كان قلق ريم يتضاعف كلما زاد التوتر من حولها فها هي الساعة تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل ولم يعد أخوها إلى البيت, ومع كل دقيقة تمر يشتد غضب والدها ويبدأ بإلقاء عبارات اللوم على زوجته “فهذه تربيتها كما تعوّد أن يقول كلما مروا بمواقف كهذه” وكأنها قد أخذت عليه عهداً أن تكون التربية حكرا عليها وحدها ولا دخل له في تربية أولاده, أو هي مجرد عبارة يرددها ليبرر ابتعاده عن أولاده ومشاركته في تربيتهم وحل مشاكلهم !!! كل ما كانت تفكر فيه حينها هو كيف سيكون استقبال والدها لذلك الذي خرق قوانين البيت الصارمة وتأخر كل هذا الوقت, فهي للأسف تعرف أباها وتصرفاته الخالية من العقلانية في مثل هذه المواقف . أخرجتها من أفكارها تلك طرقات على الباب وبكل تأكيد هي لأخيها الغائب الذي عاد أخيراً وتمنت حينها لو لم يعد, فبمجرد دخوله فجر والده في وجهه كل شحنات الغضب المتراكمة داخله, واخذ يهينه أمام الجميع، لتنتهي جلسة التأنيب تلك بصفعة مدوية فجرت الدموع من عيون الجميع فلم يكن سهلاً عليهم رؤية أخيهم الكبير يتعرض للإهانة بهذه الطريقة. أمام هذا الاستقبال الحافل غادر خالد البيت حانقا مكسورا, وما يدعو للدهشة والحيرة أن الأب بدأ هجومه على ولده دون حتى أن يكلف نفسه عناء السؤال عن سبب التأخير !! فهل هي محاولة منه لإثبات وجوده ؟ وكأن الحضور لن يكون قوياً إلا إذا كان العقاب شديداً. سؤال تبادر إلى ذهن ريم وهي تمسح دموعها، فلماذا لا يحاول الآباء الحصول على الاحترام الذي ينشدونه من أولادهم بالحب والحنان والتصرف الواعي؟! بعد مضي بعض الوقت عاد خالد بوجهٍ حزين، توجه إلى غرفته بصمت وكأنه لا يريد الحديث مع احد، لحقته ريم لكنها لم تجد ما تقوله بل لزمت الصمت هي أيضا وظلت تسترق النظر إلى وجهه الحزين وأخيراً قررت الحديث: “خالد ! ........” بابتسامة حزينة قاطعها: “لا تقلقي فأنا بخير, لست هشاً فأنكسر بسهولة ثم انه أبي وعلينا تحمله إن لم نتحمله نحن أبناءه فمن سيفعل؟ اذهبي ونامي ولا تحملي هم شيء” أسعدتها كلماته تلك, فنظراته وهو يتحدث تؤكد انه بخير, وقبل أن تغادر التفتت إليه وسألته: “ولكن لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟ والله أقلقتنا عليك” “وأنا أذاكر عند فؤاد تعبت والدته فأخذناها إلى المشفى ولم استطع تركه لوحده فبقيت معه حتى تحسنت حالتها وأعدناها إلى البيت “ ابتسمت له وخرجت قبل أن يرى دموعها, فلماذا لم يعطه والده فرصة للحديث؟ لو كان سمعه لطبع قبلة حانية على خديه بدل تلك الصفعة القاسية. وفي طريقها إلى غرفتها استوقفها أبوها ونظرات القلق بادية عليه سألها بلهفة: “هل هو بخير؟” طمأنته فإذا بعلامات القلق تتلاشى من وجهه اخذ نفساً عميقاً ثم دخل غرفته نظرت له باستغراب انه فعلاً قلق ولكن طريقته في ترجمة مشاعره كانت جداً خاطئة. دخلت غرفتها هي أيضاً و الأمل يحدوها في أن يحاول أن يكون أكثر انفتاحا ً مع أبنائه حتى لا يخسرهم، أن يعطيهم الثقة والحب والحنان ليعيش معهم حلو العيش ويحصد معهم خير التربية. فكرت انه يوما ما قد يدرك كم هو بعيد عنهم ... يوما ما قد يُقدم على الاقتراب و تمنت من كل قلبها ألا يكون الأوان حينها قد فات.