لا أدري مدى صحة الادعاء بأن الرواية والقصة القصيرة وكذلك المسرح، فنون إبداعية أخذها العرب عن الغرب، ففي كتب التاريخ العربية القديمة، صفحات كثيرة يمكن أن تعد رواية، وإن ليس بالمفهوم المعاصر للرواية، إلا بقدر مافيها من نفس طويل في القص والشخصيات المتعددة والأحداث المتنوعة، كما أن كتباً مثل «ألف ليلة وليلة» و«كليلة ودمنة» و«مقامات الهمداني والحريري» لدليل على توفر النزعة القصصية عند العرب، ومن قبلها أحسن القصص في القرآن الكريم الذي لامس نزعة الشغف بالقصص عند العرب من شغفهم قبلاً بالأخبار والروايات التي ينقلها الركبان والرحل، والقصص في الشعر الجاهلي والأموي والعباسي له حيز واسع، نجده عند المنخل اليشكري وامرئ القيس وبعض شعراء الصعاليك، والحطيئة، والمجنون وعمر بن ابي ربيعة ثم نجده عند عدد غير قليل من الشعراء العباسيين، واستمرت القصة تكتب بقالب شعري، ثم استقلت بتطور النثر كالمقامات والبخلاء للجاحظ وكتب الأخبار وتدوين التاريخ وكتب الأدب، فاستقلت عند كونها وصفاً وحواراً في قالب شعري، وفي رواية «حي بن يقظان» لابن طفيل دليل على النزعة القصصية لدى العرب، وهي ليست دليلاً على عدم وجود مقدرة التخيل عند العرب لأنها وصفت أحداثاً وقعت بالفعل، ففي القصص الشعري والمقامات وغيرها لدليل على وجود المقدرة التخيلية المبدعة لدى العرب، وفي كتاب رائع لم يقرأه سوى نفر قليل لأنه لم يطبع بعد رغم أهميته، أستطيع أن أعطيه عنوان «النزعات المسرحية في الأدب اليمني قديماً وحديثاً» لمؤلفه الفنان الراحل أحمد الريدي رحمة الله عليه في هذا الكتاب جهد كبير بذل للبحث والكشف عن الشعر والنثر الذي كتب بصيغة مسرحية «قال وقلت» من قبل شعراء وأدباء يمنيين. وبمطلع القرن الماضي بدأ استقلال القصة والرواية العربية بتأثير من الأدب الفرنسي والروسي، لكنه لم يكن تأثراً مقلداً بل استمراراً للنزعة القصصية المتوارثة، ولكن الملاحظ استقلال الشاعر عن القاص والروائي فكثير من الشعراء كتبوا القصة والمسرحية في قالب شعري كأحمد شوقي، ولم يكتبوا قصة أو رواية كفن خاص ولون إبداعي مستقل، في حين لم تظهر ظاهرة القاص أو الروائي الذي يكتب الشعر، وفي عدن مؤخراً انتشرت ظاهرة القصاصين الشعراء والشعراء القاصين، وهذا اتجاه جميل ورائع لكنه بحاجة إلى دراسة شاملة وهذا ما اقترحته على قيادة منتدى «الباهيصمي» لتنظيم فعالية حول هذا الموضوع، خصوصاً وأن المنتدى أبدي منذ فترة اهتماماً بهذه الظاهرة ضمن اهتماماته الكبيرة بكافة المبدعين الكبار والمجهولين انطلاقاً من اهتمامه بكافة ألوان الأدب والفن وهموم ومعاناة المبدعين كافة، من خلال الاحتفاء بأحدهم في كل يوم خميس من كل أسبوع، ورفع مشاكل ومعاناة المبدعين للجهات الرسمية ذات العلاقة وغير ذات العلاقة في تواصل دائم مع كل الأطراف، وهي جهود يمثل أداؤها بوفاء المنتدى ممثلاً برئيسه الشاعر محمد سالم الباهيصمي، وفي هذا الاتجاه نظم المنتدى عصر الخميس الماضي 2009/11/12م فعالية احتفائية بالشاعر الغنائي المعروف خالد قائد لاعتباره شاعراَ غنائياً متميزاً له الكثير من الأغاني الموثقة في قناة «يمانية» لحنها وغناها عدد من الفنانين المعروفين مثل فضل كريدي وفاروق عبدالقادر وسعد مانع، ولكن باعتباره قاصاً نشر عدداً قليلاً من قصصه في بعض الصحف المحلية، ليكشف المنتدى عن هذا الوجه الآخر للزميل خالد قائد الباحث في علم الاجتماع والمهتم بعلم النفس. الندوة حضرها عدد غير قليل من المبدعين والمهتمين من بينهم الزملاء عمر مكرم، الطيب فضل عقلان، أحمد سعد عبدالله الصنح، كابتن عوضين، منصور اغبري، رياض بن شامخ، فضل كريدي، أنيس درهم وغيرهم. والفعالية أدارها باقتدار الزميل أحمد السعيد وفي البداية قرأ خالد قائد قصتين هما «أبن الفيل» و«نصف زوجة» وتحدث عدد من الحضور عن سعادتهم بالقاص خالد قائد صالح، ووجه له البعض عدداًَ من الملاحظات خصوصاً على قصة «أبن الفيل» التي تغلب فيها قلم الباحث الاجتماعي على قلم القاص، بالإضافة إلى الكلام الجميل للكابتن عوضين، نبه الطيب فضل عقلان بمنتهى الحب والحرص الزميل خالد إلى أهمية القراءة في القصة القصيرة ونقدها والدراسات التي تكتب عنها باعتبارها فناً أدبياً مستقلاً له خصائصه وشروط اتقانه، ويبدو أن الزميل عمر مكرم قد قرأ لخالد قائد أكثر من قصة غير تلك المنشورة فقد حفز القاص خالد قائد على نشر كل مايكتب ليستفيد من النقد وليسعد بالثناء. ونوه الفنان منصور أغبري إلى التشتت في قصة «أبن الفيل» باعتبار القصة القصيرة أكثر تكثيفاً لحدث معين ولأقل عدد ممكن من الشخوص، تومئ ولا تشرح وتومض ولا تسرف في الابانة، إلا أنني أرى في تشتت «أبن الفيل» روائياً يولد، كما رأيت في قصة «نصف زوجة» قاصاً متميزاً قد ولد فعلاً، وما على خالد قائد إلا أن يستمر في تصوير الواقع الذي يعيشه، وأن يغوص أكثر في واقع فئة «المهمشين». ففي مجتمعهم ألف قصة قصيرة ومائة رواية بشرط أن يرمي بقلم الباحث الاجتماعي وهو يكتب قصة قصيرة، وأن يحدد بدقة قبل أن يشرع في الكتابة إن كان الموضوع يصلح أن يكون للقصة القصيرة أو للرواية، وأن لا يبدأ بكتابة الفكرة إلا بعد أن تتحول في عمق تفكيره إلى قصة قصيرة، بدلاً من إضافة كلمة «حكاية» إلى العنوان، فالحكاية لها مميزات خاصة تمنعها من الاختلاط بالقصة القصيرة أو بالرواية، وله مني كل احترام وتقدير، وهنيئاً له هذا الظهور الإبداعي الجديد بعد أن عرفناه شاعراً غنائياً متميزاً. الجدير بالذكر أن منتدى «الباهيصمي» الثقافي بمديرية المنصورةبعدن واحد من أبرز المنتديات الثقافية البارزة بعدن من حيث انتظام فعالياته الأسبوعية والاحتفاء بمبدع في كل فعالية في مختلف فروع الإبداع، أدب، فن، مسرح، فن تشكيلي، رياضة، إعلام، وشخصيات اجتماعية ووطنية، بالإضافة إلى الحضور النوعي الذي يرتاد المنتدى، وكذا توثيق الفعاليات بالصوت والصورة.