أولاً مفهوم الأدب قديماً : إن كلمة الأدب من المصطلحات التي دارت حولها المناقشات والآراء قديمًا ، ولا تزال موضع دراسة وبحث حتى الآن . وقد ذكر مصطفى صادق الرافعي أن هذه الكلمة – الأدب – تقلبت في العربية على ثلاثة أطوار لغوية ؛ تتبع ثلاث حالات من أحوال التاريخ الاجتماعي . وهذه الأطوار هي : المرحلة الأولى : في الجاهلية وصدر الإسلام : لقد تطور مفهوم الأدب بتطورالحياة العربية، ففي الجاهلية –أول استعمال للكلمة –استعملوا كلمة الأدب في كلامهم شعرًا ونثرًا بمعنى الدعوة إلى الطعام ، ويستدل المؤرخون القدماء على ذلك بقول « طرفة بن العبد»: نحن في المشتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى لاترى الآدِب فينا يَنْتَقِر فإن معنى كلمة الأدب في البيت هو الداعي إلى الطعام، ومعنى عجز البيت ( إنك لا ترى الداعي فينا إلى الطعام يخص قومًا دون آخرين ) ، ومنها اشتقوا كلمة ( أدب –يأدٌب ) بمعنى صنع طعامًا كما اشتقوا كلمة (المأدبة )وهي الوليمة . (1) وقد تحول هذا المعنى الحسي إلى معنى نفسي الذي ينطوي فيه وزن الأخلاق وتقويم الطباع والمناسبة بين أجزاء النفس في استوائها على الجملة . ففي العصر الإسلامي استخدمها الرسول – صلى الله عليه وسلم – بمعنى التهذيب والتربية حيث قال في الحديث الشريف “ أدبني ربي فأحسن تأديبي “ . ويؤكد الرافعي أن معنى الأدب الاصطلاحي يستحيل أن يكون جاهليًا ولا من مصطلحات القرن الأول الهجري لأن الكلمة لم تجئ في شيء من شعر المخضرمين ولا المحدثين ، وعلى الرغم أن لهم القوافي الطويلة على الباء وقد استوعبوا فيها الألفاظ إلا مادة الأدب ومشتقاتها مع أن ليس أخف منها عند المتأخرين . (2) المرحلة الثانية : العصر الأموي : في العصر الأموي تظل لفظة الأدب بالمعنى الخلقي والتهذيبي ، ولكنها تحمل بمعنى آخر وهو معنى تعليمي ، فقد ظهرت طائفة من المعلمين تسمى ب “المؤدبين “ كانوا يعلمون أولاد الخلفاء فيلقنونهم الشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام . وأتاح هذا الاستخدام لكلمة أدب أن تصبح مقابلة لكلمة العلم الذي يطلق حينئذ على الشريعة الإسلامية وما يتصل بها من دراسة الفقه والحديث النبوي وتفسير القرآن الكريم . (3) المرحلة الثالثة : في العصر العباسي : وقد استفاضت كلمة أدب ، وكانت مادة التعليم الأدبي قائمة بالرواية من الخبر والنسب والشعر واللغة ونحوها ، فأطلقت على كل هذا ونزلت منزلة الحقائق العرفية بالإصلاح ، وهو الدور الثالث في تاريخها اللغوي وهو أصل الدلالة التاريخية فيها ، وقد قال ابن خلدون في حد الأدب “ الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف “ (4) وقد صارت الآداب تطلق على فنون المنادمة وأصولها ، ويرى الرافعي أن ذلك جاءها من طريق الغناء؛ إذ كانت تطلق عليه في القرن الثالث الهجري ، لأنه بلغ الغاية من إحكامه وجٌردت فيه الكتب وأفردت له الدواوين من مختارات الشعر ، وكانوا يعتبرون معرفة النغم وعلل الأغاني من أرقى فنون الآداب ، وفيها وضع عبيد الله بن طاهر - من ندماء الخليفة المعتضد بالله – كتابه (الآداب الرفيعة ) . (5 ) وقد دخلت بعض الألعاب مثل الشطرنج والعود وغيرها في معنى الأدب ، من ذلك قول الشاعر يفخر بمنزلته في الأدب : إنْ شِئْتَ تعرفُ في الآدابِ مَنزِلَتي .. وَأنَّني قدْ عَداني الفَضْلُ والنِّعمُ فالطِّرْفُ والقوْسُ وَالأوْهاقُ تشْهَدُ لي .. وَالَّسْيفُ وَالنرْدُ وَالشِّطرَنْجُ وَالقَلَمُ ولم ينتصف القرن الرابع حتى كان لفظ الأدباء قد زال عن العلماء جملة وانفرد بمزيته الشعراء والكتاب في الشهرة المستفيضة ؛ لاستقلال العلوم يومئذ وتحصص الطبقات بها ، وقد استحجر معنى الأدب فعاد لغويا كأنه كذلك في أصل الوضع من جهة الدلالة به على الشعراء والكتاب . (6 ) الأدب بمعناه العام والخاص : الأدب بمعناه العام : الأدب بمعناه العام يشمل كل ما أنتجه عقل الإنسان ، وكان له أثرًا من آثار تفكيره ، وهو يرادف لفظ الثقافة ، فالعلوم الفلسفية والرياضية والطبيعية والاجتماعية واللسانية ، وكل فن من الفنون الجميلة كالموسيقى والتصوير والشعر والكتابة ، وكل ما يدعو إلى تثقيف العقل يدخل في باب الأدب بمعناه العام. وقد استدل الكتاب على المعنى العام للأدب بتعريف «الحسن بن سهل» - المتوفى عام 236 ه - للأدب بقوله : “ الآداب عشرة ؛ فثلاثة شهر جانية ، وثلاثة أنوشروانية وثلاثة عربية ، وواحدة أربت عليهن . فأما الشهر جانية فضرب العود ولعب الشطرنج ولعب الصوالج ، وأما الأنوشروانية : فالطب والهندسة والفروسية ، وأما العربية : فالشعر والنسب وأيام العرب ، وأما الواحدة التي أربت عليهن : فمقطعات الحديث والسمر وما يتلقاه الناس بينهم في المجالس “ كما ألفت كتب كثيرة في الأدب بمعناه العام منذ أواسط القرن الثالث حتى أواسط القرن الخامس الهجري ومنها الأدب الكبير والأدب الصغير لابن المقفع . (7 ) الأدب بمنعاه الخاص : هو كل ما يؤثر في النفس من نثر رائع وشعر جميل ، فيراد به التعبير عن مكنون الضمائر ومشبوب العواطف وسوانح الخواطر بأسلوب إنشائي أنيق ، فهو يطلق على الشعر والنثر فقط . ثانيًا مفهوم الأدب حديثًا : مازالت كلمة أدب تثير الجدل والتساؤلات عند أصحاب نظرية الأدب في العصر الحديث ، وهم لا يراجعون المفاهيم التي طرحها النقاد القدامى ليبحثوا عن بديل آخر يشرح الكلمة أو يوضح معناها ، لكنهم يكتفون بإثارة التساؤلات حول هذه المفاهيم السابقة . 1 – ومن هذه المفاهيم – التي ناقشها رينيه ويليك – “ إن الأدب كل شيء قيد الطبع “ وقد احتج إدوين غرينلو لذلك بقوله : “ كل ما يمت إلى تاريخ الحضارة بصلة لا يخرج عن مجالنا “ وقد استنكر رينيه ويليك هذا التعريف للأدب ويرى أن دراسة كل ما يتعلق بتاريخ الحضارة يتجاوز نطاقه في واقع الأمر تجاوزًا بعيدًا عن نطاق الدراسات الأدبية ، إذ تسقط كل الفوارق وتحشر في الأدب معايير أجنبية عنه ،وينتج عن ذلك أن الأدب يستقي قيمته فقط بمقدار ما يقدم من نتائج لحقول الدراسة المجاورة له . إن مطابقة الأدب مع تاريخ الحضارة إنكارا للحقل النوعي والمناهج النوعية للدراسة الأدبية ( 8 ). 2 – هناك تعريف ثاني للأدب يقصره على الكتب العظيمة؛ الكتب التي تشتهر لشكلها الأدبي أو تعبيرها مهما كان موضوعها . ويرى رينيه ويليك أن المعيار يكون جدارة جمالية فقط مثلما في الشعر الغنائي والدراما والرواية ، أو جدارة جمالية مرتبطة بميزة فكرية عامة مثلما في الكتب الأخرى . ويرى رينيه أن هذه الدراسة للكتب العظيمة مستحبة لأغراض تربوية أما في تاريخ الأدب الابتداعي فإن الاقتصار على الكتب العظيمة يجعل استمرار التقاليد الأدبية أمرًا غير مفهوم وكذلك تطور الأنواع الأدبية ، ومن ثم طبيعة العملية الأدبية ذاتها . ( 9 ) 3 – هناك من يقصر الأدب على فن الأدب التخييلي الابتداعي، والكتابة التخييلية هي التي تصدر من الخيال فلا تطابق الواقع ، ولهذا فإن معيار الصدق والكذب لا يصلح أن يكون أساسا لتقييم الأدب ، فلا يصح أن يصدر على شاعر حكما إنه صادق أو غير صادق العاطفة ، فمسألة الصدق والكذب لا معنى لها لأن الأدب خيال. وهناك بعض المشكلات التي تعوق هذا التعريف وهي: أ – المشكلة الأولى : أن كلمة أدب كان يدخل في إطارها كتابات شعرية ومسرحية ولكنها ضمت كذلك كتابات فلسفية وتاريخية وهذه الكتابات ليس لها حظ من الخيال. ب – هناك بعض الكتابات التي يختلف عليها القراء أهي خيالية أم غير خيالية مثل نصوص العهد القديم وأسفار الخروج ، فهذه الأسفار يراها بعض الناس أنها كتابات تخييلية والبعض ينظر إليها إنها كتابات تقدم معارف وحقائق علمية فهي ليست أدبًا لأنها ليست خيالية . ج – المشكلة الثالثة التي تعوق هذا التعريف أن هناك بعض الكتابات التي نجمع إنها تخييلية ، ومع ذلك نجمع إنها ليست أدبًا ، مثل القصص التي تقدم للأطفال مصحوبة بالرسوم المتحركة والصور التي نطالعها في المجلات ؛ فهذه كتابة تخيلية ومع ذلك ليست أدبية . كل هذه المشكلات تجعلنا نشك أن هذا تعريف سليم لمصطلح الأدب . 4 – هناك من يعرف الأدب بأنه كل كتابة تستخدم اللغة استخداما خاصا تختلف عن استخدامها في الحياة اليومية والعلمية وهناك بعض الصعوبات التي تواجه هذا التعريف وهي : الهوامش : 1 - حامد حفني : تاريخ الأدب الجاهلي ، ط 1 ، ص 51. 2 - مصطفى صادق الرافعي : تاريخ آدا ب العرب ، ط مكتبة الإيمان ، ص24. 3 - شوقي ضيف : تاريخ الأدب الجاهلي ، ط22 ؛ دار المعارف ، ص 8. 4 - مصطفى صادق الرافعي : تاريخ آدا ب العرب ، م.س ، ص 24. 5 - السابق ص 27. 6 - السابق : ص 28. 7 – حامد حفني : تاريخ الأدب الجاهلي ، م.س ، ص15 ، وشوقي ضيف : تاريخ الأدب الجاهلي ، م.س ، ص 9 8 - رينيه ويليك / أوستن وارين : نظرية الأدب ، ترجمة محيي الدين ، ط دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ص 19. 9 - السابق ص 20.