عند تشييع جنازة النحات العراقي الكبير جواد سليم حضر رجل بحقيبة سوداء واخترق جموع المشيعين وتوجه نحو تابوت الفنان الكبير ورفع الكفن عن وجهه وبكى بصوت عال أّثّر في الجميع، ثم أخرج هذا الرجل قناعاً جبسياً من حقيبته ووضعها على وجة الفنان جواد سليم وضغط عليه برفق ثم رفعه ووضعه في الحقيبة وانصرف وسط ذهول الحاضرين، ربما سيبدو هذا شيئا غريبا لقارئ هذه السطور و لكن سيتلاشى هذا الاستغراب بمجرد أن تعرف أن الرجل هو الفنان العراقي غريب الأطوار خالد الرحال، ولد الفنان خالد الرحال في 1926 وتوفي في 1986، ستون عاما عبّر فيها الفنان عن حبه لبغداد كما لم يفعل أحد، أينما وجهت وجهك تجد أعماله صلبة و شامخة: نصب الجندي المجهول، وقوس النصر، نصب المسيرة، وتمثال الأم بالإضافة إلى تمثال الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور البرونزي الشهير في منطقة المنصور في بغداد، وكلها أعمال تعبق بالروح العربية والعراقية وهو ما حرص الفنان الكبير على إيصاله للعالم، تخرج خالد الرحال من أكاديمية الفنون الجميلة في روما وكان أحد أعضاء جمعية بغداد للفن الحديث، كان خالد الرحال فنانا مزاجيا حاد اللسان لا يتورع عن قول وفعل أي شيء يخطر في باله، وانعكس ذلك على عمله بشكل لا يمكن إنكاره، فلم يكتف بنحت الشخصيات التاريخية أو بما يتماشى مع التوجهات الوطنية والسياسية آنذاك، بل حدث أن قام بعمل تمثال نصفي للحاج مهدي الصفار صاحب (حمام مهدي) ذائع الصيت في بغداد، لأنه كان يتردد على الحمام فأعجبته الخدمة الممتازة هناك، ومازال التمثال ينتصب في مدخل الحمام حتى يومنا هذا، إذن خالد الرحال – الذي كان له من اسمه كل نصيب – كان يمنح الخلود للأشياء والشخصيات، مات خالد قبل ربع قرن بعد أن رصع صدر محبوبته بغداد بأعمال عبقرية مازالت باقية ضد الموت وضد الغياب.