عندما تشاهد تلميذاً بزيه المدرسي يدلف إلى مدرسته مثقلاً بشعاع الأمل ودفء ابتسامة تقي الأتراب لسعات برد الصباح، تقول: كم هو جميل هذا الإنسان لولا أنه أحياناً تخالطه أشياء ليست جميلة، كأن يغار من زميله أو يحقد عليه ولايتسامح معه إذا أغضبه ولايتجاوز آلامه. إن لبس الثياب الأنيقة والقميص الأبيض والسير إلى المدرسة بمرح ومنها للبيت بشوق لايعني أن روح التلميذ صافية ونفسه نقية فأي لحظة قد تكون غادرة في هذا التلميذ إذا ما وجد نفسه طرفاً في عراك طفولي مع قرينه سرعان ما يتحول إلى صراع بين مجموعتين من ذات الصف أو المدرسة ليس أكثر من مشروع منحرف أو قل قاتل. عراك في ساحات المدرسة لقد كثرت في السنوات الأخيرة حوادث العراك وتصفية الحسابات بين أطفال في سن التعليم الأساسي، عصابات تبدأ بين تلاميذ من فئة عمرية معينة سرعان ما تجر إلى دخول فئة عمرية أكبر ومن خارج البيئة المدرسية وتجد التلميذ في سن “12عاماً”يحمل السلاح الأبيض: سكين، خنجر في حقيبته ويتخذ موقع المستعد لمهاجمة زميله. ليس كل إنسان خاليا من القبح أو محصنا من الانحراف ولا كل ما هو أبيض رمز للنظافة والأمل ونقاء السريرة فلتهتموا بهذا ياتربويين. غير مقبول على الإطلاق هذا مايفصح عنه بعض أولياء الأمور ومنهم م. محمد ثابت أحمد الذي يقول: كل أسبوع تقريباً أزور مدرستين يدرس فيهما أولادي وفي كل مرة أعود بحكاية أو فصل جديد من حكاية شجار بين اثنين من التلاميذ الصغار تتسع خلافاتهما ويتمحور حول ابطال المشكلة رفاق لهم أو أشخاص أكبر سناً وتحصل مواجهات وعنف، هذا الأمر ليس مقبولاً ولا يمكن تبريره كون الخلافات بين زملاء أبرياء تتعقد وتصل حد حمل المطاوي واستخدامها أو محاولة استعمالها لتصفية حسابات. مقدمة للانحراف أ. هناء نصر “معلمة” تؤكد أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في مستوى أداء المربين وإن تطلب الأمر منهم تخصيص جزء من وقتهم الخاص للاقتراب من التلاميذ في الفصل وخارجه على الأقل كمحاولة لاكتشاف بعض ملامح الصورة المعبرة عن الأبناء خارج البيئة المدرسية ولايعني ذلك ممارسة دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي، ولكن كضرورة للتعرف على جانب من سلوكيات التلاميذ والطلاب ومحاولة التفكير في معالجة بعض السلوكيات غير الحميدة، لكني أظن أن هناك من لايدري ولايريد أن يعرف ماذا يدور في حياة الطلاب والأسوأ أن يخشى انحراف الأبناء من بيده أن يفعل شيئاً ويخاف إعلان موقفه حذراً من تبعاته. نذير محمد عبدالله “معلم” يرى أن كثيرا من الكلام قيل حول ثقافة العنف وتأثير الفضائيات و..و..إلخ ويرى أن عوامل عديدة مؤثرة في وجود المشكلة، منها الخلط بين المفاهيم في وعي الناس فالمدرسة، بل التربية والتعليم بما يقع عليها من ضغوط لاتجهل الأسباب الموضوعية لضعف مهمتها التربوية وكل يعمل لإنجاح هذه المهمة حسب درجة شعوره بالمسئولية، لكن المدرسة تمثل أحد العوامل المؤثرة في بناء شخصية الإنسان وهناك بيئات مختلفة لها تأثيرها كالشارع، جماعة الأصدقاء، الأحداث المحيطة بالتلاميذ و..و..إلخ والطامة الكبرى ألاتقوم كل مؤسسة تربوية بدورها الكامل في غرس ورعاية القيم والتواصل مع بعضها لضمان تخفيز كل طرف مسئول للقيام بمهامه ورسالته. ثقافة العنف راجح “مدير مدرسة” يرى أن الكادر التربوي وحرصه على تعزيز الروابط مع الأسرة والتعامل الموضوعي مع قضايا من هذا النوع هو أحد أهم عوامل نجاح تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة وبدون المحاسبة على الصغائر تسهل الأخطاء الكبيرة، ولكن ما لم يكن التلاميذ واثقين من قدرة المدرسة على معالجة مشاكلهم فلن يفتحوا صدورهم وهنا يأتي دور أولياء الأمور في متابعة الأبناء وإبلاغ الإدارة أو المختص الاجتماعي مباشرة بما يشتكي منه الأبناء ليكون العمل متكاملاً والمؤسف أن بعض أولياء الأمور يتغاضون عن هذا الدور وقد يكون من الإخوة من يشجع الصغار على أخذ حقه بيده وتصبح محاولة تدخل المدرسة عقب حادثة خارج أسوارها أصعب..إن مثل هذه الحالات توجد وقد لا تكون ظاهرة عامة إلا أن القليل مما ينذر بوجود مشاكل يفرض الانتباه. قامات في الفكر والثقافة تكرس مفهوم ثقافة التجاوز باعتبار فكرة التجاوز تقوم على قدرة الإنسان على التسامح ونسيان الآلام. تعصب في غير موضعه إن الإنسان جميل يخالطه أحياناً ما ليس بجميل إن لم يتجاوز ذاته إلى الشعور بالآخر ولن يشعر بغير ما لم يكتشفه قبل أن يصفه أو يتخذ منه موقفاً ما وهو ما يعني أن يسعى التربويون وقادة الرأي إلى تكريس فكرة بناء تواصل إنساني حقيقي بين التربويين وبينهم وبين الطلاب من جهة ثانية وتعميق فكرة التجاوز وجوهرها الخروج من ظلمات النفس المعبر عنها بالسلوك العدائي إلى ضحى التسامح، الأمر الذي إذا لم ينجح المجتمع في تحقيق غاياته فمن الطبيعي أن يخشى على قيمه العليا من الخدش..إن الوطنية “مثلاً” مجموعة من الأفكار التي توجه السلوك للدفاع عن الوطن أمام عدو خارجي أو خطر داخلي يتفق الشعب على أنه عدو..فماذا إذا لم يكن للتسامح واحترام الآخر حضور قوي في حياة الإنسان منذ الصغر؟! إنه لخطر حقيقي أن ينتشر سلوك التعصب والعصابات بين التلاميذ لأن الخصومة تتحول إلى عداوة فماذا لو أن جيلاً اعتمد هذا المعيار في التعامل مع الآخر على المستوى الوطني.