على امتداد سنوات طويلة يخترق المهربون الحدود اليمنية وخصوصاً الشريط الساحلي – الممتد على مسافة 2500كم – بما أوتوا من نفوذ على مساحات عابرة بآلاف من السلع والمنتجات اخطرها المخدرات والأسلحة والأدوية التي تدخل إلى البلاد لتدمير اقتصادها وتهديد حياة المواطنين وصحتهم. وعلى الرغم من تمكن قوات الأمن من اعتراض وضبط محاولات عدة لصفقات التهريب لم تكن آخرها ضبط شحنة سلاح قادمة من الخارج إلى محافظة الحديدة في الثلث الأول من نوفمبر الماضي.. فان أصواتاً عديدة باتت تحذر من تصاعد عمليات التهريب سواء أكانت إلى الداخل أم إلى الخارج وآثاره السلبية, خاصة أن الاختلالات في الجمارك والضرائب لا تزال مستمرة, بينما أشار مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بحسب ما تداولته وسائل إعلامية على لسان رئيس المركز في نوفمبر الماضي ان اليمن يخسر 720 مليون دولار من رسوم الجمارك سنوياً بسبب تواطؤ قيادة مصلحة الجمارك مع عمليات التحايل على الرسوم الجمركية والضريبية من خلال التزوير في محاضر القيمة للبضائع على أساس الحاوية بغض النظر عن الكمية والنوعية ورغم كل ما قيل عن الإجراءات الجمركية والتعزيزات الأمنية في مناطق تشهد التهريب, إلا أنه مازال يثير قلق المتخصصين.. وقراءة احصائيات الاستهلاك الخاص للتهريب إلى الداخل, مثلاً توضح ان حجم التهريب يقدر بنسبة 69 % من إجمالي الناتج القومي بما يعادل 575 مليارات ريال تقريباً وفقاً لما جاءات به دراسة سابقة كتبها الدكتور محمد علي قحطان الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة تعز, وتشير الدراسة إلى عدة أساليب للتهريب منها التنسيق بين المهربين وبعض القيادات الإدارية والعسكرية المتنفذة واستخدام الوجاهات الاجتماعية والسياسية لتأمين وصول السلع إلى الداخل كأنشطة مشروعة وأيضاً الغش والتدليس كسمة من السمات المتبعة في النقاط الجمركية. وإذا كانت عمليات التهريب إلى الداخل قد نالت ما فيه الكفاية من العرض والتحليل لدى الخبراء والمحللين فاحتلت المساحة الأوسع لعرض المعلومات الواردة عن تقارير رسمية وصحفية أوضحت حجم الجرائم الاقتصادية والاجتماعية المقترفة بحق الأجيال جراء أضرار السلع والمنتجات المهربة.. فإن المراقبين والعارفين بالملفات التي انهكت الاقتصاد يرون ضبابية تغطي الشبكة التي تقف خلف صفقات التهريب وفيما تستفيد هذه الشبكة من مليارات الدولارات كمداخيل التهريب، تؤكد احصائيات رسمية ان اليمن يخسر في كثير من المجالات منها 5 مليارات ريال و26 مليون دولار في مجال الأدوية و15 مليار ريال في المكالمات المهربة إلى الخارج. وقد سبق ان كشفت احاديث صحفية لمسئولين في الحكومة خلال السنوات الأخيرة عن تهريب آلاف الأطنان إلى الخارج من الخضروات والعسل والأسماك والمخطوطات والآثار، ففي نوفمبر 2009 أوضح وزير الثروة السمكية آنذاك عن تهريب 40 ألف طن من سمك الحبار خلال عامين. وفي ديسمبر 2008 أفاد مركز الإعلام الاقتصادي عن كميات من البصل اليمني يتم تخزينه في الخارج ومن ثم إعادة تصديره إلى السوق اليمنية بأضعاف سره.. وفي سبتمبر 2012م ذكرت وسائل إعلامية ضبط 18 حالة تهريب قطع أثرية إضافة إلى تهريب أفارقة وأطفال, ويرى مصدر مطلع بمصلحة الجمارك ان الارتفاع الأكثر يشمل التهريب من داخل الوطن إلى الخارج على غرار الذهب والياقوت والنحاس والمشتقات النفطية التي لا تتوفر عنها احصاءات شاملة باستثناء رصد بعض العمليات عن تهريب المشتقات النفطية وفق ما اورده موقع (مأرب برس) خلال شهر واحد (اكتوبر 2006) بقمية 237 مليون دولار تقريباً وفي ديسمبر الماضي أشار ملتقى البترول خلال مؤتمر صحفي إلى اعفاءات لشركات بلا هوية بلغت 149 مليون دولار وكان نائب برلماني قد وجه سؤالاً في نوفمبر الماضي لوزير المالية عن الإجراءات المتخذة إزاء تهريب المشتقات النفطية. وبين الحين والآخر تعلن الأجهزة المختصة عن ضبط عمليات تهريب قطع أثرية فخلال عام 2005 اعلنت القبض على عصابة وصفتها بالمنظمة والخطيرة, وفي عام 2006 اعلنت ضبط 760 محاولة تهريب قطع أثرية ومؤخراً عملية تهريب قطع أثرية وطفلين وهو ما يوحي بارتفاع أنشطة التهريب إلى الخارج, وتساءل المصدر عن المسئول عن تهريب المعادن معتبراً ان اليمن يملك مخزوناً ضخماً من المعادن في ظل غياب دور الدولة للاستفادة من استخراجها.. وتعود قضية التهريب إلى عدة أسباب من أهمها حسب ما جاء في دراسة الدكتور قحطان ضعف الامكانيات لتغطية الحدود اليمنية وأيضاً ضعف أداء القضاء المتمثل في عدم قدرته على الفصل في المنازعات وعجزه عن تنفيذ ما يصدر عنه من أحكام.. وأوصت الدراسة بأهمية إعداد وحدات خاصة لمكافحة التهريب من العناصر الكفؤة والمشهود لها بالأخلاق والأمانة والنزاهة وتوهت إلى ضرورة إلزام رجال المال والأعمال بتطبيق المحاسبية والمالية بصورة سليمة كما أوصت بتقوية جهاز القضاء بالفصل بين السلطات وتنفيذ مختلف العقوبات. وفي المحصلة لا يمكن تفادي السؤال: من ينقذ اليمن من التهريب عابر الحدود.