بروح تستلهم أصالة الماضي ورؤية متفتحة على آفاق المستقبل الرحب وفكر يأخذ الواقع بعين الاعتبار، تمضي دولة قطر على طريق التطور والنماء آخذة بأسباب التقدم وفق متطلبات العصر تلبية لحاجات إنسانها بناءً ونهضة في شتى مناحي الحياة. واليوم توشك قطر على طي صفحات عقد من تاريخها الحديث الحافل بالجهد والكد والعمل الدؤوب حاثة الخطى نحو عقد جديد موصول العطاء لتحقيق المزيد من الإنجازات يحدوها أمل وتفاؤل بالمستقبل. عشر سنوات تقريباً من عمر نهضتها الحديث تكاد تمضي ولا يزال هناك الكثير من العمل كانت خلالها الدولة والمجتمع أشبه بورشة عمل أو خلية نحل متعددة الأنشطة والفعاليات عاشت إبانها البلاد مرحلة من أكثر مراحل تاريخا نمواً وتطوراً وازدهاراً في مختلف المجالات لم تعهدها منذ فجر استقلالها عام 1971 ساعد في نهوضها استقرار أمني قل نظيره في أكثر دول العالم استقراراً ومكانة سياسية واقتصادية مرموقة عززت من الخطى في ظل رؤية قيادية ثاقبة وحكمة صائبة. ورشة إعمار وقد انطلقت ورشة الإعمار والنهوض الحديثة مع بزوغ فجر عهد جديد ولد بتولي حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر مقاليد الحكم في البلاد في السابع والعشرين من يونيو عام 1995، شهدت خلالها دولة قطر تطورات نوعية قفزت بالبلاد من حالة إلى حالة اعتبرت مفصلاً حيوياً في مسيرتها النهضوية والتنموية. وتميزت هذه السنوات العشر بارتفاع ملحوظ وتنام مطرد في مؤشرات النهضة الحديثة التي تعنى بالتنمية الشاملة والتي انطلقت وفق خطط مدروسة بدأت تأخذ طريقها نحو التنفيذ تدريجياً على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، فضلاً عن مجال الخدمات العامة والبنى التحتية الأساسية.. فعلى الصعيد السياسي الداخلي، تبنت الدولة خطة إصلاح سياسية ودستورية كبرى بدأت بانتخابات بلدية شاركت فيها المرأة القطرية لأول مرة بفعالية، تلتها خطوة إصدار دستور دائم بعد إقراره في استفتاء شعبي عام حظي بموافقة كبيرة، وهي على موعد قريب من إعلان وتطبيق هذا الدستور وصولاً إلى انتخابات برلمانية ترسيخاً لمبدأ النظام الدستوري الديمقراطي القائم على مشاركة الشعب في الحياة السياسية. وكرست الدولة في نهج متأن يأخذ بمتطلبات الواقع ومقتضيات العصر الحديث باستقلال السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية في البلاد بعد أن كانت قد عززت الحريات العامة (حرية الإعلام والتعبير)، كما أقرت قانون السلطة القضائية الجديد القاضي بإنشاء محكمة التمييز وتشكيل المكتب الفني للتفتيش القضائي ومجلس القضاة ونظم العمل في مختلف دوائر هذا الحقل. ولم تغفل الدولة مسألة تنظيم الحياة العامة للمجتمع إذ أولت اهتماماً خاصاً لقطاعات الجمعيات والمؤسسات الخاصة والعمل ومكافحة الإرهاب وحماية الثروات الطبيعية والبيئية فاستصدرت لغاية تنظيمها القوانين.. ولأن الإنسان أغلى ما تملك البلد من ثروات، فقد كرست القيادة الحكيمة جل اهتمامها لخدمته ومن أجل توفير مستلزمات الرفاهية والحياة الكريمة له، فعملت أولاً على توفير فرص العمل اللائق له وفقاً للكفاءة والمؤهل مثلما عملت جاهدة على توفير الخدمات الأساسية له من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية وإسكان ونظام تقاعد، إلى جانب إنشائها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تأكيداً لالتزامها بتعزيز وحماية حقوق المواطن والمقيم على أرضها والارتقاء بها وفقاً لما هو معمول به في أرقى الدول وحسب التشريعات الدولية. ولعل من أبرز ما عاشته البلاد في السنوات العشر الأخيرة ما يتعلق بالنهضة العمرانية من تحديث وتطوير للخدمات الأساسية والبنى التحتية من طرق ومشاريع صحية وإنشاء شبكة للصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار وبناء الجسور والحدائق العامة وتطوير خدمات الماء والكهرباء والاستشفاء والطبابة، إلى جانب ما شهدته البلاد من قفزة نوعية في مجال التعليم من تحديث للنظم التربوية والتعليمية وإنشاء المدارس المستقلة والعلمية والجامعات المتطورة، فضلاً عن إيلاء جامعة قطر المزيد من الرعاية والاهتمام، وتطوير اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، وتشكيل المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث.. أما المرأة فقد كان لها النصيب الأوفر من هذه الثروة الاجتماعية التي حققتها دولة قطر، إذ احتلت المرأة المركز المرموق الذي تستحقه إنسانياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً إثر توجيهات القيادة وعقب إنشاء المجلس الأعلى لشؤون الأسرة برئاسة حرم سمو الأمير المفدى سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند وما يتبع هذا المجلس من دوائر ومؤسسات تعمل كلها في خدمة ورعاية المرأة والطفل المعوقين والشأن الأسري. وعاشت البلاد حدثاً حضارياً غير مسبوق تمثل في إنشاء مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع والتي تعمل على تأمين التنمية الكاملة للأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل عبر حملة من البرامج المتنوعة في مجالات التربية والتعليم والصحة وخدمة المجتمع. التطور الرياضي وفيما يتعلق بالحقل الرياضي، فلا يستطيع مراقب أن ينكر ما وصلت إليه البلاد في مجال رعاية الشباب وما احتلته من مكانة رياضية على المستويات المحلية والإقليمية والقارية والدولية. فقد شهدت البلاد بعد أن سهرت الدولة على توفير كل أسباب النشاط الرياضي من اتحادات وأندية وإمكانات نهضة رياضية شاملة تجلت في المستوى الرفيع الذي ظهرت به عليه الفرق والمنتخبات الرياضية القطرية في مختلف المنافسات محققة الإنجازات الكبرى لصالح الرياضة القطرية، إلى جانب استضافة البلاد للعديد من البطولات والمسابقات الخليجية والعربية والآسيوية في شتى الألعاب، وآخرها بطولة كأس الخليج السابعة عشرة لكرة القدم التي فازت بها قطر، فيما تستعد البلاد لاستضافة أكبر حدث رياضي في تاريخها وهو دورة الألعاب الآسيوية الخامسة عشرة في نهاية العام المقبل 2006. وإيماناً من الدولة بحق إنسانها في حياة حرة كريمة، جاء إنشاء المؤسسات التي تعنى بالضمان الاجتماعي ورعاية المسنين والشيخوخة ونظام التقاعد للموظفين والتأمين الطبي إلى جانب توفير الرعاية الصحية الشاملة من خلال تطوير ما هو قائم من مستشفيات وعيادات والتوسع في إنشاء المزيد منها ولا سيما التخصصية. نهضة اقتصادية أما الاقتصاد فحدث ولا حرج، إذ استحوذ هذا القطاع رعاية وتطويراً على الاهتمام الأكبر لصاحب السمو الأمير المفدى ومختلف قواعد الدولة، ولأن الاقتصاد عصب الحياة الحديثة وضمان المستقبل لأي شعب من الشعوب كان له النصيب الأوفر من خطط الدولة، إذ وظفت لتطويره والنهوض به كافة الإمكانات ووضعت لذلك المشاريع الكبرى. وقد تمكنت دولة قطر خلال السنوات العشر من كسر نظرية الدول النامية أسيرة الإمكانات المحدودة، حيث أثبتت للعالم أجمع أن قيمة الدول لا تكمن في سعة رقعتها أو عدد سكانها وإنما بمدى فعاليتها وقدرتها على التعاطي مع متطلبات العصر ومواكبة متغيراته الاقتصادية وتلبية حاجات شعبها التنموية من خلال جملة من المشاريع العملاقة وخاصة الصناعية منها مسخرة لذلك الإمكانات المادية المتاحة مستقطبة لها مختلف الاستثمارات والرساميل. النفط والغاز وفي هذا الإطار حققت الدولة طفرة نوعية وكمية في المجال العمراني فيما أسست لقاعدة صناعية صلبة في حقول الطاقة من نفط وغاز وبتروكيماويات وأسمدة بالتعاون والشراكة مع شركات عالمية وبحجم استثمارات وصل إلى حدود الستين مليار دولار، ونجحت الدولة في إنجاز مدينة راس لفان الصناعية وطورت بشكل ملفت عمل وأداء وخدمة شركة قطر للغاز المسال وشركة رأس غاز وشرعت في تصدير إنتاجهما من الغاز الطبيعي المسال إلى عدة أسواق عالمية، كما دشنت محطة رأس لفان للكهرباء والماء وأكبر مصنع لمعالجة الغاز الطبيعي المسال، إلى جانب إنشاء شركة عملاقة لنقل الغاز الطبيعي. وخطت الدولة عبر شركة قطر للبترول خطوات كبيرة باتجاه تعزيز عمل شركة دولفين للطاقة، وفتحت الباب واسعاً للاستثمار المحلي والأجنبي في المشاريع ذات المردود الاقتصادي بعد أن قررت فتح سوق الدوحة للأوراق المالية أمام المستثمرين وقامت بتنظيم عمله وفق تشريعات وقوانين كفلت له التقدم والنمو. ومواكبة منها للتطور الاقتصادي الواسع وللنهضة العمرانية المتمثلة بعشرات المشاريع العقارية، فقد أولت الدولة قطاع السياحة اهتماماً خاصاً تعزيزاً لدوره في خدمة الاقتصاد، فبعد أن أنشأت الهيئة العامة للسياحة وشركة الخطوط الجوية القطرية، عملت جاهدة على توسيع رقعة العمل الفندقي بإنشاء المزيد من الفنادق الحديثة مع التوسع في الخدمات الفندقية وأعمال الدعاية والترويج السياحي والمشاركة في المؤتمرات والندوات المعنية بتطور هذا الحقل، فضلاً عن إنشاء الجامعة الهولندية لتخصصات السياحة وإدارة الفنادق.. وقامت الدولة بتدشين مطار الدوحة الدولي الجديد الذي سيبدأ العمل به عام 2015 بعد أن وسعت مجال عمل الخطوط الجوية القطرية من حيث زيادة عدد خطوطها ورحلاتها وتعزيزها بالحديث من الطائرات والكوادر الفنية المؤهلة. حرية الإعلام وفي الميدان الإعلامي، حرصت الدولة على تعزيز وتكريس حرية الإعلام مع مواكبة حداثة ومتطلبات العصر، إذ شهد الإعلام القطري من صحافة مكتوبة ومسموعة ومرئية نقلة كبيرة على طريق التطور والنهوض بحيث أصبح يشار إليه بالبنان. السياسة الخارجية أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد سعت الدولة على مدى السنوات الأخيرة ممثلة بقيادة سمو الأمير المفدى الحكيمة إلى ترسيخ وتثبيت مكانة دولة قطر المرموقة في المحافل الإقليمية والدولية، الأمر الذي أهلها للعب دور فاعل ومؤثر في العديد من القضايا سيما وهي تنتهج سياسية تقوم على الوضوح والصراحة والواقعية ودقة التقييم والتوازن السياسي. وعملت الدولة وفق مبدأ الإيمان بالحوار على معالجة العديد من النزاعات والمشاكل بين كثير من الدول عبر وساطات حميدة، واستقطبت في الوقت نفسه عشرات المؤتمرات واللقاءات العربية والإقليمية والدولية منها ما يتعلق بقضايا التعاون الاقتصادي والتجاري والعالمي، ومنها ما يتصل بالحوار بين الحضارات والأديان دعماً لخطى السلام العالمي. وكانت قطر التي تقوم سياستها الخارجية على مبدأ احترام حقوق الإنسان والحوار مع الآخر والتفاهم وعدم والتدخل في شؤون الغير والإيمان بحل المشاكل عبر الطرق السلمية محط أنظار العديد من قادة وزعماء مختلف دول العالم زيارات ولقاءات ومباحثات مع قياداتها لصالح تعزيز الأمن والسلام الدوليين ورخاء ورفاه البشرية، وقد أكدت قطر في أكثر من مناسبة وعلى أكثر من صعيد إيمانها بالسلام وتوثيق علاقات التعاون الدولي ورفض كل أشكال العنف ومظاهر الإرهاب، وساهمت من منطلق إيمانها هذا بحل العديد من الخلافات والنزاعات، وقامت بتعزيز علاقاتها الثنائية مع مختلف الدول والمنظمات الإقليمية والدولية بحيث أصبحت الآن محوراً للاهتمام الدولي. وإذا كانت دولة قطر تقف الآن على أعتاب العقد الثاني من تاريخ نهضتها الحديثة في ظل قيادة سمو الأمير المفدى فإنها ترنو بعين تفاؤل واستبشار نحو مستقبل زاخر لشعبها ،وتحرص على أن تظل مثلما كانت في العقد الأول منتدىً دولياً وعربياً وإسلامياً وإقليمياً يقصده كل ساع إلى التعاون البناء والسلام والأمن والاستقرار في العالم.