بعيداً عن التعميم المُشاع حول هذه الظاهرة تبقى تعز “استثناء” فريدا ومميزا..نزولي الميداني إلى أروقة السجن كان مكملا مهما لاستقراءات سابقة غير دقيقة تمت خارج الأسوار..وكانت الحصيلة “خير دليل” في إزالة اللبس وإثبات الحقيقة عن قُرب.. ومما تأكد لي أن سبع سجينات فقط -من أصل (34)- هن الذائبات المنصهرات في عظيم هذه البلوى..لا زائر لا مهتم..لا شيء غير القهر والحرمان.. مجتمع واعي وهو باعتقادي رقم جيد مقارنة بحال السجينات في باقي المحافظات..المقدم محمد الكول المدير الحالي للسجن أكد ذلك، فثلاث سنوات سابقة من عمره الأمني في سجن صنعاء المركزي كفيلة في إثبات المقارنة، لم يلحظ خلالها أي توارد لزائرين أو زائرات لمن في السجن من سجينات..لا شيء هناك غير التخلي والنكران وأنات مكلومة خلف القضبان، وهو التأكيد نفسه الذي ذهبت إليه بعض الدراسات المهتمة في هذا الجانب.. الكول أرجع ذلك إلى العُرف القبلي السائد الغير متهاون مع “المرأة ذاتها” فما بالكم إذا كانت مذنبة أو متهمة؛ واصفاً السجن بالمكان الآمن للحماية من عقاب الأسرة الشنيع الذي قد يتجاوز التنكيل إلى القتل؛ مستدلاً بامرأة غرماؤها أولادها..وصلت القسوة بهم إلى المطالبة بإعدامها.. مجتمع واع من جهتها كريمة العراسي إحدى مُتطوعات الهلال الأحمر أعطتنا صورة صادقة وأكثر واقعية من داخل سجن النساء نفسه، فثقافة “التخلي والنكران” موجودة هنا، ولكن بنسب متفاوتة..ولعل الشيء الجيد -حسب وصفها- يتمثل بأن الأهل لا يتخلون عن بناتهم حتى النهاية، وفترة القطيعة هذه لا تدوم كثيراً قد تكون شهرا، شهرين، خمسة أكثر..وهذا يعني أن غالبية السجينات عانين من ذلك ولكن بصورة مؤقتة. العراسي وصفت ما يحدث مع سجينات تعز “بعين الصواب” وتصرف إنساني ينم عن مجتمع واع مثقف يتعامل مع الأمور الشائكة بواقعية مطلقة لا تفريق بين إن كان المذنب رجلا أو امرأة، وأضافت أن تواصلها وزميلاتها من خلال الجمعية مع السجينات لا ينقطع بمجرد خروج السجينات من السجن، بل يعملن على التواصل معهن بعد الإفراج وإمدادهن بالمعونات اللازمة، وتسويق ما ينتجنه كي يعود عليهن بالفائدة ويكفهن عن مغبة السؤال..وقد تواصلن مع سجينة أفرج عنها في شهر رمضان الفائت أمدوها بماكينة خياطة، وجعلوا منها خياطة شهيرة بضاعتها تحظى بالقبول وتسوق بكل سهولة ويسر.