عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع قانون العدالة الانتقالية
أفكار للنقاش عن :

العدالة الانتقالية مصطلح جديد على الثقافة السياسية والحقوقية اليمنية فرضته ظروف المرحلة التي تمر بها البلاد كأحد متطلبات عملية التغيير والتسوية السلمية الجارية برعاية اقليمية ودولية ، والتي تجاوزت المرحلة الاولى بنجاح جزئي تمثل في تشكيل حكومة الوفاق الوطني والانتخابات الرئاسية المبكرة .
ومع حلول المرحلة الثانية من مراحل التسوية المحددة في المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية المزمنة ، تدخل عملية التسوية في مواجهة القضايا الأكثر تعقيدا وصعوبة في اطار مؤتمر الحوار الوطني : القضية الجنوبية – قضية صعدة – الثورة الشبابية كطرف محوري في التسوية ، الجماعات الارهابية والمجاميع المسلحة وهيكلة الجيش والأمن وقضية الانفلات الامني وعدم استقرار الاوضاع العامة بسبب نقص الاحتياجات الضرورية ، والعجز في توفير الخدمات الاساسية ومتطلبات المعيشة اليومية لأكثر من عشرين مليون مواطن يواجه خمسة ملايين منهم خطر الموت جوعا حسب التقارير الدولية ، وهو رقم مرشح للارتفاع اذا لم توجد حلول عاجلة بدعم عربي ودولي حقيقي .
في ظل هذه الظروف البالغة التعقيد ، يجري نقاش واسع لمشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية من قبل الحكومة وبعض مراكز الدراسات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام في اطار التهيئة لعقد مؤتمر الحوار الوطني .
لا خلاف على أهمية النقاش وضرورته لإثراء المشروع والتعرف على وجهات نظر وآراء مختلف شرائح ومكونات المجتمع اليمني بما يزيل الاشكاليات والملابسات المثارة حول مفهوم (العدالة الانتقالية) التي لم تتضح بعد بالقدر الكافي لبعض اطراف العدالة الانتقالية من الفئات والشرائح الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني .
قد تكون الصورة اكثر وضوحا عن العدالة الانتقالية عند مسوقيها من خبراء الدول والهيئات الدولية الراعية للتسوية ، بحكم مشاركة البعض منهم في تنفيذ تجارب سابقة للعدالة الانتقالية في بلدان أوروبية وافريقية اكسبتهم خبرة عملية في ادارة الجوانب الاجرائية والفنية ، الا ان الجوانب الموضوعية بالتأكيد تخضع لما يتوافق عليه اطراف الصراع في كل مجتمع من حيث طبيعة ونوع المعالجات التي يمكن ان تحظى بقبول المجتمع وترضي الضحايا والمتضررين ، والتي بلا شك تختلف من مجتمع الى اخر لارتباطها بقيم وتقاليد اجتماعية متوارثة ما تزال تمثل مرجعية قوية في تحديد نوع وطبيعة الحلول المقبولة خصوصا في القتلى والجرحى من ضحايا العنف ، فما تزال الكثير من التجمعات السكانية العربية ذات الجذور القبلية تتمسك بثقافاتها التقليدية ومنها القبائل اليمنية التي تتمسك بثقافة الثأر وتتبع قواعد وأحكاماً عرفية خاصة للقبول بالتسويات والحلول التصالحية البديلة عن اخذ الثأر ، وهي قواعد وأعراف تختلف تماما عن اعراف وتقاليد جنوب افريقيا او تشيلي او اندونسيا بكل تأكيد .
مفهوم العدالة الانتقالية :
عرفها مشروع قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية اليمني في المادة (2) بأنها : (مجموعة الاجراءات والتدابير التي تتخذ لمواجهة الانتهاكات الماسة بحقوق الانسان خلال الفترة الزمنية المشمولة بهذا القانون وكشف الحقيقة وحفظ الذاكرة وجبر الضرر ومنع تكرار الانتهاكات).
هذا التعريف قد لا يكون محل اتفاق حتى الآن ، فهناك من يفهم العدالة الانتقالية بأنها عدالة جنائية لمحاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان ، ويفهمها البعض الآخر بأنها عدالة تعويضية مالية على غرار تعويضات مغتربي الكويت ، ويتصورها آخرون بانها عدالة مؤقتة خلال المرحلة الانتقالية فحسب يقوم عليها قضاة دوليون ...الخ ، .
كما ان الفترة الزمنية المقترحة في المشروع لسريان القانون ما تزال محل خلاف بين اطراف الحوار السياسي وبعض الفئات الاجتماعية ، فهناك من يرى تحديدها بالفترة التي شملها قانون الحصانة 1978م ، وهناك من يرى تحديدها بأحداث –يناير 1986م والبعض يرى تحديدها بحرب 1994م فيما يرى آخرون حصرها في فترة الثورة الشبابية الشعبية 2011م .
هذه القضية تحتاج الى تأمل وتفكير وإعادة قراءة لمراحل الصراع السياسي لما بعد مصالحة 1970م التي انهت الخلاف بين طرفي الصراع (الجمهوري – الملكي ) بإشراف المملكة العربية السعودية وعاد بموجبها بعض العناصر الملكية للمشاركة في السلطة وهي تمثل تسوية سياسية ومصالحة جابرة لما قبلها ، كما ان اعادة تحقيق الوحدة قد مثلت من الناحية السياسية مصالحة تاريخية مع الوطن والشعب لكنها مع ذلك لم تحقق مصالحات فردية او تقدم تعويضات مادية سوى الشعار الذي رفع في حينه (الوحدة تجب ما قبلها ) .
أنواع العدالة الانتقالية :
فكرة العدالة الانتقالية بمفهومها المعاصر ما تزال في مرحلتها التجريبية ولم تستقر بعد سواء من الناحية النظرية او الناحية التطبيقية التي تعددت - على محدوديتها – بتعدد البلدان التي تمت فيها حتى الآن ، هذا يعني ان كل مجتمع يمتلك حرية الاجتهاد ، بما يتناسب مع طبيعة القضايا والظروف المحيطة بها ونوع المعالجات الاكثر قبولا وإقناعا للفئات المستهدفة ، فلا يمكن القول بتماثل قضايا جنوب افريقيا او تشيلي او اندونسيا بما حدث في اليمن ، كما لايمكن القول بتوافق او حتى تقارب العادات والتقاليد الاجتماعية والأعراف القبلية والعشائرية السائدة في كل منها.
كما لا يمكن حصر العدالة الانتقالية في التجارب التي تمت حتى الآن ، فقد تأتي تجارب جديدة تضاف الى تلك التجارب وقد تكون التجربة اليمنية واحدة منها اذا ما قدر لها النجاح في تجاوز المحنة ومعالجة آثارها والوصول الى مصالحة وطنية تاريخية تحقق الامن والاستقرار وتضمن عدم تكرار ما حدث ، ان صدقت نوايا الجميع .
و من انواع العدالة الانتقالية وفقا لتعريفات المراجع الدولية :
العدالة الجنائية:
تقوم العدالة الانتقالية الجنائية على أساس امكانية القبض على منتهكي حقوق الانسان والتحقيق معهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة ، مع الالتزام بتعويض الضحايا عن الاضرار المادية والمعنوية التي اصابتهم ، وهذه العدالة طبقت في البلدان التي انهارت فيها قوة منتهكي حقوق الانسان وسقطوا في ايدي العدالة للنظام الجديد او وقعوا في يد العدالة الدولية .
العدالة التصالحية:
تقوم العدالة الانتقالية التصالحية على مبدأ التعويض الرضائي لمن انتهكت حقوقهم وعلى الصفح والغفران والتسامح ، وقد تم هذا النوع من انواع العدالة الانتقالية في البلدان التي حدثت فيها صراعات دموية وما زال اطراف الصراع يحتفظون بقواهم ولم يسقطوا او تسقطهم الشعوب ، فيتم الاتجاه نحو جبر اضرار الضحايا وتعويضهم تعويضات مرضية ، نظرا لتعذر تطبيق العدالة الجنائية التي تستدعي القبض على مرتكبي الانتهاكات ومحاكمتهم ، ويرجح المجتمع في مثل هذه الظروف اهمية الانتقال الى مرحلة جديدة تحقق التحول السياسي والاجتماعي وإقامة الدولة المدنية .
ومع كون العدالة التصالحية تمثل (اضعف الايمان) فقد اشترط لتطبيقها شروط قوية اهمها :
- وقف انتهاكات حقوق الانسان وكافة اشكال العنف.
- التحقيق في الانتهاكات السابقة وكشف الحقيقة وتحديد المسئولين عن تلك الانتهاكات .
- جبر اضرار الضحايا وتعويضهم التعويض العادل بما يرضيهم ويقنعهم بالعفو والمسامحة .
اصلاح مؤسسات الدولة خصوصا التي تورطت في انتهاكات حقوق الانسان بما يضمن عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل .
- احياء الذاكرة الوطنية لأعمال انتهاكات حقوق الانسان بعمل المجسمات في الميادين والساحات العامة وإقامة النصب التذكارية في اماكن المذابح الجماعية .
- تحقيق المصالحة الوطنية الفردية والجماعية لضمان الانتقال الى مرحلة جديدة يسودها السلام والاستقرار والوحدة الوطنية في ظل دولة المواطنة والحكم المدني .
ومن التجارب التي يستشهد بها دعاة العدالة الانتقالية التصالحية :
تجربة جنوب افريقيا التي لجأت اليها حينما لم يكن في مقدور الحزب الوطني الافريقي حسم المعركة مع النظام العنصري وتطبيق العدالة الجنائية بحقهم فقبلوا بشروط النظام العنصري وذلك بتقديم الضمانات الكافية بعدم محاكمة عناصر نظام الفصل العنصري ( الابرتايد) على الجرائم التي اقترفوها ابان حكمهم مقابل تسليمهم السلطة لممثلي الشعب ، وقد شكلت لهذا الغرض مفوضية اطلق عليها : (مفوضية الحقيقة والمصالحة) برئاسة القس (ديزموند توتو ) للاستماع الى اعترافات المجرمين العنصريين وشكاوى الضحايا والمتضررين والإشراف على عملية تعويضاتهم .
العدالة الانتقالية في الوطن العربي:
من تجارب العدالة الانتقالية التي تمت في الوطن العربي حتى الآن التجربة المغربية والتجربة التونسية ففي تونس صدر في فبراير 2011م قانون العفو عن السجناء السياسيين في نظام بن علي ، وأنشأت الحكومة المؤقتة وزارة لحقوق الانسان والعدالة الانتقالية ، وحددت ثلاثة مكونات للعدالة الانتقالية :
1 - التحقيق .2 - المصالحة. 3 - ضمان المحاسبة .
كما انشأت الحكومة ثلاث لجان :
لجنة الاصلاحات الدستورية.
لجنة التحقيق في قضايا الفساد.
لجنة التحقيق في الانتهاكات التي حدثت خلال الثورة.
وقد اعلنت الحكومة انها ستسعى لاستعادة بن علي الذي فر الى السعودية وتقديمه مع المتهمين بالفساد الى المحاكمة .
وتعمل الحكومة التونسية مع المجتمع المدني لتحديد الآلية المناسبة لتحقيق المصالحة الوطنية وسيشرف المجتمع المدني والرابطة التونسية لحقوق الانسان على تنفيذ آليات العدالة الانتقالية .
ويجري تنفيذ عملية اصلاح القضاء بالتوازي مع عملية العدالة الانتقالية .
وفي المغرب اسست لجنة التحكيم المستقلة 1988م لتعويض ضحايا الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري حيث قامت بمنح حوالي مائة مليون دولار امريكي كتعويضات وأقرت اكثر من (7000) حالة خلال اربع سنوات .
وقد شكل عدد من السجناء السياسيين عام 1999م المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والانصاف ودعوا الى تشكيل لجنة مستقلة من اجل الحقيقة ووضع تعريف اوسع للتعويض .
وقد فوضت هيئة الانصاف والمصالحة 2004 م لبناء الثقة وتقديم التعويضات للضحايا وعائلاتهم عن الانتهاكات الماضية (1956 – 1999 م ) واوصت باتخاذ تدابير لمنع وقوع انتهاكات في المستقبل ، وقد تمكنت اللجنة من تحديد المسئولية المؤسسية ولكنها لم تستطع تحديد المسئولية الفردية في الانتهاكات التي ارتكبت .
نظرت اللجنة في 22 الف طلب وتم التحقيق فيها وعقدت جلسات استماع على مدى سنة ، وقدم التقرير النهائي توصيات لإصلاح الاضرار والإصلاحات التشريعية والدستورية وتعزيز سيادة القانون .
نفذ المجلس الاستشاري لحقوق الانسان بعض تلك التوصيات بما في ذلك دفع تعويضات تقدر باكثر من 85 مليون دولار امريكي لاكثر من 9000 شخص كما قام المجلس بالتنسيق للرعاية الطبية والتدريب المهني للضحايا وعائلاتهم .
العدالة الانتقالية في مشروع القانون اليمني :
أخذ مشروع القانون اليمني بالعدالة التصالحية ، حيث حدد في المادة ( 3) المبادئ والاسس التي تقوم عليها بالنص على : يهدف هذا القانون الى تحقيق ما يلي :
- اجراء مصالحة وطنية عامة لغرض النهوض باليمن على اساس الحق في (معرفة) الحقيقة ونبذ اخطاء الماضي وكل اشكال العبث والانتقام والعمل بروح وطنية واحدة لبناء اليمن الجديد بما يؤدي الى :
- الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره.
- ترسيخ قيم الانتقال الامن والسلس للسلطة.
- التزام كافة الاطراف بوقف كل اشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة القضائية والقانونية والسياسية .
- اتخاذ الاجراءات اللازمة لتطبيق العدالة الانتقالية بما يضمن تسليط الضوء على تصرفات الاطراف السياسية التي ادت الى انتهاكات لحقوق الانسان مثل : القتل خارج نطاق القانون ، الاختفاء القسري ، التعذيب والمعاملة اللا انسانية ، حجز الحرية ، الاغتصاب الممنهج ، الاعتداء على الاملاك العامة والخاصة والحقوق الوظيفية وغيرها من انتهاكات حقوق الانسان والقانون الانساني الدولي خلال الفترة المشمولة بإحكام هذا القانون وضمان جبر الضرر لمن تضرروا من تلك الانتهاكات خلال تلك الفترة او ورثتهم من اجل انصافهم والمصالحة معهم ، وعلى ان يتم اشراك الضحايا او ورثتهم في الاجراءات المحققة لجبر الضرر وتجنب اخطاء الماضي .
المساهمة في تنمية واثراء ثقافة وسلوك الحوار وإرساء مقومات المصالحة وبناء الدولة المدنية – دولة القانون والديمقراطية وحقوق الانسان – ومحو آثار انتهاكات حقوق الانسان والحيلولة دون تكرارها مستقبلا.) .
وقد مهد مشروع القانون في ديباجته للاتجاه الذي اخذ به ( العدالة التصالحية) بما قاله من (الحاجة الماسة الى وضع نهاية لأسباب الانقسام والصراع ... وتأكيدا على ما التزمت به الاطراف السياسية الموقعة على الآلية من وقف لكل اشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة ونبذ دعوات الثأر ... وتجسيدا لقيم العفو والمصالحة المتأصلة في ضمير ووجدان الشعب اليمني ) .
معوقات العدالة الانتقالية في اليمن :
تواجه العدالة الانتقالية معوقات وإشكاليات متعددة منها ما هو سابق على مرحلة التنفيذ ومنها ما يرتبط بآلية التطبيق من حيث الاجراء والموضوع والمعالجات .
اهم المعوقات السابقة على مرحلة التنفيذ الخلاف القائم داخل الحكومة حول اهم مواد مشروع القانون المتعلقة بالفترة الزمنية لسريان القانون ومعايير تحديد القضايا وآلية عمل اللجنة وصلاحياتها في التحقيق والاستماع الى الضحايا او ذويهم وتمكينهم من معرفة الحقيقة كمبدأ من مبادئ العدالة الانتقالية والذي يقتضي الكشف عن هوية مرتكبي الانتهاكات ومعرفة المتهمين وآلية حماية الشهود ومبدأ العلنية والشفافية ثم الاختلاف حول تفسير قانون الحصانة وتأثيره على بعض اجراءت تنفيذ العدالة الانتقالية كما تمثل بعض نصوص آلية تنفيذ المبادرة اشكالية اخرى في حسم الخلافات بسبب ربطها بالتوافقات السياسية (للمشترك والمؤتمر) وليس بالمبادئ الرئيسية للمبادرة والتوافق الوطني الاوسع الذي يحقق الاجماع الوطني كمبدأ اساسي من مبادئ التسوية وهو ما اشار اليه احد المشاريع المقترحة في تعريفه للمصالحة الوطنية بانها : (عملية للتوافق الوطني ...)
اما المعوقات المتوقعة في مرحلة التنفيذ فانها ترتبط بطبيعة العدالة الانتقالية ذاتها التي تقوم على مبدأ التصالح والرضا وعلى التسامح والغفران بهدف اقناع الضحايا وذويهم بعدم اللجوء الى اعمال الثأر والانتقام ، والحقيقة ان قضية الثأر والانتقام تمثل اشكالية اجتماعية معقدة ترتبط بثقافة متوارثة وتقاليد قبلية صارمة ليس في اليمن فحسب ولكن في المجتمعات العربية التي ما تزال متمسكة بثقافاتها القبلية حتى اليوم خصوصا في قضايا القتل وتغلب فيها مرجعية الأعراف والتقاليد القبلية على مرجعية القضاء والقواعد القانونية ، وتعتبر قضايا الثأر من اهم عوامل توحيد الكيانات القبلية وتكريس الولاء للقبيلة ، بحيث تذوب فيها شخصية الفرد وحقوقه المادية والمعنوية، ففي قضايا القتل تشترك القبيلة مع ولي الدم في حق الثأر أو قبول الصلح ، بل إن حق القبيلة قد يغلب على حق ولي الدم الذي لا يملك حسم القضية بإرادته المنفردة دون رأي القبيلة.
هذه الموروثات والقيم الثقافية ما تزال محتفظة بقوة تأثيرها المادي والأدبي على قطاع واسع من شرائح المجتمع ويجري تكريسها في حياته اليومية من خلال اللجوء إلى الأعراف والتحكيم القبلي في تسوية نسبة كبيرة من القضايا الأمر الذي عزز تمسكه بالعرف بحيث يصعب القول بإمكانية القبول بالتصالح او العفو في قضايا القتل العمد عن طريق الجهات القضائية والمؤسسات ذات الصفة شبه الرسمية ، ولكنها قد تكون مقبولة بإتباع اجراءات عرفية خاصة تتم عادة من خلال مبادرة طرف ثالث بالوساطة لدى قبيلة القتيل وأسرته لقبول التصالح خارج اطار قواعد القانون والقضاء ، وحينما تقبل عشيرة الضحية بجهود الوساطة ، فانه يترتب على ذلك استبعاد القصاص او الاعدام والانتقال إلى العقوبة البديلة، وهي التعويض (الدية) ويعلن عن منح الامان للقاتل وعشيرته من اخذ الثأر ، وفي المقابل فان القاتل وقبيلته يخضعون لما يحكم به أولياء الدم بصورة إذعانية رغم ما قد ينطوي عليه الحكم من مبالغات وعقوبات جائرة في ظاهرها كجزء من إرضاء أهل الضحية وإذلال القاتل إلا أن مآلها في النهاية قد ينتهي في الغالب بالعفو عن القاتل والتنازل عن التعويضات اكتفاءً بالجانب المعنوي الذي يمثله حضور الجاني وقبيلته، ومعهم الوساطة وهم عادة من كبار القوم وذوي الوجاهة والمكانة الاجتماعية والنفوذ القبلي والسياسي والاقتصادي والديني الذين يتم حضورهم في جمع حاشد ومظاهر استثنائية تكفي لاظهار اعلى درجات رد الاعتبار لعشيرة القتيل وإقناعهم بان ما تم من مظاهر احتفالية قد حفظ كرامتهم بإخضاع الجاني وقبيلته لحكمهم، فيكون إعلان العفو عن القاتل إكراماً وتقديراً للحاضرين هو المشهد الأخير الذي يسدل بعده الستار على القضية .
مؤيدات العدالة الانتقالية في التراث الاسلامي :
هل يمكن ان نجد في تراثنا الفقهي ما يمكن ان نؤسس عليه بعض صور العدالة الانتقالية التصالحية بمفهومها الحديث ؟
إن العفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق التي مجّدها العرب في تراثهم، ودعت إليها الشريعة الإسلامية. قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِين) (آل عمران 134).
ومما لا شك فيه ان مؤيدات العدالة الانتقالية التصالحية في الفقه الإسلامي كثيرة. فمن المبادئ الفقهية التي تشجع على العفو والتسامح وتؤصل لفكرة العدالة الانتقالية التصالحية ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في فتح مكة :
فقد اجتمع الناس يوم فتح مكة حول الرسول في المسجد الحرام حتى امتلأ وهم ينظرون ماذا سيصنع الرسول بهم وقد مكنه الله منهم فنظر إليهم ثم قال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}... سورة الحجرات – آية 13.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟
قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم.
قال فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته (لا تثريب عليكم اليوم) أذهبوا فانتم الطلقاء.
وبهذه الكلمات عفا النبي عليه الصلاة والسلام عن كل شيء وتناسى كل إساءة وتجاوز عن جرائم قريش الماضية كلها حتى لقد امتد عفوه فشمل من كان قد أهدر دماءهم عند دخول مكة وإن تعلقوا بأستار الكعبة . ورأت قريش تلك السماحة وذلك الكرم ففتحت للرسول قلوبها فكان هذا الفتح بلا شك أجل وأعظم من أن تصل إليه سيوف المسلمين فقد لانت أفئدة ما كانت لتلين ورقت القلوب القاسية والتفت حول الرسول فى إعجاب بالغ حين جلس للبيعة وبايعه الجميع وكانت اعظم صور العفو والتسامح التي مهدت لعملية التغيير والانتقال الى مجتمع العدل والحرية والمواطنة المتساوية في ظل الشريعة ودولة المدينة.
ومن المبادئ التي أقرها الفقه الاسلامي لضمان الحقوق الانسانية :
حرمة دم المواطن اياً كانت ديانته.
ان لا يهدر دم في الاسلام .
والمبدأ الاخير يقوم على نظرة انسانية شاملة لا تفرق بين المواطن المسلم والوافد غير المسلم اياً كانت ديانته ، فانه معصوم الدم ولا يهدر دمه طالما كان في ديار الاسلام وفي حماية الدولة المسلمة بناء على القاعدة الشرعية (لايهدر دم في الاسلام ) أي لايهدر دم انسان في ديار الاسلام ، وليس ما قد يتبادر الى اذهان البعض من ان القصد (دم المسلم ) بل القصد كل دم مسلم وغير مسلم ، (في الاسلام) أي في ديار الاسلام وفي ظل حماية الدولة المسلمة التي تضمن سلامته وتتحمل دمه في حال الاعتداء عليه .
وقد استنبط العلماء من قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (التحريم: 8) احكاما فقهية تتحقق فيها بعض صور العدالة الانتقالية بمضمون اسلامي ، ومنها التوبة النصوح التي يتوسل بها المذنب لطلب الغفران من الله تعالى والحصول على الصفح من العبد بشروط تضمنت اهم مبادئ العدالة الانتقالية التصالحية :
الاعتراف بالذنب وإظهار الندم على ما سبق من المعاصي والذنوب .
طلب الصفح من الضحايا ورد المظالم إليهم كاملة غير منقوصة.. العزم على عدم العودة إلى مقارفة تلك الذنوب والخطايا مستقبلا.
وقسموا التوبة الى قسمين :
القسم الأول : يتعلق بحق الله وهو يتضمن الحق العام (حق الجماعة الاسلامية) .
القسم الثاني : يتعلق بحقوق العباد ( الحق الشخصي والمدني المادي والمعنوي).
وهنا يجمع الفقهاء على أن التوبة ليست مجرد كلام يلوكه اللسان وان التوبة أمر أكبر من ذلك وأعمق وأصعب إن عمل اللسان مطلوب فيها ولكن بعد أن تتحقق وتتأكد، بان يعترف المذنب بالذنب ويسأل الله المغفرة ويتحلل من حقوق العباد برد المظالم إلى اهلها واسترضاء من ظلمهم ، أما مجرد الاستغفار أو إعلان التوبة باللسان - دون عقد القلب - فهي توبة الكذابين كما قال ذو النون المصري .
وفي الحق الخاص فقد أنعقد الاجماع على أن التوبة لا تسقط الحقوق الخاصة ، من دماء وأموال وأعراض إلا بردها إلى اهلها كاملة غير منقوصة أو التعويض عنها بأوفر التعويضات المرضية لأصحابها حتى يكون الصفح أو العفو من قبلهم منتجا لآثاره الشرعية وهو العفو الكامل في الحقين العام والخاص تمهيدا لأن تنتقل الجماعة الوطنية أو الجماعة الاسلامية إلى مرحلة المصالحة الوطنية الشاملة ووضع الضمانات الشرعية لمنع تكرار تلك الجرائم والآثام وبالتالي ضمان عدم اللجوء إلى الثأر والانتقام .
واذا كان اطراف التوافق قد وصلوا الى طريق شبه مسدود حول مشروع القانون ، فهل يمكن البحث عن آلية محايدة تعيد النظر في المشروع وتستوعب مختلف الجوانب والمؤثرات الثقافية والاجتماعية بما يحقق التوافق الوطني ويجسد الإرادة الشعبية لكل ابناء اليمن وينجز مصالحة وطنية تاريخية حقيقية تتجاوز الرؤى الضيقة والتقاسمات الحزبية ؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.