الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    ليفاندوفسكي يقود التشكيل المتوقع لبرشلونة ضد فالنسيا    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقلال من رحم الملاحم الثورية إلى أحضان الوحدة !
شكلت الثورة اليمنية حدثاً سياسياً واجتماعياً مُتقدماً.. مُتسقاً في فعله ومُتناغماً في أدائه.. ومُنسجماً في توقيته وزمانه..
نشر في الجمهورية يوم 29 - 11 - 2011

لقد حددت الثورة الأم منذ الوهلة الأولى لقيامها حقيقة توجهها الوطني لثورة شاملة لا تعترف بالحدود الشطرية المفروضة على اليمن وأهله، وعبرت عن خطها الوطني المعلن صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م كما جاء ضمن أهدافها الستة أو في بيانها إلى الشعب اليمني على اعتبار أن «الثورة ليست ثورة فرد أو أفراد إطلاقاً، إنها ثورة الشعب كله ثورة الجنود والقبائل، ثورة المدنيين والمثقفين الصغار، ثورة التجار وطلاب المدارس، ثورة المهاجرين المشردين في أنحاء العالم، ثورة تقضي على التفرقة بأنواعها فلا زيدية أو شافعية ولاقحطانية ولا هاشمية ولا رأسمالية..بل شعب واحد يؤمن بالله وبأنه جزء من الأمة العربية..».
أهداف تحررية
- تكتسب الثورة- أي ثورة- أهميتها من خلال عاملين اثنين، حجم الإزاحة من التركة المثقلة للأنظمة السابقة التي يتحتم عليها إزالتها عن طريق تطور المجتمع، والأهداف المحتملة التي تندرج فيها وتصل إليها، والآفاق الرحبة التي ترمي إلى الوصول إليها، وحدثا سبتمبر وأكتوبر يكتسبان العاملين معاً مما يجعلهما ثورة بكل معاني الكلمة نظرياً وعلمياً وعملياً، حسب توصيف الباحث محمد سعيد شكري..في المقابل يقول الدكتور محمد علي الشهاري: إنه من الصعوبة أن يتخيل الإنسان- مجرد التخيل- قيام ثورة 14أكتوبر 1963م بعد سنة من انتصار الثورة في شمال الوطن، بصيرورة الكفاح الثوري المسلح الذي خاضته طلائع النضال الوطني طيلة أربعة أعوام تكللت بالاستقلال الوطني في 30نوفمبر 1967م بدون دعم وإسناد وغطاء كامل من جمهورية سبتمبر والطلائع الوطنية و الثورية، وبدون دعم مماثل اضطلعت به الشقيقة الكبرى مصر، وكانت صورة الواقع السياسي والاجتماعي في تلك الفترة تكتسب بداية ملامح جديدة ومتغيرة بتأثير المعطيات والمتغيرات التي أفرزتها الأوضاع في العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى في بدايات القرن العشرين المنصرم.
- لقد شكلت الثورة اليمنية حدثاً سياسياً واجتماعياً متقدماً متسقاً في فعله ومتناغماً في أدائه، ومنسجماً في توقيته وزمانه، ويستمر الدكتور سلطان عبدالعزيز المعمري في توصيف ذلك الحدث الأبرز في القرن العشرين تكاملاً ونجاحاً، في سفر طويل من محاولات اليمنيين التي لم تتوقف يوماً للخروج من عهود الانحطاط والتخلف تلك التي فرضتها مشيئة المتحكمين من الطغاة والمستعمرين الذين توارثوا حكم البلاد بالجور والظلم والاستبداد، ولذلك لم تكن الثورة السبتمبرية الوطنية التحررية عام 1962م إلا تتويجاً طبيعياً لمجموع النضالات والمحاولات والحركات الوطنية خلال التاريخ السابق لسبتمبر 1962م ضد الظلم وضد السياسات الاضطهادية والقهرية للسلطة الإمامية الكهنوتية المتحجرة من جهة، ومن أجل التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما من جهة ثانية وإقامة دولة الوحدة من جهة ثالثة.
فيما الأستاذ /أحمد الحبيشي ذهب بالقول: إن لذلك دلالة عميقة في الواقع السياسي والاجتماعي في الجنوب اليمني المحتل، كان ينمو ويتشكل وفقاً لمعطيات ومؤثرات الواقع السياسي والاجتماعي في الشطر الشمالي والعكس صحيح أيضاً، الأمر الذي أسهم في بلورة الأهداف التحررية للعملية التاريخية الوطنية المعاصرة للشعب اليمني باتجاه وطني ديمقراطي وحدوي في وقت لاحق.
مجاميع جنوبية
- عند إعلان قيام الثورة السبتمبرية عبرت الجماهير اليمنية عن فرحتها بهذا الحدث العظيم في كل قرية ومدينة دون استثناء، إلا أن تعبير الجماهير في المناطق الجنوبية المحتلة كان له طابع مميز أظهر ثقل هذه الثورة وفجر طاقات الشعب الوطنية، فقد خرجت الجماهير في شوارع مدينة عدن تردد الأناشيد الثورية المعبرة عن التأييد للثورة، ونشطت اجتماعات القوى الوطنية وفي مقدمتها الحركة العمالية والأحزاب السياسية وبدأت طلائع المتطوعين للدفاع عن الثورة تتجه نحو صنعاء وتعز منذ الأسبوع الأول لقيامها.
وكان الحكم الاستعماري البريطاني في الجنوب معاديا لثورة سبتمبر مما حدا بالمجاميع الجنوبية التي في صنعاء في نهاية عام 1962م بإعادة تنظيم نفسها في إطار سياسي يمثل أبناء الجنوب أمام القيادة في صنعاء لعرض مشروع الكفاح المسلح عليها وسميت هذه الجبهة «بهيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل»، وفي إبريل 1964م زار عبد الناصر اليمن ليطلع على الأمور بنفسه، ألقى خطاباً اعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ حرب اليمن؛ لأن هذا الخطاب كان مولد حرب جديدة في جنوب الجزيرة أو ظهور عملية صلاح الدين «في مدينة تعز لتحرير جنوب الوطن»..
في المقابل استغلت حركة القوميين العرب وبصورة ذكية خلافات البعثيين والقيادة المصرية التي لم تكن راضية عن تلك الهيئة، وبدأت الحركة التي كان يقودها في الجنوب فيصل عبد اللطيف الشعبي وفي الشمال مالك الإرياني تروج للكفاح المسلح وتعد العدة لإنشاء تنظيم منبثق عنها، وأجرت اتصالات مع قيادتها في الخارج مثل جورج حبش ومحسن إبراهيم وهاني الهندي للاتصال بالزعيم جمال عبدالناصر في الحصول على الضوء الأخضر لتأسيس ذلك الإطار، ونقل قحطان محمد الشعبي من القاهرة إلى صنعاء ليقود هذا العمل بعد أن تم تعيينه مستشاراً للرئيس عبدالله السلال لشئون الجنوب.
أفكار الكفاح
كخلفية دقيقة للكفاح المسلح أورد هنا ما كتبه المناضل عبد الفتاح إسماعيل في عدد قديم من جريدة الثوري صادر في يوليو من العام 1974م ومما جاء فيه: على امتداد سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات كان الشعب قد تمرس على أساليب النضال الوطني وخاض مختلف طرق النضال السلمي من أجل تحرره الوطني عن الاستعمار البريطاني.
في البداية الأولى للستينيات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية أفكار الكفاح المسلح، وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد، وكانت في الوقت نفسه ملجأها الأخير بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها وعدم جدواها في الاضطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني بفعل الطبيعة الاستعمارية الإمبريالية البريطانية بل الطبيعة التي تلازم عادة كل المستعمرين في عصرنا الراهن.
وكانت حركة القوميين العرب من بين التنظيمات الأخرى التي تبنت أسلوب الكفاح المسلح طريقاً للتحرر الوطني، لكن كان تقييمنا لهذه المسألة أننا لانستطيع أن نبدأ بالكفاح المسلح قبل إسقاط النظام الإمامي الكهنوتي في صنعاء، وقد كان تقييمنا لهذه المسألة صحيحاً فبعد فترة بسيطة لترسيخ القناعة بضرورة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني قامت ثورة 62 سبتمبر، وتم إسقاط النظام الإمامي الكهنوتي وقام النظام الجمهوري وولدت ظروف ملائمة في صنعاء تمهد لانتقال الكفاح المسلح من حيز الإيمان النظري إلى حيز التطبيق العملي، وفي هذا الاتجاه برز عاملان أساسيان حتما البدء في الكفاح المسلح.
إن الخلفية المساندة لأي كفاح مسلح في الشطر الجنوبي المستعمر من قبل المستعمرين الانجليز أصبحت موجودة، وهذا يعني أن النظام الجمهوري في صنعاء غذى تلك الخليفة التي يمكن أن تلعب الدور الوطني اليمني لدعم الكفاح المسلح ضد بريطانيا الاستعمارية من أجل تحرير إقليم الوطن اليمني، الجانب الآخر في المسألة هو أن مجرى النضال الوطني للشعب اليمني دفاع عن جمهورية سبتمبر كان يضع أمام الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من الإقليم مهام الاضطلاع بدور حماية هذه الجمهورية، فقد هب الآلاف من كل الحواضر والألوية والمناطق اليمنية للانخراط في صفوف الحرس الوطني من أجل الدفاع عن جمهورية سبتمبر.
كانت أمام الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من الوطن مهمتان: مهمة الدفاع عن جمهورية سبتمبر بعرقلة التخريب البريطاني والملكي القادم من الجنوب، ومهمة الاستفادة من الظرف التاريخي الذي ولدته ثورة سبتمبر من أجل السير في النضال الوطني التحرري ضد المستعمرين الانجليز لكي يتم تحرير جنوب اليمن، على ضوء كل ذلك كان قرار الكفاح المسلح يعلن عن نفسه مستنداً على الظروف الموضوعية والذاتية في المجتمع اليمني بأسره، وفي البداية كان هدفنا قيام جبهة وطنية تقود الكفاح المسلح، وقد حاولنا في حوارنا مع بقية التنظيمات وبالذات حزب البعث وحزب الشعب الاشتراكي أن تكون القناعة مشتركة حول الكفاح المسلح، لكن يبدو أن مثل هذه التنظيمات لم تكن بعد قد تخلصت من عدم جدوى النضال السلمي وكانت تعتقد أن الطريق السلمي لايزال هو المؤدي للاستقلال الوطني.
وفي مايو1963م جرى حوار في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية سرية أخرى يمكن اعتبارها تنظيمات سرية وعلنية لها علاقة طيبة بالحركة، وفي هذا اللقاء تم تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل على أساس الأخذ بالكفاح المسلح أسلوباً لطرد المستعمرين الانجليز، وحينها كان الصدام بين تشكيل القبائل أحد فصائل الجبهة القومية والقوات البريطانية قد بدأ يأخذ مجراه الصراعي في ردفان وكان لابد من جعل الانتفاضة المسلحة هناك بداية انطلاق ثورة 14أكتوبر.
نضال تحرري
وهكذا تم تشكيل الجبهة القومية في صنعاء وفي هذه الفترة كانت القوات العربية قد وصلت إلى صنعاء للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر أمام الهجوم الملكي والاعتداءات العسكرية الانجليزية من الجنوب، حينها كانت العلاقة داخل الحركة الوطنية مشوبة بالخلافات والمشاحنات العدائية، فقد كانت العلاقة بين الناصريين والبعثيين قد وصلت إلى درجة كبيرة من التوتر، وكانت العلاقة بين حركة القوميين العرب والرئيس الراحل عبدالناصر علاقة جيدة.
وبسبب العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر وبسبب الأخطار المحيطة بجمهورية سبتمبر إضافة إلى نضج الظروف الداخلية للقيام بالكفاح المسلح، استطاعت حركة القوميين العرب أن تلتقط مؤشرات النضال التحرري في الساحة وتدفع به خطوات إلى الأمام، وكان الصدام العسكري بين القوات المصرية والبريطانية على الحدود في منطقة بيحان، يمهد لتجسيد العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر بتدعيم العمل المسلح، وعبر عن استعداده لتقديم السلاح للجبهة القومية من خلال وجود القوات العربية في صنعاء وتعز.
وعلى أثر توافر الشروط المهيئة للسير في طريق الكفاح المسلح قمنا بالتحضير السياسي والعسكري الواسع للكفاح المسلح، وبدأنا بتدريب العناصر التي ستتحمل مسئولية العمل الفدائي فقد كنا نرسل هذه العناصر سراً للتدريب في معسكرات الجبهة في تعز وصنعاء على مختلف الأسلحة وأساليب العمل الفدائي، وكان التدريب يأخذ فترة قصيرة في معسكرات الجبهة القومية في الشمال إلى جانب ذلك كنا قد بدأنا بإدخال السلاح وخزنه في أماكن سرية، وبدأنا بتشكيل الفرق الصغيرة التي ستكون مهمتها القيام بالعمليات الفدائية، وفي الجانب السياسي فقد كنا دوماً نحاول أن نجر القوى الوطنية الأخرى للانخراط في عملية الكفاح المسلح، ولكن يبدو أن الخلافات الحزبية والتناقضات الذاتية كانت أقوى من تغلب لصالح النضال الوطني والكفاح المسلح خاصة وأن الحركة التي كانت تقود الكفاح المسلح تعيش خلافاً مع التنظيمات الأخرى التي ترتبط بصلات حزبية بتنظيماتها القومية.
في البداية الأولى كان تركيزنا على تثبيت أركان الكفاح المسلح وانتشاره في ما كانت تسمى بالمحميات وعدن المستعمرة، وفي السنتين الأوليين من عمر الثورة أصبح الكفاح المسلح أبرز وأوسع أشكال النضال الوطني قدرة على التأثير في مجرى الحياة السياسية، أصبح يستقطب حوله كل القوى الاجتماعية المؤمنة بالتحرر الوطني لبلادها..وإلى جانب أسلوب الكفاح المسلح استخدمنا أساليب النضال الوطني الآخر مثل تنظيم المظاهرات الشعبية والإضرابات العمالية وإثارة القضية الوطنية في المحافل والمؤتمرات العالمية وهيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية، واحتلت المنظمات الجماهيرية والاجتماعية اهتمامنا في عملية تنظيم وتعبئة الجماهير في مرحلة التحرر الوطني وتركز اهتمامنا أكثر بالحركة العمالية، حيث استطاعت الجبهة القومية مد نفوذها واستقطاب العديد من النقابات إلى صفها، ومازلنا نتذكر الدور الذي لعبته النقابات الست في عملية النضال الوطني.
وكما تمكنا من السيطرة على الحركة العمالية خلال عملية النضال الوطني استطعنا كذلك التغلغل داخل المنظمات الجماهيرية مثل اتحاد الطلبة والمرأة والحركة الرياضية، وقد لعبت هذه المنظمات دوراً مهماً في النضال الوطني، مثلاً كانت المرأة تقوم بتوزيع المنشورات ونقل الرسائل والتعميمات الداخلية والمشاركة في المظاهرات مرات كثيرة بالإضراب عن الدراسة ومقاومة السياسة التعليمية الاستعمارية.
بعد اتخاذ إقرار الأخذ بالكفاح المسلح طريقاً لنيل التحرر الوطني بعد الانتفاضة المسلحة في ردفان كان علينا أن نتوسع في تدريب الكوادر العسكرية ونعدها إعداداً سليماً، وبسبب ظروف العمل السري كنا نختار أصلب العناصر وأكثرها نضجاً في الوعي السياسي ولها أيضاً خبرة تنظيمية طويلة.
ورقة الدفاع البيضاء
كان اندلاع الثورة بردفان بقيادة الجبهة القومية هو البداية الأولى لمرحلة الكفاح المسلح إلى أن انتهى بالاستقلال، وكانت تلك المعارك أكبر معارك بريطانيا خلال حرب التحرير فقد اشترك فيها آلاف الجنود واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، تم بعد ذلك نقل الكفاح المسلح من ردفان إلى المدينة وجعل تاريخ زيارة وزير المستعمرات البريطاني «أنتوني جرينود» إلى عدن نوفمبر 64م بداية تلك المرحلة من الكفاح المسلح وأدت في النهاية إلى الاستقلال..وقد لجأت الحكومة البريطانية حينها إلى إصدار قانون الطوارىء في يونيو 1965م وحظر بموجبه نشاط الجبهة القومية واعتبرتها حركة إرهابية، كما قامت في إحدى المرات بتسفير «245542» ينتمون إلى شمال الوطن بغرض إرهاب المواطنين الذين أصبحوا باختلاف مناطقهم وأوضاعهم يلتفون حول الثورة ويدعمون الكفاح ضد المستعمر.
أخطرت بريطانيا بعد فشل إجراءاتها الاحترازية في مجالي المخابرات والأمن في مقر الثورة أن تعلن في ورقة «الدفاع البيضاء» بأنها ستسحب قواتها من قاعدة عدن عام 67م وبالطبع فقد كان هدف بريطانيا هو تسليم الاستقلال لحكومة الاتحاد.
جبهات الأرياف
اكتسب الثوار خلال تلك الفترة الخبرة العسكرية وزاد نشاطهم كماً وكيفاً وتطورت وتنوعت أسلحتهم، وحسب وثائق بريطانية مثلاً خلال عام 1966م بلغ عدد الحوادث في مدينة عدن «480» حادثة تسببت في «573» إصابة بين قتيل وجريح.. كما حصل خلال نفس العام حالة دمج قسري بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وبسببه حدث ركود جزئي للنشاط المسلح، وبعد استقلالية الجبهة القومية بانعقاد مؤتمرها نهاية نفس العام حدث تحول حاسم في مسار الكفاح المسلح، وقد بلغت الحوادث خلال عام 67م وحتى بداية شهر أكتوبر فقط «20908» حوادث تسببت في «1248» إصابة بين قتيل وجريح وبالطبع هذه الأرقام التي توردها الوثائق البريطانية لاتمثل إلا جزءاً من الحقيقة.
وكانت أبرز الهجمات المكثفة خلال الفترة يوليو سبتمبر 67م في منطقتي الشيخ عثمان والمنصورة.. أما جبهات القتال في الريف فقد كانت أصلاً نابعة عن قيادة سياسية مركزية واحدة، وقد استمرت المعارك في ردفان وغيرها حتى سقوط الإمارات والسلطنات بيد الجبهة القومية في النصف الأخير من عام 1967م، وكانت تلك الجبهة مرتكزاً هاماً للكفاح المسلح وبناء جيش التحرير، كما كانت هي أيضاً هامة في حسم الاقتتال الأهلي في جبهة المدينة لصالح الجبهة القومية.
كان هناك في أواخر 1965إحدى عشرة جبهة في الأرياف «جبهة ردفان والضالع والحواشب والمنطقة الوسطى والشعيب وحالمين ولحج والصبيحة وبيحان والواحدي والعوالق».
إن انسحاب بريطانيا وجيوشها من الأرياف أولاً، ثم من عدن بعدها في يوم 30نوفمبر 1967م، قد تم بطريقة لامثيل لها في تاريخ مستعمراتها السابقة، فلم تجر الاستعراضات أو تؤد التحية وتصافح الأيدي كما هي العادة عند تسليم الاستقلال.. والذي جاء بالأساس بعد حرب طويلة وشرسة في شوارع عدن، تركت جنودهم كأعجاز نخل خاوية، وأخرى في جبال ردفان وبقية الأرياف، خلطت رصاصها لحمهم بعظامهم وأجبرت بقيتهم على الفرار مختلطاً حابلهم بنابلهم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.