في كل عام وعند اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك يستذكر الناس تلك الطقوس التقليدية الدينية الأصيلة التي طالما حرص الآباء والأجداد عبر تاريخهم الإسلامي الطويل على إحيائها ولو في اشد الظروف قتامة وامتدت فصول هذا التقليد الرائع إلى ما قبل عشرين سنة تقريباً قبل أن تخبو جذوته ويقترب من مرحلة العقم ،حيث كان الناس يعبرون من خلالها عن سعادتهم وفرحتهم الغامرة بالشخص سواء رجل أو امرأة الذي ينوي الحج إلى بيت الله الحرام ويزور قبر النبي المصطفى عليه وعلى آله واصحابه أفضل الصلاة والسلام.. وتبدأ تفاصيل هذه الطقوس قبيل الرحيل إلى مكةالمكرمة بأيام وتستمر حى اثناء أداء فريضة الحج لتظل البهجة حتى عودته راجياً مغفرة من الله ورضوانه. إلا أنه وللأسف الشديد هذا الموروث الثقافي كغيره من التقاليد والعادات الشعبية ونتيجة لسيرورة الزمن وتغير نمط الحياة دخلت لانقول مرحلة الموات الكلي ولكن من باب التفاؤل انها الآن في غيبوبة عقيمة تحتاج إلى مبادرات جادة من جهة الاختصاص ممثلة بوزارتي السياحة والثقافة وأهل الاختصاص في مجال احياء الموروث الشعبي بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني لبعث هذه الطقوس من مرقدها الطويل حتى تستطيع وبأجمل الصور التعبير عن المكانة الرفيعة التي تتربعها الأراضي المقدسة ومكةالمكرمة في قلوب المسلمين وبالدرجة العالية التي يحظى بها الحاج لهذه الأماكن الطاهرة. أوقات عظيمة القاضي أحمد محمد بن عبدالرحمن العنسي عضو جمعية العلما يوضح بالقول: انها أوقات ممتعة وعظيمة كان لها شأنها الذي لايخفى على احد وما أن تنقضي حتى تتحرق شوقاً لمقدم المناسبة في السنة القادمة يشاركنا في ذلك حتى صنعاء السن وربما أن عدم توفر الثورة التكنولوجية الحاصلة اليوم لها تأثير في هذا الترقب لأن التنفيس عن النفس لم يكن إلا في مثل هذه المناسبات فلا تلفزيون ولا سينما ولا قنوات فضائية ولا انترنت إضافة إلى أن الحاج كان مميزاً وملفتاً للأنظار أولاً لقلة عدد السكان وانحصار التجمعات السكانية ومحدوديتها علاوة على أن أوضاع الناس الاقتصادية المادية لم تسمح للأكثرية من المغادرة إلى الأراضي المقدسة لاداء فريضة الحج. وعن سر الاستمتاع في الاحتفائية بالشخص الذي ينوي اداء فريضة الحج وما تتضمنه من تقاليد ومشاهد وعادات تبدأ قبل رحيل الحاج بثلاثة أيام ،حيث يؤم بيته النساء والرجال في أوقات منفصلة النساء في ساعات الصباح وحتى الظهيرة والرجال في المقيل فيما بعد هذه الفترة وفي الشوارع يفرح الأطفال ويمرحون حسب طريقتهم ببعض المقاطع الشعرية الخفيفة التي تتمنى للحاج التوفيق ونيل الأجر والعودة سالماً إلى أهله وجيرانه .. كما يخصص شخص للتسبيح من على سطح منزل الحاج طوال الليل السابق ليوم الرحيل ،كما يعقد الرجال والنساء جلسات منفصلة يرددون خلالها الأناشيد المعبرة عن عظمة المناسبة والمكانة الرفيعة للحاج والدعاء له وعلى الحاج أن يولم بوجبة العشاء والفطور للجيران التي تطعم عادة بالأطفال ومن كلمات مايسمى حجاج المدرهة والتي تخللها سجال قد يطول أو يقصر.. كما أن الأطفال من الجنسين يقلدون الكبار بتلك المساجلة ولكن بطريقتهم الخاصة واغلبها عبر اللعب بالارجوحة وقد تستمر مثل هذه الفصول على مراحل متقطعة حتى عودة الحاج سليماً معافى ومعه الهدايا ،الخواتم والسبحات والسجاجيد والكوافي. ومن هذه الكلمات: وأنا طلعت المدرهة وفي حفاظ رحماني وفي حفاظ واحد كريم حاشى أن ينساني وابي عزم مكة يحج وسامح الجيراني وأوصى بما يملك معه الله يوديه ثاني ولو لاحظتم أن الحاج كان يقصد الجيران والمعاريف وطلب المسامحة منهم عن أي ذنب قد يكون اقترفه ويقوم بكتابة الوصية على يد أحد العدول الشرعيين لأن الأرواح بيد الله. وكم كانت الصورة بهية ومجاميع من الناس يحفون الحاج حتى يقلوه على السيارة المتجهة صوب مكةالمكرمة يتقدمهم صاحب صوت جميل يدندن بكلمات التسبيح والدعاء والذي يسمع من مسافة ليست بالقصيرة إذا لم يتوفر فمن خلال شريط كاسيت.. وأخيراً اتمنى أن تعود الروح لهذه العادة الحميدة حتى نتمكن من الحفاظ على موروثنا الثقافي. أين مهرجان أسعد الكامل أما عبدالله صلاح الكوماني- نائب مدير عام مكتب الثقافة بمحافظة ذمار فيؤكد : أن اليمن من البلدان التي لها رصيد حضاري إنساني ضارب في القدم ولذلك لانستغرب أن يتميز بموروث شعبي وثقافي غاية في الروعة والجمال والمتنوع في الغايات والمجالات، وللأسف الشديد معظم هذا الموروث طاله الاهمال نتيجة تغير الظروف الحياتية مما ينذر بالاندثار كما هو معروف أن البلدان العالمية بما فيها المتطورة تولي موروثها وتقاليدها القديمة اهتماماً خاصاً فلماذا لانقتدي بمثل هذه البلدان ونسعى إلى الحفاظ على ذلك التراث الفني قبل أن يمحى من الذاكرة الجميلة وفي مقدمة هذا الموروث مايسمى بمدرهة الحجاج ، وقد كان اداؤها مقدساً لارتباطها الوثيق بشعيرة دينية وركن من أركان الإسلام وهو الحج. وفي العام 7002م في نهاية شهر يوليو انطلقت فعاليات مهرجان اسعد الكامل الأول وقد حظي باهتمام إعلامي كبير وقد شكل نقطة مهمة في سبيل احياء الموروث وقد تضمن برنامج الافتتاح الذي حضره دولة الدكتور علي محمد مجور رئيس مجلس الوزراء مقطعاً من مشاهد المدرهة الحجاجية التي لم تغفل ارتداء الممثلين رؤوس الحيوانات الماشية ثور أو ماعز وتغطية أجسامهم بجلدها وكانت تحتوي على حركات وحوار يدعو إلى الضحك ويبعث المرح في نفوس المشاهدين ويزداد الحدث اكتمالاً بوجود رجل متنكر في زي امرأة بالزي الشعبي ويعمد من كان موجوداً إلى العبث البريء والطفولي معها.. انها لحظات جميلة وقد ادركناها. لكن هذا المهرجان الذي عول عليه الكثير في احياء التراث التقليدي لم تقم له قائمة بسبب بعض الاخطاء والمشاحنات التي حدثت بين القائمين عليه وماتخلل ذلك كما اشيع من فساد مالي كبير وقد تكون هذه أمور مبالغ فيها وأنا أؤكد هنا أننا إذا اردنا انعاش هذا الموروث وما شاكله فما علينا إلا الاهتمام بإقامة مثل هذه المهرجانات السياحية وليس صعباً تجاوز الاخطاء والاستفادة من عوامل النجاح وتعزيزها. الأرجوحة والأطفال الأخ علي بن علي التعزي مثقف وكاتب يقول: كم تهفو النفس لتلك الأزقة والاحياء التي كانت تتزيا بهذا التقليد الأصيل الذي يدل على روح التكافل الإسلامي في ابهى معانيه ونحن على استعداد لمد أيدينا والتفاعل مع أي مبادرة لاحياء هذه الظاهرة وغيرها مما له صلة بثقافتنا وهويتنا العظيمة ،حين كنا اطفالاً كم ترقبنا اقامة الارجوحات في احواش الحجاج وجيرانهم إذا لم تكن هناك مساحة والتي كانت تكتظ بالأطفال بنات وأولاداًً.. ونتناول بشكل منظم الارجوحة والتي يصعدها إما ولدان أو بنتان متقابلان واحدهم يتطوع بدفع الارجوحة وأجمل مافيها ترديد كلمات شعرية واناشيد تؤدى بصوت جماعي وبلحن خاص في جو في من المرح والفرح أذكر منها: بدعت بش يالفاتحة ذي أولش اسامي وآخرش شن المطر ذي دحدح الودياني ياسائق البوق يا أمير أمانتك امانة أمانتك في حجنا لايحمل المهانة امانتك شل السلام لحجنا واصحابه امانتك في وصلته تذكره باولاده قد اوحشتنا فرقته وفقدته لعياله وياحمامة عرفيه كوني حومي وحومي وعرفي لي جزعته هي جزعته حمامي