لاشيْ يبدأ الآن عنده ,سوى ذلك الشيء الذي لا يدري كنهه المسكون في المجهول القادم إليه, والمتوجس منه قبل أن يعرفه, فيما مضى في زمنه,المتداخل في ذاكرته...التي ما عادت تعطي لصورتها ملامحها الأولى, والتي كانت تعطيه بعض العزاء لحياته الفارغة, بعد أن فقدها, ذات صباحٍ دامٍ..مازالت رائحته وحدها القابعة في قاع مخيلته المشبعة بمشهد انسحاق جسدها الطري...الذي اختلط بالإسفلت و تطاير رذاذ دمها القاني حين شهد نهايتها. مازالت قطرات الدم طرية ,رطبة, باردة, على أجزاء من ملابسه حين كان عابر الشارع مخاللاً لها ...نشج وتنهد: آه يا سعيدة.. آه يا سعيدة..ردد ذلك مراراً, وراح يتنهد ويبكي بتشنج, وهو واقف على رصيف الشارع, نفس الشارع, وأمام نفس المساحة التي دُهست فيها سعيدة, فقرر حليس الأول أن يرمي بنفسه أمام عربة كانت قادمة,وبلا تردد قفز,ولكن إلى تحت السرير الذي كان نائماً عليه.