في الوقت الذي تعتبر فيه بلادنا من الدول الأكثر إنفاقاً على التعليم إلا أن التعليم في اليمن ما زال يعاني العديد من الاختلالات أهمها عدم قدرته على الاحتفاظ بالطلاب الملتحقين حتى الانتهاء من المرحلة الأساسية، حيث يترك العديد من الطلاب الصف الدراسي قبل اكتساب المهارات الأساسية المطلوب اكتسابها. ولأهمية هذه القضية نظم مركز منارات الخميس الماضي حلقة نقاشية لعرض دراسة واقع التسرب من التعليم الأساسي في أمانة العاصمة والتي أعدها الدكتور إبراهيم الحوثي والدكتور محمد عبدالرب بشر، حيث ذكرت الدراسة أن متوسط معدلات التسرب من الصفوف(1 9)وصلت إلى (9,3%)حسب تقرير الانجاز السنوي لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتعليم الأساسي لعام 2007م وذكرت الدراسة أن الإحصاءات تشير إلى أن متوسط معدلات التسرب في المرحلة الأساسية بأمانة العاصمة وصل الإجمالي إلى (0,57%) (0,80%)للذكور (0,31%) للإناث وقالت بأن هذا ربما يعود إلى الإحلال في عملية التسجيل بشكل عام حيث من يتسرب يتم تسجيل غيره من خارج المجتمع الدراسي لأمانة العاصمة كون الأمانة منطقة جذب لسكان جدد ،ومع ذلك فان تفحص التسرب على مستوى الصفوف الدراسية يتبين أن متوسط معدلات التسرب في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي (1 6)غيرها في الحلقة الثانية في الصفوف (7 9).فمتوسط معدلات التسرب في الحلقة الثانية وصل إلى (3,73%)مع تفاوت بين الذكور (4,42%) والإناث (2,89%). بمعنى أن التسرب يبدو جليا في المرحلة العمرية بين (12 15) سنة ،وهي الأعمار التي على ما يبدو تجد الأسر أنه يمكن الاستفادة من أطفالها فيما إذا تركوا الدراسة ،وهي بالمقابل أعمار خطرة ،حيث لم يصل الطفل فيها إلى النضج العقلي والجسدي للاستفادة منه في أعمال مجزية من جهة كما أن هذه الأعمار يكون فيها الطفل عرضة للاستغلال وقابلاً للجنوح والانخراط ضمن أطفال الشوارع والمشردين والمتسولين. أطفال الشوارع إذاً نلاحظ من خلال الدراسة مدى حجم خطورة هذه الإشكالية التي لا شك أنها تزيد في الأرياف والمناطق النائية بنسب عالية,وتتضح خطورة هذه الإشكالية من خلال ملاحظة العديد من طلاب المدارس وهم يتجولون في الأسواق والشوارع يلعبون أو يضايقون المارة أو في مقاهي الانترنت يتبادلون السيديهات لمشاهدة صور أو أفلام خادشة للحياء أو في محلات الاتاري أو في الجولات يبيعون المناديل أو المياه المعدنية أو اللبان أو غير ذلك ويرتدون الزي المدرسي صغاراً وكباراً وفي أوقات الدراسة، في مشهد يهدد المستقبل. أسباب التسرب الدراسة آنفة الذكر والتي أجريت في مديريات شعوب والصافية ومعين بأمانة العاصمة ذكرت بأن أسباب التسرب حسب المسح الذي أجرته يرجع حسب الترتيب إلى الوضع الاقتصادي المتدني، والمساعدة في أعمال المنزل بعد طلاق الأم، والهجرة من محافظة إلى أخرى أو من حارة إلى أخرى، ووجود مشاكل داخل المدرسة والمضايقات والمشاجرات مع الطلاب ، كما أن بعض الآباء يرون أن التعليم للأولاد فقط دون البنات، أيضا بسبب وفاة الأب والأخ الأكبر ،أو بسبب الضرب المبرح من الأب، أو بسبب الإعاقة، وكذلك بسبب الرسوب المتكرر،أو بعد المدرسة عن المنزل ،أو سوء معاملة المدرسين وغياب الرقابة داخل المدرسة وكذلك لعدم وجود الرغبة للدراسة،وأيضا بسبب التمييز وسوء المعاملة في المدرسة ،أو بسبب القات ،أو الخروج المستمر مع الأصدقاء. عدم المتابعة: أيضا حاولنا أن نتعرف على أسباب انتشار هذه الظاهرة وتفسيرها من وجهة نظر التربويين. الظاهرة في توسع الاستاذ إبراهيم هادي: هي ليست ظاهرة جديدة وإنما من الملاحظ أنها انتشرت مؤخراً بشكل واضح وملفت وقد استنتجت ذلك من خلال مشاهدتي المتكررة لطلبة المدارس وهم خارج أسوار المدارس وفصول الدراسة وفي أوقات الدراسة والدوام المدرسي.. ويقول: أشاهد أولاداً صغاراً لا يتعدون الصف السادس أو الخامس من المرحلة الأساسية لا يريدون أن يتعلموا وعندما سألتهم عن سبب ذلك يرد البعض بشكل غير مؤدب خاصة الذين أجدهم في محلات الاتاري والبعض يقول بسبب الظروف الاقتصادية وهناك من لم يجد لي تفسيراً سوى أنه لا يريد الدراسة فقط، وقد يكون كل ذلك بسبب عدم المتابعة من قبل الأهل. التسرب خطر قادم أما الأستاذ وهيب محمد فقال من جانبه بأن استمرار انتشار هذه الظاهرة وبهذا الشكل المفزع سيشكل خطرا على مستقبل اليمن في المستقبل القريب وليس البعيد لأن مثل هؤلاء الأطفال سيكونون معرضين بشكل كبير للعنف والاستغلال من قبل المتطرفين أو الإرهابيين،أو للإجرام والانحراف أو غير ذلك من المخاطر التي لا يحمد عقباها ،وبالنسبة عن أسباب ذلك يقول: هناك لا شك العديد من الأسباب منها على سبيل المثال عدم رغبة الطالب في الدراسة والتعليم رغم أن الأجواء المحيطة به مناسبة وهذا بسبب اللامبالاة عنده وعدم رغبته في التعلم لقصر فهمه وإدراكه لعواقب تركه للمدرسة،ويقول: وأحياناً المنهج المدرسي من ناحية صعوبته وطريقة عرضه وعدم مراعاته للظروف الفردية عند التلاميذ، الأمر الذي قد يولّد نفوراً منه، خاصة إذا لم يجد الطالب من يراجع له دروسه أولا بأول في المنزل ،وذلك بسبب أمية الوالدين، أو بسب انشغالهم عن أطفالهما، كما أن المعلم قد يكون أحد الأسباب من حيث عدم تمكنه من عرض المادة وضعفه في إيصال المعلومة للطلاب وأسلوبه غير الجذاب والمحبب للمادة وأحياناً المنفر منها وهذا بالتأكيد يرجع ألي ندرة الدورات التدريبية والتأهيلية للمعلم والتي إذا عقدت تتم كالوجبات السريعة بغرض لهف الميزانية المخصصة لهذا الغرض وليس لتأهيل المعلم .أيضا قد تكون الأسرة سبباً خاصة مع وجود المشاكل الأسرية والتي تؤدي بالطالب إلى هروبه من التعليم. كذلك البيئة المحيطة بالطالب مثل أقربائه أو أصدقائه والتي قد تكون سبباً في هذه المشكلة من حيث الترويج لأفكار سلبية تقول بأنه لا فائدة من التعليم والشهادة العلمية لأنها لا تستطيع حتى إيجاد وظيفة أو مصدر رزق لصاحبها وقد يكون عاطلاً مثله مثل غيره من غير المتعلمين. وكذلك الوضع الاقتصادي وصعوبته أحد أهم الأسباب لانتشار ظاهرة التسرب . ضعف الإدارة أما الأستاذة إلهام: فترى من جانبها أن ضعف الإدارة المدرسية وعدم وجود كفاءات إدارية وإشرافية مؤهلة تساهم في إهمال الطلاب لدروسهم ومن ثم عزوفهم عن الدراسة.. وسبب آخر هو أن كثافة الطلاب في الفصول تصعب من عملية المتابعة لهم أولا بأول من قبل المدرس ،وهو الأمر الذي يتيح الفرصة للطلبة المهملين وعدم الراغبين في مواصلة التعليم من التسرب من المدارس إلى الشوارع . أمية الوالدين الأستاذ عمر سالم من جانبه قال بأن السبب الرئيسي لظاهرة التسرب يرجع في الأساس إلى أمية الوالدين ,لأنه لا يمكن أن يكون الوالد متعلماً ويعي تماما ما معنى التعليم وأهميته ويترك ابنه في الشارع أو يجعله يساعده في عمله ويضيف قائلا: ألاحظ أحد الباعة في باب المدرسة التي ادرس فيها وبجانبه ابنه الصغير الذي لا يتعدى عمره العشر سنوات الأب يبيع البطاط والولد يبيع البيض وعندما سألت هذا الشخص لماذا لا يذهب ابنه إلى المدرسة ؟أجاب قائلا بأن التعليم لا يؤكل عيشاً لذلك بماذا سينفعه وقال (ماينفعك الا قرشك) ويتساءل الأستاذ عمر قائلا :لهذا ما الذي نتوقعه من مثل هذا الشخص إذا كان لا يعلم ما أهمية وقيمة التعليم بالنسبة لابنه،ويقول: بالتأكيد هناك أيضا جملة من الأسباب منها الزواج المبكر خاصة في صفوف الفتيات وخصوصا في الأرياف . سن مبكرة أما الأستاذة هدى فترى أن إلحاق الولد بالدراسة في سن مبكرة من الأسباب التي قد تجعله يكره التعليم لأنه ينتقل إلى جو جديد يجد فيه الضغط ومتطلبات الدراسة وازدحام الفصول واختلاطه بمن هم أكبر منه خاصة إذا لم يجد المتابعة والتشجيع الجيد خاصة من قبل والديه ولم يجد أيضا المربي أو المربية الجيدة التي تستطيع التعامل مع نفسية الطفل، لأن عدم وجود ذلك قد يولد نفوراً وكراهية للدراسة والمدرسة عند الطفل إضافة إلى أنه إذا لم تهيئ الأسرة الجو الملائم وتكتفي فقط بتسجيل ابنها وإلحاقه بالمدرسة فإنه سرعان ما ينعكس ذلك سلبياً على حبه للمدرسة ،إلى جانب تعامل الإدارة والتي لاشك لها أثر كبير على حب الطلاب للمدرسة وذلك من خلال توجيه المعلم أو المعلمات في كيفية التعامل مع الطلاب خاصة الطلاب الجدد في الصفوف الدنيا. مديرون غير أكفاء ويقول الأخ يحيى حميد: الأسباب كثيرة منها أن المدرس غير مؤهل تأهيلا جيدا لا يستطيع توصيل المعلومة بشكل جيد وهذا بسبب أن كليات التربية في جامعاتنا لا تخرج ولا تعد معلمين وإنما مجرد كتبة ،ومع ذلك يكتبون بأسلوب خاطئ وغير ملمين بقواعد الإملاء وقد لاحظت ذلك من خلال متابعتي لأولادي في المدرسة، أيضا لا يستطيعون التعامل مع نفسية الطالب كل شيء عندهم بالضرب خاصة مدراء ومديرين المدارس ،الأمر الذي ينفر الطلاب من المدرسة وبالتالي يخرجون في الصباح الباكر ليس للذهاب للمدرسة وإنما إلى الشوارع ومحلات العاب الاتاري خوفا من أولياء أمورهم، وأولياء الأمور لا يعلمون بذلك والمدرسة لا تتواصل مع ولي الأمر مع أمها السبب الرئيسي في هروب الطالب من المدرسة ، وهذا نتيجة لتعيين مديرين ومديرات للمدارس بعيدا عن الكفاءة وإنما بالوساطة والمحسوبية والولاءات الأمر الذي دمر التعليم في بلادنا.ويقول كما أن غياب الأنشطة التربوية والترفيهية في المدارس يعتبر أحد الأسباب في عدم الرغبة في المدرسة والدراسة، لأنه لابد من أنشطة مصاحبة للدراسة تحبب الطالب في المدرسة وفي التعليم وتبدد الملل الذي يصاحب فترة التعلم وتخلق النشاط وتبرز الإبداع وتنمي المواهب عند التلاميذ وللأسف أن معظم المدارس لا يوجد فيها أنشطة نهائيا.. وبعضها إذا وجدت أنشطة فإنها تحمل الطالب التكاليف اللازمة لإجراء أي نشاط رغم أن وزارة التربية قررت عدم أخذ رسوم تسجيل الطلاب في المدارس لتعود لفائدة المدرسة ولا تظهر هذه الرسوم في تفعيل الأنشطة.