الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب ثمرة الاستبداد السياسي والإبن غير الشرعي للأنظمة !
العلاقة بين الاستبداد السياسي والإرهاب هي علاقة طردية، فگلما اشتد الاستبداد السياسي زادت فرص اشتداد الإرهاب و نموه.
نشر في الجمهورية يوم 08 - 07 - 2012

حققت اليمن خلال الفترات الأخيرة نجاحات متتالية في حربها على الإرهاب، وأثبتت نجاح الحملة العسكرية في محافظة أبين أنه لامكان للارهاب في يمن الحكمة في ظل التفاف الشعب حول قيادته السياسية والوقوف إلى جانب المؤسسة العسكرية والامنية في مكافحة الارهاب . لقد وجدت تلك العناصر الضالة في الفراغ الامني سابقاً والهشاشة الإدارية والإخفاق في عمل منظمات المجتمع المدني فرصة لاحتواء الشباب و اليوم وفي ضل العهد الجديد ستتكاتف الجهود لاستئصال هذه الافة.
موضوع الإرهاب بغزارة محتواه وتعدد اتجاهاته يحتاج إلى دراسات عميقة ومتخصصة وأكاديمية تتناول الموضوع من جميع جوانبه، ونحاول من خلال هذا التحقيق التركيز على جزئية بسيطة في هذا المحيط الغائر تتعلق بعلاقة الإرهاب بالاستبداد السياسي، وكيف يمكن القضاء على هذه الآفة فكرياً.. صحيفة الجمهورية التقت عددا من الكتاب والباحثين والصحفيين لمعرفة آرائهم في هذا الجانب، إلى جانب إيراد ما تطرق إليه بعض مفكري الأمة العربية والإسلامية، والدراسات التي تبرز العلاقة الجوهرية بين الإرهاب والاستبداد السياسي، والآليات التي يمكن من خلالها استئصال هذه النبتة الضارة من المجتمعات من خلال تجفيف كل منابع التروية التي تمنحها الحياة والنمو.
الاستبداد مصدر الأمراض الاجتماعية
ونبتدئ الحديث بما ذكره الكاتب الصحفي والمحلل السياسي نصر طه مصطفى رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) “السابق” حيث يقول: الاستبداد السياسي ينتج أسوأ الأمراض الاجتماعية والسياسية في أي مجتمع مهما ادعى هذا المجتمع من الحداثة ومهما ادعت هذه الدولة من تقدمية, مؤكداً أن الإرهاب واحد بالتأكيد من الأمراض التي يصنعها الاستبداد السياسي، كما أنه ليس بالضرورة أن ينتج الإرهاب في كل البلدان التي تعاني من الاستبداد السياسي خاصة إن كانت هناك معالجات من أي نوع لتجفيف منابع الإرهاب.
الا أنه قد نجد الإرهاب يخرج من مجتمعات تعاني الوفرة والتخمة الاقتصادية وقد نجده يحضر في بلدان ديمقراطية، بمعنى أن الإرهاب ليس منتجاً حتمياً للإرهاب السياسي لكنه إن وجد فإنه أبرز منتجاته بالتأكيد”.
تشكيل الإرهاب عوامل سياسية وإشكال فكري
ويقول الباحث في شئون الجماعات الإسلامية نبيل البكيري: إن مسألة العلاقة بين الاستبداد السياسي والإرهاب هي علاقة طردية، فكل ما اشتد الاستبداد السياسي زادت فرص اشتداد الإرهاب و نموه.
ويضيف:” أعتقد أن مسألة الإرهاب هي من القضايا التي لم تدرس ويبحث كثيراً عن أسبابها ومسبباتها الكثيرة التي تأتي العوامل السياسية في مقدمة تلك العوامل التي تغذي ظاهرة الإرهاب,و أكاد أجزم أن العوامل السياسية تتجاوز 80 % في تشكيل ظاهرة الإرهاب، فيما يبقى العشرون في المائة الباقية مرتبطة بموضوع الإشكال الفكري والثقافي، التي يمكن في ظل توفر جو سياسي طبيعي ومستقر، أن يتم مناقشة الإشكال الفكري وإزالة الكثير من الالتباسات حوله.
الإرهاب صنيعة غياب الديمقراطية
من جانبه يؤكد الرئيس التنفيذي لمركز التأهيل وحماية الحريات الصحافية (CTPJF) أمين عام جائزة الصحافة والإعلام اليمني، محمد صادق العديني أن الاستبداد السياسي يصنع الإرهاب .. وكلاهما صنيعة غياب الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية؛ ذلك أن الديمقراطية باعتبارها منظومة متكاملة تتيح فرصة لجميع مكونات وفئات وتوجهات أفراد المجتمع, ويقول:” كما أن “الفقر” هو صنو الجهل، وصنو “المرض” .. واجتماع ثلاثتهم يدفع الشعب إلى الكفر بالدولة ويميت في النفوس كل شعور وطني؛ لذا يصبح من السهل, وقد تهيأت الظروف, التحول للفوضى والخراب.
العنف وليد العنف
وفي ذات الموضوع يؤكد الكاتب الصحفي والباحث ثابت الأحمدي أن الاستبداد بشتى أنواعه داء عضال تتوالد عنه كل أمراض المجتمعات, .. أن نتواءات الاستبداد السياسي قد يفضي في النهاية إلى زوال الدولة ونهايتها .. مستشهداً بما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته، وكذا الشهيد الكواكبي في “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد, ويقول :” كما تولد النارُ النار فإن العنف وليد العنف، والتطرف لا يؤدي إلا إلى التطرف في أسوأ حالاته.. ويؤكد أن نشوء عصابات العنف والإرهاب تعتبر انعكاس مباشر لعصابات السلطة والحكم التي رأت في الناس رعايا لا مواطنين مثلما رأت في نفسها أنها الأولى بالسيادة والحكم.
ويقول: هنا تبدأ الجذور الأولى للإرهاب والعنف حين تشعر جماعة ما أو فئة بانتقاصها وهضمها من جهة أخرى، فتتكون قضية جامعة سرعان ما يتماهى هذا الكل المظلوم تحت رايتها من منطلق الشعور بالظلم الذي يفضي إلى الانتصار للذات، وسرعان ما يتشكل الولاء الأعمى للزعامة، وقد رأت في مشروعها قضية مقدسة يستدعي التضحية غير قابل حتى بأنصاف الحلول, ويضيف :” عبر التاريخ الإنساني قاطبة لم تنشأ جماعة عنف بفكر متطرف إلا نتاج قمع غير مبرر من السلطات حتى تبدو كما لو كانت تملك الشرعية كاملة فإذا ما قدر لهذه الجماعة أن تصل إلى السلطة فإنها تمارس عنفاً على غيرها متناسية أنها ثارت ضد خصمها السابق لذات السبب، لأنها تفكر بطريقة غير سليمة أصلاً وبعقلية المقموع, ويستشهد الأحمدي، ببعض النماذج قائلاً :” وبين يدينا اليوم نماذج حية من مشاهد الجماعات العنفية المسلحة التي تقتل باسم الدين وتحارب باسم العقيدة في أسوأ مشهد تاريخي عرفته الحروب, ويستدرك:” لكن لو نظرنا إلى منطلقاتها الأساسية لوجدنا أنها تستند إلى حجج ودعاوى تعتقد صحتها، وليتخيل القارئ لو لم توجد قضايا شائكة على الساحة العربية تحديدا كقضية فلسطين والعراق وغيرهما فهل ستوجد هذه الجماعات المسلحة بهذه الصورة؟ لا أظن.. ويضيف :” كلامي هذا ليس تبريرا لما تقترفه الجماعات العنفية من أعمال شنيعة بحق الأبرياء، بقدر ما هو إشارة إلى عمق أو جذر المشكلة التي ينبغي التريث عندها لاقتلاعها من جذورها بطرق عملية وصحيحة.
القوة وإفراز المجتمعات السيئة
وفي حديث مماثل يشير الكاتب والباحث أحمد عبد الغني الجباري، إلى أن السيف الذي سلب الأمة حقيقة مشاعرها، هو نفس العامل الذي انتزع منها الرد بإيجابية على ما تراه سلبيًا..ويقول:” الواقع الذي تفرضه القوة لا ينتج عنه إلا مجتمع سيئ، وهذا التكرار للممارسة السيئة هو الذي خلق العادة الأسوأ منه، وهي الاعتقاد بصحة ما يرد عن السياسي”.
الأنظمة العربية وذريعة الإرهاب
ويؤكد الجباري أن ما تقوم به الأنظمة من استعدادات وتحالفات، وحملات يومية، ومستمرة لتتبع من تدعوهم بالإرهابيين، وملاحقتهم من قبل قوى الأمن والجيش؛ لا ينفي عنها التهمة من أنها الرحم الذي خرجت منه تلك الجماعات التي ولدتها المعاناة، أي ربما كان الإرهاب الذي استخدمته أمريكا ذريعة جديدة للاستعمار، والاستيلاء على النفط، كما كان الانتداب ذريعة للمستعمرين من قبلها، فالأنظمة العربية قد استخدمت نفس الذريعة، والمصطلح في التخلص من معارضيها السياسيين.
ويلخص أسباب إقدام الأنظمة العربية على استخدام الإرهاب إلى اعتباره كذريعة لتنفي الأنظمة أن معارضيها ينهجون معارضة سياسية مشروعة، وللحصول على الشرعية الدولية، والدعم المادي، والمعنوي في القضاء على هذا التيار من المعارضة، الذي يشكل الخطورة الفعلية على الأنظمة؛ لقدرته على تحريك الشارع، وحشد الجمهور لصالحها، لذلك كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الفرصة الحقيقية لقوى الداخل وقوى الخارج على السواء؛ باعتبار أن العدو واحد، والهدف مشترك.
ويقول الجباري: كما تستغل الأنظمة العربية مواقف الدول العلمانية، واللادينية في أوروبا وأمريكا، من الدين المسيحي الذي تعتبره السبب في تخلف الغرب في العصور الوسطى، فاستغلت الموقف المعادي للكنيسة عند أولئك في إلصاق تهمة الإرهاب بالدين، وسوف ترفضها الشعوب؛ لأنها من تدين به، ومن ثم فهي إرهابية من وجهة نظر العدو المتربص بالجميع، وهو أمريكا التي نجحت حتى الآن في هزيمة الأنظمة بجميع المقاييس، ولكنها كانت وما تزال مهزومة أمام الشعوب، ومن تدعي بأنها تشن حروبها لاستئصالهم، فأمريكا التي دخلت العراق ظناً منها بتأييد الشعب العراقي لها، لم تجد من يؤيدها سوى من دخلوا معها من العملاء، ونصبتهم حكامًا لشعوبٍ لم تحتكم لهم كما لم تحتكم لمن قبلهم”.
ويضيف: صحيح أن إلصاق التهمة بالدين الإسلامي بطريقة غير مباشرة، قد ساعد الأنظمة المتسلطة في الحفاظ على مراكزها المتحالفة مع الغرب لفترة زمنية، إلا أن ذلك لن يطول؛ نظراً لأن التزام هذه الأنظمة بالنهج الديمقراطي نزولاً عند رغبة حلفائها لا استجابة لمطالب شعوبها، ولا نتيجة لرغباتها، وقناعتها الخاصة، قد يضعها في مآزق مستقبلية، وخاصة عندما تجد نفسها أمام قاعدة جماهيرية كبيرة من معارضيها الذين قد تكون الغلبة لهم في الانتخابات، ومن ثم تلجأ الأنظمة إلى التزوير، والعنف، واستخدام المال العام في شراء الأصوات المؤيدة لها”.
ويتابع وهذا كله لا يزيد الأوضاع إلا سوءاً من حيث إن نجاح تلك الأنظمة مشبوه وغير شرعي، وهي أول من يعلم ذلك، لأن المال العام الذي تستخدمه في الصرف والإنفاق على عملياتها الانتخابية ذات الطابع المسرحي، وكذلك استخدام القوة في إرهاب خصومها في العمليات السياسية أو اعتقالهم ومصادرة حقوقهم، لا يزيد سوى من توسيع الهوة بين الأنظمة ومعارضيها الذين يزيدون قوة، بينما تزداد هي ضعفاً, ويشير إلى أن الأنظمة التي لم تبدِ ردة فعل إزاء ما تعرض له مقام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الغرب من التشويه لشخصه الكريم ومكانته الشريفة من خلال الرسوم (الكاريكاتورية) التي صورته بالإرهابي المدجج بالأحزمة الناسفة، كانت من أعطى الغرب الضوء الأخضر من خلال إلصاق تهمة الإرهاب بالأحزاب ذات التوجه الديني، وشن الحملات الإعلامية ضدهم؛ لغرض تشويههم سياسياً، وإثبات صدق ولاء هذه الأنظمة للغرب الذي تريد أن تثبت له أنها ذات توجه علماني، وأن مواقفها معادية للدين مثله تماماً، مع أنها في حقيقة الأمر لا شرقية ولا غربية، ولا عربية ولا ما بين ذلك، فالتوجه الديمقراطي الحقيقي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية في فلسطين، والنيابية والرئاسية في مصر، كانت بمثابة الضربة القاصمة لظهر الديمقراطية المزيفة التي يعول عليها الغرب؛ لأنها أثبتت أن الشعوب أكثر ميلاً للديمقراطية، وهم من تصفهم أمريكا ب”الراديكاليين”، وهو ما جعلها تتخلى عن طموحاتها الديمقراطية، وتقف إلى جوار الدكتاتورية في المنطقة بطرق مباشرة وغير مباشرة.
وقال الجباري: ظهور الأنظمة بصورة الضعف والتواطؤ في تآمرها مع الغرب ضد شعوبها التي تجد الغرب المسيحي كله صاحب مواقف موحدة ضد الإسلام والمسلمين، فما حدث في الدنمارك من مواقف معادية لرسول الإسلام، كانت بمثابة التكرار لما حدث إبان الحملة الصليبية الثانية على العالم الإسلامي، والتي صورت فيها الكنيسة الرسول صلى الله عليه وسلم، بمثابة أعرابي دموي يقوم بالاعتداء على السيد المسيح، عليه السلام، الأمر الذي حشد أوروبا حينها واستثار غضب الأوروبيين، وحشدهم للمشاركة في الحملة الصليبية الثانية؛ لأن الصمت الرسمي وثوران الشارع كفيلان بتعرية هذه الأنظمة الموجودة التي لا ندري عمن تدافع، ولا ما جدوى استمرارها في السلطة التي وجدت من أجلها فقط، وخاصة عندما أصبحت المطالبة بالإصلاح والعدالة إرهابًا، والمطالبة بالتنمية تطرفًا، والانتقاد للفساد خروجًا عن الجادة,ويتساءل الجباري، أليس من حق آلاف الشباب الذين قضوا نصف أعمارهم في طلب العلم والتعليم، أن يعارضوا الأنظمة عندما يجدون أنفسهم خارج سوق العمل، ولا يجدون من يكافئهم ويستثمر خبراتهم الجديدة بوظيفة عمل؟!!.
الكواكبي وتشخيصه للاستبداد
يؤكد الشهيد عبدالرحمن الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» أن أصل داء الأمة الإسلامية هو الاستبداد السّياسي، ودواؤه دفعه بالشّورى الدّستورية.
ويشير إلى أنّ الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقَين. وتفسير ذلك هو كون الحكومة إمّا هي غير مُكلّفة بتطبيق تصرُّفها على شّريعة، أو على أمثلة تقليدية، أو على إرادة الأمّة، وهذه حالة الحكومات المُطلقة. أو هي مقيّدة بنوع من ذلك، ولكنّها تملك بنفوذها إبطال قوّة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تُسمّي نفسها بالمقيّدة أو بالجمهورية.
كما يشير إلى أن أشكال الحكومة المستبدّة كثيرة ومن صفات الاستبداد، أنها تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولّى الحكم بالغلبة أو الوراثة، وتشمل أيضاً الحاكم الفرد المقيَّد المنتخب متى كان غير مسؤول، وتشمل حكومة الجمع ولو منتخباً؛ لأنَّ الاشتراك في الرّأي لا يدفع الاستبداد، وإنَّما قد يعدّله الاختلاف نوعاً، وقد يكون عند الاتّفاق أضرّ من استبداد الفرد. ويشمل أيضاً الحكومة الدّستورية المُفرَّقة فيها بالكُلِّيَّة قوَّة التشريع عن قوَّة التَّنفيذ وعن قوَّة المراقِبة؛ لأنَّ الاستبداد لا يرتفع ما لم يكن هناك ارتباط في المسؤولية، فيكون المُنَفِّذُون مسؤولين لدى المُشَرِّعين، وهؤلاء مسؤولين لدى الأمَّة، تلك الأمَّة التي تعرف أنَّها صاحبة الشّأن كلّه، وتعرف أنْ تراقب وأنْ تتقاضى الحساب.
مراتب الاستبداد
يقول الكواكبي: أشدّ مراتب الاستبداد التي يُتعوَّذ بها من الشّيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية، ولنا أنْ نقول كلّما قلَّ وَصْفٌ منْ هذه الأوصاف؛ خفَّ الاستبداد إلى أنْ ينتهي بالحاكم المنتخب المؤقت المسؤول فعلاً، وكذلك يخفُّ الاستبداد طبعاً كلّما قلَّ عدد نفوس الرَّعية، وقلَّ الارتباط بالأملاك الثّابتة، وقلَّ التّفاوت في الثّروة وكلّما ترقَّى الشّعب في المعارف”.
الإرهاب ظاهرة أوروبية النشأة
ولإبراز العلاقة الجوهرية بين الإرهاب والاستبداد، وأن الدول العربية والإسلامية كانت متلقية لهذه الآفة ولم تنتجها نستعرض ما ذكره الدكتور محمد عوض الهزايمة في موضوعه الخاص بالنشأة التاريخية للإرهاب، بأن الإرهاب أحد ظواهر الاضطراب السياسي في العصر الحديث، وهو كتعبير وممارسة ظهر بشكل أوضح وتجسد فكراً وواقعاً في أواخر القرن الثامن عشر.. وأشار إلى أن العهد الذي يطلق عليه في فرنسا عهد ( الرهبة) من 10 آذار عام 1793م 27 تموز عام 1794م أي أثناء الثورة الفرنسية، مارس زعماء ذلك العهد وفي مقدمتهم روبسيير، وسانت جوست، العنف السياسي على أوسع نطاق ..
لافتا إلى أن أولئك الزعماء قطعوا بالمقصلة رؤوس أربعين ألفاً من الفرنسيين الذين كانوا يعدون يومئذ 27 مليون نسمة، أما المعتقلون فقد بلغ عددهم 300 ألف نسمة, ويقول في كتابه “ قضايا دولية، تركة قرن مضى وحمولة قرن أتى” : بناء على ذلك فإن الإرهاب المعاصر ظاهرة أوروبية النشأة وقد شنت الثورة الفرنسية عام 1789م الإرهاب بمفهومه الحديث ومارسته باسم الشعب ودفاعاً عن الشعب وتتولى أمره لجان منبثقة عن الشعب.ويشير إلى أن أوروبا استفاقت مع حلول القرن التاسع عشر على ظهور حركات ومنظمات سياسية في أفيائها استخدمت الإرهاب وسيلة لبلوغ أهدافها السياسية ومن أبرز هذه الحركات هي الفوضوية والعدمية ويجمع بينهما أساس فكري واحد وهو رفض السلطة بكل أشكالها وتهديم المؤسسات السياسية والاقتصادية بالقوة وتمجيد حرية الفرد، وقد تكون خيوط فكرية تجمع بين هاتين الحركتين والحركات السياسية الإرهابية الأوربية المعاصرة مثل “الألوية الحمراء” في إيطاليا وجماعة (بادر ما ينهوف) في ألمانيا، والعمل المباشر في فرنسا فهي جميعاً تنتهج الأسلوب الإرهابي نفسه، وتعتمد مفاهيم فلسفية قائمة على العنف وتتقارب مع المفاهيم الفوضوية والعدمية.
كما يشير الدكتور الهزايمة إلى تطور استخدام مصطلح الإرهاب بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد وراثة الولايات المتحدة الإمبراطوريات الاستعمارية المنهارة وظهور ظاهرة الاستعمار الجديد ومحاولة الولايات المتحدة مد سيطرتها ونفوذها على أكبر مساحة من العالم، بواسطة الأحلاف والتكتلات العسكرية الاقتصادية، بالإضافة إلى اللجوء للتآمر وإثارة المشكلات، وإيجاد الصعوبات المالية للدول، ومن هنا انطلقت تهمة الإرهاب الدولي لتلصق بهذه الدول الخارجة عن إرادة الولايات المتحدة، وبحركات التحرر الوطني التي تناضل من أجل استقلال بلادها والتخلص من الاستعمار والاحتلال والعنصرية، ومن هنا جاء الخلط المقصود بين الإرهاب الدولي من جهة وبين حق تقرير مصير الشعوب وهو خلط قامت به المدارس الفكرية وأجهزة الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية في أوربا وأمريكا وعملت على تثبيته وتعميقه في فكر الآخرين. ويخلص الدكتور محمد عوض الهزايمة في حديثه عن نشأة الإرهاب إلى أن ظاهرة الإرهاب تتلخص في حقيقتين هما أن الإرهاب ظاهرة أوربية النشأة استحدثت أوروبا هذه الظاهرة من الفلسفات التي سوغت استخدام الإرهاب وسيلة، وأن مصطلح الإرهاب طور في المخابر السياسية الأمريكية بعد أن ظهرت كزعيمة استعمارية بعد الحرب الكونية الثانية لتحقيق أهدافها المتمثلة في الهيمنة والسيطرة والنفوذ.. وحول أسباب ومسوغات الإرهاب يشير الدكتور الهزايمة إلى أن هناك أسباباً تقف وراء ظاهرة الإرهاب وتسوغ القيام بعمليات إرهابية، بمعنى أن هذه الظاهرة لا تأخذ مكانها على خريطة الزمن من دون دوافع تعمل على كينونتها فهي لا تأتي من فراغ مطلق.
الدول الكبرى وإنتاج وتصدير الإرهاب
فيما أشار الباحث محمد السماك في كتابه الإرهاب والعنف السياسي، إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة “سابقا”ً (كورت فالدهايم) حمل الدول الكبرى القسط الأكبر من مسؤولية تفشي ظاهرة الإرهاب التي تهز العالم.
وذكر فالدهايم عدة أسباب لتفشي الإرهاب ومن أبرزها ممارسة حق النقض في مجلس الأمن الدولي وتهاون الدول الكبرى عن القيام بواجباتها مما أدى إلى عجز الأمم المتحدة عن تحقيق أهدافها المحددة في ميثاقها وفي شرعة حقوق الإنسان، وتواطؤ الدول الكبرى وتميزها أدى إلى فشل المنظمة الدولية في تحقيق التعاون الدولي وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول، وكذا اغتصاب الشعوب المستضعفة ألحق بها ظلماً وحرماناً أخفقت الأمم المتحدة في التعويض عنه.
الواجب يحتم على الجميع مقاومة الاستبداد السياسي والقضاء عليه لأنه مفسدة مطلقة وهو المنتج الأگبر لأسوأ أمراض المجتمع.
اليمن والإرهاب
تزامناً مع نجاح الحملة العسكرية في محافظات أبين وشبوة، فإن هذا النجاح يستدعي مواكبته بروافد تساعد على استئصال هذه الآفة من المجتمع وتتلخص في محاربة الإرهاب فكرياً، والقضاء على المناخ الملائم لنموه والذي يعد أحد مخلفات الأنظمة الاستبدادية والمحكومة بسياسات أجنبية ووصايات دولية.
يرى مراقبون أن الثورة الشبابية الشعبية التي اندلعت العام الماضي، استفاد منها تنظيم القاعدة في تعزيز وجوده في جنوب اليمن وشرقه، مستغلاً الفراغ الأمني والصدامات السياسية التي حدثت بين السلطة ومعارضيها، فإن البعض يرى أن القاعدة صناعة سياسية محلية رسمية بإشراف أمريكي وأوروبي، لافتين إلى أن النظام السابق استخدمها فزاعة جديدة لإخافة الغرب واستمرار ابتزازهم وإيصال قناعات بأنه هو صمام أمان ضد القاعدة، وأن رحيله سيؤدي إلى توسعها وانتشارها.
الانتقام والإرهاب
يقول الكاتب والباحث أحمد عبد الغني الجباري: إن الزعماء المصابين بحالات من الجنون الكارثي بالسلطة، هم في الأصل مصابون بعاهة نفسية، وشعور بالنقص في العقل الباطن.
ويشير إلى أحد عوامل الإرهاب والمتمثل في الرغبة في الانتقام .. لافتاً إلى أن الرغبة في الانتقام تفقد الكثير توازنهم، وتكون سبباً في إصدار القرارات الاندفاعية غير المسئولة؛ ولأن الشعور بالظلم أو الفشل تظل حالة لاشعورية موجودة في النفس الإنسانية محبوسة في أقفاص العقل الباطن، حتى إذا حانت الفرصة تجد اندفاع أصحابها اندفاعًا لاشعورياً خارجًا عن إطار السيطرة ومراكز الضبط.
ويستشهد الجباري، بسحب الرسول صلى الله عليه وسلم راية الأنصار من سعد بن عباد في يوم فتح مكة، وتسليِمها إلى ابنه قيس بن سعد؛ لأنه فقد توازنه، وصرخ “اليوم يوم الملحمة، اليوم تستباح الحرمة”، والسبب في ذلك هو تذكر سعد لموقف قريش من النبي عليه الصلاة والسلام، وأصحابه، واستبداد مكة بالمستضعفين من المسلمين، الأمر الذي كان سبباً في النزوع الانتقامي الذي أثار في نفس سعد بن عباد، وهو في موطن القوة، نزوع الرغبة في الانتقام بعد الضعف والانكسار.
ويقول :” ليس غريباً أن يكون هذا السلوك الانتقامي مؤثراً على أخلاقيات وسلوك شعوب بكاملها، فقد أدت الأفران التي أحرق فيها النازيون اليهود في أوروبا على أيدي القوات الألمانية، إلى ما يسمى الشعور بمعاداة السامية، الذي اتخذ منه اليهود منطلقاً للنازية الجديدة، وأرضية تقوم عليها ممارستهم للإرهاب ضد الإنسان، ونشر رذيلة الكره للإنسانية جمعاء”.
اليمن وعقود سوداء
ويشير الصحفي محمد صادق العديني، إلى ما عانته اليمن طوال العقود الماضية، وأكثر تحديداً خلال الثلاثة العقود الأخيرة، والتي أفرزت مخلفات مأساوية وساعدت على انتشار الكثير من المشاكل بما فيها الإرهاب.
وقال:” طيلة العقود الثلاثة الماضية وعنوان اليمن لا يتجاوز العبث بحقوق المواطنين وتجاهل استغاثات المقهورين، وإقصاء الآخر، والنيل من كرامته والانتقاص من آدميته، والارتداد إلى عهد الشمولية والاستقواء بالمليشيات وحلفاء الفيد ، وترهيب أصحاب الرأي، وممارسة الابتزاز وحملات التخوين والتحريض ضد نشطاء العمل السياسي، ومحاصرة الكلمة ومسخ التعددية، واستنساخ الأحزاب واستهداف الصحافيين،والتحكم بالمعلومات،وتدمير القيم، وتعميم الفساد، وترسيخ الأمية, مع الاستمرار في نهب الثروات وإغراق المواطن في دوامة الحاجة المعيشية، والشكوى الدائمة، وإفشال محاولات التمدن، ومؤسسة الدولة، وغيرها من المآسي”.
وفيما يوافق الكاتب العديني عددا من الكتاب والمحللين على فساد النظام السابق، إلا أنهم لا يربطون نشوء القاعدة كلياً بفساده ، ويرون أن نشوء الإرهاب يستند إلى خلفية فكرية ودينية وسياسية، ويشيرون إلى الجهود التي بذلها النظام السابق والرئيس السابق علي عبدالله صالح لمحاربة الإرهاب إلا أنهم يعيبون عليهم انعدام الإستراتيجية الواضحة لمحاربة هؤلاء العناصر واستغلالهم كرافد مادي وفزاعة تستخدم في الوقت الذي يحلو لهم استحضارها، الأمر الذي أدى إلى خروجها عن سيطرتهم.
أمريكا هي المستفيد الوحيد
أما والباحث في شئون الجماعات الإسلامية نبيل البكيري فقد أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد الوحيد بعد نظام صالح من مسألة القاعدة في اليمن وتمددها وتوسعها الوهمي؛ إذ أثبتت الأحداث الأخيرة في اليمن،أن الأمريكان لا يهمهم شيء سوى ضمان سلامة مصالحهم وبقاء هيمنتهم على هذه الرقعة الجغرافية المسمى اليمن،ووجود فزاعة القاعدة يوفر لهم مثل هذا التواجد والسيطرة على ممرات الطاقة العالمية الأكثر خطراً ويمر خلالها ما يقارب 70 % من النفط المصدر غرباً إلى أوروبا وأمريكاً وشرقاً إلى الصين وجنوب آسيا.
ويقول :” ما يعزز مثل هذه الحقيقة التي بت شبه مقتنع بها أنا كمراقب للوضع، هو أن الأمريكان فشلواً فشلاً ذريعاَ في مقارباتهم الأمنية والعسكرية في حربهم ضد الإرهاب،ويدركون ذلك ويخبرهم به يومياً دراسات وتقارير مراكز الأبحاث والدراسات، إلا أنهم مستمرون في غيهم القديم ،وإلا لو كانوا جادين فعلاً لحاولوا تغيير إستراتيجيتهم تلك بإستراتيجية جديدةً عززتها بل و أثبتتها ما بات يعرف بثورات الربيع العربي، وهي إستراتيجية المقاربة السياسية والتنموية لمشاكل مجتمعاتنا العربية المحبطة لعقود تحت سلطة القمع والظلم جراء الأنظمة الاستبدادية والشمولية المدعومة غربياً وأمريكياً تحديداً، وهو ما أفرز مثل هذه الظواهر الشاذة والعنفية في طرحها وتوجهاتها كردة فعل طبيعية على نوعية السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والعالم العربي ككل”.
العدالة صمام أمان
يؤكد عدد من الباحثين ضرورة وضع حل جذري لمشكلة الاستبداد السياسي والانفراد بعملية صناعة القرار داخل المجتمع والعمل بجدية على تحقيق العدالة الاجتماعية،وبما يسهم في استئصال آفة الإرهاب ومسبباتها.. وفي هذا الصدد يؤكد الرئيس التنفيذي لمركز التأهيل وحماية الحريات الصحافية ( CTPJF) الكاتب محمد صادق العديني أن صمام أمان اليمن أرضاً وإنساناً يتجسد في حماية وتجذير مبادئ التعددية وتوسيع الهامش الديمقراطي في البلاد من خلال إحداث إصلاح سياسي شامل، وتعزيز وحماية حرية الصحافة، والعمل الجاد والمخلص من أجل تعزيز البناء المؤسسي للدولة، والقضاء على مراكز القوى التي أصبحت تشكل دويلات وإقطاعيات لا تقهر !!.. ويشدد على ضرورة السماح بوجود توازن سياسي يقي البلاد والعباد ويلات الفردية والجهوية العشائرية، وإتاحة الفرصة أمام الجميع للمشاركة في بناء اليمن، وإقرار الحكم الرشيد، وإطلاق حق الحصول على المعلومة ونشرها،وحق العمل والمشاركة لكافة أطراف المنظومة الديمقراطية كشركاء لا كأجراء.
ويقول :” كواحدة من آليات مواجهة الإرهاب في الوقت الراهن, أعتقد أنه من المهم جداً إعادة هيكلة الجيش وأجهزة الأمن الخاصة, وتطهير بقية الأجهزة ومرافق الدولة من بقايا العهد السابق المتورطين بجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الفساد ونهب المال العام, مع العمل على إطلاق الحوار مع مختلف أبناء اليمن دون إقصاء أو إبعاد أحد، والبدء بإعداد دستور جديد يضمن ممارسة جميع مكونات الشعب اليمني ومختلف فئاته على أساس المشاركة والمواطنة المتساوية”.
ويضيف :” كذلك من المهم كضرورة مصيرية التنبه لقضية التعليم، لأن هناك من عمل طوال سنوات العقود الثلاثة الماضية على تجهيل الشعب اليمني وتوسيع رقعة الأمية والجهل, وتشويه المخرجات التعليمية من أجل ضمان استمرارية حكمه المنتج للفساد والعبث والاستئثار بمقدرات وخيرات اليمن، لذلك على رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، وحكومة الوفاق الوطني أن يضعوا مسألة التعليم في أولويات مهامهم, كذلك على النخب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن تولي هذا الأمر الوطني الكبير اهتماماً متقدماً يترجم لأفعال وبرامج وأعمال عملية حقيقية”.
العلاقة بين الإرهاب والسلطة
ويشير الباحث أحمد عبد الغني الجباري إلى ضرورة أن تأخذ حكومة الوفاق الوطني والحكومات القادمة بعين الاعتبار بأن القيمة الحقيقية للقوانين العادلة تكمن في إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وليست العبرة في وجودها مرسومة في اللوائح، والدساتير غير المعمول بها، ما لم توجد سلطة قادرة على تفعيلها، وتحقيق الغرض المرجو منها، وهو إيجاد عدالة اجتماعية، ومجتمعات مثالية قادرة على الإنتاج والتنمية، تعرف ما لها وما عليها، تتفاعل مع قوانينها كما تتفاعل مع أعمالها اليومية.
ويقول: “ إن وجود القوانين المنصوص عليها وغير المعمول بها، يجعلها في حكم العدم الذي لا وجود له، والعاجز الذي لا يستطيع رفع الضرر عن نفسه أو عن غيره”.
ويشير إلى أن العدالة الحقيقية هي القدرة على خلق بيئة اجتماعية تتنفس العدل، وتؤمن به إيماناً مطلقاً، في كل ما يتوجب عليها وما يحق لها.
ويضيف:” مهما كانت القوانين الوضعية أو النصوص الشرعية عادلة وقوية؛ فإنه لا جدوى منها ما لم توجد سلطة قائمة تحترم سيادة هذه النصوص، وتطبيقها أولاً على واقعها، وتحرص على عدم تجاوزها من الخاصة، ومن ثم تطبيقها على واقع الحياة العامة لشعوبها التي لم تنعم بالأمن، والرخاء والنماء، ما لم تسدها العدالة الحقيقية، وليس الدعائية التي تجعل من عدالة النصوص آلية لتلميع وجه الحاكم فقط، كالديمقراطية، والحرية المستوردة من الغرب على متن السفن والبوارج الحربية المُحاصرة، والمرابطة في المياه الإقليمية العربية”.
و يستشهد بما كتبه عمر بن الخطاب إلى أحد عماله وخاطبه قائلاً: “فنفذ إن تبين لك أنه الحق، إنه لا خير في التكلم بحق لا نفاذ له”.
ويؤكد الجباري أن العدل ليس بالمزايدات، ولا بالندوات، ولا بالخطابات الرسمية المكررة، ولكنه مقدار ما يصل المواطن العادي من الاطمئنان، والأمان على حقوقه المعروفة بالكليات الخمس عند الفقهاء كحدٍّ أدنى لصلاح أمر دينه ودنياه، فالشعارات مهما أبدع صناعها الديباجة، وحسن الإخراج والعرض لها، لن تحل هذه المآزق التي وضعت فيها الأنظمة نفسها، ووضعت شعوبها معها، كالخوارج والشيعة والمعتزلة.
ويقول:” كل تلك الفرق المعارضة في الماضي كانت بمثابة من تضعهم أمريكا وحلفاؤها اليوم على رأس قائمة الإرهاب، كالمحاكم الإسلامية في الصومال، وحركة حماس، وغيرها ممن لا يطالبون سوى بالعدالة والأمن، واحترام حقوق الإنسان الفكرية، والسياسية، الأمر الذي جعل هؤلاء إرهابيين في نظر خصومهم، مع أن الظلم والاستبداد هو المؤسسة الأولى التي ينتمي إليها الخارج، والتأثير على الأنظمة، وبين كل منهما علاقة إنكار متبادلة رغم أن ممارسة أحدهما كانت سبباً في وجود الآخر”.
الإستبداد مفسدة ومقاومته وأجب
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي نصر طه مصطفى ضرورة تضافر كافة الجهود لإرساء العدالة والحرية ونبذ الاستبداد.
حيث يقول:” الواجب يحتم على الجميع مقاومة الاستبداد السياسي، والقضاء عليه؛ لأنه مفسدة مطلقة وهو المنتج الأكبر لأسوأ أمراضنا”.
فيما يؤكد الصحفي ثابت الأحمدي ضرورة دراسة ظاهرة الإرهاب والاستبداد السياسي دراسة دقيقة ومتأنية وبطرق علمية وصحيحة .. ويقول:” والمؤشرات تقول إن مستقبل الجماعات الإرهابية مرهون بما ستقدمه النخبة السياسية خلال المرحلة القادمة إن خيراً فخير وإن شراً فشر”.
الحل الأمني والمقاربة التنموية
ويشير نبيل البكيري، إلى أن ما حققه الجيش من تقدم في أبين مؤخراً يعود بشكل رئيس إلى صدقية الإرادة السياسية الحالية للرئيس هادي في محاربة القاعدة، على عكس ما كان حاصلا من قبل في ظل نظام صالح الذي كان يستخدم هذه الجماعات كشماعة أو كورقة أمنية وسياسية للعب بها من وقت لآخر لتحقيق مصالح خاصة به .
ويقول:” لكن ما أعتقد أنه يجب أن يتوافر إلى جانب هذه الحلول الأمنية والعسكرية وبأسرع وقت ممكن، هو أن يكون هنالك حلول تنموية اقتصادية عاجلة، عدا عن المقاربة السياسية تالياً، كون المقاربة الأمنية المجردة سريعاً ما تنتهي بفشل ذريع وكبير، وكونها ترتكز على المحور الأمني العسكري وتنسى أن الناس قد يصبرون على كل شيء إلا ضرورات حياتهم سيخرجون يقاتلون من أجلها، ومن أجل توفرها، أو توفر مصادر تمويلها وهذا ما كان يدفع دائماً للانخراط تحت أي راية أو شعار، المهم هو أن يحقق مصالحه الملحة والعاجلة”.
ويؤكد أن الظرف بات أكثر مناسبةً في ظل ثورات الربيع العربي الذي جاءت لكنس كل مخلفات الماضي القريب من ظلم واستبداد وعنف، ونريد أن يحل بدلها العدل والحرية والكرامة والسلام، ولن تتحقق هذه المعاني إلا بقيام أنظمة حكم ديمقراطية حقيقية، تفرزها إرادة هذه الشعوب الثائرة الحرة وليس دوائر المخابرات ومراكز قوى العهد البائد التي تحاول إعادة نسخ ذاتها كمراكز قوى للعهد الجديد تحت أي مظلة أو شعار.
ويقول البكيري:” إذا لم يتم الانتباه لهذه الإشكاليات، من احترام إرادة الشعوب الثائرة، وتغيير القوى الغربية لنظرتها للشعوب العربية، من نظرة العبد والتابع إلى نظر الند والشريك، الذي تقتضي شراكته الاحترام المتبادل و المصالح المشتركة، فأعتقد أن مصداقية الغرب ستكون على المحك، هذا عدا عن انعكاسات مثل هذه العلاقات السيئة على صورة الغرب الغنية عن مزيد من التشويه”.
ظاهرة الإرهاب لا تأخذ مكانها على خريطة الزمن من دون دوافع تعمل على كينونتها فهي لا تأتي من فراغ
مُنتج سياسي بامتياز..!!
لخصت معظم الدراسات والأبحاث التي تناولت موضوع الإرهاب، تصنيف أسبابه في قائمتين تشملان، أسباب ذات طبيعة سياسية ويندرج تحت ظل هذه القائمة عدة أسباب فرعية منها الاستعمار، والاستعمار الجديد، والحفاظ على السيطرة الاستعمارية، والعنصرية والتمييز العنصري والفصل العنصري والصهيونية، والعدوان واستخدام القوة لانتهاك الاستقلال السياسي للدول أو سيادتها أو سلامتها الإقليمية، والتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وسياسة التوسع والهيمنة التي تنتهجها الدول ذات الشوكة.
وتشير تلك الدراسات إلى أن الأسباب ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية، تشمل استمرار النظام الاقتصادي الدولي الجائر وغير المنصف، والاستغلال الأجنبي لموارد البلاد الطبيعية التي تم استعمارها، وقيام دولة أجنبية بالتدمير المنظم للهياكل البشرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لبلد آخر، وعرقلة التنمية المستقلة للبلدان النامية، والظلم الاجتماعي والاستغلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وانتهاك حقوق الإنسان وحريته الأساسية والحبس الجماعي والتعذيب والانتقام واللامساواة والتهجير الإجباري والطرد الجماعي والاستعباد والقهر.
فلسفة الإرهاب منهج سياسي بامتياز
ويؤكد عدد من الأكاديميين والاختصاصيين أن فلسفة الإرهاب واحدة في جميع الحالات، فهي تهدف إلى إنهاك أو إعاقة أو قتل أو تدمير المؤسسة التي يعتقد الفاعل أنها هي العدو، غير أن الأسباب المؤدية إلى استخدام العنف في بلوغ الأهداف يختلف عن بعضها البعض.
ويرى خبراء القانون أن إرهاب الدولة، يعني أن الدولة تلجأ إلى وسائل الإرهاب عندما تكون الفجوة واسعة بين أهدافها المعلنة وبين أهدافها الحقيقية غير المعلنة والتي تتستر عليها الدولة بسبب أو لآخر وعندما تصبح ممارستها السياسية في حالة اختناق تعجز عن تجاوزها بالعمل الدبلوماسي عبر القوانين الدولية المعمول بها.
الإرهاب الدولي وغسيل المخ
وقد أشار الكاتب والصحفي (المصري الكندي) مسعد حجازي، إلى أن العالم كله أصبح على وشك الدخول في نفق أطول وأكثر ظلاماً من مترو أنفاق لندن أو مدريد، هذا إن لم يكن قد دخله بالفعل.!!
يقول حجازي في موضوعه "الإرهاب والاستبداد وغسيل المخ" المنشور في الموقع الإلكتروني “أهل القرآن” :” لن ينتهي الإرهاب أو يتوقف إلا إذا اختفت النظم القمعية الاستبدادية التي كانت أول من أعانت الأجنبي على احتلال أراض عربية، واختفت معها سياسات التخدير الإعلامي والتغييب العقلي للمواطن العربي أو المسلم، والذي أصبح عقله في حاجة إلى إعادة ترتيب كي يتمكن من ترتيب المجتمع العربي، أو المسلم على أسس جديدة ومتينة من الحريات الحقيقية والديمقراطيات السليمة، وتطبيق سيادة القانون على الجميع، وعلى الحكام قبل المحكومين”.
ويتساءل عن من الجاني الحقيقي ومن الضحية :” هل الجاني الحقيقي هو من فجر نفسه بقنبلة سواء في فندق أو في مترو أنفاق أو أحد الباصات، أم هو الذي حرض، والذي أفتى ونصب نفسه القاضي والجلاد، والذي وضع سياسة “ غسيل المخ” والتضليل الإعلامي اليومي والتغييب العقلي؟!!!.
ويؤكد أن البعض اتهم الإسلام زوراً وبهتاناً بوصمة الإرهاب لأن البعض عن جهل وتعصب وضيق أفق يرتكب أعمالاً إجرامية ووحشية ضد المدنيين الأبرياء باسم الدين، بينما الدين الإسلامي وكل الأديان منها براء، غير أن هذا كله لا يجب أن يمنعنا من الاعتراف بأننا نمر بأزمة حقيقية قديمة ومزمنة في معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أزمة لا بد من معالجتها بحلول جذرية لا بالمسكنات أو الأسبرين.
ولفت إلى أن الأزمة تتمثل في الفكر الإسلامي في مواجهة الاستبداد والدكتاتورية، استبداد السلطة السياسية ودكتاتورية طبقة المشايخ ورجال الدين الذين حددوا سقف الحوار وفق شروطهم فجمدوا عقول الأمة وأقعدوها عن التفكير والتنوير منذ قرون فأي حوار وأي جدال بعد أن وضعوا العربة أمام الحصان حد قوله.
السلطة المستبدة واستغلال الدين
ويقول حجازي: لقد استغلت السلطة السياسية المستبدة الدين لتحقيق مآربها وأطماعها السياسية ومكاسبها الدنيوية، وسمح الكثير من رجال الدين لأنفسهم أن يكونوا تابعين للسلطة السياسية والحكام ويبررون أفعال لهم وسياسات ما أنزل لله بها من سلطان!! .
ويضيف: لقد غاب العقل الإسلامي في غيبوبة عميقة منذ أيام الفيلسوف الكبير ابن رشد وأصبحت السيادة وحتى الآن للسيف الباطش، ولسلاح التكفير تشهره جماعات الجهل والتعصب والهوس الديني في وجه كل من يحاول الاجتهاد ويعارض أفكارهم، وكأنهم وحدهم الذين يرتدون ثوب الفضيلة الأخلاقية لإضفاء صفة الكرامة والاحترام على شخوصهم ضد مخالفيهم في الرأي، وبينما هم في الواقع يحاولون إخفاء شعور عميق ومتأصل بالمهانة والدونية والعجز والضعف، وهذا تكتيك قديم له سوابقه وشواهده في التاريخين المسيحي واليهودي”.وتابع قائلاً :” إن هذه الجماعات تتصرف وكأنها وحدها هي التي تحتكر الحقيقة، مع أن المفكر العربي الكبير أبو حيان التوحيدي يقول أن الحقيقة أكبر من أن يستوعبها شخص واحد”.
الدكتاتورية والاستبداد وجهان لعملة واحدة
ويؤكد حجازي أن الديكتاتورية والاستبداد وجهان لعملة واحدة، كلاهما سرطان ينخر في عظام الأمة منذ قرون إلى أن وصلت إلى ما عليه من ضعف وهوان وفرقة وانقسام.. لافتاً إلى أن عالمنا الإسلامي اليوم في أمس الحاجة إلى علماء جادين لا يخشون في الحق لومة لائم أو سطوة حاكم، وقال: نحن بحاجة إلى علماء مسلمين بحجم علماء التنوير في الغرب المسيحي من أمثال إيمانيول كانت ورينيه ديكارت وفكره ومنطقه، نريد رجال دين في حجم وشجاعة رجال من أمثال الإمام أبى حنيفة والشيخ عز الدين بن عبد السلام والإمام محمد عبده”.. مؤكدا أن شباب الإسلام ضحية وسيظل ضحية إلى أن تحل هذه الإشكالية.
واختتم بالقول :” أما إذا آثرنا أن ندفن رؤؤسنا في الرمال كعادتنا فإن الإرهاب سوف يرتع ويستشرى كالسرطان في سيناء وغيرها”.
دراسة العلاقة بين الإستبداد والفساد والإرهاب
و استعرض الموقع الإلكتروني لمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية دراسة عن العلاقة المتبادلة بين الاستبداد السياسي وعدد من المشكلات التي يعانيها المجتمع المصري كالفقر والفساد والإرهاب.
وتؤكد الدراسة العلاقة بين الاستبداد السياسي والإرهاب ودور الاستبداد السياسي والتضييق على ممارسة الحق في المشاركة السياسية وتهميش دور الأحزاب والقوى السياسية في صناعة القرار .. لافتة إلى أن ذلك الاستبداد يعد أحد الروافد الرئيسية التي تغذي الإرهاب بصورة غير مباشرة حيث ينتج عن هذه العوامل لجوء أفراد المجتمع للتعبير عن آراءهم وتوجهاتهم إلى الحلول البديلة والتي تتمثل في الانضمام للجماعات السرية التي تتستر خلف عباءة الدين وتتخذ من العنف المسلح منهجا للتغيير.
وبحسب الدراسة يعد الاستبداد السياسي وما يشمله من حرمان للعديد من فئات المجتمع من عملية المشاركة السياسية وتهميش دورها في عملية صناعة القرار أحد أهم الروافد التي تصنع وتغذى الكثير من المشكلات التي يعانيها المجتمع المصري.
وتؤكد الدراسة العلاقة المتبادلة بين الاستبداد السياسي وعدد من هذه المشكلات وهي الفقر والفساد والإرهاب، وتتجلى العلاقة في أبرز صورها في انفراد طبقة معينة بعملية صناعة السياسات الاقتصادية لما يحقق مصالحها الطبقية الضيفة بمعزل عن مصالح باقي طبقات المجتمع التي تشكل الغالبية العظمى من تعداد الشعب، وذلك عبر رصد العديد من هذه السياسات وآثارها على عدد من المؤشرات الاقتصادية كمستوى دخل الفرد ومعدلات توزيع الثروات الاقتصادية بين طبقات المجتمع المختلفة وغيرها من المؤشرات بما يؤكد على حتمية وجود وزيادة معدلات الحرمان والفقر كتابع متغير للاستبداد السياسي.
ووفقا لتلك الدراسة فإن منظومة الفساد داخل أجهزة الدولة كأحد النواتج الحتمية للاستبداد السياسي بما يوضح أن المجتمع يمر بمرحلة مشوهة من مراحل التطور الرأسمالي الذي يجعل من الدولة وأجهزتها مجرد خدم ومنفذين لما يحقق مصالح الرأسماليين وكبار رجال الأعمال وذلك عبر رصد العديد من مظاهر الفساد التي شابت عمليات الخصخصة وبيع شركات القطاع العام ومظاهر الفساد.
العالم بين قاعدتين
وفي ذات الموضوع يؤكد الكاتب غسان المفلح في موضوعه دمشق الرهينة وبغداد الجريحة بين الإرهاب والاستبداد وبين الإدارة الأمريكية الحالية، المنشور في عدد من المواقع الإلكترونية، أن العالم بين القاعدتين قاعدة بن لادن من جهة، وقاعدة الأثرياء في أمريكا والذي وصفهم بوش بأنهم “قاعدته هو” من جهة أخرى.
ويقول: أمريكا تدرك جيداً أن الإرهاب سببه الاستبداد والقمع والحضور الديني في السياسي، وهذا ما لعبت عليه سلطات هذه المنطقة كلها بدون استثناء بما فيها أحزاب اليمين الإسرائيلي، وإلا لماذا يسمى يمينياً في إسرائيل هل لأن له سياسة اقتصادية، أم لأنه يجيش الشارع الإسرائيلي دينيا..؟ “.ويضيف :” هذه هي العقدة التي أنتجت الإرهاب في المنطقة، حيث يتربص بنا الاستبداد والإرهاب والقوى الظلامية من طائفية وغيرها”.
الاستبداد السياسي يصنع الإرهاب .. وگلاهما صنيعة غياب الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.
الربيع العربي وثقافة النضال السلمي
أفرزت ثورات الربيع العربي ثقافة جديدة تقضي بضرورة محاربة الاستبداد السياسي والذي يعتبر العامل الأبرز والأهم في نشوء التطرف، ونشوء جماعات تمارس العنف والفوضى وتؤمن به سواء دينية كتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة أو منحرفة كالعصابات بمختلف مستوياتها، كما أبرزت ثورات الربيع العربي إمكانية الوقوف بحزم لصد التسلط السياسي بالطرق السليمة التي تنأى بالمجتمع عن العنف والمشاكل والأضرار الكبيرة التي تخلفها الصدامات والمواجهات والحروب.
وهذا التوجه السلمي هو الذي يؤمن به جل المفكرين والمحللين السياسيين والعلماء .. ويناشدون الجماعات المتطرفة في نبذ العنف، وتعديل أفكارهم باتجاه الاعتدال والوسطية التي أمرنا بها ديننا الإسلامي الحنيف، ومن ثم قولبت مشاريعهم الفكرية بما يخدم الأمة الإسلامية ويعود بالخير والصلاح والاستقرار للوطن وتنميته ونهضته، عن طريق المسارات السياسية السلمية المتعارف عليها في البلاد، والالتزام بكافة القوانين النافذة، التي تجنب العباد والبلاد أشرار الصراع والعنف ومخاطرهما.
ووفقا لفقهاء الشريعة الإسلامية والقانون والسياسية، ومن خلال مخلفات الصراع ونتائج التجارب التي خاضتها الأمة الإسلامية منذ عهود الخلافة وحتى عصرنا الحاضر، فإن العنف يولد العنف، ومضاره مفاسد كبرى تعود آثارها السلبية على التشويه بصورة الإسلام والمسلمين ومحاربة مصالحهم، واتخاذها كمبررات وذرائع للطامحين في استغلال ثروات البلاد، وتحجيم تطور المجتمعات، وإبقاءها تابعة لا قائدة، فضلاً عما يلحقه من أذى في المجتمع واستمرارا للتخلف واتساع دائرة الصراعات وإزهاق أرواح بريئة وممارسة أعمال تخريبية لا يقرها ديننا الإٍسلامي ولا تقبلها الأعراف والقيم المجتمعية.
الاستبداد لايعالج بالعنف
ونستعرض في ختام هذا الملف ما يقوله الشهيد عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الإستبداد، كرسالة تشخص للداء الذي نمر به، والآلية الحقيقية التي يجب أن نتعامل بها مع الأنظمة الاستبدادية؛ إذ يقول الكواكبي:” إنَّ الراغب في نهضة قومه، عليه أن يهيئ نفسه ويزن استعداده، ثمَّ يعزم متوكِّلاً على الله في خلق النَّجاح”.
ويضيف:” مبنى قاعدة أنَّ الاستبداد لا يُقاوم بالشدة، إنما يُقاوم بالحكمة والتدريج هو أنَّ الوسيلة الوحيدة الفعّالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقّي الأمَّة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس. ثمَّ إنَّ اقتناع الفكر العام وإذعانه إلى غير مألوفة، لا يتأتّى إلا في زمنٍ طويل؛ لأنَّ العوام مهما ترقّوا في الإدراك لا يسمحون باستبدال القشعريرة بالعافية إلا بعد التّروي المديد، وربما كانوا معذورين في عدم الوثوق والمسارعة؛ لأنَّهم ألِفوا أن لا يتوقعوا من الرؤساء والدُّعاة إلا الغشّ والخداع غالباً. ولهذا كثيراً ما يحبُّ الإسراء المستبدَّ الأعظم إذا كان يقهر معهم بالسوية الرؤساء والأشراف، وكثيراً ما ينتقم الاسراء من الأعوان فقط ولا يمسّون المستبدَّ بسوء؛ لأنَّهم يرون ظالمهم مباشرةً هم الأعوان دون المستبدِّ، وكم أحرقوا من عاصمة لأجل محضّ التشفّي بإضرار أولئك الأعوان”.
ويتابع :” ثمَّ إنَّ الاستبداد محفوفٌ بأنواعٍ القوات التي فيها قوّة الإرهاب بالعظمة وقوّة الجُند، لا سيما إذا كان الجند غريب الجنس، وقوة المال، وقوة الألفة على القسوة، وقوّة رجال الدين، وقوّة أهل الثروات، وقوّة الأنصار من الأجانب، فهذه القوات تجعل الاستبداد كالسيف لا يُقابَل بعصا الفكر العام الذي هو في أوَّل نشأته يكون أشبه بغوغاء، ومن طبع الفكر العام أنَّه إذا فار في سنة يغور في سنة، وإذا فار في يوم يغور في يوم. بناءً عليه؛ يلزم لمقاومة تلك القوات الهائلة مقابلتها بما يفعله الثبات والعناد المصحوبان بالحزم والإقدام, ويؤكد الكواكبي أن الاستبداد لا ينبغي أن يُقاوَم بالعنف، كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصداً, ويقول:” نعم؛ الاستبداد قد يبلغ من الشدَّة درجة تنفجر عندها الفتنة انفجاراً طبيعياً، فإذا كان في الأمَّة عقلاء يتباعدون عنها ابتداءً، حتى إذا سكنت ثورتها نوعاً وقضت وظيفتها في حصد المنافقين، حينئذٍ يستعملون الحكمة في توجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة، وخير ما تؤسَّس يكون بإقامة حكومة لا عهد لرجالها بالاستبداد، ولا علاقة لهم بالفتنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.