الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    التفاؤل رغم كآبة الواقع    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحريك الجبال .. بحثاً عن الحقيقة
في مشروعية إرسال اليدين وقبضهما في الصلاة
نشر في الجمهورية يوم 14 - 08 - 2012

كنت ولا أزال أعتقد أن تحريك جبال من أماكنها أهون ألف مرة من أن تقنع مسلماً بقاعدة فقهية اعتاد العمل بغيرها جهلاً، ولا سيما هيئة الصلاة التي أخذ بها منذ نعومة أظفاره، وأقصد بذلك قبض اليدين بوضعهما على البطن أو الصدر في الصلاة، والتي تحولت في ظروف غامضة إلى سُنة، فيما صار إرسال اليدين بدعة أو هيئة تخص أتباع المالكية والزيدية والشيعة دون غيرهم، وتطور الأمر حديثاً إلى اعتبارها هيئة تكشف الهوية المذهبية للمسلم إن كان سنيا أو شيعيا وفق مقتضيات دائرة الصراع المحتدمة اليوم بين السنة والشيعة .
من بين كومة كبيرة من التناقضات والخلافات بشأن هيئة الصلاة الصحيحة (القبض والإرسال) وموضع اليدين والخلافات التي لم يلتفت إليها كثيرون عن مكان وضع اليدين سواء تحت السرة أم فوقها أم وسط البطن أم بدفعهما قليلا نحو اليسار أو فوق الصدر أم وضع الكفين اليمنى على اليسرى أم وضع الذراع اليمنى فوق اليسرى لأن كل ذلك هيئات يتبعها المصلون على اختلافها ولا يستطيع أحد أن يعطيك تفسيرا لها .. وكان هذا البحث المتواضع.
فكيف صلى النبي محمد صلى الله عليه وآله؟ وهل كان قبض اليدين أو إرسالهما سنة نبوية أم سنة عمرية؟ وأيهما أصح في هيئة الصلاة بكمالها وهل من أدلة من السنة مرفوعة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله بهذا الشأن؟
كلنا حريصون على أن نصلي بالهيئة التي صلاها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله لأننا إن لم نلتزم بتلك الهيئة نكون قد عصينا خالقنا الذي قال في محكم تنزيله: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم“ .وقال تعالى: “ فاستقم كما أمرت “ وقال سبحانه: “فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين“.
أسئلة ملحة
كعادتي في إثارة أسئلة عن أية ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو دينية أصادفها لم تكن ظاهرة قبض اليدين أو إرسالهما في الصلاة بعيدة، إذ لم أقتنع يوماً بما تعلمناه صغاراً بهالة من القداسة بأن قبض اليدين وإرسالهما هيئتان جائزتان في الصلاة فمن غير المعقول أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله صلى بهيئتين تركتا مجالا لافتراق الناس في حين جاءت رسالته بالدعوة إلى الاجتماع ونبذ الفرقة والخلاف.. كما أن وجود هيئتين في الصلاة التي تلزم المسلم الوقوف ذليلاً خاشعا أمام ربه وخالقه مؤمنا موحدا مذعنا منقادا مسلما بكل ما أنزل على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله لا يمكن أن تكون مؤشرا على الوحدة قدر ما تقدم دليلا على الفرقة، بل إن تمظهراتها العملية اليوم تؤكد أنها صارت سببا في الخصومة والنزاع والخلاف وربما القتل الجماعي والفردي خفي ذلك أم ظهر، كما أنها تتمظهر في خلافات لا حصر لها تتجاوز دائرة التسامح الفقهية إلى مربعات العصبية المقيتة في الإسلام.
بالمثل لم يقنعني التظاهر بالتسامح والآراء المتشابهة للدعاة والعلماء بصحة صلاة المسلم إن ضم يديه أو أسدلهما في صلاته لأن الامتحان العملي لصدقية تسامح هؤلاء حيال قبض اليدين وإرسالهما يكشف هوة سحيقة بين ما يقال وما يعتمل واقعا، إذ لا يبدي كثيرون تسامحا حيال ذلك وفي أحيان يكون إرسال اليدين لدى بعض الجهال سببا في الضغينة وإثارة الأحقاد خصوصا وهي تستيقظ من نفق التصنيف الأعمى الذي يضع هذا في خانة السنة وذاك في خانة الشيعة في حال لا يخلو من اتهام و إزدراء للمذاهب على مبدأ "من ليس معنا فهو ضدنا".
حتى وقت قريب كنت من أكثر الناس تشددا في قبض اليدين في الصلاة وحاولت مرةً إثارة الأمر مع شيخ زيدي بدا لي عالما مدركا لما يقول على خلاف شيوخ السلفية من أنصاف الفقهاء الذين يطلقون على أنفسهم علماء أو دعاة وغيرهم من الذين يجري تشييخهم أو وضعهم في مراتب الشيوخ لقاء ما أبدوه من تطرف في إلغاء عقولهم والتحول إلى ماكينات للتكفير وتقديم نماذج أكثر تطرفا من شيوخ الإرهاب أو بالتحول إلى ماكينات تصوير أو أجهزة للتسجيل والنقل الحرفي غير الواعي.
بالنسبة لي كان هذا الرجل استثنائيا وبدا من حديثه فقيها جليلا فاستنكرت أمامه صلاة الرجل مرسلاً يديه وكأنه واقف في شارع وليس في صلاة وقادنا ذلك إلى استنكاري وجود هيئتين في الصلاة وغمزت بأن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على الانقسام والفرقة التي ذمها المولى سبحانه وتعالى ورسالة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كان الرجل وقورا ومتسامحا بما فيه الكفاية وأكثر من ذلك أنه كان عالما ربانيا لا يشق له غبار، ابتسم بوقار وقال: تلك هي الهيئة الصحيحة في الصلاة وما جئنا إلى هنا لكي نقف بل لكي نصلي لله طائعين منقادين لأوامره ونواهيه.
أطرق قليلا بسبحته وقال: إن أردت ضم يديك أو أسدلهما فصلاتك صحيحة ولا غبار عليها غير أنني طالبته بالدليل فرد بثقة العالم علًمنا إن كان لديك دليل من كتاب الله وسنة نبيه الكريم بأن ضم اليدين في الصلاة هي الهيئة التي صلاها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله؟
كان السؤال مفاجئاً إذ لم أفكر يوماً بالبحث عن دليل أو نص شرعي بهذا الشأن، فقبض اليدين في الصلاة هيئة تعلمتها صغيرا كما جيل كامل من أقراني الذي يقولون إنهم من أتباع المذهب الشافعي في المساجد والمدارس وأكثر من ذلك أننا اتبعنا ما ألفينا عليه آباءنا وشيوخنا وعلى ذمتهم.
حاولت استثمار قدراتي الحوارية في محاصرة الشيخ من المربع الأول: "يا رجل هداك الله هؤلاء ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وفي بيت الله الحرام أليسوا دليلا كافيا"؟
كان الرجل حصيفا بما فيه الكفاية إذ أدرك ألا جدوى من النقاش مع شاب لا يتملك من العلم الشرعي سوى الحماسة غير البعيدة عن العصبية ويحاول المناورة بنظرية الكثرة والقلة لإثبات ما يراه وتقديمه على أنه الحقيقة ساعتها حدثت نفسي بان قانونية الكثرة والقلة لم تكن يوماً دليلاً على الحق كما لا يمكن اعتمادها دليلا لإثبات قضية .
فكرت تاليا في الأمر كثيرا ووجدت أن الرجل محق بما قاله حتى أن الخالق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم طالما ذم الكثرة في آيات لا حصر لها فكيف تكون دليلا على الحق؟.
كذلك من غير الإنصاف اعتبار وجود 2.3 مليار مسيحي في العالم في مقابل 1.6 مليار مسلم (أطلس أوف جلوبال كريستيانتيليس) دليلا على أن هذه الديانة هي الحق والأخرى في ضلال.
كثير من الأمم التي كشف لنا المولى سبحانه في كتابه الكريم لمحات من تاريخها ( نوح، ثمود ، قوم إبراهيم وموسى وصالح وهود ولوط... )تقدم دليلا لا جدال فيه على أن الكفر والبدع والضلال كان من أعمال الأكثرية في حين كانت الأقلية على هدى وإيمان.
شعرت بالحزن لأنني خسرت فيلسوفا بارعا كهذا بعدما تركت لديه انطباعا أنني من الناس الذين يحتاجون إلى جهود تضاهي قدرات تحريك الجبال لإقناعهم بقضية يرى علماء المسلمين أنها ليست بذاك القدر من الأهمية كقبض اليدين وإرسالهما في الصلاة أو لتعليمهم فن الاختلاف واحترام الآخر على أقل تقدير لكني شعرت بالسعادة فلعل الله سبحانه وتعالى قادني إلى هذا الموقف لأبدأ مسير البحث في أمور كثير في عقيدتي ومذهبي الشافعي متسلحا بأيماني أن التقليد واخذ الأمور باعتبارها مسلمات لا تقبل النقاش لا يقود إلى الحقيقة بل يقود إلى كوارث كبيرة خصوصا في أيامنا هذه حيث بلغت ظاهرة الصراع الديني بين أتباع المذاهب أوجها ، وسط موجة من الخطاب الديني التكفيري التي طالت كل شيء في حياتنا .
قررت خوض نقاش أوسع مع دعاة وعلماء وأنصاف علماء ومقلدين وآخرين لا يحسن وصفهم إلا أنهم ماكينات تصوير لا يحسنون سوى الضجيج بخطاب التكفير والتشكيك في العقائد.
كانت المفاجأة أن أحدا من هؤلاء لم يقنعني بإجابة شافية وأكثر الإجابات التي حصلت عليها كانت متشابهة وعندما اتجهت إلى مسار الآخر في النبيش بالمكتبة الإسلامية كانت المفاجئة فأكثرهم كانوا ينقلون من مصدر واحد بل إنهم كانوا متشابهين في التعصب والتعالي والتشكيك بالآخر حتى أن أحدهم لم يتورع بردعي بطريقة فجة “لم يبق إلا الصحافيين ليفتوا بقضايا الدين“ هكذا كان حال بعضهم، والأدهى أنني لمست لدى كثير منهم إيمانا لا يتزعزع بأنه الحقيقة وما دونه ضلال بل ويعتقد أنه المتحدث الرسمي باسم الدين.
كنت أرغب في الحصول على نتيجة تطفئ لوعتي بشأن قضية قبض اليدين وإرسالهما لكني لم أخرج من تجربتي مع هؤلاء سوى أنني خرجت بنتيجة مغايرة إذ أدركت يقينا أن لدى أكثر هؤلاء ملمحا مشتركا هو النوستالوجيا (الحنين والارتباط بالماضي بشخوصه وأحداثة وصراعاته ) وهي ظاهرة تبدو حاضرة بقوة لدى أكثر هؤلاء ليس بوصفها ثقافة وتاثيرا مكتسبا بل مرضا يستحق البحث من علماء النفس فلعل نتائجه ستكون مفيدة مستقبلا للجم التوجهات الدولية التي تريد لهذا التيار أن يكون حاكما متسيدا على المشهد السياسي العربي لمرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي.
بعد حال من اليأس انتابني بالحصول على إجابة شافية وذات صدقية قررت البحث عن الحقيقة الغائبة بنفسي دون الحاجة للاستعانة بعلماء ودعاة يفقدون الوسيلة وتعصف بهم العصبية المفرطة التي صارت دينا لدى البعض.. قلبت مكتبتي التقليدية في المنزل والإلكترونية في جهاز الحاسوب لترتيب المراجع وبحثت عن مراجع أخرى في شبكة الإنترنت ،عشت أياما في دهاليز مكتبات عظيمة وتكونت لدى ثروة هائلة من المصنفات الدينية والتاريخية من بداية عصر التدوين وحتى التاريخ الحديث.
كانت حقا ثروة هائلة ربما لم يملكها الإمام الشافعي في حياته ولا حتى الإمام مالك.
تصحيح لغوي
علينا أن نشير بداية إلى أن الاختراعات في هيئة الصلاة (قبض اليدين )تجاوزت الجانب الفقهي إلى اللغوي فأطلقت مصطلحات غير صحيحة من الناحية اللغوية مثل الضم و السربلة للتعبير عن قبض اليدين وإرسالهما جناية على اللغة .
فالفعل الثلاثي "ضم" في أكثر قواميس اللغة يعني ، أخذ ، جمع ، حوى ، الحق ، وحد ، والضم العناق بحنان ، ضم الشيء اليه أخذه وجذبه اليه ، ضم الأشياء اليه قبضها اليه ،ضم فلانا عانقه ، ضم الحرف حركه ، ضم جناحه للناس ألان جانبه عنهم ، وهي معانٍ لا تحمل أي دلالة على هيئة الصلاة التي يقبض فيها المصلي كفه اليسرى بيمناه.. كما أن الفعل الرباعي "سربل" من السربلة لبس السربال وسربلت الفتاة دميتها ألبستها السربال .
وسربلت المرأة ولدها أي البسته القميص وسربله بالمجد أسبغه عليه .وبالتالي لا يحتج أحد غير متمكن من اللغة على استخدامنا مصطلحي القبض وإرسال اليدين عوض الضم والسربلة .
عن السنة
يعرًف علماء الإسلام السنة أنها المصدر الثاني للتشريع وهي كل قول أو فعل قاله أو فعله نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله أو فعل أجازه في حياته وكل ذلك حجة ويضاف إليها كل قول أو فعل ثبت رفعه إلى نبينا الكريم وجاء من طريق صحابته الكرام الثقات العدول وتعد لذلك حجة وحجيتها ضرورة من ضرورات الدين ومن جحدها فقد كذب برسالة محمد.
معلوم أن مهمة السنة هي التبيين تفصيلا عن المصدر الأول الذي هو القرآن الكريم وتفصيله وترجمة ما خفي من أحكامه وتعاليمه، فالقرآن الكريم جاء بالأحكام العامة وترك التفاصيل للسنة النبوية الشريفة التي بينت تفصيل الأحكام كهيئة الصلاة وأحكام الزكاة والصوم وحدودهما ومناسك الحج وغيرها من الأحكام التي أمر بها القرآن الكريم قال تعالى: “ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله “ وقال تعالى: “من يطع الرسول فقد أطاع الله “ .
وقال تعالى:” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا “ وكل هذه الآيات وغيرها تقرر أن اتباع الرسول وطاعته هي في الأصل طاعة لله وتشمل كذلك اتباع سنته قطعاً.
معلوم كذلك أن نقل السنة من جيل إلى جيل منذ فجر الإسلام وحتى اليوم اعتمد بداية على الرواية من الصحابة ثم التابعين وتابع التابعين إلى أن بدأ عصر التدوين في مطلع القرن الأول الهجري أي بعد 130 سنة من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله فأخذ المسلمون اليوم تعاليم السنة من تلك المصنفات التي اجتهد في جمعها وتمحيصها علماء ثقات مشهود لهم بالصدق والأيمان وآلت السنة في النهاية إلى ستة مصادر أساسية هي الأمهات الست وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن أبي داوود وسنن أبن ماجة .. ثم اسانيد الأئمة الأربعة الموطأ للإمام مالك بن أنس وهو إمام دار الهجرة ثم مسند الإمام الشافعي ومسند الإمام أحمد بن حنبل ومسند الإمام أبو حنيفة النعمان.
واتفق على أن هذه المصنفات أهم مصادر السنة صحة ودقة وإن كان بعضها يحمل نواقص وتناقضات، ذلك أن الكمال لله الواحد القهار.
وهذه المصنفات العشرة هي المصادر التي يعود إليها المسلمون السنة في كل مسألة لم ينص عليها كتاب الله بنص قطعي واضح الدلالة والثبوت والحكم باعتبار أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله القرآن كما أوحى له السنة ونحن نعتمد على ما جاء في السنن باعتبار أن من نقلها إلينا هم صحابة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعلم الخلق بشريعة الله الواحد القهار.
وعلينا أن نشير إلى قاعدة في الأصول تقول:إن الحديث الصحيح في سنده ومتنه المروي عن ثقات حجة في مسائل الدين ويحتج بحديث واحد وبحديثين وتزداد الحجة عندما يروى الحديث من عدة طرق.
الطريق إلى الحقيقة
كانت قضية قبض اليدين وإرسالهما في الصلاة موضع جدل وخلاف واسع النطاق لدى الحكام والفقهاء وعلماء الدين قديما واستمر الحال حديثا على وتيرته والثابت أن الجدل المثار بشأنها منذ قرون أنتج حقيقة يكاد يتفق عليها الجميع كنظرية وليس كتطبيق أن قبض اليدين وإرسالهما في الصلاة لا يمس من مشروعيتها فهي صحيحة سواء أرسل المصلي يديه أو قبضهما بوضع كفه اليمنى فوق اليسرى كما رأى إجماع العلماء.. يرى بعض مراجع المذهب المالكي وسائر مراجع المذهب الزيدي وآخرون بأن إرسال اليدين في الصلاة سنة ولهم أدلة في ذلك كثيرة ويرون أن الأحاديث التي وردت في قبض اليدين لم تكن من القوة والصحة في المتن والسند بحيث يعتد بها ويأخذ بها كحجة في قضايا دينية كهذه أو لترجيح أن قبض اليدين في الصلاة سنة نبوية .
وقد يحتج البعض باستحباب قبض اليدين لكونه رُوي عن عدة من الصحابة والتابعين، لكن الواقع يقول إن سائر الأحاديث هذه تفتقد إلى شروط الصحة كما انها ليست حسانا ولا سالمة من الضعف بل إن كلها إما موقوف أو مضطرب أو ضعيف والسنة لا تثبت بمثل هذه الأدلة.. سنقدم هنا على عجالة الأحاديث التي تقول بمشروعية قبض اليدين في الصلاة واحدا واحدا مع شروحات مختصرة لرأي رجال الحديث والحكم عليها حتى تتحقق الفائدة .
صحيح البخاري
من أقوى الأحاديث التي يعتمد عليها أنصار قبض اليدين في الصلاة الحديث الذي أخرجه بداية الإمام مالك في الموطأ ثم الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ثم البخاري ومسلم في الصحيحين برواية سهل بن سعد وهو كما جاء في الجامع للبخاري: “ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة". قال أبو حازم لا أعلمه إلا يُنمي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال اسماعيل: يُمني ذلك ولم يقل يَنمي .
يقول علماء الحديث: إن الإمام البخاري أخذ هذا الحديث من الإمام مالك وأخذه عنه مسلم ورغم أن مالكا أخرج الحديث لكنه لم يضم في صلاته إلى أن مات ويقال إن المالكية قضوا بأربعة أقوال في قبض اليدين منها الكراهة والتحريم، كما أن الإمام مالك قال بكراهته بحسب ما جاء في مدونته وهي مصنف متأخر عن الموطأ ووضعت لبيان الأحكام بخلاف الموطأ.. يوصف سهل بن سعد بأنه صحابي لكنه لم يٌذكر في كثير من مصنفات التراجم سوى أن ابن الأثير أفرد له ترجمة قصيرة في أسد الغابة، وقال: إن النبي محمد صلى الله عليه وآله توفي وعمر سهل 15 سنة وعاش إلى سنة 91 هجرية وهناك اضطراب في الترجمة بشأن مكان وفاته وتداخلها مع شخص آخر يدعى بن العباس.
... يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.