(شرارة) تصادمتُ والشمسُ فاحترق الطينُ وانشقّ كفِّيَ عن أحرفِ النارِ والهاوية وقد رُفِعت فوق جدران قريتِنا أذرعُ الخيل ماكنتُ أسمعُها إذ ترتّل ما عسّرَ الله في قلبها من غريبات (يس) كي تئدَ القريةَ الباقية. ستُسمَلُ عينٌ وتُشرَخُ أفئدةٌ في العراءِ تماماً كحرفيَ إذ ضاع في درج ٍ نائية، فَقُوا الأرضَ من قطراتِ السّماءِ بأفواهِكُمْ سوف تَعمُرُ ألسُنُُكم بالهُتافات ثمّ اعقِلوا الأمّ في عُنُق الخيلِ وانتظروا الكبوة التالية (حريق) لماذا على الفقراءِ الدعاءُ؟ وفوق الأرائك يثنون أرجلَهم دائنون كما لو كراسيُّ مُرتَبِعٌ فوقَها بشرٌ، قاتلين الفقيرَ ومستأثرين بأخذ الدِّيَة لماذا تشقّقُ من قبل أرضٍ لنا الساقُ بالجدبِ والكَرَعُ الجَمّ مختَبَنٌ في سُهوبِ المدائن يلهو به حارسُ الساقية؟ لماذا وقد أغرقَ اللهُ دوحتنا بالتلاوين نسيجها برؤىً بالية؟ فو الله ما نَزّت الريحُ أرواحَنا من عدم ولا لاكَتِ الأرضَ أجدادَنا الطيبين بغُنج ولا كبّلتنا مخادعُ أزواجنا الدافئاتُ عن السيفِ والليلةُ القانية، وما كان تُبَّعُ رَدّمَ تلك الأخاديدَ بالنار كي يشوي الطيرَ وقت التَّهاجُر كي يطعمَ الثُلّةَ الجائعين وما كان فرعون يبغي النبوّة فلا تَقنَطوا من هَيَابة أسيافِكُم وأميطوا عن التُبَّعِ الأعيُنَ الخاوية.
هنا لم يَعُد يزرعُ اللوزَ جدّي وما كانَ إلا لأنّ السّماءَ تصُبُّ على رأسِه كلّ يومٍ من الحُبّ للموتِ ما ليس يُبدِي ولمّا يَزَل يتَمَطَّى السوادُ وقد أُُسرِِجَت دون أدنى التّفاصيلِ أفواهُ والتُجِمت أفئدة.
(دم ٌ نازفٌ) وها أيقنَ الدّمُ أنّ التُّرابَ يسيلُ على جانِبيه ليُمحى إذا مارأى النور في ذات غيم و أنّ الحروفَ تُخطّ به ليُنال الرِّضا ففرّ إلى شاسِعاتِ الدِّمَن. يرى واحدٌ أنّ في كلِّ بيتٍ تنام السّماءُ وينسكبُ الماءُ من بينِ أركانِها تارةً ويقرعُ أكبادَ أخرى الضياء على الرّغم من طفو صفو السماء على الناس في دارِهم كلَّ حين.. ورغم الطّحين الذي فاض مذ لم تذقهُ المخازن في حيّهم مرة ثانية . ورغم التعاويذ، يسقُطُ في دمها آخَرٌ، وحيداً وقد كان في حاشية، بجنحة أن الترائي شكّ يمس طهور يدٍ لاتنجّس، أنّ الرؤى فتنٌ عاتية. (يردد آخرُ) إن التنادب ساق سفين التسالم للجُرف من دون أن يبتقي أملاً، يذكّرُ أبّانَ يوم السقيفة كيف التشاورُ عبّأ أرواح قوم يخافون أن يُسألوا ذرّةً، وجلا فجالوا بأرجائها فاتحين، وقد أخلصوا النذْر بعد النية. وما زال يذكُر حتى جرى خلفه الناشئون ب”مجنون”... شَجّوا له الناصية. وما زال يجري وخلف خُطاه التلافيقُ تجري كأن السماء تَبَرّأُ منه. فزلّ التهرول، والليل كالدم ما عاد يسري ( دمٌ ناشِفٌ) وها بزّت الأرضُ أجزاءَها منك، ألقتكَ والسيفُ بين التراب فغُص أمَداً.. إنّ فيها بَدَن.
(هذي البلادُ) أنا كُنتُها -وما كنت أطمع، لولا أبي الجبلَ.. اللهُ كان له شاءَها -، فعانقتُها، رغم أنيَ حين تنشّقتُ من دمها عِفتُها وأسدلتُ أوجاعَها في القصيد وغيّمتُ أنّاتِها فوق وجهي، تبسّمتُ في وجهِ أطفالِها قلتُ إنّ الديارَ ستُنجِبُ سبعا ً من السنبلاتِ لتفلِقَ صدرَ الرياحِ بشيءٍ من الماء والقُطُفِ الدانية وقبّلتُ فلاحةً حين قالت، وغارت بأصبعها في الدخان: هنا أُطفئَ الزارعُ اللحمَ في داخلي وسَكَن بَكيتُ على غيدِها حين مِلنَ عن الدارِ سافرتُ في حزنهن على النار والطفلُ مازال يرنو لعين السماء بلا تَنجيَة. هذي البلادُ التي مات فيها من الناسِ ناس أوَدّ لو انسلخ العرشُ من صهوةِ الإرث فيها، وفرّ قُبَيل صباح التّماس وشاخَ التكتّل، دون القسم. أوَدّ ،كأنيَ أهذي من الجوعِ، لو أقسِمُ الخبزَ ما بين قلبي المذابِ عليها ومابينَ أجفانِها إذ تَهِن. أوَدُّ.. ولا شيء يأتي لِوِدّي فأُدركُ - أن الذي نام في الأرضِ ما كان شيئاً ليُسألَ فضلاً وأن الذي ذابَ في الطينِ طين.
(رماد) تضجّ المداخلُ بالصمتِ، والصوتُ لايلِجُ الصدرَ إلا لتُسفِكَ أصداءَهُ دونهُ قُل ستعلكُ أوصاله مدنٌ وتموتُ بهِ رُغم زَعم الصفيّ الذي جاءها باللقيماتِ أن البيوتَ السكوتُ. وإن لم يمتن سيحيين كالدم بين اندلاع اللسان ب“أوّاه”.. والنسل بين نُجُوع السُرُر. ولاشيءَ يبقى سِوى الصوت ينشرُ أطرافَهُ وقرىً غافية.