بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    صدام وشيك في رأس العارة بين العمالقة ودرع الوطن اليمنية الموالية لولي الأمر رشاد العليمي    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    دائرة الرعاية الاجتماعية تنظم فعالية ثقافية بالذكرى السنوية للشهيد    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة السجينة
لحظات يائسة في سراديب النسيان..!
نشر في الجمهورية يوم 02 - 09 - 2013

نساء مَسكُونَات ب «الخَوف»، الغَوص في تفاصيل حياتهن «البطيئة» و«بسرعة» ليس سهلاً، بصعوبة اجتزت ذلك الحاجز، تمَلّكني «الحزن» وأنا أتعرّف على قِصصهن الواحدة تلو الأخرى، ظروف اجتماعية واقتصادية قاهرة ألقت بهن إلى فلوات التيه وضيق السجن، تقطّعت بهن السُبل، وانقطعت جسور التواصل، يعشن خلف القضبان حياة قاسية، الوقت يمرّ ثقيلاً بطيئاً تضيع فيه قيمة الأيام، وحلاوة السنين، مازالت حكايات شتى من أوجاعهن ملفوفة بخطوط حمراء «طي الكتمان»، تقابلها حكايات مبثوثة خرجت للتو عن حدود الصمت، لا أستبعد أن تكون عُرضة للمزايدين الباحثين عن أي شيء ينتقص من قيمة الإنسان والوطن.
تُهم أخلاقية
تأكد لي أن غالبية نزيلات السجن المركزي بتعز ريفيات أميات لايقدرن مايملكن، ولايفقهن أشياء عن محظورات الحياة، بدليل أن أكثر من نصفهن تهمهن أخلاقية «زنا أو اختلاء وهروب» فيما تهمة «القتل أو الشروع به، والسرقة» تنحصر في عدد محدود..
- كانت البداية مع السجينة “أ.س.غ” التي تحدثت ببراءة طفلة وسذاجة مجنون، ستة أشهرمن عمرها الغض مضت وهي حبيسة جدران مُغلقة، وكما تتذكر من انتهك عرضها جيداً، فإنها بالمقابل لاتجيد حسبة الأيام الخوالي؛ فعمرها كما تجزم لا يتجاوز «15» ربيعاً، - إدارة السجن نفت ذلك..! ولو كان كذلك لكان مكانها دار الأحداث، مازالت قضيتها تروح وتجيء بها من وإلى المحكمة، تستجدي رحمة القضاء في إثبات أبوة ولد ولدته سفاحاً، «نكران» الأب المُغتصب لم يدم طويلاً، يوم التقيتها كانت عائدة من المحكمة وفي نفسها شيء من انتصار، لقد انتصر لها الشهود، وحق لها أن تستعد ليوم «طلاقها» من السجن طبعاً.
- يشاركنها “ذات التهمة” السجينتان القاصرتان «عين» و«صاد» الأولى عمرها «15» عاما والأخرى أكبر من ذلك بقليل، مكانهن الطبيعي والقانوني دار الأحداث، والحاصل أن حيلهن المسنودة بانعدام وثائق الإثبات قد انطلت على الجهات الضبطية؛ وإن بقين أصلاً في تلك الدار فلن يسأل عنهن أحد؛ فيما يبقى الإفراج عن أحدهن مشروطاً ب «20,000» ريال «كفالة» هي عاجزة حتى عن إحضار فلس واحد منه.
إعدام ميت
«ياما في السجن مظاليم» قد تكون «س.س» أكبر السجينات سناً - هكذا خيّل لي- حكايتها تدور في البوتقة ذاتها، اثنا عشرعاماً مضت وهي تنتظر إعدامها المُرتقب، ليست هاربة من الموت بل تتمناه بكل جوارحها «هكذا قالت» وأضافت :إن إعدامها الحقيقي حدث في اليوم الأول لدخولها السجن، وأصل الحكاية أن ثمة خلافاً حدث بين زوجها وأبناء عمومته، ما أن تجرأت وصدت إحدى اعتداءاتهم حتى أردت أحدهم قتيلاً، حُكم عليها بالإعدام وعلى الزوج بالسجن، ليقتل هو الآخر بعد الإفراج عنه مسموماً في مدينة الحديدة، كغطاء للجريمة الأخيرة استمر غرماؤها بالمطالبة بإعدامها مُستعينين بضعفها وتخلي الجميع عنها.
- حسب تأكيدات من داخل السجن أن الرغبة في الانتحار تبقى طلباً ملحاً عند بعض السجينات لفظاً لاتأكيداً، عدا السجينة “ع.أ” فهي أكثرهن إصراراً على الانتحار ليس هروباً من وضع السجن بل قهرمن ظلم أهلها الذين أخذوا ولدها بمجرد خروجه على وجه الدنيا و«أخفوه..!».
- جزء من تلك الرغبة ما زالت تلاحق السجينة “م.ع” المُتهمة بقتل ولدها، هي كما تصف مُتهمة قبل ذلك من الزوج بأن الولد «مُش ابنه» متخذاً من ذلك مبرراً في التقصير في جانب النفقات، قُتل الولد «مَخنوقاً» فيما أصابع الاتهام هذه المرة طالت الأب والأم معاً!!
نظرة مضادة
هناك صورة نمطية مغروسة في مخيلتي كما في مخيلة كثيرين تشكّلت مع مرور الوقت والتلقي المفتوح ل «الأفلام السينمائية» الجريئة التي جعلت من سجون النساء وكراً للقسوة والقهروالتحرش والاستعباد، أثرت هذه الإشكالية مع الأخت كريمة العراسي وزميلات لها متطوعات من قبل «الهلال الأحمر» في مساعدة السجينات وإخراجهن من الخواء النفسي والعجز الاجتماعي الذي يعشنه، وفوق هذا وذاك تأهيلهن مهنياً وحرفياً حتى ينتصرن على واقعهن المُر، وقد أجمعن أن تلك «الصور السينمائية» لاتتكرر في واقعنا المعاش، وأن سجينات بلادي طيبات ضعيفات لا حول لهن ولا قوة.
- بعد ذاك استرجعت مع كريمة وزميلاتها لحظات قدومهن قبل خمس سنوات لأداء مهامهن الجليلة في السجن، كان اليوم الأول صعباً، فثقافة الإلغاء وتقمص دور القاضي والجلاد مُعشعشة لحظتها على الجميع، مع مرورالوقت انتهت تلك النظرة القاصرة والنظرة المضادة أيضاً، وتحولت إلى تعامل راقٍ قائم على المودة والمحبة والانسجام.
أحسن حالاً
ما أن نثرت تساؤلاتي أمام القائمين على إدارة السجن المركزي بتعز حتى فاجأوني بالقول: أن نزيلات السجن يحصلن على دعم ورعاية لن يجدنه حتى في بيوتهن وبين أهلهن، وحين وجدوني مُستغرباً من هذا التوصيف المُتماهي حد الكمال، حاصروني بأسباب تكاد تكون مُقنعة، فعدد نزيلات السجن قليل جداً مقارنة بسجن الذكور، مما يسهل متابعتهن وخدمتهن دون إخلال، يضاف إلى ذلك أن الجمعيات المُهتمة بحقوق الإنسان مثل «المعهد السويدي الألماني للسجينات» و«اتحاد نساء اليمن» وعدد من رجال البر والخير، خدماتهم تتوالى إلى السجينات على الدوام.
- وبالنسبة لعدد الطاقم الأمني النسائي المصاحب فإن عددهن يقترب من نصف السجينات، يؤدين مهامهن الموكلة إليهن باقتدار،أمينه القدسي، إحدى هؤلاء، حدثتني عن حال السجينات وحالهن، فهي وزميلاتها يتناوبن طول الوقت على حراسة سجن النساء من الداخل ومرافقة السجينات إلى المحكمة، كما نفت وجود أية صعوبات تعترض مسار عملهن.
- ما أن وصفت أمينة السجينات بالمساكين حتى أكدت استحقاقهن للعقاب، وأتبعت الإدانة بدليل ملاحظتها المستمرة لأغلبهن باكيات نادمات طالبات الغفران، عدا سجينة واحدة تلبث على الدوم في صب دعواتها المكلومة لكل من ظلمها، تهمتها «الاختلاء» وفوق هذا تطالب باستمرار بأن يجرى لها الفحص الطبي فهو - حد إلحاحها- سيؤكد عذريتها.
همسات خجولة
تؤكد غالبية الدراسات المهتمة أن «سجون بلادي» ينقصها الكثير، فهي خالية الوفاض من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، ومبانيها وعلى الأخص سجون النساء بحاجة إلى إعادة نظر في التصميم والتجهيزات، وتشكومن محدودية الخدمات، بالإضافة الىعدم وجود أية برامج تشمل توفيرخدمات الرعاية والتأهيل والتدريب والتوعية والتثقيف،سواءً للسجينات أو لأطفالهن المتواجدين معهن ممايشعرهن بوطأة العقوبات، ويزيد من اتساع الهوة بينهن والمجتمع، وهوما يعكس نفسه على بقائهن في عالم الجريمة وتفضيلهن لممارسة الانحراف.
- تُصر هنا كريمة العراسي على توجيه الدعوة لمصلحة السجون بالعمل على إيجاد مُصلحين نفسيين واجتماعيين لدعم السجينات، فهي وزميلاتها بفعل تواصلهن المستمر مع السجينات كُن يتقمصن دور هؤلاء المصلحين في بعض الجوانب، وقد لمسن تحسناً كبيراً في التعامل والأداء والإنتاج، كما لم تخفِ استغرابها من تلك النداءات والمناشدات التي تتردد بين الفينة والأخرى مطالبةً بالإفراج عن سجناء مُعسرين ذكور، أوممن قضوا ثلثي المدة مهما كانت قضاياهم وكيفما كانت، في حين لم يحصل أن وجدت مناشدة شاردة تطلق لإطلاق سراح سجينة واحدة، وإن وجدت فهي محاولات من بعض الأسر لاتعدو أن تكون همسات خجولة تكرِّس الخطيئة والظلم!!.
الزواج من السجينات
السجينة امرأة لهاعواطفها وأحاسيسها الفياضة، من حقها أن تتزوج وتنجب وتعيش حياتها كما الآخرين، ثمة سؤال مُتصل تبادر إلى مُخيلتي وأنا أجوب أروقة السجن المركزي بتعز: هل من الممكن أن تتزوج إحداهن سواء كانت «عزباء أم أرمل» من زميل لها في السجن، أومن مُنقذ يأتي بحصانه الأبيض من خارج الأسوار..؟! لم تكن الإجابة سهلة، حتى وإن حصل الطلب بمقدماته المعروفة وتحقق القبول، فالعرس واللقاء الحميمي لن يتم إلاهناك خارج السجن، قد يقول قائل: إن القانون يجيز«الخلوة الشرعية» للمساجين، ولكن: هل للنساء المتزوجات من ذلك نصيب..؟!” ما أن ولد السؤال حتى جاءت إجابة أحد مسؤولي السجن مبهمة غير مشبعة بالاستدلال القانوني الدامغ، لأن العُرف القبلي هو السائد، وهناك سجينات متزوّجات ولم يحصل أن تقدمت إحداهن بذات الطلب؛ أوجاء الزوج من خارج السجن يبحث عن حقه الشرعي؛ ووضع الرجال في هذه الحالة أحسن بكثير وغرف «الخلوة الشرعية» جاهزة لكل السجناء المتزوجين.
- تعمقت في ذات الجزئية أكثرمع المحامي عبد الحكيم الحاج وبدوره قال: إنه في حال وجود حالات مشابهة وولي أمر متبرئ كما هو شائع في مجتمعنا فالعقد هذه المرة يتم بواسطة المحكمة، فيما يتكفل القاضي بتحديد الشرط والمهر والكسوة، لافتاً إلى أن الراغب في الزواج يتقدم بطلبه إلى إدارة السجن عبر النيابة، فيما تتكفل الإدارة بمعرفة رغبة الطرف الآخر «السجينة» عبر طاقمها النسوي، هذا إذا كان المُتقدم يعرفها سلفاً، وفي حال العكس يتم الأمر بالصورة ذاتها مع فارق أن إدارة السجن بطاقمها النسوي تتكفل بالكشف عن الراغبات بالزواج على أن تتم إجراءات التعارف بين الطرفين إما في المحكمة أوبعد خروج السجينة، وما أحب التنبيه إليه هوأن أغلب الشواهد الحية على زواج السجينات قليلة جداً بل لاتكاد تُذكر في غالبية السجون اليمنية، خاصة وأن العُنوسة ضاربة جذورها في مجتمعنا اليمني ككل، فما بالكم بالزواج من سجينات هن في نظرالجميع مجرمات منبوذات محكوم عليهن بالإعدام سلفاً.
الجرح الغائر
العفوعن أي امرأة خرجت من السجن أياً كانت جريمتها تدور في بوتقة «الفرحة التي لم تكتمل» لأن هذا الخروج يتحول مابين ليلة وضحاها إلى جريمة أخرى لا تغتفر؛ كثيرات هن السجينات اللاتي خرجن من السجن مكسورات الأنوف، ليجدن في الأسرة والمجتمع سجناً كبيراً ذا قضبان أبدية لاترحم، فيه ألسنة لاذعة، ونظرات ازدرائية مَشُوبة بالشك والظلم والقهر، لاتتوقف عن ملاحقة هذه أوتلك،عار الجريمة يبقى فوق رؤوس الجميع، تُوصد أبوب الحياة الكريمة ومُتطلباتها، فيما أبواب الخطيئة مَفتوحةٌ على مصراعيها، وليس بمُستغرب أن تَجد مِن السَجِينات أنفسهن من دخلن السجن للمرة الأولى ظلماً، ليكون هذا المجتمع سبباً في عودتها إليه أكثرمن مرة، ما زالت حكاياتهن تختزل مساحات شاسعة من الوجع، إنه الجرح الغائرالذي لا يندمل، والقسوة المفرطة التي لاحدود لها.
- التقيت بمساعدة أحد المحامين إحدى هؤلاء السجينات المفرج عنهن، وإن كان حديثها الأول للصحافة مشروطاً بعدم ذكر الاسم أوالتهمة، وما يهمنا وبغض النظرعن إصرارها المبحوح إنها دخلت السجن ظلماً وبتهمة ملفقة، إلا أن تركيزنا يبقى على الأثر النفسي والاجتماعي الذي لحق بها من ساعة القبض عليها وولوجها السجن، وصولاً إلى الإفراج عنها المتبوع بفاجعة التخلي والنكران من الأسرة وكل المجتمع، ثلاث سنوات قضتها في السجن لم يسأل عنها أحد، قالت: إن حياة السجن ليست بتلك القسوة التي يصوّرها الإعلام وأحاكي الناس، ففظاعة النكران لا تضاهيها أية«قسوة» ويوم أطلق سراحها لم تفرح، بل تمنت على روتين «الإفراج» أن يطول ويطول، وعلى «عزرائيل» أن يأخذ روحها؛ ولولم تكن مُتعلمة وتفقه أشياءً من قهر الحياة وغدر الزمن لكان حالها الآن أسوأ بكثير، لقد ذابت في زحمة المدنية، وأوجدت لنفسها عملاً في إحدى محلات الاتصالات، تواصلت مع الجميع دون أن يعرف أحد حقيقتها!!.
إلى أين..؟!!
«نادية .م» هي الأخرى سجينة مُفرج عنها تلقت نبأ انتهاء محبوسيتها بوجوم شديد، ما أن تبادر إلى مسامعها الخبر الفاجعة حتى عادت إلى عنبر السجن المركزي في صنعاء وهي تبكي وتتوسل قائلة «إلى أين أخرج.. لا أريد الخروج..»، حكاية نادية تناقلتها عديد وسائل إعلامية على اعتبارأنها ليست السجينة الوحيدة التي ترفض الخروج من السجن، لذا فالبقاء في السجن أفضل بكثيركما تقول نادية، كونها لاتعرف أين ستذهب لأن أسرتها ترفض رؤيتها، وقد سبق وأن حذروها من مغبة العودة إليهم، حتى لايعود بعودتها الحديث عن الفضيحة التي سببتها لهم، بل أنهم هددوها بالقتل إن فعلت.
- يقول المحامي عبد الرحمن برمان: إن السجينة تعامل كمجرمة بمجرد القبض عليها إلى أن تموت وهذا للأسف الشديد عين الظلم، والأصح حسب برمان أن لا نكيل التهم هكذا جزافاً مستدلاً بالقاعدة القانونية “إن المُتهم بريء حتى تثبت إدانته”، والمجتمع هنا يقسو ويفرط في القسوة، وهو تصرف عده برمان مُحفزاً رئيساً لأسرة هذه السجينة أن يتخلوا عنها سواءً كانت بنتاً أوأختاً أوزوجة، ويعلنون للملأ إنهم ليسوا على صلة بها، وهو الأمر الذي له مردود قاسٍ على السجينة نفسها فتصبح في وضع نفسي سيئ للغاية، تفقد بسببه الدافع المعنوي، فتتحول من حالة المواجهة والدفاع إلى حالة الانهيار.
الإجرام الحقيقي
عديد جمعيات ومنظمات مُجتمعية مازالت تجاهرطول الوقت بأنها خيرساند وداعم لأوضاع السجينات وتلقفهن من براثن السجن والمجتمع، وهنا في سجن تعز يبقى اتحاد نساء اليمن هو الحاضر الأبرز في هذه الجزئية تحديداً، سواء بشهادة القائمين على السجن أوالاتحاد نفسه، فهذه رمزية الإريانى - رئيسة الاتحاد - أكدت ذلك وأضافت: أن جهودهم جبارة في مساندة السجينات المتضررات من هذه الجزئية، وقد أنشأوا لأجل ذلك مركزاً لإيواء وإعادة تأهيل السجينات، وأن عدد المتواجدات فيه يخضع لاعتبارات عدة فهو أحياناً يزيد وأحياناً ينقص، وحددت الإرياني المدة التي تقضيها الواحدة منهن في ذات المركز بأنها لاتقل عن ستة أشهر، يتم خلالها تأهيل السجينات التأهيل الجيد من أجل إدماجهن في المجتمع، وتهيئتهن لإعالة أنفسهن من خلال كادرنسوي متخصص، كما أشارت إلى وجود حالات تم تزويجهن عن طريق المركز، وحالات أخرى تم الصلح بينهن وبين أسرهن.
مُشكلات مُعقدة
كما ذهب عدد من الأخصائيين الاجتماعيين إلى القول: إن تخلي الأسرعن بناتها بعد دخولهن السجن أوخروجهن منه يرجع إلى اعتبارات عدة، لعل أهمها أن هؤلاء النسوة كائن ثانوي الدور والوظيفة، ومحاسبتهن على أخطائهن أمرلابد منه، مما يجعلهن يعشن دوماً تحت الضغط والتهديد سواء أكانت على صواب أم خطأ.
- الدكتورة أنيسة دوكم، مدير مركز البحوث النفسية في جامعة تعز ذهبت لمثل ذلك وزادت عليه: إن تلك الظاهرة جزء من ذلك الظلم الذي كرسته الثقافة الذكورية المستقوية والمستبدة في المجتمع، وأنها ومن خلال زيارات سابقة للسجن أطلعت عن قرب على حال السجينات المقلق، حيث الآثار النفسية غير العادية بادية وبوضوح، ف «لا أمل.. ولا مستقبل.. ولا مساندة اجتماعية..» وهو الأمرالذي يقود إلى نتائج كارثية على السجينة ذاتها وعلى المجتمع ككل.
تَعز غَير
بعيداً عن التعميم المُشاع حول هذه الظاهرة تبقى تعز «استثناء» فريداً ومميزاً، نزولي الميداني إلى أروقة السجن كان مُكملاً مُهماً لاستقراءات سابقة غير دقيقة تمت خارج الأسوار، وكانت الحصيلة خير دليل في إزالة اللبس وإثبات الحقيقة عن قُرب، ومما تأكد لي أن عدداً قليلاً من السجينات يتجرعن ذات البلوى، وهوفي اعتقادي مؤشر إيجابي مقارنة بحال السجينات في باقي المحافظات.
- كريمة العراسي إحدى مُتطوعات الهلال الأحمرأعطتنا صورة صادقة وأكثر واقعية من داخل سجن النساء نفسه، فثقافة«التخلي والنكران» موجودة هنا ولكن بنسب متفاوتة، ولعل الشيء الجيد - حسب وصفها- يتمثل بأن الأهل لايتخلون عن بناتهم حتى النهاية، وفترة القطيعة هذه لاتدوم كثيراً قدتكون شهراً، شهرين، خمسة، أكثر، وهذا يعني أن غالبية السجينات عانين من ذلك ولكن بصورة مؤقتة.
أسباب خفية
البحث في أغوار المسببات التي أدت إلى وصول المرأة للسجن، قد يكون ضرباً من الطواف البعيد عن بؤرة البداية، ولوتأملنا الدراسات المُتاحة في هذا الجانب جيداً لأدركنا عمق الإهمال الذي كرسه الباحثون والمُهتمون في دراساتهم وأبحاثهم، فهم لم يتطرقوا الىمثل ذلك؛ على اعتبارأننا مجتمع ريفي مُتخلّف تطغى عليه العادات والتقاليد البائدة.
- قد يكون الباحث نبيل عبد الرقيب العديني أول من ركّز على تفاصيل هذه الجزئية، فتلك العادات حد وصفه تعتبر مبرراً كافياً في عدم إعطاء المشكلة الاهتمام الكافي، مؤكداً ضرورة وجوب دراسة هذه القضية في جوانبها المختلفة، كونها تشكّل ظاهرة اجتماعية واقتصادية خطيرة لها آثارها السيئة في محيط المجتمع بوجه عام وفي المحيط الأسري بشكل خاص، لأن المرأة«نصف المجتمع» وإيداعها السجن أمريترتب عليه خسائر وأضرار اقتصادية واجتماعية خطيرة تمس المرأة نفسها قبل أن تمس المجتمع.
- اللجنة الوطنية للمرأة كان لها دورالسبق في دراسة أوضاع السجينات في بلادنا عن كثب، وقد أعطت تلك المُسببات حيزاً لا بأس به في مُجمل تناولها المُستفيض، فكان الأمر أشبه بالعناوين اللافتة غير المشبعة بالدراسة والتحليل، ونبهت ذات الدراسة إلى أن معاناة المرأة السجينة تبدأ من الأسرة، والمحيط الاجتماعي، وغلبة العادات والتقاليد السائدة التي تفرّق بين الذكر والأنثى في المعاملة والتنشئة والحقوق، وأنها تعاني من محدودية التمكين الاجتماعي والاقتصادي، ومحدودية المشاركة في الحياة العامة، وفي اتخاذ القرار، حتى تلك القرارات المرتبطة بحياتها ومستقبلها.
فجوة
فيما يجزم المحامي جمال محمد الجعبي بوجود فجوة كبيرة بين النصوص المجردة والواقع المعاش والضحية المرأة، مما يتطلب من الجميع العمل على ردمها كجهد مُشترك بين الدولة والمجتمع بمنظماته وناشطيه، حيث يفترض في القوانين أنها تراعي وضع المرأة لاعتبارات فسيولوجية واجتماعية متعددة، الجعبي من خلال بحث له عن «سجن المرأة.. نظرة في النص والواقع» تعمق كثيراً في دراسة تلك النصوص، وقد اتضحت تلك الفجوة التي قصدها حال تحليله لقانون الإجراءات الجزائية الذي يحوي أحكاماً متعلقة بسجن المرأة مراعياً لخصوصياتها، حيث تنص المادة «500» على أنه «إذا كانت المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية حبلى جاز تأجيل تنفيذ هذه العقوبة حتى تضع حملها وتُمضي مدة لاتقل عن شهرين على الوضع، فإذا رؤي التنفيذ عليها وجب معاملتها معاملة خاصة ومناسبة لحالها» فيما يرى العديد من العاملين في مجال القضاء والباحثين أن هذا النص لايتم العمل به لأسباب تعود لشحة الإمكانيات والقصور في الوعي القانوني لدى القائمين عليه، وفي ذات الصدد ثمة إشكالية قائمة نبّه إليها المحامي الجعبي وكثيرمن المهتمين تتعلّق بعدم السماح بخروج المرأة من السجن عند انتهاء مدة العقوبة مالم يتقدم أقاربها لاستلامها، على الرغم من وجود نصوص قانونية مُلزمة تحض ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.