يعد التمبل من أكثر المكيفات تناولاً بين أوساط العدنيين حيث يمثل منافساً شرساً للقات في محافظة عدن , وذلك لارتباطه بالموروث الثقافي والاجتماعي، إلا أنه بالآونة الأخيرة تعالت الأصوات التي من شأنها تتحدث عن المخاطر الصحية المترتبة عن مضغه في ظل انتشار باعة التمبل في الأزقة خصوصاً أمام المستشفيات والمدارس وكذا تشويه المظهر الجمالي لمدينة عدن. جذور التمبل الزربيان، الصانونة، الفوفل، إلى جانب التمبل جميعها أسماء ارتبطت بالسلوكيات اليومية للعدنيين، لكن الشواهد تقودنا إلى جذورها الهندية والتي تسللت إلا المجتمع العدني أثناء الحقبة الاستعمارية خلال وجود الجالية الهندية مخلفة وراءها إرثاً من الأكلات والعادات والتقاليد امتزجت مع مرور الوقت بالهوية العدنية. تحضير التمبل في إحدى زوايا شوارع محافظة عدن وعلى قارعة الطريق تقبع طاولة متهالكة يقف خلفها شاب في مقتبل العمر لتحضير التمبل على عجالة للراغبين بشرائه وبسواك عربي متهالك تفرد ورقة التمبل ومن ثم تمرر عليها بعض من النورة ( مادة مستخدمة لطلاء الجدران) وترش عليها بعض من الفوفل ومن علب متهالكة انتهت مدة صلاحيتها تحرك لينزل منها ألكت( صبغة حمراء تضفي على الفم اللون الأحمر عند مضغها) ومن ثم التمباك الهندي أو العربي لينتهي تحضير الهمبرجر المصنوع من التمبل. شرح لي أحد باعة التمبل ورفض ذكر اسمه أنواع التمبل وطريقة تحضيره قائلاً: ينقسم التمبل إلى ثلاثة أنواع، هي: التمبل الحالي الزردة السوكة، حيث يتم تحضير الزردة من تمباك هندي وإضافة الرتنا والفوفل على ورقة التمبل، بينما يحضر الحالي من السكر والعطر والنارجيل والهيل والقرنفل وجميعها مواد حلوة تمثل اقبالاً كبيراً خاصة عند الاطفال والنساء أما السوكة فيتم خلط الماء مع نورة مع التمباك لتصبح عجينة متجانسة لتفرد على ورقة التمبل. فراق والدتي هو السبب الفراغ وقلة الوعي بالمخاطر الصحية له ليست دوماً المسبب الرئيسي للإدمان وكما يقال لكل قاعدة شواذ وهذا ما ينطبق على م خ طالب جامعي امتلك الوعي والثقافة الكافيين التي من شأنهما تبعدانه عن السقوط في براثن الإدمان، لكن لا تجري الرياح كما تشتهي السفن ، خاصة بعدما سددت يد القدر صفعه وذلك برحيل والدته عنه ، الأمر الذي حوله من ماضغ للتسلية إلى مدمن ليساعده على نسيان الصدمة يقول م خ : لقد كنت أمزج ثلاثة أنواع من التمبل وامضغها وبعدها أغط بنوم عميق بسبب تأثيره علي.. صم أذنيه عن جميع النصائح ورافق رفقاء السوء الذين قادوه إلى الانحراف ليصافح ساعة من النشوة من أجل النسيان يقول م خ : لقد تعاطيت العديد من المكيفات ورافقت أصدقاء السوء وذلك منذ فراق والدتي والتي أشعرتني لأول مرة بمعنى الفراق لفقدها.. حتى حانت ساعة المواجهة بينه وبين المرض وبسبب التمبل بدأت أعراض المرض تدب بجسمه شحب لونه ونحل جسمه وانتابه السعال المفاجئ، الحاد والمستمر بعد مضغه التمبل حتى جاء اليوم الذي يبصق فيه دماً حتى توقفت السنون وتوقفت فيها ساعة الزمن وطافت الدنيا وهو ينظر إلى الدماء الملقية على الأرض ببراءة قائلاً: عندما نظرت إلى البصاق الممزوج بالدماء تجمدت الدماء بعروقي وظللت نصف ساعة وأنا أبحلق بها. ثم يضيف قائلا : بعدها أيقنت أنني مصاب بالتهابات حادة بالصدر فتوقفت فوراً عن مضغ التمبل ومكثت بالمنزل للراحة وبدأت بتناول العسل مع الحليب والبيض، ومنذ ذلك الحين توقفت عن مضغه.. ثم أضاف م خ بامتعاض قائلاً: لقد كنت صغيراً عندما أجلب التمبل لجدتي فعن طريقها تعلمت مضغه.. وبسبب أصولنا الهندية لم يعترض أحد على مضغه باستثناء والدتي التي كانت تسدي النصح إليّ قائلة الحجر من الأرض والدم من رأسك. ذكرى ابن عمي بدأ أحمد أحد الباعة في محلات عدن مول حديثه بامتعاض قائلاً: عندما أمضغ التمبل أتذكر ابن عمي الذي علمني مضغه وأدعو عليه.. ثم يضيف قائلاً: لقد كانت أيام طيش تعلمت فيها مضغ التمبل ولقد ندمت بعد ذلك، لأنني أصبحت مدمناً عليه لدرجة أنني امضغ ست حبات باليوم. أما عن المخاطر الصحية المترتبة عليه فقد حدثني حمدي قائلاً: لقد كان لي ابن عم آخر مدمن على التمبل وفي يوم من الأيام تنامت إلى مسامعه خبر مرض صديقه فأسرع للوقوف بجانبه وذلك بمكوثه بالمستشفى وأثناء تواجده بجانب صديقه سقط ابن عمي مغشياً عليه وعندما فحص وجدوا التمبل قد أتلف الكلى والرئتين والمعدة والكبد ومات متأثراً بالمرض ...ثم يضيف حمدي بحماس : إذا كنت غير مصدقة فخذي كمية من الزردة وانثريها على كبد ماعز طازج وسوف تلاحظين بعد لحظات تكون ثقوب صغيرة عليها جراء الزردة فما بالك بجسم الإنسان. إدمان لا أستطيع التخلي عنه أخبرني أحد الشباب رفض ذكر اسمه قصته مع التمبل قائلاً: بعدما أدمنت مضغ التمبل جراء مرافقتي لأصدقائي الذين عزموا عليّ في إحدى الأيام بتجريبه حتى ندمت بعدها كثيراً خاصة أنني لم أصغ لنصائح أهلي الدائمة بالابتعاد عنه.. ثم يضيف بامتعاض: أما الآن لم أستطع التخلي عن هذه العادة بسبب إدماني عليها لدرجة أنني أمضغ تسع حبات في اليوم الواحد. مجرد برستيج أخبرتني س م فتاة جامعية بمقتبل عمرها عن تحول التمبل من برستيج يتم تناوله بالمناسبات إلى إدمان ليس الشباب فقط بل الفتيات عليه قائلة: لقد كنا بعد وجبة دسمة عائلياً نمضغ التمبل الحالي كتحلية بعد الغداء وهذا أمر يخصنا نحن كعائلة كبرستيج خصوصاً أن لدينا جذوراً هندية.. ثم تكمل بامتعاض : لكن للأسف ما نراه اليوم من إدمان الشباب عليه حتى أصبحت عادة لا يمكن الاستغناء عنها. انتقدت س م مدمنات القات من النساء حيث نجد أن ماضغة التمبل أفضل من ماضغة القات والتي لا تتناسب مع مظهر المرأة الأنثوي خاصة عندما تحتل هذه المرأة مكانة اجتماعية مرموقة. أسنان سوداء د س شاب حدثني بحماس دون أي تردد قائلاً : أمضغ التمبل منذ كنت في الخامسة عشرة من عمري وذلك جراء صحبتي لرفقاء السوء، ثم أضاف موضحاً: إلى الآن لاتوجد تأثيرات سلبية على صحتي؛ لأنني في سن الشباب وإن كانت أسناني سوداء كأنها فحم.. سألته وماذا عن والدتك ألم تسد إليك النصيحة؟ رد قائلاً (أيش تنصحني قدني كبير أفهم). وللأطفال نصيب أدى غياب دور الأسرة والمدرسة والجهات المختصة والتي من شأنها اتخاذ اجراءات لمنع بيع التمبل على الأقل أمام المدارس، إلى إدمان الأطفال على التمبل والذي طال اليوم حتى أطفالنا الأبرياء وهم بعمر الزهور، لذا لم أغفل في استطلاعي هذا إشراك الأطفال المدمنين والوقوف على أسباب الإدمان. دنيا ذات ثماني سنوات مدمنة على التمبل والسبب يعود إلى إهمال الوالدين، سألتها: هل تمضغين التمبل فجاء ردها ( نعم) على استحياء ثم سألتها هل والدك ووالدتك يعلمان بذلك؟ أجابت بسذاجة واضحة: نعم يعلمان انه مجرد نارجيل (تمبل حالي ) ثم سألتها وهل يبيع لك بائع التمبل أم تستعينين بأحدهم للحصول عليه ؟( لا..! أذهب بنفسي لشراء التمبل).. بينما التقيت احداهن والتي لا تزيد عن ثمانية أعوام سألتها: ماذا تمضغين؟ ردت : (نارجيل) دققت النظر عليها فلاحظت فمها الأحمر ثم قلت لها تمبل أليس كذلك ،ردت نعم سألتها هل والداك يعلمان ذلك؟ردت: والدي يعلم بأمري ويقول لي إنه مجرد نارجيل أما والدتي فدائماً ما تغضب مني عندما تجدني امضغ التمبل. بينما تبلغ الدهشة ذروتها عندما تعلم أن إحدى الفتيات والتي لم تكمل الاثني عشر ربيعاً بعد مدمنة على التمبل منذ صغرها لتقول لي: والدي يعلم بأمري لكنه لا يمضغ التمبل أما والدتي فمريضة ، طريحة الفراش نتيجة لإصابتها بالسل إذا علمت بأمري فسوف تغضب مني ، لذا أحرص عند دخولي المنزل على استخدام الفرشاة لمحو آثاره عن أسناني. أسباب انتشاره الحديث عن أسباب انتشار (التمبل) كالحديث عن لوحة سيريالية ألقى كل من الفراغ والبطالة والأمية وقلة الوعي وغياب دور الأسرة والمدرسة ألوانها الداكنة لترسم مأساة باتت تنخر بجسد المجتمع، أن و يضيف علماء الاجتماع أسباباً أخرى حيث ذهب أحدهم إلى التفكك الأسري واستخدام العنف والمعاملات الخشنة التي تجعل المراهق بطريقة أو بأخرى يبحث عن رفقة لتمضية الأوقات معهم حيث من الوارد جداً أن يكون من بينهم مدمنون على بعض الممارسات الضارة والسيئة بالإضافة إلى سعرها الزهيد الذي يجعل الصغار يحصلون عليه بكل سهولة. من مفارقات التمبل يفرز المشهد التمبلي مفارقات متى ما ترافقت هذه المفارقات مع لغة الكسب والربح المادي السريع وهذا ما أخبرني به أحد باعة التمبل في ظل تهافت الزبائن في عدن عليه والذي بدأ بمزاولة هذه المهنة منذ رمضان الفائت لتدل لنا لهجته جذوره التعزية بتعامله بمنطق الربح والخسارة بينما ترتفع الدهشة أوجها عندما تعلم أن هذا البائع لا يمضغ التمبل بتاتاً ويمضغ القات طوال فترة بيعه التمبل. المخاطر الصحية للتمبل صحياً يتحدث العديد من الأطباء عن مخاطره الصحية الجمة في ظل انتشار التمبل وتهافت جميع فئات المجتمع عليه، والتمبل بمواده الحارقة يؤثر على المعدة مخلفاً وراءه مشاكل عديدة في المعدة تنتهي بنهاية المطاف بقرحة معدية ناهيك عما يخلفه من ترسبات تتحول إلى أحجار في الكلى والمسالك البولية بسبب احتوائه على الفوفل وكذا تأثيره على الرئتين مخلفاً وراءه مرض السل المعدي من جراء إدمانه. السرطان ولا تستثنى المخاطر الصحية المترتبة على إدمانه .. مخاطره الصحية على الفم والأسنان وتشويه الصورة الجمالية للأسنان والتي تتطور بفعل الإدمان إلى سرطان وللإحاطة بالمخاطر الصحية للتمبل من جميع جوانبه كان لا بد لنا الحديث مع الدكتورة مهجة أحمد،عميد كلية الأسنان جامعة عدن التي أشارت في لقائنا معها إلى نتائج بحث ميداني نفذه طلاب كلية الطب في عدن واستهدف مدارس التعليم الثانوي للذكور مابين 1418 عاماً أظهرت أن 11% من الطلاب المبحوثين يتعاطون التمبل والمواد الحارقة وظهرت على 3% منهم تغيرات في الغشاء المخاطي للفم وهي “التغيرات البيضاء” أو ما يسمى ب “اللطخة البيضاء” وتعد هذه التغيرات مؤثرات واضحة لسرطان الوجه والفكين وتضيف الدكتورة مهجة : “يعد سرطان الوجه والفكين الثاني من حيث الانتشار بين السرطانات المعروفة في اليمن بسبب تعاطي التبغ والتدخين وعادة مضغ نبتة القات الخضراء والمحتوية على المواد الكيماوية السامة والضارة، كما حدثتنا الدكتورة مهجة “ عن إطلاقهم لدعوات متكررة لمنع بيع التمبل أمام المستشفيات والمدارس والثانويات كأقل إجراء تقوم به الجهات المختصة. وفي حديثها سألت الدكتورة مهجة عما إذا توقف المدمن عن مضغ التمبل هل سيتعافى وإن كان على مشارف الإصابة بالسرطان” فأجابت: نعم وهناك حالات عديدة سجلت نتائج جيدة للشفاء في حالة توقفهم عن مضغه فنحن نريد منح الأمل لهؤلاء المدمنين بإمكانية العلاج والاستشفاء وإن كان هؤلاء على مشارف الإصابة بالسرطان.. واختتمت الدكتورة مهجة حديثها لنا بالإشارة عن أبحاثها والتي نشرت في أكثر من صحيفة والتي حذرت خلالها من المخاطر الصحية كما اختتمت حديثها أيضاً بضرورة تكاتف جهود كل من الجهات الرسمية للحد من انتشار بيع التمبل، والأسرة والمدرسة للرقابة على الأطفال من الوقوع في براثن إدمان التمبل. سرطان الفم والسلوكيات الخاطئة وللإشارة والوقوف على أكثر الاحصائيات حداثة بالنسبة لسرطان الفم والأسنان كان لنا لقاء أجريناه مع الدكتورة هدى عمر باسليم أستاذ مساعد في قسم طب المجتمع ورئيسة وحدة تسجيل السرطان في مركز السرطان كلية الطب جامعة عدن ، حيث أكدت قائلة: يتزايد عالمياً معدل حدوث سرطانات الرأس والرقبة في أجزاء عديدة من العالم التي يكثر فيها بعض السلوكيات الخاطئة المعرضة لحدوث هذه السرطانات، من أهم هذه السرطانات سرطان الدم والبلعوم والحنجرة والتجويف الأنفي والغدد اللعابية وتختلف أعراض هذه السرطانات باختلاف الجزء المصاب وكذلك المسبب الرئيسي للمرض.. وتؤكد الدكتورة هدى: على الرغم من أن بعض هذه السرطانات يعطي أعراضاً مبكرة ومنذرة بالخطر مثل تقرحات الفم وصعوبة المضغ والبلع إلا أن العديد من الحالات تأتي في مراحل متأخرة مثل ما يحدث في بلدنا نتيجة لقصور الوعي بمخاطر تلك الأعراض والتي لو تم الاهتمام بها مبكراً لازدادت احتمالات الشفاء من خطر هذه السرطانات وأضافت: يمكننا القول: إن الدراسات أثبتت بشكل قطعي أن حوالي 90 % من هذه السرطانات تعود للتعرض لعوامل خطورة محددة مثل السجائر والكحول ومضغ التمباك بأنواعه مثل الشمة والزردة وكذا التمبل والفوفل ويعود تأثير هذه المواد لاحتوائها على عوامل مهيجة مثل التمباك والنورة حيث إن بقاءها في الفم يحدث تغييرات في الغشاء المخاطي المبطن للفم ويحدث فيه تغيرات سرطانية مع مرور الوقت.. كما أشارت الدكتورة هدى إلى الاحصائيات القائمة بالمركز والتي تصب بنفس الموضوع قائلة: في مركز السرطان بكلية الطب جامعة عدن والذي نقوم فيه بشكل رئيسي بتسجيل حالات السرطان في أربع محافظات يمنية “عدنلحجأبين الضالع” بحصر حالات سرطان الرأس والرقبة وجد أنها تشكل 10 % من الحالات المسجلة وتأتي في المركز الرابع بعد سرطانات الجهاز الهضمي والليمفاوي والثدي.. واختتمت حديثها بالقول: يعد هذا حافزاً للمتخصصين للتوعية المجتمعية حول هذه السرطانات وعوامل الخطورة المؤدية لها كما تؤكد الحاجة لإجراء دراسات وبائية لمعرفة الحجم الحقيقي لهذه المشكلة الصحية ودراسة العوامل المجتمعية السلوكية المرتبطة بها وبالتالي تبني الاستراتيجيات الكفيلة بالحد منها”. وبالختام لا يسعني إلا أن أضم صوتي لكل هؤلاء المختصين والتنويه بمخاطر التمبل في ظل الانتشار المتزايد له، فلا بد من تضافر الجهود للحد من الظاهرة والتي باتت سرطاناً ينخر جسد المجتمع لتظل محافظة عدن نظيفة جميلة كما عهدناها.