من النعم التي منّ الله بها علينا (نعمة الإسلام) هذه النعمة العظيمة التي لا نشعر بقيمتها وفضلها علينا إلا إن كنا قد عشنا سنين من التخبط والحيرة والضياع. لكننا نستطيع أن نشارك الداخلين هذا الدين فرحتهم وسعادتهم العظيمة. بطلنا في هذه الحوار الفنان/عبدالحكيم المجري .الفنان ذو الصوت الشجي الرائع وسيروي لنا سيرة حياته وقصته مع الإسلام. أيضاً سنعرف كم هو الدور الذي يلعبه المغتربون في بلاد المهجر في عكس صورة البلد سلباً أو إيجاباً ،فإلى الحوار: بداية عرّف القارئ الكريم بنفسك. عبدالحكيم المجري ،شاعر وموسيقار ومغنٍ. ولدت في عام 1982م في دولة المجر من أسرة عادية وأنا الوحيد لوالدي. بدأت دراسة الموسيقى وعمري 4سنوات برغبة من والدي ولم أكن أريد ذلك. أكملت دراستي الثانوية في مدينة أخرى بعيداً عن أسرتي وهناك تعلمت الكثير عن الحياة. ثم رجعت إلى أسرتي وكنت أريد أن أدرس علم الفلك لكنني لم أستطع بسبب ظروف الحياة التي أجبرتني على ذلك. فبدأت بتأسيس فرقة موسيقية وأنزلت أول ألبوم لي ولأن كلماته كانت سياسية فقد منع بيعه في الأسواق. فاتجهت إلى عمل المهرجانات لكنني تركت هذا العمل بسبب سياسة الحكومة القسرية. ومنذ ذلك اليوم بدأت أمشي في طريق جديد محاولاً التعرف أكثر على النفس البشرية وبعد 3 أشهر تعرفت على أحد المسلمين .لقد كسر كل شيء في نفسي وأعطى لي غاية جديدة وفي ذلك الوقت دخلت الدين الإسلامي وتحديداً في 22/7/2005 ثم سافرت إلى اليمن وفي اليمن عملت في البيت اليمني للموسيقى ثم انتقلت إلى الحديدة وعملت في استوديو صوت الإيمان. في عام 2005 أعلنت إسلامك-ونحمد الله على ذلك-صف لنا كيف كنت قبل إسلامك؟ وما الذي شدك إلى الإسلام أكثر؟ كان تفكيري في الحياة غريب والكل كان يتهمني بالجنون. عندما كنت صغيراً واجهت الكثير من المتاعب بسبب أبي لأنه كان يشرب الخمر. فكل الأطفال كانوا يضربونني. فنشأت وحيداً ليس لي أصدقاء إلا شيئان: الفن والقصص. فعن طريق الفن استطعت أن أعبر عن شعوري وعن طريق القصص تعلمت الكثير والكثير من قصص الأبطال وبدأت أشعر أنه بإمكاني أن أكون بطلاً حتى لو كنت وحيداً. كنت أشرب الخمر وأتناول الهيرويين عندما أشعر بالتعب وهذا هو حال معظم الشباب في المجر ،أكثرهم بلا دين ولا يعرفون لماذا خلقوا ،حياتهم عشوائية وأنا كنت أحدهم. وقد توقفت عن شرب الخمر في اليوم الذي تركت فيه فرقتي. ففي أحد الأيام ذهبت إلى مركز إسلامي وهناك تعرفت على مسلم و اسمه(منيف) وتحدثنا ليس عن الإسلام فقط بل عن أشياء كثيرة وبعد وقت قليل جاء الشيخ الذي كان إمامهم في المركز واسمه (علي فتيني) فقال لي منيف أن الشيخ من اليمن وأول مرة أسمع به. سلم علي الشيخ وتكلمنا معاً وكان أول شخص يفهمني. ولأول مرة أشعر أن هناك من يفكر مثلي. لقد غير كل شيء في نفسي وأعطاني غاية جديدة وحتى بدون كلام شعرت أنه ليس غريباً عني وأنه قريب من قلبي وكأنني أعرفه من قبل. وفي نفس الدقيقة نطقت الشهادتين وبعد أن أسلمت تعلمت كثيرا عن الإسلام. كيف هو شعورك وقد منّ الله عليك بنعمة الإسلام؟ الحمد لله على نعمة الإسلام. لقد تعرفت على أخطائي وأصبح لدي غاية وهدف في حياتي. عرفت أنه ضروري أن تعمل و تتعب وأن أعمالك ستعود عليك يوم القيامة وهذا يعطيك حافزاً من أجل أن تعمل أكثر وأكثر فتسعد في الدنيا والاخرة. فهل يوجد أجمل من هذا الشعور؟ لكنك لا تستطيع أن تشعر به الإ في ظل الإسلام. حقاً يا أخي لهو شعور جميل. هل لاقيت مضايقات من أسرتك أو من مجتمعك بسبب دخولك في الإسلام؟ لقد كانت البداية في السر حيث مرت نصف سنة وبعد ذلك عرفت أمي بإسلامي وقد ساعدتني في ذلك كثيراً. أبي كان يكره كل الأديان وخصوصاً الإسلام ولهذا كان صعباً علي أن أخبره فأخبرته أمي بذلك فكان أكثر “زعلاً” علي .ولذلك فالشيء الوحيد الذي كان يمكنني عمله هو أن أبقى صامتاً حتى لا يعملون لي مشاكل . بعض أصدقائي من كان مستاءً والبعض كان مرتاحاً هذا الجيل لا يريد أن يعرف عن شيء إسمه دين. وفي عام2008م توفي والدي بسبب الخمر وأتمنى من الله أن يسامحني لأنني لم أستطع إرشاده إلى الطريق الصحيح. والآن الباقي لي أمي وهي قريبة جداً من الإسلام وتعيش كمسلمة ولم يتبق سوى الإيمان بالله وهي تريد أن تأتي إلى اليمن وتعيش فيه لتشاهد بعينها. فمن الصعب أن تسلم في المجر حيث لا يوجد سوى مسلم واحد في منطقتي هو أنا. لكن دائماً أنا وبعض أصدقائي نحدثها عن الإسلام وإن شاء الله في السنة القادمة ستأتي إلى اليمن وأنا متأكد أنها عندما ترى حياة المسلمين ستسلم. ما هو المصدر الذي تأخذ منه تعاليم الدين الإسلامي؟ في السنوات الأولى درست على يد الشيخ (علي فتيني) وبطبيعة عملي في اليمن فأنا والحمد لله دائماً إذا كان لديّ سؤال مهم أسأل الشيخ علي. بعد إسلامك وقع اختيارك على اليمن. كيف جاء هذا الاختيار؟ بعد أن أسلمت أخبرني الشباب أن هناك فرصة لأدرس في كلية إسلامية في ليبيا وأن هناك فناً في الإسلام إسمه إنشاد لكنني لم أستطع أن أتواصل معهم ففكرت أن أسافر إلى اليمن وقلت في نفسي: لو أن 50% من اليمنيين طيبون مثل الذي عرفتهم هنا فستكون اليمن هي الجنة بالنسبة لي وبدأت أعمل في 3 أعمال حتى جمعت المال الكافي وسافرت إلى اليمن في 2008 ماراً بمصر. كيف وجدت اليمن ؟هل كانت جنة حقاً؟ وجدتها كالحلم. وأنا أمشي في الشارع شعرت لأول مرة بالأمن والاطمئنان. أهلها طيبون جداً، يحبون التعاون و الاجتماع. في إحدى المرات غبت لمدة يومين فجاء إلي أبناء حارتي ليطمئنوا علي. يأتون إلي في المسجد أو الشارع من أجل يتعرفون علي. سافرت من صنعاء إلى الحديدة وعندما وصلت كان كل من في السيارة اصدقائي .إنهم ناس يحبون التعارف وقد أعجبني ذلك كثيرا فأنا لم أعش أسلوباً كهذا في المجر. الناس في المجر يعيشون كجزيرة مستلقة ،كلّ لا يهمه إلا نفسه حتى داخل الأسرة نفسها. عند زيارتك لبعض المناطق العربية لاشك أنك وجدت تناقضات بين ما هو في ديننا وبين ما هو واقع معاش .ما أبرز هذه التناقضات؟ لم أر تناقضات كثيرة لكن ما كان بدرجة رئيسية هو السياسة والشيء الآخر والذي رأيته في اليمن هو القات ،فكثير لا يصلي ،والبعض ينفق كل ماله لأجل القات وإن شاء الله سيتغير هذا الحال. ماهي التناقضات التي رأيتها في السياسة؟ النظام يستخدم السياسة للإرهاق وظلم الشعب ،يعامله كما لو كان عدوه. وهذا لأن الشعب كان نائماً والحمد لله أنكم أردتم أن توقفوا وتزيلوا هذا الظلم وإن شاء الله مع الوقت تحققون غايتكم. لم تأخذ معك من المجر سوى موهبتك الغنائية فأصدرت 3ألبومات (الشاعر-أعد لي مصيري-والآن انتظار الديدان) كيف رأيت تجربتك في هذا المجال؟ وماهي الصعوبات التي واجهتك أثناء تأديتك للأناشيد باللغة العربية؟ كانت هناك صعوبات كثيرة أولاً سجلت أناشيد باللغة الإنجليزية لكن لم أنزلهن بسبب بعدها عما أريد. في غنائي ضروري كل كلمة تخرج من قلبي وهذه الأناشيد لم تكن كذلك. الآن الحمد لله وجدت الشاعر الذي يكتب ما أريد. فألبوم الشاعر الذي نزل في 2010م كان بنفس تفكيري الفني في الماضي .فأنا حتى قبل الإسلام لم أغن عن حب أبداً، كل كلامي كان سياسة والإسلام لم يغيرني في ذلك. وأكثر شيء أحبه اللحن والصوت القوي فكل أعمالي فيها صياح دائماً ثانياً في التوزيع على أناشيدي أحب الصوت الفولاذي، يعني لابد أن يسمعني كل الناس فأي إنسان معه رسالة يريد إيصالها للعالم فإنه سيصيح بأعلى صوته .هذا ما أفعله. مَنْ من المنشدين كنت تعرفهم؟ سامي يوسف أم ماهر زين مثلاً؟ أول منشد سمعته في حياتي كان أسامة الصافي وأول منشد عرفت باسمه كان أحمد بو خاطر ،وعندما أسلمت تعرفت على الكثير من المنشدين الذي أحتاج إليهم جميعاً فما دام لنا نفس الغاية ورسالتنا من أجل الإسلام فلابد من ذلك. ولكلّ منا طريقته وهذا أجمل شيء. هل يوجد من المنشدين من تعده قدوتك في الإنشاد؟ لا يوجد وإذا استطعت أن أتعلم من أحد سأتعلم لكنني مع ذلك أريد أن أكون قدوة بنفسي وأمشي في طريقي الخاص. من هو المنشد الذي أعجبك كثيراً وتحب تنشد معه؟ المنشد عبدالكافي العجمي فهو أول منشد فهمني وعرف طريقة تفكيري وهو من يكتب لي الكلمات الآن وعمله كمنشد أعجبني كثيراً .وبصراحة هناك كثير من المنشدين أحب العمل معهم لكن كل المهم الغاية والهدف من الأنشودة ،فإذا طلبت للمشاركة في أنشودة فسأقبل فقط إن كانت غايتها سامية أما أن أدخل لمجرد أنني أجنبي فلن أقبل. هل تطمح إلى النجومية؟ أي نجومية تعني؟ الذي أفكر فيها ؟أم الناس؟ وحسب تفكيري: أولاً هناك سبب لعملي في الفن .فعندما كنت صغيراً كنت بدون أصدقاء وكان الكل يضربني .والحمد لله فقد وجدت فرصة في الفن ليس كموسيقار بل حتى كشاعر فقد كتبت الكثير من القصائد وهذا يعني أن الفن حفظني. وعندما كبرت تعلمت من فنانين كثيرين. فنانين ناجحين ،تعبوا كثيراً من أجل الفن فتعلمت منهم معنى النجومية. وهي أن تكون خادماً للشعب. أما أن يكون الشعب في خدمتك فهذا ليس طموحي. أنا أعمل من أجل الشعب. الفنان الحق يقلق على جمهوره يشعر بأنهم أمانة في يديه. وهذا أجمل شيء تعلمته منهم . فهل يوجد أجمل من هذه النجومية؟ ماهي الرسالة التي تحب أن ترسلها من خلال صوتك؟ لا أحب أن أرسل إلا الرسائل التي أشعر أنا بها أو تعلمتها في حياتي. مثلاً في ألبوم (الشاعر) أردت أن أعبر فيه بأنني أريد أن أكون عبداً للناس بفني وهذا هو الفن الحقيقي، وفي ألبوم (أعد لي مصيري)الذي كان للثورة فأردت أن أعبر فيه عن تجربتي التي تعلمتها ورأيتها بعيني. والآن الألبوم الجديد (انتظار الديدان) القادم من أعماق قلبي أردت أن أعبر فيه عن حال الناس في المجر. فهم مثل ميت في جسم حي ،لا يعرفون هدفهم في الحياة فقط يريدون أن يموتوا لأن في اعتقادهم أن لا شيء بعد الموت. عبدالحكيم المجري أحد فناني الثورة اليمنية، ما رأيك بما يحدث حالياً في اليمن؟ الثورة؟ دخولي في الثورة ليس بسبب السياسية وإنما لأن هذا من الأشياء التي يجب على المسلم أن يقوم بها. أنا في اليمن منذ2008 ولهذا لا أعرف كيف كانت السنوات السابقة بالنسبة لليمنيين وهذا يعني أنه ليس من حقي أن أحكم على النظام أو الأحزاب. ولقد رأيت الشباب في بداية الثورة وكنت أتمنى أن أكون يمنياً .كنت حزيناً جداً لأن هذا الشعور غريب جداً بالنسبة لي وأول مرة أعرف معنى حب الوطن . وأنا كفنان أرى أنه من العيب أن أعمل لصالح الأحزاب ،يجب أن أكون صوت الشعب وليس صوت حزب. هناك كثير من الناس انتحروا والعامل الأكبر في ذلك هم الأحزاب الذين يكذبون على الشعب ويبيعونهم لأجل الحكام وأخاف أن تكون الثورة من أجل حزب معين ولهذا السبب يجب علينا أن نعمل أكثر وأكثر ولا نتوقف إلا عندما يكون الشعب رقيباً على حكامه. ما هي الرسالة الاخيرة التي تود توجيهها عبر صحيفة الجمهورية؟ أولاً: الشكر لكل أصدقائي الذين يمدونني بالقوة كل يوم و أيضاً إلى أولئك الذين ساعدوني سواء في اليمن أو غيرها .من أعماق قلبي أشكركم ولا أريد أن أعدد أسماءً فأنتم كثيرون وأخاف أن أنسى أحدكم. كما أشكر صحيفة الجمهورية على هذ اللقاء الرائع وأتمنى لها مزيداً من التقدم.