لم يتفنن الباعة في إظهار قدراتهم على البيع لإقناع زبونتهم - المداومة على شراء ما أعدوه لهذه المناسبة فحسب - بل إنهم بدوا كمروجي مبيعات محترفين في الدعاية وفن الإعلان. أحدهم أظهر جدية في إقناعها بأن الذي يصدر موسيقى سائد هذه الأيام خاصة بعد انتشار موسيقى فيلم Titanic ، أم أنها ترغب في موسيقى Love Story، أو .Monamore وآخر ثرثر لها طويلاً عن ميزة الذي يحوي عبارة واحدة بعدة لغات وسيزيد من تميزه ما ستضيفه هي: ثالث.. ورابع.. وخامس.. دون فائدة. لم يعجبها شيء طوال الأسبوع الذي تفرغت فيه لهذه المهمة التي بدت لها أصعب مما تصورت. - كانت تريده مميزاً.. بل ومختلفاً عن كل عام. - كانت تريد أن يحكي خباياها دون أن تدون فيه حرفاً. سادس.. وسابع.. وثامن.. دون فائدة لم يعجبها شيء. تاسع.. وعاشر.. «لا..! فاض بي الكيل.. سأصنعه بنفسي».. هكذا قررت. اشترت ورقاً، علبة ألوان جديدة، علبة غراء ولم تنس فرشاة ألوان صغيرة عوضاً عن التي فقدتها في فوضى غرفة رسمها التي عانقت حوائطها الثلاثة لوحات كثيرة بلون البحر. أمضت وقتاً طويلاً تلاحق وميضاً يظهر ويختفي كالبرق في مخيلتها وفي كل مرة تحاول أن تلتقط شيئاً من لمعانه الخاطف.. حتى أمسكته أخيراً. قصت شكلاً لاتحكمه زوايا ألفتها في أوراقها وكتبها، أو حتى في غرفتها خزائنها. مزجت الألوان، أمسكت الفرشاة، وبدأت ترسم. رسمت سماء بلون عينيها تزين صدرها غيمتان ثلجيتان تظللان كوخاً خشبياً نائماً على أرض لها وجه أخضر، خداها ورود صبغتهما الشمس بلونها عند الغروب. وضعت الفرشاة جانباً، أغلقت عينيها ثم فتحتهما، بدأت تحدق به، كررت ذلك كثيراً، فبدا لها شاحباً كالخريف الذي يقبع خلف نافذتها.. لكنها أحبته وقررت أن يكون هو. بدأت تحاور نفسها حول العبارة التي ستدخلها أحشاءه، استحضرت كل ماعشقته من ذكريات، واعشوشب في قلبها كلما شارف على الذبول. ولدت في ذهنها عبارات كثيرة.. أولى.. وثانية.. وثالثة... دفنتها بتبريراتها الخاصة. رابعة.. وخامسة.. وسادسة.. دون فائدة لم يعجبها شيء. سابعة.. وثامنة.. وتاسعة.. «لا..! فاض بي الكيل سأكتب أول مايرد في ذهني».. هكذا قررت. أمسكت القلم.. خطت على الجانب الأيمن منه بين قوسين.. (معك.. تعلمت كيف أكون الآخرين.. كيف أكون أنا). وفي أعلى الجانب الأيسر طبعت شفتيها بلون قان. أغلقته، تلمسته، وضعته في مظروف تعمدت وهيً تصنعه أن يكون أكبر من حجمه. رشت عليه عطرها الياسميني الخاص، توجهت إلى دولابها، أخرجت منه صندوقاً، فتحته، وضعت كرتها بجانب ماسبقه، وأعادت الصندوق إلى مكانه.