شهد التعليم العالي في بلادنا تطوراً كمياً لابأس به في عدد من الجامعات والكليات وفقاً لتزايد الطلب المجتمعي على التعليم إلا أن العديد من الجامعات اليمنية حكومية كانت أو خاصة، تشترك في خاصية واحدة و هي الاستنساخ من الجامعة الأم «جامعة صنعاء» وبنسخ رديئة أيضاً حسب رأي العديد من الاختصاصيين،مما زاد من تخلفها كحال العديد من الجامعات في منطقتنا العربية،الأمر الذي ضاعف أعداد البطالة في أوساط الخريجين من مختلف تلك الجامعات بكلياتها وأقسامها المختلفة والتي استمرت بذلك الجمود والتحجر لسنوات طويلة وبمناهج وملازم عفا عليها الزمن. الجمهورية ناقشت هذه القضية مع عدد من الأكاديميين في الجامعات اليمنية: الدكتور عبدالعزيز بن حبتور رئيس جامعة عدن قال: لاشك أن تخلف جامعاتنا هو نتيجة للعديد من التحديات التي تواجه الجامعات اليمنية والعربية بشكل عام، والتي تتمثل في عدم تناسق المخرجات مع الاحتياج المتنامي سوق العمل، وقال: هذا الاختلال بالتأكيد يعود إلى عدم المواءمة بين المناهج وبين المخرجات الجامعية وبين التطور الذي يفترض أن يحدث بشكل مستمر في إعداد تلك المناهج والمقررات وارتباطها بالتطور في مستوى التعليم والمخرجات في سوق العمل. مؤكداً أن المناهج هي الأساس في هذا الجانب إلى جانب وجود الأستاذ المؤهل تأهيلاً جيداً والذي بدوره يستطيع إيصال المعلومة بكل سلاسة إلى ذهن الطالب. محدودية الإمكانيات وأضاف الدكتور بن حبتور: كل ذلك إلى جانب عدم القدرة على مواصلة التطوير، والإمكانيات المتاحة ليست بمستوى الاحتياج الحقيقي، كما أن مستوى الجامعات في بلادنا لاشك تعكس المستوى الذي وصل إليه المجتمع اليمني. انتشار الأمية والفقر والمجتمع اليمني للأسف يعاني من مشكلات تتعلق بالأمية وانتشار الفقر وهي لاشك عوامل تؤدي إلى زيادة التخلف، وتحد من انطلاق وتطور المؤسسات العلمية البحثية في المجتمعات واليمن والعالم العربي بشكل عام يعاني من هذه المعضلة. ضعف المدخلات الجامعية ويقول الدكتور عبدالعزيز بن حبتور: أيضاً المدخلات الجامعية تعاني من ضعف كبير والأسرة الأمية التي يتخرج منها طلاب تؤثر على مستوى ثقافتها ومستوى تعليمها، وهؤلاء الطلاب هم المادة الخام التي على الجامعات اليمنية أن تعيد تأهيلها خلال أربع سنوات فقط لتتواءم مع احتياجات ومتطلبات سوق العمل. ويقول الدكتور أحمد الحضراني رئيس جامعة ذمار :إن الجامعات اليمنية لاتختلف كثيراً عن الجامعات العربية، لأنها بشكل عام متقاربة في المستوى وجميعها تعاني من التخلف، باستثناء بعض الجامعات الخليجية وتحديداً في دولة الامارات العربية المتحدة التي ربطت مناهجها بجامعات عالمية معروفة. وقال الدكتور الحضراني: وفي أشهر أحدث استبيان عن أفضل «500» جامعة على مستوى العالم، لم يتم اختيار أي جامعة عربية، واحتجت جامعة القاهرة على أساس أنها الجامعة الأقدم في العالم العربي وهي الجامعة التي تخرج منها ثلاثة ممن نالوا شرف جائزة نوبل العالمية، بعد ذلك الاحتجاج تم اختيار جامعة القاهرة في أدنى سلم ترتيب أفضل «500» جامعة على مستوى العالم. ويشير الدكتور الحضراني إلى أن أسباب هذا التخلف في وجهة نظره هو ضعف الميزانية التي تقدم للجامعات اليمنية أو الجامعات العربية بشكل عام إذا ما تم مقارنة ذلك بميزانيات الجامعات في الدول المتقدمة علمياً. كما أن أغلب الجامعات في الدول المتقدمة أصبحت اليوم تعتمد على تمويل مستقل غير تمويل الدولة وهذا لايوجد في أي جامعة عربية، لأن الجامعات الحكومية في الدول العربية تعتمد اعتماداً كلياً على الدعم الحكومي. كذلك تزايد عدد الطلاب في الجامعات العربية أثر بشكل كبير على التحصيل العلمي خاصة في ظل محدودية الإمكانات كل ذلك إلى جانب عدم اهتمام القطاع الخاص بدعم التعليم العالي، هناك فجوة كبيرة بين الجامعات اليمنية والقطاع الخاص ويقول: نحن في جامعة ذمار على سبيل المثال لم نجد أي استجابة من القطاع الخاص لدعم بعض الأقسام النوعية أو التخصصات التي يحتاج إليها سوق العمل، رغم أن القطاع الخاص أبرز المستفيدين من هذه المخرجات، عكس القطاع الخاص في أوروبا تماماً والذي يساهم بشكل كبير وفاعل في دعم الجامعات سواء كانت حكومية أو خاصة، حيث يتم بذل مبالغ خيالية كتبرعات للجامعات، لأنهم يعلمون ويقدرون قيمة العلم وماهي الجامعات وما دورها في حل الإشكالات التي يعاني منها المجتمع.. مضيفاً :إن مكتبة هارفور العالمية تم إنشاؤها من قبل رجل أعمال أمريكي وتم تجديدها من قبل رجل أعمال امريكي أيضاً وبمبلغ كبير جداً يزيد على مائة مليون دولار، لكن للأسف القطاع الخاص في بلادنا لا يفكر بطريقة وطنية أو علمية رغم أنه المستفيد الأول من دعم الجامعات اليمنية ومساعدتها في معرفة احتياجاته من العمالة الماهرة. نسخ مكررة الدكتور عبداللطيف حيدر مستشار الاعتماد الأكاديمي وأنظمة الجودة بوزارة التعليم العالي قال: للأسف الجامعات اليمنية حتى الآن مازالت مهتمة بالتدريس أكثر من أي شيء آخر، والأكثر أسفاً أنها في مجملها نسخ مكررة من بعضها البعض، وبرامجها الأكاديمية قديمة، وإذا استمرت الجامعات اليمنية في إعداد الكوادر ستتحول إلى مدارس والشيء المؤسف له حقاً أنه حتى إعداد الكوادر لا يتم بالشكل المطلوب، كوادر لا يحتاج إليها سوق العمل اليوم خاصة أن المخرجات الجامعية كبيرة جداً وليست نوعية لهذا يجب إعداد الكوادر بشكل نوعي وفقاً لأسس علمية صحيحة. جامعات نظرية أما الدكتور أمين النبوي أستاذ بكلية التربية بجامعة عين شمس بجمهورية مصر الشقيقة يرى أن من أهم أسباب تخلف الجامعات العربية بشكل عام هو أنها مازالت جامعات نظرية وبعيدة تماماً عن التطبيقات العلمية، كما أن نظام الامتحانات عن طريق القلم والورقة هو من أسباب هذا التخلف، لأن هذا الأسلوب لا يصنع طالباً جديداً، بالإضافة إلى المعاناة التي يعيشها أعضاء هيئة التدريس بسبب تدني الأجور، وعدم وجود عملية البحث العلمي.. بالإضافة إلى عدم مشاركة الطلاب في تطوير جامعاتهم وعدم تطوير المناهج وأساليب التدريس، وكذلك عدم توفر الإمكانيات لتطوير العملية التعليمية، وعدم أو غياب التعاون بين الجامعات، وهي جامعات مستنسخة من بعضها البعض وتحاول أن تنافس بعضها البعض وليس الجامعات العالمية مما زاد من تخلفها، لأن التنافس الموجود ليس على جودة، وإنما على نظم تقليدية متبعه في مختلف الجامعات العربية. الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء يرى من جانبه أن تزايد عدد الجامعات الحكومية والمعاهد والكليات من الأمور الملموسة والواضحة وهو يعكس استجابة مواقع المجتمع الذي تتزايد فيه أعداد الراغبين في الالتحاق بالتعليم الجامعي إضافة إلى أن مخرجات التعليم الثانوي تتزايد عاماً بعد عام، الأمر الذي يخلق تحدياً كبيراً لدى الحكومة بضرورة استيعاب أكبر عدد من هذه المخرجات ضمن التعليم الجامعي الحكومي، ولكن لا يجب اعتماد هذه الصورة ذات الإيحاء الإيجابي ونبني عليها احكاماً تؤكد تطور وتقدم التعليم الجامعي في اليمن.. فهذا مجافٍ للصواب، ذلك أن التوسع الكمي في عدد الجامعات والكليات والمعاهد ليس دليلاً بحد ذاته على التطور الإيجابي للتعليم العالي في اليمن، ذلك أن التطور يتطلب معايير نوعية لا كمية. شيوع التماثل والتكرار ويقول الدكتور الصلاحي: ومن المآخذ على التعليم الجامعي هو شيوع التماثل والتكرار المفرط لبعض الأقسام دون تطور ملموس في المقررات التعليمية أو مفرداتها.. وقال اعتماد التكرار في الشكل لا يساعد في بناء مجتمع المعرفة، ويضعف دور الجامعة في التنمية علاوة على التأثير السلبي على الطلاب، وهنا لا نقف موقفاً معارضاً لتكرار الأقسام في مختلف الجامعات بل لا بد من إعمال روح التغيير والتحديث في منظومة العملية التعليمية الخاصة بكل قسم، وما تكشف عنه إحصاءات مجلس التخطيط الأعلى للتعليم عن تكرار في الأقسام العلمية التالية: قرآن وعلومه، دراسات إسلامية، هذان القسمان وبتسميات متعددة يتكرر «48» مرة في حين لا يوجد في كل الجامعات الحكومية والخاصة في بلادنا سوى «6» أقسام فقط للفلسفة، «4» أقسام لعلم الاجتماع، «2» لعلم الاقتصاد، وقسم واحد للإعلام، و«4» أقسام لرياض الأطفال رغم أهمية هذا التخصص في كليات التربية.. ويضيف الدكتور الصلاحي قائلاً: مجمل القول إن تكرار أقسام الدراسات الإسلامية قد يكون مهماً ومفيداً إذا تم إدخال جملة من المتغيرات تستهدف دمج مواد دراسية واستحداث أخرى جديدة إضافة إلى استحداث مقررات خاصة بالحاسوب واللغات الأجنبية والأكثر أهمية إدخال مواد دراسية في قسمي الفلسفة وعلم الاجتماع إلى مصاف المقررات الدراسية في أقسام الدراسات الإسلامية الخروج من عنق الزجاجة وللخروج من عنق الزجاجة والسير في طريق تقدم وتطور الجامعات اليمنية يرى الدكتور عبدالعزيز بن حبتور بأن ذلك ممكن جداً وذلك من خلال تقديم المزيد من الحرية الأكاديمية وتقديم المزيد من الدعم لهذه المؤسسات وإعطائها فضاءات حقيقية من الناحية العلمية والاجتماعية وذلك سيمكنها أن تخطو خطوات جيدة على طريق التطور تتناسب مع الحجم الذي تمثله هذه المؤسسات العلمية، وقال كما يجب على الجامعات اليمنية أن تتصدى للقضايا وللإشكاليات التي يعاني منها المجتمع، حيث من الملاحظ أنها لاتتصدى لهذه القضايا بشكل مباشر كي لاتتهم بأنها دخلت في أحابيل السياسة، وأنا بالتأكيد ليس مع هذا الرأي، لأنه يفترض أن يكون للجامعات رأي واضح تجاه القضايا المصيرية للأمة، وأن تكون فعلاً منارة مشتعلة ومضيئة كي تنير الطريق للكثيرين الذين فقدوا بوصلة العمل والتطور والحياة سواءً في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو غير ذلك. تطوير المناهج وإلغاء بعض الأقسام وأضاف الدكتور بن حبتور قائلاً: كما يجب تقييم وتطوير المناهج الدراسية باستمرار لتواكب وتتلاءم مع متطلبات واحتياجات سوق العمل، وكذلك وقف القيد والتسجيل في بعض الاختصاصات التي لم يعد سوق العمل محتاجاً إليها كبعض الاختصاصات الأدبية والنظرية، والاهتمام بإنشاء ودعم التخصصات الجديدة كالاقتصاد السياحي والاقتصاد المالي والضرائب حيث تعد هذه التخصصات جاذبة للعديد من الطلاب، وتتلاءم مع مايتطلبه سوق العمل المحلي والاقليمي من تخصصات جديدة. عمل استثمارات للجامعات الدكتور أحمد الحضراني يؤكد أن المشكلة الموجودة هو بسبب شحة الإمكانيات لدى الجامعات ويقول: أرى أن الحل الأمثل لمعالجة هذه الإشكالية هو أن تبدأ الجامعات اليمنية في عمل استثمارات جامعية داخل هذه الجامعات للحصول على مبالغ مستقلة تستطيع من خلالها أن تطور نفسها وتحسن كادرها وتطور مستوى مخرجاتها ويقول الدكتور الحضراني: أنا شخصياً زرت العديد من الجامعات في أمريكا وأوروبا ووجدت أن معظم هذه الجامعات لديها استثمارات كبيرة، تحصل من خلالها على مبالغ ثابتة لتطوير أدائها إلى جانب الدعم الحكومي مثلاً. استيعاب المخرجات المتميزة فقط وأضاف قائلاً: كما أن الجامعات اليمنية تعاني من الازدحام الشديد في مختلف كلياتها، لذلك يجب الإسراع في بناء المعاهد الفنية والمهنية وكليات المجتمع لكي تستوعب مخرجات الثانوية، ويقتصر دخول الجامعات على المخرجات المتميزة من التعليم الثانوي، ليكون لدينا في المقابل مخرجات جامعية نوعية. الاعتماد وأنظمة الجودة أولاً ويتفق الدكتور عبداللطيف حيدر مع زملائه في كل ماسبق ويؤكد أهمية مراجعة البرامج والمناهج الجامعية من خلال الاعتماد الاكاديمي وأنظمة الجودة في التعليم العالي وهو الأمر الذي سوف يساعد الجامعات كثيراً على بناء آلية للتطور والتجديد المستمر لتطوير برامجها ومناهجها التي عفا عليها الزمن وأن تركز الجامعات جهودها في عملية البحث العلمي الذي سينعكس إيجابياً على تطور ورقي المجتمع.. كذلك يؤكد الدكتور أمين النبوي بأن الاعتماد الأكاديمي هو المدخل الرئيسي لتطوير الجامعات وذلك بتنفيذ هذا الاعتماد بطرق علمية صحيحة دون تدخل حكومي أو حزبي وإنما أكاديمي ويقول: معظم المنظمات المسئولة عن الاعتماد الأكاديمي في العالم هي منظمات غير حكومية، وبالتالي تشجيع إنشاء مثل هذه المنظمات غير الحكومية وبمعايير علمية عالمية متوائمة مع بيئتنا العربية ستعمل لنا نقلة نوعية كبيرة في تطور هذه الجامعات. استراتيجية واضحة للتعليم العالي الدكتور فؤاد الصلاحي في سياق حديثه يؤكد أن جامعاتنا لا تنتج علماً خاصاً بها بسبب عدم وضوح الرؤية وغياب سياسات واضحة تحكم العملية التعليمية فالجامعات تدار وفقاً لمنطق السياسة بأفقها البراجماتي وليس وفقاً لسياسة التعليم بأفقها الاستراتيجي، وهنا جاء التوسع الكمي في عدد الجامعات وعدد الطلاب على حساب جودة التعليم ونوعيته..ويقول الدكتور الصلاحي: بشكل عام يمكن القول إن ولوج اليمن إلى مجتمع المعرفة رهين بتطور نوعي في المؤسسات التعليمية، وهو الأمر الذي يتطلب رؤية استراتيجية تجعل من التعليم هدفاً قومياً، لايجوز التلاعب بمدخلاته ولا بنظامه، من خلال اعتماد الكفاءات العلمية في تعيين القيادات الإدارية.. ويشير الدكتور فؤاد الصلاحي: إلى بعض الخطوات الإيجابية لإصلاح الجامعات وإعادة الاعتبار إليها ومنها إعادة هيكلة الجامعات وإبراز رسالتها تجاه المجتمع وإعادة النظر في بعض المقررات الدراسية واستحداث أساليب تكنولوجية جديدة في التدريس وإعادة انتخاب عمداء الكليات ورؤساء الاقسام وتفعيل دور النقابات الجامعية وتفعيل وإبراز الطالب في إطار نشاطاته العلمية والثقافية والعمل على عدم تسييس الجامعات ومنع التدخلات من خارج الجامعة وإعادة النظر في سياسات التعليم العالي من خلال إشراك جميع أعضاء هيئات التدريس في حوار علمي لخلق رؤية استراتيجية علمية للتعليم العالي وكذلك إعادة النظر في مراعاة شروط تأسيس الجامعات الخاصة، وإعادة الاعتبار للأنظمة واللوائح الإدارية الأكاديمية الجامعية وأيضاً إعادة الاعتبار للاقسام العلمية، والعمل على تأكيد دور وزارة التعليم العالي الاشرافي والرقابي والتوجيهي بحيث لاتبقى متفرجة على تجاوزات المؤسسات الجامعية كما هو سائد في الجامعات الخاصة، واعتماد خطة سريعة لمعالجة القصور في البنية التحتية وتجهيزاتها اللازمة، والنظر إلى التعليم بكل مؤسساته من منظور الرسالة والغاية الوطنية والاستراتيجية التي تحقق من خلالها مشروعية الدولة ووصياتها نحو المسألة الاجتماعية، وهنا لايجوز النظر إلى التعليم من باب الربح وآليات العرض والطلب.