على مرمى قدم من بوابة حديقة ميدان السبعين وسط العاصمة صنعاء، تجتذبك من بين فعاليات مهرجان صيف صنعاء السياحي الخامس، نسائم التهايم بأريجها الفواح وعبقها الأصيل،المنبعث من خيمة(القرية التهامية) المنتصبة وسط الحديقة. وعلى وقع طبول الهاجر،والمراويس،ورقصات زرانيق الحقفة،والوزبة الشعبية،وشدو قيثارة البحار الساحلية، تجد نفسك مجبراً على الإقتراب أكثر نحو(القرية التراثية)،للتعرف بعمق على تراث ثقافي وفكري إنساني تهامي يمني غني بقيم المعرفة والفن والجمال، الأصيل. وتدهشك “القرية”من أول نظرة بمحتوياتها على كثير من مفردات الحياة العامة واليومية في ريف التهايم، بدءًا من مكونات البيت الشعبي المجهز وفق نمط وخصوصية البيت التقليدي الشعبي في قرى وريف تهامة، والذي ضم ثلاثة امكنة رئيسة، تعرف محلياً ب«العٌشة» ،«عريش» و«سقيفة»، وجميعها من سعف وجذوع النخل،وغيرها،تخصص الأولى والثانية بالمسكن، والعيش،واستقبال الضيف،وغيرها،فيما تتعدد استخدامات السقيفة لأكثر من غرض. ويتسنى لك أن تشاهد فيها الحياة تدب بالحركة والنشاط، من خلال اعضاء فريق مكون من قرابة (50)شخصاً من مختلف مناطق تهامة، والذين ينتشرون في زواياها ليشغلوا كخلية نحل، كل حسب اختصاصه، ودوره ليقدموا الواناًَ متنوعة من الموروث الثقافي والفنون التراثية التهامية، من اعمال حرفية تقليدية ومشغولات يدوية، وباقات من المغنى التهامي والرقصات الشعبية والفلكلورية،وكل ذي طابع وخصوصية تهامية. وبحسب رئيس فريق القرية وصاحب فكرتها الفنان والباحث عبد الله خادم العمري، فإنه وفريقه الذي تنوع بين فنانين وراقصين وحرفيين، استطاعوا على مدى(15) يوماً من إنطلاق المهرجان، تقديم، وتوثيق العديد من الألوان الترثية والفلكلورية التي تميزت بها تهامة، والتي تزيد عن (40) لوناً تهامياً تنوعت بين أغانٍ ومواويل، ورقصات فلكلورية والعاب شعبية وتراثية وعادات وتقاليد وحرف تقليدية، ومأكولات شعبية، وغيرها من الألوان التي شملت موروث تهامة ريفاً وحضراً براً، وبحراً. وفيما يستحضرنا المفكر والأديب الراحل عبد الرحمن طيب بعكر، بعنوان «أربعة اشياء خلدت مجد تهامة» من كتابه كيف غنت تهامة، اشارة الى “ الشراع، والمحراث، المحراب، والقيثارة” والتي بحسب العمري فإن فعاليات القرية راعت ان تحضر تلك الخصوصيات، بشكل أو بآخر، سواء من خلال المواويل الساحلية الخاصة بالبحار التهامي، أو في الإنشاد الصوفي والروحاني التهامي من كلمات المرحوم جابر رزق، أو من خلال روعة الريف ومحاصيله الزراعية، ومشغولات يدوية، التي اعتمدت مصادر زراعية وطبيعية بدرجة اساسية. ويضيف العمري «قدمنا اكثر من 20 لوناً من رقصات شعبية وأهازيج وأغانٍ تراثية تهامية، منها الحقفة، وهي رقصة تهامية تعتمد الفتوة وفيها كثير من الجهد واللياقة البدنية، وترتبط بخصوصية الزرانيق في تهامة، وتؤدى بمصاحبة عزف الناي،المعروف بالقصبة، مع ايقاع خفيف لحركة القدم قدم خلف قدم موازية للعزف،ويقف الراقصون في صف واحد، على عكس رقصة الحنجل التي تؤدى بصورة فردية، وتؤدى بتشكيلات متعددة منها «يماني،الغزال، الجلسة،السحبة،الرصيف، المحنجل»، فضلاً عن رقصات «الحمرة،فرساني، طائفية، معبداني، كنده، هز مريصي، ورقصة شرجي والتي تؤدى في عموم مناطق تهامة، والعرضة التهامية التي تؤدى في شمال تهامة،وخاصة في جيزان. وفي مجال الغناء الشعبي في تهامة يؤكد العمري أن الفريق قدم خلال أيام المهرجان، باقات متنوعة من ألوان الغناء الشعبي التهامي، من أبرزها «اغنية الكحتل،وهي أحد الألوان الشعبية والتراثية التي كان يغنيها الجوال(الكحتل)في محافل وأسواق تهامة الشعبية، اضافة الى مواويل الصيادين، واهازيج المزارعين،المصحوبة بالعزف على الناي منها مواويل «الرامي، البكيري،وموال حادي الجمال، وموال ساحلي، مصحوب برقصات متنوعة منها «هيلا هيلا يالله» وغيرها علاوة على الإناشيد والقصائد الحمينية،والأغاني التراثية التي قدمها،أعضاء الفريق،من المبدعين أمثال الفنان الواعد والعازف ثاقب ثيبان،والفنانين محمد مجلي ومحمد مزجاجي والذين قدموا خلالها روائع الوصلات الإنشادية والفقرات الغنائية من التراث الإنشادي والفني التهامي، وشدوا بروائع ابداعات كبار المنشدين والمبدعين في تهامة أمثال المنشد الكبير الراحل جابر رزق، والشاعر القدير الراحل عبد الله غدوة،منها «رب حسن المختم شأنك الكرم، ويا مالك الملك يا أجل، وزيب قر لأجل خاطر» والكثير مما زخر به المورث الفني والتراثي في تهامة.. إضافة الى تقديم وتوثيق(4)ألعاب شعبية وتراثية،وتخللت أيام العروض في القرية، ورشات عمل ومعارض مفتوحة ومتنوعة قدمت العديد من الحرف التقليدية والمشغولات اليدوية، كصناعة المصانف، واللحف، والمفارش،والغزل، وحرفة صناعة الحضايا، المتخصصة بتكميل وتجهيز وتهذيب وتطريز اطراف المغزولات،من معاوز ومفارش وعبايات، واضفاء لمسات الروعة والجمال بالتطريز والتشكيلات المختلفة.. ويبقى كل ما قدم في هذه القرية التراثية،طيلة فترة المهرجان ليست سوى محاولة،بسيطة لتجسيد بعض قليل من واقع مليء بالكثير من الوان وفنون التراث الثقافي والموروث الشعبي،الذي تزخر به الحياة الإجتماعية والثقافية في مختلف مدن وقرى تهامة.