بائع الكتيبات يقول القس إسحاق هلال: في اليوم السادس من الشهر الثامن من عام 1978م كنت ذاهباً لإحياء مولد العذراء بالإسكندرية، ركبت الحافلة من محطة العتبة المتجهة إلى العباسية، كنت بملابس الكهنوتية، أحمل صليبا يزن ربع كيلو من الذهب الخالص وعصاي الكرير صعد صبي في الحادية عشرة من عمره يبيع كتيبات صغيرة، وزعها على كل الركاب إلا أنا، وهنا صار في نفسي هاجس لم كل الركاب إلا أنا؟ فانتظرته حتى انتهى من التوزيع والجمع فباع ما باع وجمع الباقي قلت له: “يابني لماذا أعطيت الجميع بالحافلة إلا أنا؟ فقال: “لا يا أبانا، أنت قسيس”. وهنا شعرت وكأنني لست أهلاً لحمل هذه الكتيبات مع صغر حجمها، “لايمسه إلا المطهرون” ألححت عليه ليبيعني منها فقال: “لدي كتب إسلامية” ونزل، وبنزول هذا الصبي من الحافلة شعرت وكأنني جوعان وفي هذه الكتيبات شبعي، وكأنني عطشان وفيها شربي، نزلت خلفه فجرى خائفاً مني، فنسيت من أنا، وجريت وراءه حتى حصلت على كتابين. وعندما وصلت إلى الكنيسة الكبرى بالعباسية “الكاتدرائية المرقصية” دخلت غرفة النوم المخصصة بالمدعوين رسمياً كنت مرهقاً من السفر، ولكن عندما أخرجت أحد الكتابين وهو “جزء عم” وفتحته وقع بصري على سورة الإخلاص فأيقظت عقلي وهزت كياني، بدأت أرددها حتى حفظتها وكنت أجد في قراءتها راحة نفسية واطمئنانا قلبياً، وسعادة روحية، وبين أنا كذلك إذ دخل عليَّ أحد القساوسة وناداني: “أبونا إسحاق” فخرجت وأنا أصيح في وجهه: “قل هو الله أحد” دون شعور مني. على كرسي الاعتراف: جاءتني امرأة تعض أصابع الندم، قالت: “إني انحرفت ثلاث مرات، وأنا أمام قداستك الآن اعترف لك رجاء أن تغفر لي، وأعاهدك ألا أعود لذلك أبداً” ومن العادة المتبعة أن يقوم الكاهن برفع الصليب في وجه المعترف ويغفر له خطاياه. وما كدت أرفع الصليب لأغفر لها حتى وقع ذهني على العبارة القرآنية الجميلة “قل هو الله أحد” فعجز لساني عن النطق وبكيت بكاء حاراً وقلت: هذه جاءت لتنال غفران خطاياها مني! فمن يغفر لي خطاياي يوم الحساب والعقاب؟. هنا أدركت أن هناك كبيراً أكبر من كل كبير، إله واحد لا معبود سواه ذهبت على الفور للقاء الأسقف وقلت له: “أنا أغفر الخطايا لعامة الناس فمن يغفر لي خطاياي؟ فأجاب دون اكتراث “البابا” فسألته ومن يغفر للبابا؟ فانتفض جسمه ووقف صارخاً وقال: أنت قسيس مجنون، والذي أمر بتنصيبك مجنون، حتى وإن كان البابا، لأننا قلنا له لا تنصبه لئلا يفسد الشعب بإسلامياته وفكره المنحل بعد ذلك صدر قرار البابا بحبسي في دير “ماري مينا” بوادي النطرون.