية بالضرورة وعليه فان الدولة بهذا الإقرار تجعل التربية شرطاً أساسياً للمواطنة الصالحة ومرتكزا رئيسياً لترسيخ الوحدة الوطنية, وهذه حقيقة علمية تؤكدها الشواهد التاريخية وتؤيدها التجارب العصرية وتسندها الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية.
التجربة اليابانية
ويقدم الدكتور الهبوب أحد أبرز الأدلة التاريخية على دور التربية في تحقيق الوحدة والتقدم حيث يقول:
من شواهد التاريخ أن المعجزة اليابانية منذ عصر الإمبراطور ميجي Meiji 1867 م التمي وضعت اليابان في طليعة الدول المتقدمة، إنما ترجع في الأساس إلى فاعلية دور المؤسسة التربوية اليابانية في ترسيخ الوحدة الوطنية وجعل الثورة العلمية الصناعية تسير جنباً إلى جنب مع الثورة الخلقية والوحدة الوطنية التي جعلت الأفراد يدأبون في سبيل ترسيخ وحدتهم الوطنية والإعلاء من منزلة اليابان الحضارية، ولعل هذا ما جعل النظام الاقتصادي الياباني حتى اليوم نظاماً فريداً من نوعه يكاد ينعدم فيه الصراع الطبقي.
المتغيرات الدولية
ويشير إلى أهم الأسباب التي تدعو إلى الاهتمام في عالم اليوم بقوله:
يتعاظم دور الوحدة الوطنية لدول العالم كافة في هذا العصر الذي تحكم مساراته ظاهرة العولمة بما تفرضه من التحديات وما لها من التبعات التي تنعكس آثارها في ظاهرة تفتت لكثير من الكيانات الوحدوية وانهيار العديد من النظم السياسية، وتفشي ظاهرة الانتماءات الفرعية المهددة للوحدة الوطنية لكثير من دول العالم ولا سيما في عالمنا العربي والإسلامي، ونظراً لأهمية هذه القضايا الوحدوية في إطار تعقد المتغيرات الدولية وجسامة التحديات المصيرية التي تواجهها الدول النامية على وجه التحديد ، فقد غدت هذه القضايا جديرة بأن تنال أولوية رفيعة في سلم أولويات النظم التربوية تنسجم مع تلك الأولوية التي حظيت بها هذه القضايا في الدساتير والتشريعات الرسمية بما فيها التشريعات التربوية، وذلك لما للتعليم من دور فاعل في مواجهة عملية التفكيك للبنى المادية والذهنية التي يتعرض لها الكثير من الدول ولاسيما الدول العربية.
وللوفاء بهذه المهمة الوطنية, نصت الدساتير والتشريعات التربوية على تعزيز النظام التعليمي بوشائج التوحد في النمط الثقافي الذي ينبغي أن يقدم إلى الأجيال الناشئة بغض النظر عن اختلاف البيئات الاجتماعية والظروف الاقتصادية المؤثرة في حياتهم، لذلك تقدم مناهج تعليمية موحدة في مراحل التعليم العام ولاسيما في مرحلة التعليم الأساسي، بل إن ما يوجد من فصل بين التعليم الثانوي العام [علمي أدبي] والتعليم الفني والمهني، إنما هو فصل تعسفي ضار بالمتعلمين وبالمجتمع ولاسيما في ظل متطلبات العصر وتحديات المستقبل.
قضايا الوحدة في أهداف الثورة
وعن موقع الوحدة في منظومة الأهداف الأساسية للثورة اليمنية يذهب الدكتور الهبوب إلى القول:
لم تعرف اليمن التشريعات التربوية بمفهومها الحديث كاتجاه جديد يحكم سير العملية التربوية إلا بعد قيام الثورة اليمنية [سبتمبر/أكتوبر] فقد تأثرت البنية التشريعية للنظام التربوي بالرؤية الفكرية للنظام السياسي القائم وتجسدت بجملة من التشريعات التي بدأت بالدساتير ثم بالقوانين لتكتمل باللوائح والإجراءات المنظمة لمسارات العملية التربوية، فقد مثلت ثورة سبتمبر 1962 مرحلة انعتاق للشعب اليمني من حالة التخلف والعزلة ومساوئهما المتمثلة في الظلم والجهل والفقر والمرض والتجزئة، لذلك عبرت الثورة السبتمبرية عن آمال وتطلعات الحركة الوطنية بأهدافها الستة التي تضمنت القضاء على الاستبداد والاستعمار وتحقيق الوحدة الوطنية, إذ نص الهدف الخامس على:”العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة”.
وقامت ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني امتدادا للعطاء الوطني المشترك وتجسيدا للمنطق الوحدوي الضارب في عمق التاريخ والقائم على أن شطري اليمن يشكلان وحدة ثقافية اجتماعية واحدة.
الوحدة في المنظومة الدستورية
ويرى الدكتور الهبوب أن المنظومة الدستورية مثلت انعكاساً لأهداف الثورة في قضية الوحدة حيث يقول:
انعكست تلك الرؤية المستهدفة في الثورة اليمنية حول قضايا الوحدة اليمنية على الوضع التشريعي بمختلف مستوياته, ولاسيما التشريعات التربوية، فقد مثلت الدساتير خطوات تشريعية حديثة في اتجاه إرساء دولة النظام والقانون وإحداث التغيير المنشود، مع ذلك فإن الدساتير على الرغم من تعدد صيغها, حيث لم يستقر الوضع الدستوري في الشطرين إلا في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم, تجدها تركز على قضايا محورية حددت معالمها أهداف الثورة اليمنية وأرادت من خلالها الدولة والحكومات المتعاقبة في الشطرين إحداث التغييرات المنشودة, ولم تؤثر التعديلات الدستورية المتكررة أو الإصدارات المتتالية للدساتير على مضمون هذه القضايا المحورية والتي تأتي في طليعتها القضايا الآتية: التأكيد على هوية الدولة وعقيدتها، التأكيد على شكل النظام السياسي، التأكيد على الوحدة الوطنية.
طفرة في التشريعات
بعد تحقيق الوحدة اليمنية شهد اليمن تحولات جذرية في مختلف النظم المجتمعية تمثل أبرزها في حدوث طفرة نوعية في البنية التشريعية التي يأتي في طليعتها دستور الجمهورية اليمنية. فما من شك في أن وثيقة الدستور تعد من أهم الوثائق التي تحدد القواعد والمرتكزات الأساسية لدولة الوحدة. فالدستور وعلى تعدد صيغه المعدلة, أبريل 1991, سبتمبر 1994, فبراير2001, قد نص في أول مواده الدستورية على أن” الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة وهي جزء لا يتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها”، وبذلك أقام الدستور نظاماً وحدوياً بسيطاً, أي دولة موحدة وليس نظاماً مركباً, بمعنى أن الوحدة اليمنية هي وحدة اندماجية وليست وحدة فيدرالية أو كونفيدرالية, كما تضمن الدستور عددا من المواد المعنية بترسيخ الوحدة اليمنية وتعزيز الوحدة الوطنية.
وكان لا بد من إزالة رواسب التشطير بدءا من توحيد الأطر التشريعية لمختلف النظم المجتمعية التي يأتي النظام التربوي في طليعتها.
قانون التربية والتعليم
وقد دعم هذا التوجه الوحدوي وأرسى بناءه الفكري والتشريعي صدور القانون العام للتربية والتعليم رقم (45) في الحادي عشر من أغسطس 1992 الذي أعلن ولأول مرة في تاريخ التشريع التربوي اليمني الفلسفة التربوية الموحدة للنظام التربوي في يمن الوحدة والتي بموجبها حددت الأسس والمنطلقات والمبادئ والأهداف الموجهة والناظمة لسير العملية التربوية، وبصدور هذا التشريع وضع الأساس الحقيقي والإطار المرجعي والقانوني لتوحيد النظام التعليمي في يمن الوحدة، وما يهمنا في هذا المقام هو الباب الأول كونه المعبر الرئيس عن مضامين التشريع والقضايا المستهدفة, ولا يعني ذلك أن الأبواب الأخرى المكونة للتشريع لن تخضع للتحليل. فقد أورد القانون ما يقارب (18) مبدأ تربويا سردت ضمن المواد (3-14) يفترض أن تمثل المعالم الهادية والموجهة لمسارات النظام التعليمي نحو تحقيق أهدافه المنشودة.
الأهداف التربوية
اشتمل القانون على بعض القضايا المعنية بالوحدة الوطنية ضمن المادة (3) الفقرة (ه)؛”اليمن وحدة لا تتجزأ وهي دولة عربية نظامها جمهوري ديمقراطي، وحب الوطن والاعتزاز به والاستعداد لخدمته وحمايته والدفاع عن العقيدة والوطن واجب إيماني، ولليمن تراثها الحضاري الذي يؤهلها لبناء حضارة حديثة تسهم في تقدم الحضارة البشرية”، كما ور د في الفقرة (ي)؛”...وتنمية روح الدفاع عن العقيدة والوطن والأمة العربية والإسلامية...”، وتضمن القانون أيضاً في منظومة المبادئ جملة من القضايا المعنية بترسيخ الوحدة الوطنية ولاسيما ما ورد ضمن المادة (9)”تعمل الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في التعليم ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف عائقاً أمام بعض الأسر للاستفادة من حق أبنائهم في التعليم”.
وفي منظومة الأهداف التربوية بصفتها المكون الأساس لهذا التشريع والمعبر الرئيس عن الفلسفة التربوية والموجه المحوري لمسارات التعليم, أعلنت خمسة أهداف عامة للنظام التربوي ضمن منطوق المادة الخامسة. تركز الهدف الأول حول خلق المجتمع المتعلم المنتج, وتعلق الهدف الثاني بترسيخ العقيدة الإسلامية، وتركز الهدف الثالث حول البحث العلمي، وخصص الهدف الرابع لإعداد المعلم، في حين كرس الهدف الخامس والأخير لإعداد المتعلمين لمواجهة التحديات.
إغفال غير مبرر
وبوضوح مستند على المنطق العلمي يقول الهبوب :
أتت منظومة الأهداف العامة الكبرى للتربية والتعليم كما أعلنها القانون خالية من أي ذكر صريح أو ضمني لقضايا الوحدة المعنية بترسيخ هذا المنجز العملاق وتجذيره والحفاظ عليه, بل لا نجد أي ذكر حتى لقضايا الوحدة الوطنية التي نجد لها حضوراً في منظومة المبادئ ورصيداً في أهداف المراحل التعليمية، بل ومحتوى دراسياً في المناهج التعليمية, غير أنها مغيبة في الأهداف التربوية الكبرى...فكيف يمكن تبرير ذلك الإغفال لقضايا الوحدة في الأهداف الكبرى للنظام التربوي.
وعلى مستوى أهداف المراحل التعليمية, نجد بعض الإشارات إلى قضايا الوحدة الوطنية. فقد ورد في الفقرة (ب) من المادة (18)”حب الوطن والاعتزاز به وحب الأسرة والمجتمع والاستعداد الكامل لتحمل المسؤولية المترتبة على التلميذ تجاه وطنه وأسرته والمجتمع”. وفي أهداف المرحلة الثانوية ورد في الفقرة (ج) من المادة (21) ما يشير إلى تنمية وعي المتعلم بقضايا شعبه ووطنه اليمن وأمته العربية والإسلامية، وأما المواد المعنية بقضايا الوحدة ضمن أهداف التعليم الفني والتعليم الجامعي والتعليم غير النظامي فقد أغفلت تماما.
غياب التناسب
وبنظرة تحليلية للقانون العام للتربية والتعليم يؤكد الهبوب فيقول:
في القانون الكثير من أوجه الاختلال في تناول هذه القضايا ضمن مكونات التشريع, فقد ورد الكثير من القضايا الوحدوية في منظومة المبادئ في حين خلت منظومة الأهداف ولاسيما الأهداف العامة من أي ذكر لقضايا الوحدة، كما أن ورود هذه القضايا وعلى قلتها واختلال الأوزان في تناولها, قد جاء في مرتبة متأخرة نسبياً لا تليق بهذا الحدث التاريخي ، كما أن مواد القانون المعنية بقضايا الوحدة لا تتواكب مع المنزلة أو المرتبة التي نالتها قضايا الوحدة في الدستور و التي جاءت في قمة سلم أولويات النصوص الدستورية، بالإضافة إلى ذلك فإن التشريع التربوي لم يبرز خصوصية اليمن الموحد بحيث يعكس هذا الحدث في كثير من مواده. فالوحدة اليمنية والتجربة الديمقراطية تعدان من أبرز الأحداث المصيرية التي تعكس الخصوصية والتفرد للدولة اليمنية المعاصرة، ومع ذلك أشار التشريع إلى هذين الحدثين في بعض المواقع وغيبهما في مواقع كثيرة, وعلى نحو لا يعكس خصوصية الجمهورية اليمنية، كما أن هذا التشريع ومنذ صدوره في 1992 لم يطرأ عليه أي تعديل يذكر على الرغم من جسامة التحديات وتعاظم الأحداث التي مرت بها دولة الوحدة.
الافتقار إلى السياسة التربوية
ومن حيث الإجرائية, نجد أن هذا القانون لم يترجم النصوص الدستورية المتعلقة بقضايا الوحدة الوطنية إلى مواد أكثر إجرائية في الجانب التربوي، كما أن القانون لم يترجم إلى لوائح إجرائية وتنظيمية تمهد لتنفيذه في واقع الممارسات، ناهيك عن أن القانون يفتقر إلى السياسة التربوية التي كان من شأنها أن تنقل مضامينه إلى مرحلة أكثر إجرائية ووفق سلم أولويات يتواكب مع سلم أولويات السياسة العامة للدولة ولاسيما في القضايا المعنية بالوحدة الوطنية وتضمن له الاتساق والانسجام مع النصوص الدستورية. كما أن الكثير من استراتيجيات تطوير التعليم في مختلف مراحله وأنواعه تكاد تخلو من أي ذكر لهذا القانون، فهي استراتيجيات تفتقر إلى أي سند مرجعي قانوني، علاوة على ذلك فإن القانون لم ينشر على المستوى التربوي إذ اقتصر نشره على مستوى الجريدة الرسمية, وكان الأحرى أن ينشر بوثيقة ملحق بها لائحة تفسيرية وعلى نحو من الإجرائية, على أن يوزع لكافة العاملين في الميدان، فالكثير من التربويين والمهتمين لا يعلمون بهذا القانون وإذا علموا به, لم يتمكنوا من الاطلاع على مضامينه.
إن هذا التشريع وعلى الرغم من كثرة المآخذ عليه من الناحية التشريعية المنهجية, فإن أبرز نقاط الضعف فيه تمثلت في أنه ظل بعيداً عن التأثير في واقع الممارسات التربوية، ذلك أن هذا التشريع لم تستكمل الإجراءات لتنفيذه حتى الآن, فالقانون لم يفعل منذ صدوره في 1992 باستثناء ما تعلق بالمواد المعنية بدمج المعاهد العلمية بالتعليم العام التي نفذت فعلاً منذ عام 2001, ليظل القانون جامداً على الرغم من ضخامة التحديات التي تواجهها دولة الوحدة ولاسيما على المستوى التعليمي، لذلك ظل النظام التربوي من الناحية القانونية يعاني من فراغ تشريعي وغياب للأطر القانونية الموجهة لمساراته والمحددة لاختياراته.
وثيقة منطلقات للمناهج
في ظل هذا الفراغ المرجعي ظهر ما يعرف بوثيقة المنطلقات العامة للمناهج التي جاءت في فترة حرجة كان القائمون على النظام التربوي خلالها, ولاسيما معدو المناهج التعليمية, يفتقرون إلى الأطر القانونية والموجهات المرجعية الموحدة، ومن هنا مثلت تلك الوثيقة مخرجاً عملياً من تلك الأزمة التشريعية، كما أن الوثيقة شكلت خطوة إجرائية نحو ترجمة بنود القانون إلى مرحلة أكثر إجرائية وملامسة للواقع التربوي, ولاسيما فيما يتعلق بقضايا الوحدة الوطنية, إذ نجدها قد تضمنت عدداً كبيراً نسبياً من القضايا الوحدوية وفي مواقع كثيرة منها, غير أنها وقعت بنفس الهفوات التي وجدناها في القانون, فالوثيقة قد شملت القضايا المتعلقة بترسيخ الوحدة الوطنية, غير أن ذلك الاشتمال لم يأت في منزلته المتقدمة وبالتالي لم تنل أولوية في تراتب مضامين الوثيقة ترتقي إلى منزلة وسمو هذا الحدث, وإنما وردت في مرتبة متأخرة وفي مواقع متناثرة وبلغة ضمنية وغاية في العمومية في كثير من المواقع. وبالتالي فإن هذه الوثيقة وعلى أهميتها في توجيه مسارات القائمين على إعداد المناهج الدراسية, فإنها كررت نفس الهفوات التي سبق التعرض لها عند تحليل القانون .
إعادة صياغة القانون
واختتم الدكتور أحمد الهبوب دراسته القيمة بتقديم عدد من المقترحات الهادفة إلى تمكين النظام التربوي من أداء مهمته في تعزيز الوحدة الوطنية بالقول:
يمكن رصد بعض التوصيات الإجرائية التي يمكن أن تسهم في تفعيل دور البنية التشريعية في توجيه مسارات العملية التربوية نحو الوفاء بمهامها المعنية بترسيخ الوحدة الوطنية, ولعل أهم هذه التوصيات: إعادة النظر في القانون العام للتربية والتعليم رقم (45) لسنة 1992 من حيث: إعادة صياغة القانون بما يجعله يستوعب القضايا الوحدوية على نحو من الأولوية والاتساق مع القاعدة الدستورية والاستهداف الواضح للقضايا الوحدوية ترجمة القانون إلى لوائح إجرائية وإصدار لائحة تفسيرية لمضامينه وبنوده القانونية نشر القانون في كتيب ثم توزيعه على العاملين في الميدان التربوي على اختلاف مستوياته التنفيذية، عقد ندوات وفعاليات توعوية حول التشريع وأهميته في ضبط العملية التربوية عقد ندوات ومؤتمرات وبرامج توعية حول الوحدة الوطنية وتجذيرها، تضمين المقررات والفعاليات الجامعية ولاسيما المتطلبات الجامعية بعض القضايا المعنية بترسيخ الوحدة وضرورة الحفاظ عليها، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في توعية المواطنين بقضايا الوحدة وخطورة التحديات التي تمر بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.