كان ذلك اليوم عيد ميلاده و كانت هي تحلّق كفراشة لتهيّئ له أجمل بستان لسعادته في هذا اليوم المميّز و هي التي اغتسلت بنور عينيه فما عاد من هواء ينعشها غير هوائه و لا من فضاء تحلّق فيه غير فضائه. كم من مرة أرادت أن تختار له هدية و هو هديتها الجميلة في هذه الحياة ، كل المحلات بدت لها شاحبة لا ترقى أشياؤها إلى روعته وبهائه ، تاهت نظراتها بين المعروضات في أرقى محل في المدينة ، هل يعقل ألا تعثر على ضالّتها هنا ؟ اقتربت منها إحدى الفتيات المكلّفات بالبيع و هي تعرض عليها ساعة فاخرة مميّزة بل كانت تحفة ، همست في أذنها: - هذه أجمل هدية لمن ملك القلب ، لكن هل تقدرين على الثمن؟ أصابتها الدهشة و سرعان ما تحوّلت إلى فرحة و لا تدري لما قبّلتها وهي تقول لها : - شكرا لك سأدفع ثمنها و لو كان عمري. دفعت ثمن الهدية و نزلت مسرعة إلى بائع الحلويات لتدفع ثمن كعكة رائعة لذيذة حملتها و عادت إلى البيت مسرعة لتكمل باقي الاستعدادات . عقارب الساعة كانت تلدغها و هي منهمكة في تحضير تلك التفاصيل الدقيقة ، لكن يجب أن تهتف له و تذكّره بأن لا يتأخر فهي تنتظره على أحرّ من الجمر، وجاءها صوته كتغريد بلبل: - لن أتأخرّ عليك حبيبتي. و حلّقت مع كلمة حبيبتي و راحت تشعل الشموع و قد لبست أجمل فساتينها و تزيّنت كما الأميرات في قصص الأطفال ، بل كانت سندريلا قبل أن تدق الساعة منتصف الليل. لم تدق الساعة و إنّما رنّ الهاتف ليأتيها صوته مرّة أخرى ، ردّت بلهفة: - لماذا تأخّرت أنا في انتظارك ، الشموع ستذوب؟ هذه المرّة صوته أجلسها أرضا و قد تهاوت كثلج تخلّص منه جبل شامخ . وهو يقول لها: - أنا آسف حبيبتي نسيت بأنّ يوم عيد ميلادي هو نفسه يوم عيد ميلاد ابني حسام ، لا أستطيع مغادرة البيت ، يجب أن أحتفل مع أمّ الأولاد و الأولاد بحسام، آلو ، آلو ، آلو.. و كانت فقدت لسانها أو أنّه ذاب مع آخر شمعة لتظلّ عيناها ملتصقتين بالهاتف الملقى على أرضية الغرفة التي أصبحت باردة . تذكّرت لحظتها صديقتها يوم أحبته بجنون و قرّرت الزواج منه ، قالت لها بأنّه رجل متزوج و له أطفال و بعد الزواج ستكتشف أنّ ما يربطها به هو فتات حبّ. - فهل تقبلين فتات الحبّ؟ كانت الشموع ذابت لتتحوّل إلى فتات امرأة على مائدة الانتظار.