الترب :السلام يصنعه أبناء اليمن بعيدا عن التدخل الخارجي    الزنداني يجري تعيينات سرّية في وزارة الخارجية لصالح رشاد العليمي وعصابته (وثيقة)    إن لم يُنصَف الأكاديمي والمعلم اليوم، فأي جنوب سنبنيه غداً؟    بندر عدن.. ومآسي الزمن    تجاوز عتبة الخوف    الحكومة تنتقد تجاهل المبعوث الأممي لجريمة الحوثيين بحق الشيخ حنتوس    "ملائكة السيدة ماريا" رواية جديدة ل"عبد الفتاح اسماعيل"    العبسي كشف خبايا جريمة قتل في تعز واحتجز في صنعاء رغم تعرضه لمحاولة اختطاف    من يومياتي في أمريكا .. أنتم خزي وعار وتاريخ اليمن الأكثر قتامة    من يومياتي في أمريكا .. أنتم خزي وعار وتاريخ اليمن الأكثر قتامة    تعز.. طرفا الصراع يعتقلان ناشطَين مدنيَّين    مدير أمن المهرة يرأس الاجتماع نصف السنوي لمناقشة الأداء الأمني لعام 2025    تحت التهديد وتحت جنح الظلام.. الحوثيون يفرضون إجراءات مشددة على دفن الشيخ حنتوس    البنك المركزي بصنعاء يوقف ثالث شركة صرافة خلال يومين ويعيد التعامل مع 13 شركة ومنشأة    دراسة : ممارسة الرياضة تساهم في التغلب على مرحلة ما قبل السكرى    مفتاح يناقش آليات دعم وتطوير أداء مصلحة الدفاع المدني    إعلام العدو: حماس فكّت شيفرة تحرك جيش الاحتلال وتصطادهم ك "البط"    سرايا القدس تعلن قصف مدينة "سديروت" الصهيونية بالصواريخ    صنعاء: مناقشة سلاسل القيمة لمنتجات "الألبان والطماطم والمانجو واللحوم"    افتتاح مركز الغسيل الكلوي في مستشفى يريم العام    محافظ لحج يوجه بتشكيل لجنة تحضيرية لمهرجان القمندان الثقافي الفني التراثي    استشهاد مدير المستشفى الإندونيسي بغزة جرّاء استهداف صهيوني لمنزله    هيئة المواصفات تصدر تعميمًا بشأن الإعفاء الجمركي لمدخلات منظومة الطاقة المتجددة    ترتيب هدافي كأس العالم للأندية 2025    الجنوب يواجه حرب باردة.. تداركوا أنفسكم قبل السقوط بالصوملة والحرب الاهلية بلبنان    السلفيين في الضالع يكررون جرائم القاعدة بالمكلا بهدم القبور والقباب    وكيل وزارة الشباب يتفقَّد سير العمل بمركز الشباب للتدريب والتنمية    الشعيب: جمعية الحاجة قدرية توزع سبعون سلة غذائية لخمس مدارس في المديرية    20 ساعة يوميا تحول حياة أهالي عدن إلى جحيم    دورتموند ينهي مغامرة مونتيري.. ويصطدم بريال مدريد    التعليم في جحيم الصيف وعبء الجوع    مخيم طبي مجاني في صنعاء    إيطاليا.. العثور على مدفن إتروسكي سليم عمره 3000 عام    حملة المرور في صنعاء اليوم تبدأ لمنع بيع الأدوات التي تتسبب بعدم الرؤيا    الفوز ال 15.. الريال يزيح يوفنتوس ويبلغ ربع نهائي المونديال    إقصاء بطلة «رولان جاروس» من ويمبلدون    فيفا: فوز الهلال السعودي على مانشستر سيتي الإنجليزي تاريخي ومذهل    لم تعد اللحظة لحظة "إخوان اليمن"    في عاصمة الخلافة والاخوان المسلمين.. صدامات بسبب رسوم مسيئة للنبي محمد    أركان دفاع شبوة يتفقد الجانب الأمني لمشروع الطاقة الشمسية بعتق ويؤكد توفير الحماية    إسرائيل تتوعد الحوثيين.. والسفير الأميركي في تل أبيب يهددهم بقاذفات B-2    ريال مدريد يهزم يوفنتوس ويتأهل لربع نهائي مونديال الأندية    مونديال الاندية : ريال مدريد يتخطى يوفنتوس الايطالي بصعوبة ويتأهل للدور المقبل    الأمل لايموت .. والعزيمةً لن تنكسر    مارك زوكربيرك (شيطان الشعر الجديد) في عصر التواصل الاجتماعي    لماذا فضل الشيخ صالح حنتوس الكرامة على السلامة؟    اليمنية تعلن إعادة الطائرة المتضررة للخدمة بعد فحص جوي للتأكد من جاهزيتها    الجوبة وماهلية ورحبة في مأرب تحيي ذكرى الهجرة النبوية    الكثيري يشيد بجهود وزارة الاوقاف والإرشاد في تنظيم موسم الحج ويؤكد أهمية ترشيد الخطاب الدعوي الديني    بيع أربع قطع أثرية يمنية في مزاد بلاكاس    العثور على معبد ضخم يكشف أسرار حضارة انقرضت قبل ألف عام    تصورات خاطئة عن الآيس كريم    استخراج 117 مسمارا من بطن مريض في لحج (صور)    - والد زينب الماوري التي تحمل الجنسية الأمريكية ينفي صحة اتهامها لابن عمها؟    الحديدة: صرف 70 مليون ريال مساعدات للنازحين    شركة النفط والغاز تنظم فالية بذكرى الهجرة النبوية    7 وفيات بكحول مغشوشة في الاردن    فوضى أئمة المساجد والمعاهد الدينية تؤسس لإقتتال جنوبي - جنوبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الحاج مدهش
أنا والحياة سيرة ذاتية
نشر في الجمهورية يوم 15 - 03 - 2010

(إلى الأجيال المعاصرة والأجيال القادمة أهدي هذه السيرة الذاتية التي تعتبر ليست وقائع لحياة كاتبها فحسب، ولكن فيها وقائع من حياة شعبنا اليمني وصدى لبعض ما كان يجري من حولنا في أقطارنا العربية الشقيقة.
فإلى هؤلاء أقدِّم سيرتي الذاتية لعلهم يجدون فيها ما يفيدهم في حياتهم القادمة التي لاشك أنها ستكون أحسن من حياتنا الماضية)
في عام 1955م التحقت بمتجر صغير يقع بأحد الأزقة الصغيرة المحاذية للسوق الطويل بعدن، التي تتلاصق فيها المتاجر بعضها ببعض، حتى ليخيل للناظر إليها وكأنه أمام حانوت كبير له عشرات الأبواب، وكنت أبدأ عملي في السابعة صباحاً ثم لا أعود إلى المنزل إلا في وقت متأخر من الليل، وقد تحولت شوارع عدن بأكملها إلى غرفة نوم واسعة، صفت عليها مئات الأسرة، وبدت أبواب الحوانيت الملونة والمغلقة ذلك الوقت وكأنها عشرات النوافذ الواسعة، وقد تحلت بستائر زرقاء وخضراء وحمراء،وتدلت فوق رؤوسهم من أعلى أعمدة الكهرباء عشرات المصابيح، كنت كثيراً ما أمر في العاشرة مساء لأجد البعض من ساكني هذا المجمع السكني الكبير يكتب رسالة على ضوئها فيما كان البعض الآخر يجاهد لكي يقرأ على ضوئها الخافت رسالة وصلت من أهله.
وكان المتجر الذي أعمل به يقع مباشرة أمام متجر” الحاج مدهش” ولا يفصلني عنه سوى الزقاق الصغير الذي لا يزيد عرضه عن مترين، وكان الحاج مدهش هذا رجلاً وقوراً هادئاً في الخمسين من عمره يتراءى لي أحياناً في صورة ملاك طاهر، وتارة أخرى يتراءى لي وكأنه شيطان رجيم، ولكن شكوكي بدأت تراودني وأنا أراه كثيراً ما يغير من عماله الذين يعملون في متجره،وكانوا عادة صبياناً ما بين الثانية عشرة من العمر والسادسة عشرة، وقد لا يمر أسبوع على الصبي عنده حتى يقوم بطرده ويأتي بغيره حتى أن الكثيرين كانوا يتغامزون عليه، ويسمعونه بين الحين والآخر كلمات التجريح فيستقبلها منهم بالصمت غير مبال بما يقولون، وشغلني أمره وأخذت أتساءل في نفسي قائلاً:” أتكون تصرفاته تلك لحكمة أجهلها أم أن الرجل يسير فعلاً في طريق الخطأ” وأخذت أتعقبه وأحاول رصد تصرفاته مع صبيانه لأحكم عليها بما أرى لا بما أسمع، وهالني ما رأيت ذات ليلة، فحين عاد الحاج من صلاة العشاء دخل متجره واتجه على الفور إلى صندوق الدراهم وألقى عليه نظرة سريعة، ثم التفت إلى صبيانه الثلاثة وأخذ يتفحصهم بعينيه أولاً ثم بيديه والصبيان يتهربون منه ويتضاحكون، ولم أستطع متابعة ما كان يجري أمامي في دكان الشيخ فقد انشغلت بدخول أحد الزبائن ولكنني كنت قد رأيت ما فيه الكفاية، الشيء الذي جعلني أقرر الذهاب إليه لأصارحه بما رأيت، كان الوقت قد شارف العاشرة مساء عندما أغلقت المتجر واتجهت إلى حانوته،وكان على وشك أن يغلق هو الآخر حانوته بعد صرف جميع صبيانه،دخلت عليه متجهماً غاضباً وجلست دون استئذان، وجعلت أتفرس في وجهه وهالني ما رأيت، كان وجهه وقتها يشع بالطيبة، وقسماته تدل دلالة قاطعة على البراءة والاحتشام فكيف لي أن أفسر ما حدث، ولم يدم تحديقي في وجهه طويلاً فقد استحييت والله من وجهه، وأطرقت برأسي إلى الأرض، وقد هدأت ثورتي حتى كدت أنسى ما جئت من أجله، ثم رفعت رأسي وأرسلت نظرات ثاقبة إليه وأنا أنظر إليه بعقلي لا بقلبي، لأن القلب كثيراً ما يخطئ النظر والتقدير، وفجأة عادت إلي ثورتي وغضبي فقلت له:
“ عندي كلمتين قبل أن تغلق متجرك”
“ خير إن شاء الله يابني، تكلم إنني مصغِ إليك”
قلت :
” ما هذا الذي رأيته منك الليلة؟”.
قال مستفسراً:
“عن ماذا تتكلم؟
قلت:
“أو تنكر ما رأيته بعيني رأسي، لقد سمعت عنك الكثير، ولكن الذي يسمع ليس كالذي يرى”.
قال: “أفصح يابني فأنا لا أدري عن ماذا تتكلم”.
وهنا انفجرت غاضباً وقد نفد صبري قائلاً:
“ألا تستحي ياشيخ، رجل في مثل سنك يقوم بمثل ذلك العمل المنكر!”.
وقاطعني قائلاً:
“ماذا تقول؟ هل جننت!”
لم أبال بمقاطعته لي وقلت محتداً:
“لقد سمعت عنك وعن أفعالك ولكنني لم أصدق إلا هذه الليلة، فإذا كان هذا يصدر منك أنت الشيخ الوقور فماذا تركت لأولاد الشوارع؟”
ولم أكد أكمل حديثي حتى أمسكني من خناقي بقوة، وقد اتشح وجهه بالغضب، ودفع بي إلى داخل المتجر وقال:
اسمع يا هذا أنا إن صبرت عليك بما فيه الكفاية فلأنني أعرف أنك شاب مهذب، ولو كنت أعرف أنك بهذا السوء لما تركتك تشتمني في محلي، والآن اخرج ولاترني وجهك بعد الآن!”
خجلت من اندفاعي، وغيرت لهجتي وأنا أحاول تهدئته قائلاً:
“أرجو المعذرة ياحاج، وإذا كنت قد أغلظت عليك القول فلأنني كنت أتوسم فيك الخير حتى رأيت بعيني مداعباتك القبيحة لصبيانك هذه الليلة، قل لي بالله عليك ماهو تفسيرك لذلك؟”.
هدأ الرجل قليلاً، وارتسمت على وجهه علامات الرضا، وصمت لحظة ثم أشار علي بالجلوس، فجلست وجلس هو أيضاً وبادرني قائلاً:
“سأقول لك ما قاله العبد الصالح لموسى في سورة الكهف “سأنبئك بتأويل مالم تسطع عليه صبرا” اسمع يا بني أنا رجل وحيد لم يرزقني الله بأولاد يساعدونني في عملي هذا، فاضطررت للاستعانة بأمثال هؤلاء الصبيان، ولكنني كنت ألاحظ أنه كلما خرجت لبعض شأني وعدت أسألهم عن حصيلة ماباعوه في فترة غيابي لا أجد شيئاً، وكنت في بادئ الأمر أصدقهم، ولكن عندما تكرر ذلك منهم شككت في أمرهم، وأخذت أفتش جيوبهم كل ليلة لعلي أجد شيئاً يخفونه عني فلم أجد شيئاً، وحتى أريح نفسي من الشك أفصلهم لأستبدلهم بآخرين وهكذا، حتى كان ذات يوم وفيما أنا أفتش أحدهم سقطت الفوطة من حول جسمه فتناثرت الدراهم التي كان يخفيها في طيات حزامه، وهنا عرفت المكان الذي كانوا يخفون فيه تلك المسروقات فكنت منذ ذلك اليوم ألجأ إلى تلك الحيلة لاستخرج نقودي من أولئك الشياطين الصغار”.
وصمت قليلاً ثم أردف قائلاً:
“أوليس من حقي أن أسترد نقودي بالطريقة التي أراها كفيلة بذلك؟”.
أطرقت برأسي صامتاً، ثم غادرت المتجر وأخذت أخطو إلى المنزل متخذاً طريقي بين تلك الأسرة التي تهيأ أصحابها للنوم لاستقبال يوم جديد مليء بالأحلام والآمال، يوم لابد وأن يأتي ليريح تلك الأجسام المنهكة بعد طول عناء يوم تظلله الحرية والعدالة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.